الاقتصاد العراقي الكليملف الدولة الريعيّة

وليد خدوري: الدولة الريعية تحيي الديكتاتورية وتعيق التنمية المستدامة في العراق

حفل «المؤتمر العلمي الأول» لـ «شبكة الاقتصاديين العراقيين» في بيروت بمجموعة دراسات حول دور الريع النفطي العراقي في بروز ديكتاتوريات وسوء إدارة للحكم. ومن الأوراق البارزة تلك التي قدمها الاقتصاديان عادل عبد المهدي، نائب رئيس الجمهورية وزير المال السابق، وعدنان الجنابي، رئيس لجنة النفط في مجلس النواب.

قسّم عبد المهدي في ورقته المعنونة «الدولة الريعية: حاجز أساس أمام التنمية المستدامة» الاقتصاد الريعي العراقي إلى مرحلتين، مشيراً إلى التغير الجذري في فلسفة الحكم بعد عام 2003 عنها قبله، فوصف المرحلة الأولى (قبل 2003) بالاقتصاد الريعي الأحادي في ظل الانغلاق السياسي والحكم المطلق، إذ بلغ تعداد الجيش خلال السنوات الأخيرة لحرب الخليج الأولى أكثر من مليون مجند، من ضمنهم الجيش النظامي وقوات الجيش الشعبي والقوات السرية والخاصة. وبلغت النفقات العسكرية في حينه نحو بليون دولار شهرياً، أي أكثر من مجموع الواردات النفطية حينذاك، فيما بلغت قيمة الديون نحو 200 بليون دولار، إضافة إلى مقتل وتشوه مئات الآلاف من العراقيين وهجرة أعداد لا تقل عن ذلك، ما أفرغ البلاد من قوى ضخمة من الخبراء والاختصاصيين والعاملين.

ونتيــجـــة للحصار والعقوبات التي فرضها مجلس الأمن على العراق في 1990 بعد احتــــلال الكويت، خسرت البلاد نحو 14 بليون دولار سنوياً ونحو 70 بليوناً قيمة الصادرات النفطيــــة التــــي منِعت البلاد من تصديرها خــــلال التسعينات من القرن الماضي. وبلغت خســـائر الأصول والبنية التحتية خلال حربي الخليـــج الأولى والثانية نحو 684 بليون دولار، ما يعادل الناتج الوطني الإجمالي لنحو 29 سنة.

وأصاب الدمار المحطات الكهربائية، ما أثر سلباً في الإنتاج الكهربائي للبلاد لفترة طويلة. فالتصريحات الرسمية عام 2012 تتحدث عن إنتاج 7000 ميغاوات، منها 1000 ميغاوات مستوردة من تركيا وإيران مع حد أدنى من الطلب لن يقل عن 15000 ميغاوات، علماً أن نحو 30 بليون دولار أنفِقت على وزارة الكهرباء بين 2003 – 2011 وفق الموازنة، لكن المبلغ لن يقل عن نحو 70 بليون دولار إذا أضيفت النفقات الأهلية والمولدات الخاصة. وعلى رغم هذه المخصصات الضخمة، لا يزال المواطن العراقي المقيم في إقليم كردستان الذي استعان بشركات خاصة في توليد الكهرباء، يتسلم الكهرباء من دون انقطاع ليلاً ونهاراً، بينما لا يتسلم المواطن العراقي خارج الإقليم الكهرباء سوى لساعات معدودة يومياً، حتى في أيام الصيف، حين تفوق درجة الحرارة 50 درجة مئوية بعض الأحيان.

وأشار الجنابــــي في كتيـــب له وزعـــه أثــنـــاء المـــؤتمر، ملخصاً فيه أفكاره حول الاقتصـــــاد العراقي، ومن خلال مناقشاته الكثيرة حول الموضوع، إلــــى أن العراق سيستمر في المعاناة مــــن بروز الديكتاتــــوريات ما دام الريع النفطي يصب عند «الرجل القوي» في بغــــداد، ويقتـــرح الجنابـــي تنويع توزيع الدخل، ليصب أكثـــر وأكثر في المحافظات، إضافة إلى بغداد، من خــــلال تنفيذ فعلي وعملي للنظام الفيديرالي الـــذي تبناه العراق بعد 2003، وإلا فلا محالة من بروز ديكتاتورية جديدة، كما يبدو الوضع الآن، إذ يسيطر رئيس الوزراء نوري المالكي على المقاليد السياسية والعسكرية والأمنية للحكم، إضافة إلى الريع النفطي.

وذكر الجنابي أن «ملكية الدولة للثروات المنجمية جعلت الدولة في موقع المالك المتسلط، لا في موقع الحاكم المحتاج إلى المحكوم في نفقات الدولة وفي دخله الشخصي». ولفت إلى أن العراق «حاول بعد تدفق الريع النفطي في بداية الخمسينات، اللجوء إلى نموذج تنموي يحمي الدولة من عواصف هذا الريع المتدفق. وكان مجلس الإعمار تجربة رائدة في المنطقة، وهو هيئة فنية فيها درجة عالية من المهنية والاستقلال. وخُصِّص 70 في المئة من إيرادات النفط لهذا المجلس، و30 في المئة من إيرادات النفط فقط للموازنة العامة التشغيلية للحكومة. لكن سرعان ما أطاح الانقلاب العسكري لعبدالكريم قاسم هذا النموذج، وأخذ الريع النفطي الخارجي يزحف تدريجاً إلى خزائن الحكم، وعصف بمؤسسات الدولة، ودفع بالعراق إلى صراعات مدمرة على المال والسلطة، حتى استقرت البلاد في نهاية السبعينات بيد شخص واحد يملك زمام البلاد والعباد».

وأضاف الجنابي: «عنــــدما يصل الحاكم إلى هــــذه الدرجة من التسلط، ينزلق مع النمــــوذج التنموي الفاشل إلى الديكتاتورية. وهي متلازمة لا تنكسر بسهولة: الدخل الريعي الذي يغري الحاكم بأنه يملك المحكوم، ويمنع قيام نموذج تنموي ناجح، وانعدام التنمية الاقتصادية والبشرية الذي يؤدي إلى التوسع فــــي الأجهزة القمعية، وتتحول الجيوش من الدفاع عــــن الوطن إلى أدوات قمعية داخلية وأحياناً إلى أدوات لخوض مغامرات خارجية مميــــتة. وهذا ما فعله الشاه بإيران، ويتكرر علــــى يد الجمهورية الإسلامية في إيران. وهذا ما فعله القذافي، وهذا هو طريق صدام حسين».

وقال رئيس لجنة النفط في مجلس النواب: «ما أشبه اليوم بالأمس. لكن الوضع الراهن هو الأكثر رعباً. ونقول أكثر رعباً لأن تدفقات الريع النفطي أكبر، وهو أكثر رعباً لأننا بلا دولة، وأكثر رعباً لأن الاحتلال تركنا مقسمين إلى طوائف ومكونات، وأكثر رعباً لأن المنطقة تلتهب بما لا يحمد عقباه. إن المشهد العراقي يشهد أسوأ مظاهر الدولة الريعية».

* مستشار لدى نشرة «ميس» النفطية

المصدر: جريدة الحياة الأحد ٧ أبريل ٢٠١٣

http://alhayat.com/Details/500484

الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية

تعليقات (1)

  1. فاروق يونس
    فاروق يونس:

    الاقتصاد الريعى شيء والدولة الريعية شىء اخر
    العراق يمتلك احتياطيات نفطية هائلة وهذه نعمة ( واما بنعمة ربك فحدث)
    العراق وخلال عقود سابقة من الزمن تحول الى دولة ريعية وكانت تلك الدولة الريعية نقمة على العراقيين ( وما ظلمناهم ولكن كانوا انفسهم يظلمون )
    ما يزال الاقتصاد العراقى اقتصادا ريعيا وحيد الجانب ومن المحتمل ان يتحول الى اقتصاد شبه ريعى بجهود ابنائه خلال العقد القادم
    ليس من المتوقع ان بتحول العراق الى دولة ريعية يتصرف بترواتها ملك او اسرة او عشيرة او فئة او حزب واحد لان ذلك يخالف طبيعة التحولات الجارية فى مختلف بلدان العالم وان ما حصل من تحول فى العراق نفسه بعد عام 2003 ما هو الا تحول تاريخى طبيعى قابل للتطوير والتحديث والنمو المستمر نظرا لما يمتلكه العراق من ثروات بشرية وثروات مادية ظاهرة وكامنة
    عانى العراق من الانقلابات العسكرية وكان انقلاب بكر صدقى اول انقلاب عسكرى فى البلاد العربية وعلى مجلس النواب العراق اعتبار تشريع قانون الاحزاب حجر الزاوية لبناء الديقراطية فوجود الاحزاب الوطنية احدى الضمانات لمنع الانفراد بالسلطة
    ان انجاز وزارة التخطيط لخطة التنمية 2013-2017 وتحمس المواطنين واجهزة الدولة لتنفيذ هذه الخطة يساعد على تحويل الاقتصاد العراقى من اقتصاد ريعى الى اقتصاد صناعى – زراعى متنوع
    فى التقاليد الهندية يتم حرق جثة المتوفى وحصل ان توفى رئيس احدى القبائل الهندية فرت عربة على اهل القرية للتبرع بالوقود فلم يقدم احدا شيئا من الوقود لان الجميع قال ان هناك الكثير من المتبرعين الذين يكفى ما
    يتبرعون به لحرق الجثة
    ومثل هذا يحصل احيانا عندنا لم نسمع قيام احد الميسورين ببناء مدرسة او عيادة شعبية صغيرة ولكنه يقول بكل ثقة الحكومة تكفى وهكذا نرى مئات القرى العراقية دون مدارس او عيادات شعبية ان مثل هذه المواقف تساعد على الاعتماد الكلى على الدولة وبالتالى تقوية الميل نحو ظهور الدولة الريعية

اترك رداً على غير معروف إلغاء الرد

%d مدونون معجبون بهذه: