النفط والغاز والطاقةجدل اقتصادي

د. علي مرزا: تعقيب: استغلال الغاز الطبيعي في العراق ومجالات استخدامه

Iraqi Economists Network

إن الوصول إلى قرار حول تصدير الغاز أو حجم التصدير وسعره أو إطاره التعاقدي ينبغي أن يعتمد على نظرة متأنية ومقارنة احتمالات تنفيذ العقود الإنتاجية النفطية والغازية (في جولات التراخيص) ومشاريع البنية الأساسية، من ناحية، والتحليل الاقتصادي لمجالات استخدام الغاز بنظرة طويلة الأمد، من ناحية أخرى. ومن الواضح أن هناك أراء متعددة وليس رأي غالب واحد في هذا المجال. وقد تكون الملاحظات التالية مناسبة:

(1)  يتوقع الملخص التنفيذي “للإستراتيجية الوطنية المتكاملة للطاقة”، Integrated National Energy Strategy, INES، وجود فائض ملموس من الغاز (الذي يمكن استغلاله) خلال الفترة 2015-2030 بعد إشباع كامل الحاجات المحلية للغاز والتي تم التوسع في تحديدها في الملخص التنفيذي. وفي سيناريو مركزي (Central Scenario) لإنتاج النفط في تقرير الوكالة الدولية للطاقة International Energy Agency عن العراق (أيلول 2012) يبدأ تصدير الغاز في 2021 بحوالي 0.45 مليون قدم مكعب قياسي يومياً (مقمق/ي) ويرتفع تدريجياً حتى يصل إلى 1.94 مقمق/ي في 2035. ويضاف ذلك إلى حاجات محلية، حسب تقرير الوكالة، تصل إلى 6.73 مقمق/ي في 2035 (المجموع 8.67 مقمق/ي في 2035). ويبين التقرير أن تحقق هذا المسار مرتبط ببذل جهود كبيرة وإصلاحات هيكلية ومؤسسية وتنفيذ استثمارات على جبهة واسعة في المجال الغازي/النفطي. ولقد ورد في تقرير الوكالة أن إنتاج الغاز المصاحب حسب السيناريو المركزي لن يكون كافياً لإشباع الحاجات المحلية والتصدير، بالكميات المبينة أعلاه، مما يستدعي، حسب التقرير، تطوير مصادر الغاز غير المصاحب الذي ينبغي ان يكون إنتاجه مساوياً تقريباً لإنتاج الغاز المصاحب في 2035، ومعظم الزيادة في الغاز غير المصاحب تكون في إقليم كردستان. أما في مقالي المنشور فيEnergy and Geopolitical Risk  في تش1، 2012، فالمرجح فيه تصدير غاز طبيعي مسال LNG بحوالي 0.6  مقمق/ي بعد 2018/2020 (إضافة لكميات قليلة فائضة عن الاستهلاك المحلي للغاز البترولي السائل LPG ومكثفات الغاز) كجزء من إنتاج مشروع غاز الجنوب.

(2)  في المقابل، هناك أراء ترجح عدم حدوث فائض، بل ربما حدوث عجز، في الغاز، مستقبلاً، خاصة إذا لم يتزايد الإنتاج النفطي بشكل كبير ولم يتم التطوير اللازم في الغاز غير المصاحب ومشاريع البنية الاساسية. بحيث قد نصل إلى حالة من شح الغاز للاستخدامات المحلية خاصة توليد الطاقة الكهربائية والصناعات كثيفة الاستخدام للغاز. ومما يمنح إسناداً لوجهة النظر هذه أن تنفيذ إعادة التأهيل والتوسعات في البنية الأساسية والتوسعات في الطاقات الإنتاجية النفطية/الغازية الواردة الإشارة أليها في الملخص التنفيذي للإستراتيجية الوطنية المتكاملة للطاقة وتقرير الوكالة الدولية للطاقة (وتنفيذ المشاريع عموماً في العراق) يأخذ وقتاً أكبر بكثير مما هو سائد عادة في الدول الأخرى، وهو بدوره وقت طويل. وستكون نتيجة ذلك الوصول إلى وضعية حرجة عند الدخول، الآن، في عقود طويلة الأمد لتصدير الغاز بأحجام قد لا يتوفر الغاز لإشباعها مستقبلاً (وفي ذات الوقت إشباع الحاجات المحلية) مما قد يُضطر فيه العراق إلى الشراء من السوق الخارجية بأسعار أعلى مما ورد في هذه العقود. وقد أشار لؤي الخطيب (2013) لهذه الاحتمالية.

(3)  ولكن خلافاً للعديد من الدول ذات الإمكانات النفطية/الغازية المحدودة، فإن تنفيذ مشاريع البنى الأساسية والنفطية/الغازية في العراق، سيتحقق، ولو بأغلب الظن آجلاً وليس عاجلاً، وسيتزايد الإنتاج النفطي بشكل كبير (وربما أيضاً تتزايد طاقة إنتاج الغاز غير المصاحب) مما قد يقود إلى فائض كبير في الغاز المصاحب. وسيقود ذلك بدوره إلى حرق كمية متزايدة من الغاز المصاحب في السنوات القادمة في حالة عدم توقع ذلك من الآن والتخطيط له بنظرة مستقبلية تتضمن العمل على بناء مشاريع البنية الأساسية اللازمة لمعالجته وتوجيهه نحو الاستهلاك المحلي والتصدير.

(4)  بالنتيجة فنحن في عالم غير يقيني/احتمالي حول العجز أو الفائض المستقبلي من الغاز. لذلك فإن الموقف الملائم هو في اتخاذ نظرة متوازنة للمستقبل لا تتأثر فقط بالاختناقات السائدة الآن أو في الأمد القصير: فنياً واقتصادياً وسياسياً، وإنما أيضاً الأمد المتوسط/الطويل. ويستتبع ذلك ضرورة التخطيط للمشاريع بما يستدني المخاطر المحتملة لأي نتيجة outcome (عجز أو فائض). ولا بد من التشديد هنا أن التخطيط الاحتمالي ينطوي على درجة من الخسارة/التبذير ولكنها ستكون أقل بكثير من الخسارة التي ستثار حين تتحقق النتيجة المغايرة غير المتوقعة أو غير المخطط لها.

(5)  إن القرار الاحتمالي/المتوازن النهائي يمكن أن يتم الوصول أليه من خلال دراسات متأنية تؤدي إلى وضع سيناريوهات عملية تقدم لمتخذ القرار ولا تستثني أي مجال. ومن ضمن ذلك تبني معيار عدم الدخول في عقود طويلة الأمد بأحجام لا ترجح الآفاق المستقبلية، الآن، إمكانية تنفيذها باحتمال عال. واعتقد أن تقريري الوكالة الدولية للطاقة عن العراق والاستراتيجية الوطنية المتكاملة للطاقة، مع الملاحظات التي أثيرت عليها، هي تقارير مناسبة كنقاط انطلاق.

(6)   أود في النهاية الإشارة إلى ما يلي:

(أ‌)    بالنسبة لأسواق التصدير المتوقعة للغاز العراقي يبدو ان العقود هي الطريقة الوحيدة المتاحة (مقارنة مع بيع في أسواق فورية في الولايات المتحدة وشمال أوربا واليابان/كوريا الجنوبية). الأمر المطروح هنا هو ليس الدخول في هذه العقود من عدمه وإنما الأحجام التي تتضمنها هذه العقود وأسعار التصدير. المطلوب هو عقود بأحجام يمكن توفيرها باحتمال عال مستقبلاً وبأسعار تعاقدية ترتبط بأسعار السوق.

(ب) يُفهم من بعض المختصين/المُعلقين بشأن الغاز العراقي، صراحة أو ضمناً، إعطاء الأسبقية على التصدير في إشباع “جميع” الحاجات المحلية بدون تحديد معايير الأسبقية، من ناحية، وبدون اعتبار واضح للجدوى الاقتصادية، من ناحية أخرى. وحتى أكون واضحاً، حول هذه النقطة، فإني أميل للاعتقاد أن إشباع حاجات الاستهلاك النهائي المنزلي (غاز سائل LPG وربما غاز الأنابيب للبيوت مستقبلاً) ومحطات الكهرباء ينبغي أن يكون اشباع ذو أسبقية أولى على التصدير. ولكن حتى هذه الحاجات يجب إشباعها بطريقة رشيدة وليس بطريقة تبذيرية تقود “للتسريب” إلى استخدمات غير مدعومة. بعد ذلك هناك نوعين آخرين من الحاجات المحلية. أولا، حاجات الصناعات التي تستخدم الغاز كلقيم ووقود، كالصناعات البتروكيماوية والأسمدة والحديد الاسفنجي، الخ. وثانيا،ً حاجات الصناعات كثيفة الاستخدام للغاز كوقود، كصناعة الألمنيوم وغيرها. إن إعانة/حماية هذه الصناعات يتطلب تخصيص غاز كافِ، بأسعار مدعومة، ولكن بشرط أن تحقق هذه الصناعات في الأقل واحدٍ من معيارين أساسيين. المعيار الأول: أن تحقق الصناعة المستهلكة للغاز المدعوم ربحاً ملموساً بالعملة الأجنبية (كلفة الفرصة البديلة). المعيار الثاني: أن تخدم هذه الصناعة، بدرجة مهمة وكفوءة، بشكل مباشر أو غير مباشر، الترابطات الخلفية والأمامية للتطور الصناعي. وإذا لم يتحقق أحد هذين المعيارين خلال فترة معقولة، تُحَدد مسبقاً، يتم تقليل درجة الحماية للصناعة/المنشأة التي تتخلف (أي رفع سعر بيع الغاز لها). لا ينبغي تكرار تجربة العقود السابقة في استمرار حماية صناعات/منشآت كسيحة، لأمد غير محدود، بحجة حماية صناعات محلية حتى في حالة انخفاض كفاءتها.

المصــادر

حمزة الجواهري (2013) ”الغاز العراقي على ضوء الاستراتيجية المتكاملة للطاقة“، شبكة الاقتصاديين العراقيين,  تموز.

لوءي الخطيب (2013) ”دروس وعبر – ملف الغاز وأثره على الاقتصاد العراقي“، شبكة الاقتصاديين العراقيين, 29 حزيران.

*) باحث إقتصادي

حقوق النشر محفوظة لشبكة الإقتصاديين العراقيين – تموز 2013

 لتنزيل ملف بي دي أف انقر هنا

الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية

تعليقات (2)

  1. Avatar
    علاء فريد ابراهيم:

    كل دول الخليج اسست شركات لصهر الالمنيوم مستفيدة من الغاز المصاحب او الغاز الحر ويستوردون خام اللامنيوم من استراليا ولا يحرقون هذا الغاز كما في العراق والغاز المصاحب لماذا لا نفعل كما تفعل دول الخليج ونستفاد من الغاز الفائض في انشاء مصاهر للمعادن للحديد واللامنيوم وباقي المعادن ونخلق قطاع صناعي جديد يخلق فرص عمل ويضيف دخل مالي جديد للدولة . وهذه الامارات والبحرين اصبحت في مقدمة الدول في انتاج سبائك الالمنيوم بانتاج يصل الى 1.5 مليون طن في السنة وسوف تصبح شركة البا البحرينية صاحبة اكبر مصهر ومنتج الالومنيوم في العالم سنة 2019 بعد التوسيعات التي ستقوم بها والامارات انتاجها 2.4 مليون طن وهي من ضمن خمس شركات عالمية في انتاج الالمنيوم وقطر بداءت في زيادة انتاجها وتصدير الانتاج الى امريكا واوربا . ف اين العراق من هذا المجال الاقتصادي الجديد الذي يعتبر الغاز هو العامل الاول في نجاحه ف لو توجه العراق الى مجال استغلال الغاز في انتاج وصهر المعادن لصبح من كبار المنتجين على مستوى العالم وهنالك دول مجاورة للعراق تريد استيراد الغاز من العراق عبر الانابيب وتعتبره ك تعويضات حرب وتستثمره هي في انتاج الكهرباء او قد تفكر في انتاج الالمنيوم وتصدره وتستفاد من الغاز العراقي الذي كان يجب علينا التفكير كثيرا قبل التوقيع على عقود تصدير هذا الغاز الثمين الذي يجب التوقف عن تصديره واستثماره في داخل العراق

  2. Avatar
    خالد اسماعيل ناصر الولي:

    خالد اسماعيل ناصر الولي
    تعليقك فى انتظار موافقة المدير.
    نشر 11 أغسطس، 2013 فى 10:00 مساء
    ان صناعة الغاز تحتاج الى تاسيس لجنة مشتركة من وزارة النفط و وزارة الصناعة و المعادن و وزارة العلوم و التكنلوجيا لغرض وضع اليات تنظيم عمل مشاركة واسعة من قبل الصناعة و المعادن و العلوم و التكنلوجيا مع وزارة النفط لكون الغاز العراقي بحاجة الى امكانيات هائلة كون الغاز مشابه للنفط من حيث الوفرة و التنوع و الاحتياج
    و اقترح عقد لقاء بين شركات الغاز العراقية الثلاثة الوسط و الجنوب و الشمال و وشركات وزارة الصناعة و المعادن و منها ابن الوليد و التحدي و الصناعات الكهربائية و نصر و صلاح الدين و العز و ذات الصواري و الكندي و جابر بن حيان و الاخاء و الربيع و الفداء و الكرامة و التصاميم و الاستشارات و التصميم و الانشاء الصناعي و التنمية الصناعية والرشيد و المنصور و( الاسمدة الشمالية و الجنوبية و الفوسفات علما انها شركات منتجة للاسمدة و تحتاج الغاز بشكل كبير و حاليا هن من الشركات الرابحة بوزارة الصناعة و المعادن و تيحتاجون الغاز بشكل يومي ) النعمان و المعدات الهندسية الثقيلة و الميكانيكية و السيارات الكهربائية ديالى و ابن ماجد و البتروكيمياويات و الورقية و الصوفية و النسييجية و الانشائية و السمنت و الالبان و التعدينية و الفرات والفارس و الشهيد و البحث و التطوير الصناعي و دائرة بحوث المواد -وزارة العلوم و التكنلوجيا و دائرة بحوث المياه و الطاقة
    و تشكل فرق على مستوى محافظات العراق كافة لغرض البدء بحملة كبيرة و النهوض بصناعة الغاز بالعراق
    و هذه تكون البداية لامتصاص البطالة الكبيرة للعاطلين عن العمل حيث يمثل الغاز عصب مهم مشلول بالاقتصاد العراقي حاليا في حالة البدء بهذا البرنامج اتوقع سوف يشهد الاقتصاد العراقي نهوض حقيقي للصناعة الغازية
    و ارجو تسليط الضوء من قبل الاخوة الاقتصاديين على هذا الموضوع و جمع الاطراف اعلاه في اجتماع موسع يضع الخطوط العريضة للبدء بهذا البرنامج الوطني حيث نشاهد الان صناعة الغاز حاليا من البداية الى النهاية يوجد بها جهد وطني متواضع جدا لا يتناسب مع امكانيات العراق و الموارد الغازية التي تشابه النفط
    مع فائق التقدير و الاحترام
    خالد اسماعيل ناصر الولي
    http://www.navigatoriraq.com

اترك رداً على علاء فريد ابراهيم إلغاء الرد

%d مدونون معجبون بهذه: