أبحاث نظرية في الفكر والتاريخ الإقتصاديالمكتبة الاقتصادية

عرض كتاب: مراد آيگون، الحرب والسلام والازدهار باسم الله: الدور العثماني في التطور الاجتماعي-الاقتصادي لأوروبا

كاتب العرض: جاريد روبين، قسم الاقتصاد، جامعة تشابمان (**)
ترجمة العرض: مصباح كمال
 
يقدم مراد آيگون، جامعة كولورادو، في كتابه الحرب والسلام والازدهار باسم الله نظرية رائعة حول النتائج السياسية والاجتماعية والاقتصادية للتوحيد monotheism في التاريخ الاقتصادي العالمي. أطروحة آيگون الأساسية هي كالآتي: التوحيد جيد للاستقرار الاجتماعي لأنه يسمح بقيام احتكار أكليريكي له القدرة على إضفاء الشرعية على الحكم وتقييده؛ بالتالي فإن المجتمعات التوحيدية تستمر لفترة أطول وتتوسع بسرعة أكبر؛ ولكنها، في نهاية المطاف، تتواجه مع بعضها البعض، كما أن أهمية مبدأ “الإله الواحد الحق” في عقيدة التوحيد – العنصر ذاته الذي يجعل الأنظمة السياسية التوحيدية ناجحة جداً في المقام الأول – يعني أنها أكثر عُرضة للدخول في حيز الصراع حال مواجهة بعضها البعض. والنتيجة هي أن الأنظمة السياسية التوحيدية هي قوية، ولكنها تتميز بالصراع المستمر على الدين – وهو ما يطغي على أنواع أخرى من الخلافات بين المتدينين [التابعين لنفس الدين]. ويقدم آيگون تحليلات امبيريقية مقنعة لإثبات صواب أطروحته.
 
يعرض آيگون أطروحته الأساسية في الفصل 1، مستشهداً بمجموعة مثيرة للإعجاب من المؤلفات ذات الصلة من علوم الاقتصاد والاجتماع. يضم الفصلان 2 و 3 بعض البيانات المستخدمة لدعم الأطروحة وتقديم الخلفية التاريخية للأديان التوحيدية الرئيسية الثلاثة (الإسلام والمسيحية واليهودية). ويبين آيگون أنه منذ تأسيس اليهودية، استمرت الأنظمة السياسية التوحيدية لفترات أطول وكانت أكبر، في المعدل، من الأنظمة السياسية غير التوحيدية. ويركّز في بقية الكتاب على اثنين من الديانات التوحيدية الأكثر نجاحاً، الإسلام والمسيحية.
 
يقترح المؤلف في الفصل 4 نموذجاً للإنتاج والصراع. فعلى ضوء الافتراضات بأن التوحيد يُمكّن من تحقيق الاستقرار ويُكمّل الدفاع الوطني – فإن من المرجح أن ينشأ الصراع بين الأنظمة السياسية المختلفة في دياناتها، في حين يتقلص الصراع بين التابعين لنفس الدين (الذين هم أكثر عرضة للدخول في تحالفات مع بعضهم البعض لمحاربة التهديدات الخارجية).
 
في الفصل 5 توضع هذه النظرية في السياق المحدد للتاريخ العثماني، ويدور بقية الكتاب حولها. يقدم التاريخ العثماني أرضية مثالية لاختبار هذه النظرية، إذ كان العثمانيون على اتصال دائم وصراع مع أوروبا المسيحية، وكانت إيديولوجية الغزو (الحرب المقدسة) [الجهاد] – المرتبطة بعقيدة “الإله الواحد الحق” التي تشغل مكان القلب في نظرية آيگون – مسؤولة إلى حد كبير عن التوغل العثماني إلى أوروبا.
 
يركز الفصل 6، الذي يلخص ورقة آيگون الممتازة “لوثر وسليمان” المنشورة في المجلة الفصلية للاقتصاد Quarterly Journal of Economics، على دور الاجتياحات العثمانية في أوروبا في نجاح [حركة] الاصلاح Reformation، وبشكل أعم، دورها في الصراع البيني الأوروبي. ويقول إن الصراعات داخل العقيدة بين العثمانيين والأوروبيين كانت تشكل تهديداً وجودياً للأوروبيين، ولذلك كانت الموارد الأوروبية موجهة نحو منع المزيد من عمليات التوغل العثماني في القرن السادس عشر. وكان هذا بالضبط ما كان لازماً لإطلاق الإصلاح [الديني]؛ وعلى عكس البدع السابقة، فإن الحكام العلمانيين لم يمتلكوا الموارد اللازمة لقمع الحركة البروتستانتية لأن مواردهم كانت مستخدمة لدرء التهديد الوجودي الذي فرضه الأتراك. ويمضي آيگون بالقول إن الحركة المضادة للإصلاح لم تبدأ فعلاً إلا بعد معركة ليبانتو Battle of Lepanto (1571) التي دمرت الجيش التركي. وتتماشى هذه الأفكار كثيراً مع النظرية: عندما تكون الصراعات بين الأديان ضاغطة، تهدأ الصراعات داخل العقيدة من أجل محاربة العدو المشترك (الذي يحمل عقيدة مختلفة).
 
ويضيف الفصل 7 المزيد من الدعم للنظرية، مع استخدام ذكي للمعطيات عن الأمهات الملكات العثمانيات. ويستغل آيگون حقيقة أن العديد، ولكن ليس كلهنَّ، من الملكات الأمهات كنَّ من أصل أوروبي. وهو يقول انه إذا كانت الثقافة في الواقع مسألة ذات أهمية، عليه فإن الملكات الأمهات ذوات الأصول الأوروبية ينبغي أن ترتبطن باجتياحات عثمانية أقل لأوروبا، ولكن لا علاقة لها بالصراع العثماني في الشرق. وهذا هو بالضبط ما يجده: فقد تم التحفيف من التوسع نحو الغرب بنسبة 70% في وجود ملكة أم [من أصول] أوروبية، كما أن الأصل الجغرافي للملكة الأم يمكن أن يفسر 40% من التباين في الصراعات العثمانية.
 
الفصول الأربعة النهائية تحاول ربط الحجة التاريخية مع النتائج في العصر الحديث. الفصل 8 يعرض البيانات التي تشير إلى أن المزيد من الصراع بين المسلمين والمسيحيين في الماضي يعني تنوعاً دينياً أقل اليوم. ويقدم الفصل 9 أملاً مبطناً لهذه النتيجة، مشيراً إلى أن الصراع الإسلامي-المسيحي الماضي يرتبط ارتباطاً إيجابياَ مع نوعية الأنظمة السياسية الحاكمة في الوقت الحاضر (باستخدام معطيات إحصائية للحكم على الأنظمة السياسية). ويناقش الفصل 10 العديد من المناهج التي اقترحها علماء الاجتماع في بيان أن حركة الإصلاح الديني قد أثرت على حصيلة التطورات في العصر الحديث. هذا هو النقاش اللازم، لأن آيگون يقدم أدلة قوية تؤكد دور العثمانيين في نجاح الإصلاح. ولذلك فإن إي ربط بين البروتستانتية والنمو الاقتصادي فيما بعد يمكن أن ينظر إليه كنتيجة غير مقصودة للتوسع العثماني. ويلخص الفصل الختامي لماذا يكون التركيز على الإمبراطورية العثمانية مثمراً في فهم السؤال بشأن تأخر الشرق الأوسط في نهاية المطاف أمام أوروبا.
 
لقد تعلمتُ الكثير من قراءة هذا الكتاب. فعلاوة على كون قراءته غاية في السهولة، فإنه يوفر مثالاً رائعاً لكيفية تلخيص كميات كبيرة من البيانات بطريقة مفهومة ومقنعة على الفور. لكن لي ملاحظتين نقديتين صغيرتين على الكتاب، وأنا أؤكد انهما صغيرتين. الأول هو أن اليهودية تلعب دورا أساسياً في نظرية الفصول الثلاثة الأولى ولكنها بالكاد تذكر بعد ذلك. إن هذا الكتاب معني إلى حد كبير بالصراع الإسلامي المسيحي (والصراعات داخل الدين الإسلامي والمسيحي)؛ وليس من الواضح إن كانت اليهودية ذات صلة بحججه الأساسية. والملاحظة الصغيرة الأخرى هي رغبتي أن أرى آيگون موسعاً لأطروحته. إن هذا الكتاب هو إلى حد كبير كتابٌ في “التفكير الكبير”، ولكنه لا يعالج حقاً أسئلة “التفكير الكبير” الأساسية التي تشغل بال المؤرخين الاقتصاديين لهذه المنطقة ولهذه الفترة: “لماذا كانت أوروبا السباقة في التحديث؟” و “لماذا فشلت الإمبراطورية العثمانية في التحديث؟” آيگون لا يشغل نفسه بالتكهن في الفصل الختامي بالأسباب التي أدت إلى تكلس الإمبراطورية العثمانية. كان بإمكانه أن يذهب أبعد من ذلك، فمن الواضح أنه كان في طريقه إلى الكشف عن آلية هامة تربط الدين، والصراع، و(في المطاف الأخير) النمو الاقتصادي. ولذلك أريد أن أقرأ المزيد عن الجزء الأخير [النمو الاقتصادي] من هذا الترابط. ولكن ربما مطلبي هذا هو مجرد كوني أنانياً – إذ أن ما أطلبه قد يكون مادة جيدة لكتاب آخر. وعلى أي حال، فإن ما عمله آيگون هو أكثر من كافٍ لإقناع القارئ بالروابط المهمة والدقيقة بين عقيدة التوحيد، والصراع، والنتائج على المدى الطويل.
 
Jared Rubin is an Associate Professor of Economics at Chapman University. His forthcoming book, Rulers, Religion, and Riches: Why the West Got Rich and the Middle East Did Not (2016, Cambridge University Press), explores the role that religious legitimacy of political rule played in determining the long-run economic trajectories of Western Europe and the Middle East.
 
جاريد روبين هو أستاذ مشارك في الاقتصاد في جامعة تشابمان. عنوان كتابه المقبل هو الحكام والدين، والثروات: لماذا اغتنى الغرب ولم يغتني الشرق الأوسط (2016، مطبعة جامعة كامبريدج)، يستكشف فيه الدور الذي تلعبه الشرعية الدينية للحكم السياسي في تحديد المسارات الاقتصادية على المدى الطويل في أوروبا الغربية والشرق الأوسط.
 
(*). شيكاغو: مطبعة جامعة شيكاغو، 2015. عدد الصفحات 19+195، 55 $ (تجليد فني)، ردمك ISBN: 978-0-226-38843-4
Murat Iyigun, War, Peace and Prosperity in the Name of God: The Ottoman Role in Europe’s Socioeconomic Evolution. Chicago: University of Chicago Press, 2015. xix + 195 pp. $55 (hardcover), ISBN: 978-0-226-38843-4.
 
Reviewed for EH.Net by Jared Rubin, Department of Economics, Chapman University.
 
(**) نشر العرض الإنكليزي في موقع شبكة التاريخ الاقتصادي، آب/أغسطس 2015.
 
حقوق النشر محفوظة لشبكة الاقتصاديين العراقيين. يسمح بالاقتباس وبأعادة النشر بشرط الاشارة الى المصدر. شبكة الاقتصاديين العراقيين 9/9/2015
 

الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية

التعليق هنا

%d مدونون معجبون بهذه: