الاقتصاد العراقي الكلي

د .مدحت القريشي: الازمة المالية والاقتصادية الراهنة ومسألة سعر صرف الدينار

مقدمة
يعاني العراق حاليا ازمة مالية واقتصادية، وبشكل خاص منذ بداية انخفاض اسعار النفط العالمية في صيف عام 2014، حيث بدات اسعار النفط العالمية بالانخفاض من اعلى مستوى بلغته وهو 120 دولار للبرميل لتصل الى 30 دولار وحتى دون ذلك وما تبعها من انخفاض كبير في عوائد الصادرات النفطية. وقد تزامن هذا الانخفاض مع المشكلات الاقتصادية الاخرى المزمنة، وهي الغياب شبه التام للقطاعات الانتاجية السلعية كالصناعة والزراعة فضلا عن تردي الخدمات الاساسية، وانعكاس كل ذلك على الميزان التجاري والموازنة العامة والاحتياطي من النقد الاجنبي والبطالة والفقر وحياة المواطنين. وقد بلغ الامر الى حد الخشية من احتمال عدم القدرة على تأمين رواتب الموظفين والمتقاعدين خلال الاشهر القادمة. ومما زاد الامر تعقيدا هو المواجهة والقتال مع الجماعات الارهابية التي تسيطر على بعض المناطق الغربية والشمالية من البلاد والانفاق الكبير الناتج عن ذلك فضلا عن تاثير الفساد المالي والاداري المستشري في جميع مفاصل الدولة وعمليات تهريب الاموال خارج البلد.

ومن الطبيعي ان ينعكس مثل هذا الوضع على تزايد العجز في الموازنة العامة وعلى سعر صرف الدولار الامريكي في السوق العراقية (وبالمقابل انخفاض قيمة الدينار مقابل الدولار). ونتيجةلانخفاض اسعار النفط العالمية وتناقص العوائد من العملة الاجنبية فقد بدأ البنك المركزي بتقليل الكميات المعروضة والمباعة من الدولار في مزاد العملة الاجنبية، ولاسيما بعد صدور الموازنة العامة لسنة 2015 والمادة 50 منهاوالتي حددت سقفا اعلى لمبيعات البنك المركزي من الدولار للقطاع الخاص وذلك حفاظا على حجم الاحتياطي من النقد الاجنبي لدى البنك المركزي. وقد ادى ذلك الى ارتفاع سعرصرف الدولار مقابل الدينارفي السوق وحدوث بعض الارباك في السوق المحلية.

وازاء ارتفاع سعر صرف الدولار وتصاعد العجز في الموازنة الى مستويات عالية جدا فقد برزت مطالبات ومقترحات من مختصين وخبراء اقتصاديين وسياسيين لمعالجة سعر صرف الدولار وتبني وسائل مناسبة لتغطية العجز في الموازنة او على الاقل تقليصه الى حدود مقبولة.

ورغم ان الحكومة قد اتخذت عددا من الاجراءات لخفض النفقات العامة مثل فرض بعض الضرائب والرسوم الجمركية على المستوردات وتخفيض رواتب الرئاسات الثلاث وفرض وزيادة الرسوم المفروضة على بعض الخدمات التي تقدمها الدولة للمواطنين، ثم توسعت الاجراءات لتشمل استقطاع نسبة من رواتب الموظفين والمتقاعدين، تفكر الدولة باستغلال ممتلكات واراضي الدولة لتوليد الاموال للميزانية العامة. الا ان جميع هذه الاجراءات لم تكن كافية ولا تتناسب مع حجم المشكلة ولازلنا بحاجة الى اجراءات اخرى جذرية مثل محاسبة الفاسدين وسراق المال العام واسترداد الاموال المسروقة والمنهوبة وترشيق الوزارات والجهاز الاداري بشكل جدي. الا ان هذه الاخيرة تواجه مشكلة كبيرة وذلك بسبب معارضة الكتل السياسية لمثل تلك الاجراءات لانها تمس مصالحها. لهذا فان المشكلة تبقى قائمة بانتظار الحسم.
وبخصوص سعر صرف الدولار، فقد طرح البعض مقترحا لتبني سياسة مخططة لتخفيض قيمة الدينار وهو ما يعرف بالمصطلح الاقتصادي Devaluation ) ) على ان يكون بشكل تدريجي وذلك من ضمن الحلول الاخرى المقترحة لمعالجة بعض المشكلات الاقتصادية الراهنة. وقد عارض البعض هذا المقترح بشكل مطلق فيما عده البعض الاخر بانه اخر الحلول. ولهذا ارتاينا ان نستمر بالنقاش عسى ان نتوصل الى قناعة مشتركة بشان الموضوع.

وتجدر الاشارة الى ان تخفيض قيمة الدينار له تاثيرات ايجابية واخرى سلبية، وسوف نناقش هذه التاثيرات على الاقتصاد الوطني وعلى بعض المؤشرات الاقتصادية في ادناه .

لمواصلة القراءة يرجى تنزيل المقال كملف بي دي أف سهل الطباعة بانقر على الرابط التالي

Medhat Quraishi-Current financial and economic crises and the exchange rate-final

الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية

تعليقات (3)

  1. Avatar
    مسعود جاسم:

    تحية للكاتب المحترم
    تخفيض قيمة الدينار العراقي بشكل تدريجي او بخطوات واسعة ضروري جدا لتخفيف العبئ على ميزانية العراق وقبل استنفاذ كامل الاحتياطي النقدي والفائدة من ذلك اكبر بكثير من الاضرار الناجمة
    وعاجلا ام اجلا سيلجأ البنك المركزي الى اجراء عملية تخفيض قيمة الدينار ولكن قد يفعلها بعد اهدار الاحتياطي النقدي في عملية عناد لاطائل منها سوى تأجيل المحتم

  2. مدحت القريشي
    مدحت القريشي:

    الزميل العزيز منذر
    شكرا على اهتمامك بالمقالة وابداء ملاحظتك ،وانني اتفق معك كليا من ان سعر صرف الدينار مدعوم وكما ذكرت انت مصنوع من قبل البنك المركزي وهذا ما ذكرته وربما لم اعبر عنه بالقوة التي ذكرتها انت .وقد كنت قد تساءلت في المقالة ماذا سيحدث لو استنفذ الاحتياطي فما عسى البنك المركزي ان يفعل وسوف تهبط قيمة الدينار بشكل كبير .مع تقديري لكم .د . مدحت القريشي .

  3. Avatar

    تحية للاستاذ الكاتب .ولدي ملاحظة بسيطة وهي أن سعر صرف الدينار ليس مدعوما من البنك المركزي فحسب وانما هو مصنوع بشكل كلي من البنك المركزي .. وهذا يعني انه لو اوقف امداد السوق بالدولار لانخفضت قيمة الدينار الى الحضيض . فلاشئ في الاقتصاد العراقي ما يسند قيمة الدينار من سلع يمكن تصديرها أو خدمات تجلب لنا عملة اجنبية ذات بال ولا سلع محلية يمكن ان تعوض المستوردات . فلو تخيلنا توقف الصادرات النفطية فلن يكون امامنا سوى استنفاد الاحتياطي النقدي ثم لايكون بعد ذلك سوى الخراب. وعلى الدولة منذ الان بشكل جدي بتأمين احتياطي ستراتيجي من الاغذية الضرورية لادامة الحياة حتى تنقضي الازمة وحتى تتمكن الحكومة من احداث الاصلاحات المطلوبة ثم جني ثمارها .. ولا ارى ان الحكومة قادرة على فعل شئ . وذلك هو البؤس بعينه . فكما يبدو لي ان المتنفذين ماضون في احتلاب الضرع حتى جفافه تماما ثم يمضون لايلوون على شئ .

اترك رداً على Mundhir إلغاء الرد

%d مدونون معجبون بهذه: