السياسة النقدية

حاتم جورج حاتم: استقرار سعر الدينار العراقي مقابل الدولار: هل هو حقا ضرورة تنموية

حاتم جورج حاتم*: استقرار سعر الدينار العراقي مقابل الدولار:
هل هو حقا ضرورة تنموية[1]

مدخل

 
تبنى البنك المركزي العراقي مبدأ “تحقيق الاستقرار في الاسعار المحلية” كأحد اهدافه الرئيسية.[2] ويبين البنك الدولي في سياق مراجعته للقطاع المالي العراقي بـ “ان سعر الصرف الاسمي يعد الاداة الرئيسة لتنفيذ السياسة النقدية في العراق لتأمين الاستقرار السعري ….”[3]  ويعمل البنك المركزي جاهدا منذ سنة 2009 ولحد الوقت الراهن على الحفاظ على استقرار سعر الدينار مقابل الدولار (اي على تذبذبه ضمن حدود ضيقة(.  ولتأمين هذا الاستقرار يتولى البنك المركزي ضخ كميات مناسبة من الدولار تؤمن اشباع الطلب على هذه العملة ضمن المجال السعري المقبول من قبله.  ويلاحظ المتابع ان سعر الدينار مقابل الدولار الامريكي (وفق مزاد/نافذة البنك المركزي والسوق) كان ولا يزال يتذبذب بنسب بسيطة منذ سنة 2009 ولحد الآن (راجع الرسم البياني رقم 1 والجدول رقم 1 في الملحق).
ان هذا الالتزام من قبل البنك المركزي العراقي باستقرار سعر الدينار مقابل الدولار لا يجسد فقط ايمان هذه المؤسسة بان هذا الاستقرار يشكل احد الركائز الاساسية لتأمين استقرار الاسعار في الاقتصاد العراقي بل يعبر ايضا، ضمنيا، عن قناعتها بان الاستقرار السعري يدعم التنمية الاقتصادية.  الا انه من غير الواضح لماذا افترض عند صياغة السياسة النقدية العراقية ان الاستقرار السعري في العراق مرتهن دائما وابدا باستقرار سعر الدينار مقابل الدولار وبان استقرار الاسعار شرط ضروري لتحقيق التنمية.
  [1] يود الباحث الاعراب عن عميق امتنانه للدكتور نبيل النواب على ما تفضل به من ملاحظات على المسودة الاولى لهذه الورقة، ويود ان يؤكد في الوقت نفسه كامل مسؤوليته عن كل ما زال عالقا بها من نواقص وثغرات.
[2]   سلطة الائتلاف المؤقتة، قانون البنك المركزي العراقي، الامر رقم 56 الصادر عن سلطة الائتلاف المؤقتة، بغداد 2004، المادة 3، ص6.  متوفر على الموقع الالكتروني
http://www.niqash.org/uploaded/documents/CPA_Order_56_Central%20Bank%20Law.pdf
[3] The World Bank, Republic of Iraq Financial Review, undated, p. 7, accessible at http://siteresources.worldbank.org/INTMENA/Resources/Financial_Sector_Review_English.pdf
لمواصلة القراءة يرجى تنزيل البحث كاملاً بصيفة بي دي أف سهلة الطباعة. انقر على الرابط التالي
Hatim G. Hatim-Stability of Iraqi Dinar against the USD-final

الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية

تعليقات (12)

  1. Avatar
    كامل العضاض:

    كنت أود أن اضيف تعقيبا آخر حول الموضوع، ولكني كنت منهمكا في الكتابة لصديق متابع هو الأستاذ غظنفر الكندي الذي يشكك في جدوى مزاد البنك المركزي لبيع الدولار. ولقد رأيت أن أعطي المتحاورين الأفاضل حول موضوع زميلنا العزيز أستاذ جورج نسخة مما كتبت له، لعل في ذلك مساهمة ببعض التوضيح حول هذا الموضوع الهام. وشكرا.
    أخي وعزيزي أستاذ غظنفر، رعاك ألله
    تحية خالصة.
    آسف للتأخر في الرد على تساؤلاتك المعقولة والحصيفة حول دواعي ومضامين مزاد بيع الدولار في العراق من قبل البنك المركزي العراقي، حيث إرتبط هذا الأمر عندك بظاهرة الفساد المتفشي في العراق خلال السنوات الماضية والحاضرة، وأنه بدى لك، كبدعة لإسترباح المصارف الخاضعة لنفوذ المتحاصصين من خلال شراء الدولار بسعر يقل بنسبة مهمة عن سعر صرفه في السوق، وكذلك كوسيلة لتحويل دنانيرهم الى دولارات لتهريبها للخارج تحت يافطة الإستيرادات التي لا تتوفر آلية لدى البنك المركزي لتدقيق حجمها وقيمها بالمقارنة بمبالغ الدولارات المشتراة من أجلها. طبعا، يبدو لي أن ظنونك هذه ليست بعيدة عن الواقع، ولكن لابد لنا، لتبسيط شرح فلسفة هذه السياسة النقدية التي تبدو فريدة الآن في العراق، ان نبدأ بعرض مبسط لما يُسمى بالسياسة النقدية التي ينفذها البنك المركزي حاليا، وصولا الى تقويم صوابية هذه السياسة، نوجزها بالنقاط الآتية:
    1. ثبات سعر الصرف وعلاقته بالسياسة النقدية؛
    2. مضامين سياسة تثبيت قيمة الدينار العراقي، مقابل الدولار والعملات الأجنبية الأخرى؛
    3. علاقة السياسة النقدية بالسياسة المالية وبالسياسة الإنمائية الإقتصادية؛
    4. تقويم شامل لسياسة المزاد، مضامينها وآثارها ومضارها،وبديلها الممكن.
    ولشرح هذه النقاط، نفترض أن المفاهيم الأساسية للنقود ودورها، وما هوالمقصود بقدرتها الشرائية أو التبادلية ؟ وعوامل تحديد الأسعار أو الأثمان في الأسواق، ومفاهيم تتعلق بتآكل أوتصاعد القدرة الشرائية للنقود أو للدينار، كممثل عنها، وما يرتبط بذلك من ظاهرة التضخم وعلاقة العرض بالطلب وحجم الدخول القابلة للتصرف بها. سوف لا نخوض بشرح هذه المفاهيم، لان ذلك سيتطلب مباحث عدة لا مجال لها في هذه الرسالة. وعليه، سنحاول ان نقترب من الإجابة على تساؤلاتك الحصيفة، من خلال التعليق الموجز على وفق النقاط الأربعة آنفة الذكر.
    1. ثبات سعر الصرف وعلاقته بالسياسة النقدية؛ يحاول البنك المركزي إتباع سياسة لتثبيت سعر صرف الدينار العراقي مقابل الدولار، بهدف تثبيت قدرة الدينار العراقي الشرائية للبضائع والخدمات المنتجة والمستوردة، تجنبا للتداعيات التضخمية، في حالة إرتفاع الأسعار، سواء من خلال إرتفاع أسعار البضائع المستوردة والتي تشكل بما يقارب أكثر من 70% من إجمالي المعروض في الأسواق من البضائع والخدمات أو إرتفاع تكاليف الإنتاج المحلي. ومن هنا، صار البنك المركزي يلبي طلبات تحويل الدينار لعملة الدولار من أجل تمويل الإستيرادات. وبالنظر الى كون الإستجابة الى تحويل الدينار الى الدولار بسعر صرف ميسر، أي بسعر يقترب من سعر الصرف الرسمي، ولكنه يبقى أعلى من سعر صرف الدينار في السوق الموازي، حيث يباع الدولار من قبل البنك المركزي بسعر يقارب، 1,180 دينار للدولار الواحد للمستوردين أو للمصارف التي تحوّل لهم دنانيرهم الى دولارات، بينما يقارب سعر الصرف للدينار في السوق العراقي ال 1,300 دينار للدولار الواحد، مما يُخشى من أن يؤدي ذلك الى إستنزاف الإحتياطي من العملة الصعبة؛ من الدولارات أساسا. ما هو الهدف من هذه السياسة النقدية ؟ ولماذا يحاول البنك المركزي الحفاظ على سعر صرف للدينار مقابل الدولار ثابتا، رغم مخاطر إستنزاف العملة الصعبة ؟؟ سنحاول الإجابة على السؤال في النقطة الثانية؛
    2. مضامين سياسة تثبيت قيمة الدينار العراقي؛ هناك عدد من الإعتبارت الإقتصادية النقدية والإجتماعية لتثبيت سعر صرف الدينار مقابل الدولار، بإعتبار الأخير عملة دولية مستقرة ومقبولة في جميع التعاملات التجارية الدولية. أول هذه الإعتبارات ضمان إستقرار سعر العملة العراقية وإعتبارها قابلة للتحويل عالميا. وثاني هذه الإعتبارات هو محاولة تثبيت القوة الشرائية للدينار ومنع إنخفاضها لأن إنخفاضها سيؤدي الى إرتفاع الأسعار المحلية، أي الى توليد تضخم؛ ومعلوم أن التضخم يعني، وخصوصا بالنسبة لذوي الدخل المحدود أن القوة الشرائية للدينار تتآكل، اي تشتري كمية أقل من البضائع والخدمات، مما يؤدي الى إفقار مستوى الشرائح الواسعة من ذوي الدخول الواطئة. كما أن التضخم يؤدي الى زيادة تكاليف الإنتاج وربما الى جعل الإنتاج المحلي غير تنافسي في السوق التجاري العالمي. أضف الى ذلك، أن تداعي العملة العراقية محليا بسبب التضخم، سيؤدي الى تبني سياسة إستيرادية متشددة، أي تقليص الإستيراد لتقليل فاتورة التسديد بالدولار، لاسيما وأن التضخم المستورد هو أهم من التضخم المحلي الناشيء من إرتفاع تكاليف الإنتاج المحلي. بيد أن هناك من يدعون الى قبول تخفيض قيمة الدينار العراقي، سواء من خلال السماح بدرجة من التضخم و بتآكل القدرة الشرائية للدينار، ،(depreciation)أو العمل على إجراء عملية تقليص لقيمة سعر صرف الدينار مقابل الدولار، (devaluation) ! والمشكلة في تخفيض سعر صرف الدينار العراقي، سواء بطريق تقليص قيمة سعر صرفة، أو بطريقة السماح بتآكل قدرته الشرائية نتيجة إرتفاع الاسعار، لها مضامين إقتصادية وإجتماعية، فمن جهة، ان عدم إستقرار العملة الوطنية سيؤدي الى تقليص الإستثمارات الأجنبية، وربما يحبط الرغبة الإستثمارية لدى القطاع الخاص المحلي. كما أن تخفيض سعر صرف العملة العراقية أو تقليل قيمتها مقابل الدولار سوف لايؤدي الى تحقيق منافع تعويضية للإقتصاد العراقي! لماذا ؟؟ لأن الإقتصاد العراقي هو إقتصاد ريعي، يعتمد في إيراداته على مصدر أساسي وحيد تقريبا هو الإيرادات النفطية، وهذه تُدفع اساسا بالدولار، ولا تلعب العملة المحلية، الدينار، دورا في تحقيقها ابدا. كما لا ينتفع الإقتصاد العراقي من تحصيل عملات أجنبية من من صادراته غير النفطية، وذلك بالنظر لضئآلتها ولعدم أهميتها، كمصدر للعملة الصعبة !! وإذا ما أريد للإقتصاد العراقي أن يخرج من طوق الريعية، عليه ان ينمي نشاطاته الإنتاجية غير النفطية، وبالذات الزراعة والصناعة وبقية النشاطات أو القطاعات الإنتاجية المحلية. ولكن هذه العملية تستغرق وقتا غير قليل، ومع ذلك، يمكن تبني إستراتيجية تنموية تعطي أولوية لنمو القطاعات الإنتاجية غير النفطية، وبعدما ترتفع الصادرات غير النفطية يمكن التفكير في خفض قيمة سعر صرف الدينار مقابل الدولار، من أجل تشجيع تنافسية الصادرات غير النفطية. ولكننا نستغرب لغياب هذه الإستراتيجية، وتبدو لنا السياسة النقدية وكأنها لا تستند الى رؤية تنموية، حيث هي غير مرتبطة بالسياسة المالية، من جهة، ولا بإستراتيجية خطط التنمية، من جهة أخرى. ونلقي ضؤا سريعا على هذا الجانب في النقطة الثالثة أدناه.
    3. علاقة السياسة النقدية بالسياسة المالية والسياسة الإنمائية الإقتصادية؛ يعرف المختصون في شؤون التنمية بأن هذه العلاقة وثيقة جدا. فالإستراتيجية التنموية ترسم الأهداف العليا لتنمية مستدامة، تُخرج الإقتصاد العراقي من ريعيته، وذلك بتنمية القطاعات الإنتاجية غير النفطية، كالزراعة والصناعة، الى آخره، من جهة، بينما توفر السياسة المالية بدائل عن السياسة النقدية التي قد تركز على سياسات نقودية وسعر الصرف ومواجهات تضخمية وما شابه، من جهة أخرى. أما السياسة المالية، فيمكن أن توظف وسائل وسياسات مالية لتجنب مآزق السياسات النقدية. فمثلا، يمكن إستخدام التعريفة الجمركية لتحجيم الإستيرادات وآثارها السلبية على الإقتصاد العراقي. كما يمكن أن تستخدم حزمة من السياسات الضريبية المباشرة وغير المباشرة للسيطرة على حجم العرض والطلب في الإقتصاد العراقي. والسياسات المالية، كما هو معروف لها أدوار فاعلة لتحقيق نوع من التوازن في الإقتصاد العراقي. ولكننا للاسف نجد كثير من الإقتصاديين العراقيين يقيمون مرافعاتهم لهذا الغرض بالإعتماد شبه الكلي على السياسة النقدية، ومسأله تخفيض سعر صرف العملة العراقية، بينما يجب ان يكون هناك تساوق وتكامل ما بين السياسات النقدية والمالية في ضؤ إسترتيجيات عليا للتنمية. ونوجز بالنقطة الرابعة، كما يلي؛
    4. تقويم شامل لسياسة المزاد؛ أعتقد، بإختصار، بأن سياسة مزاد بيع الدولار،عموما، لا موجب موضوعي مهم لتبنيها. أولا، أن المحافظة على القدرة الشرائية للدينار العراقي لا تتطلب هذا الهدر أو الضخ غير المبرر للدولار، وبدون توفر رؤية تنموية متوازنة، كما اشرنا بالفقرة السابقة. ثانيا، يمكن الركون الى سياسات إعتماد ما يُسمى بسعر الصرف الطواف، floating rate of exchange، أي الذي يتذبذب أو يرتفع وينخفض حسب موجبات وسلبيات التعامل التجاري الخارجي. ولا يتسع المجال لتفصيل هذه السياسة. ولكنن الشواهد الموضوعية، أن المزاد يُستخدم من قبل القوى السياسية المتنفذة والمصارف المرتبطبة بها لتوظيفه لإستدرار الدولارات، بل وسرقتها من البنك المركزي بحجة الإستيراد، علما بأن البنك المركزي للأسف سائر في هذه اللعبة دون ان يضع المعايير الكافية لضبط التحويلات المطلوبة فعلا لإستيرادات حقيقة وليست وهمية أو مزيفة، و/او من اجل تهريب الأموال بالعملة الصعبة خارج البلاد. أن الموضوع يتطلب دراسات وتحريات دقيقة لكشف هذا الزيف الضار جدا في الإقتصاد العراقي ومستقبل التنمية فيه.
    وتقبلوا خالص تحياتي الأخوية
    كامل العضاض
    http://iraqieconomists.net/ar/2016/04/06/%D8%AD%D8%A7%D8%AA%D9%85-%D8%AC%D9%88%D8%B1%D8%AC-%D8%AD%D8%A7%D8%AA%D9%85-%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%B1-%D8%B3%D8%B9%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%8A%D9%86%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B9/

  2. farouk younis
    farouk younis:

    الاستاذ الفاضل الدكتور حاتم جورج حاتم
    اود ان اعبر عن خالص شكرى لاهتمامك بملاحظات السادة المعقبين ومنها ملاحظاتى العابرة على مقالاتك العلمية السابقة والمداخلات المهمة الحالية
    استاذى الفاضل
    سبق ان اجرى حوار شارك فيه بعض الاقتصاديين العراقيين على هذه الشبكة وكان هناك شبه اجماع على ان سعر صرف الدينار العراقى مبالغ فيه او مغالى فيه —-
    اريد ان اضيف هنا ان النقد الاجنبى ( الدولار ) بالنسبة للعراق كبلد نام ( محدد ) للتنمية وعليه ينبغى تخصيص جزء كبير نسبيا من العملة الاجنبية لاغراض الاستثمار وتاتى عملية تخفيض قيمة الدينار ضمن سياسة التنمية المستدامة
    مع خالص التقدير

  3. Avatar
    farouk younis:

    الاستاذ الفاضل الدكتور حاتم جورج
    ورد فى مقالك القيم ( ان الالتزام من قبل البنك المركزى العراقى باستقرار سعر الدينار مقابل الدولار لا يجسد فقط ايمان هذه الموْسسة بان هذا الاستقرار يشكل احد الركائز الاساسية لتاْمين استقرار الاسعار فى الاقتصاد العراقى بل تعبير ايضا ضمنيا عن قناعتها بان الاستقرار السعرى يدعم التنمية الاقتصادية )
    السوْال هو : كيف توصلت الى استنتاج بان البنك المركزى يهدف من استقرار سعر الدينار مقابل الدولار يعبر عن قناعته بان الاستقرار السعرى يدعم التنمية الاقتصادية ؟
    هل صرح البنك المركزى بعد 2003 بانه معنى بالتنمية الاقتصادية ام ان هدفه الاساس المحافظة على استقرار الاسعار
    هل ان هدف استقرار الاسعار حسب راى البنك المركزى ضرورة تنموية حسب راى البنك المركزى كما تقول ؟
    ارجو التوضيح – هل لديكم معلومات بان البنك المركزى يسعى الى تحقيق هدفين باداة واحدة : هدف استقرار الاسعار من جهة وهدف التنمية من جهة اخرى
    مع التقدير

    • حاتم جورج حاتم
      حاتم جورج حاتم:

      الاستاذ الفاضل فاروق يونس،
      ابتداء اود ان اعرب عن اعتزازي العميق باهتمامك بهذه الورقة البحثية، كما اود ان اشكرك على ما اثرته من تساؤلات في معرض تعليقك على الدراسة. آمل ان تساعد اجابتي المسردة في الفقرات ادناه في توضيح الامور.
      تحدد المادة (3) من قانون البنك المركزي العراقي رقم 56 لسنة 2004 اهداف البنك المركزي الرئيسية بـ: “تحقيق الاستقرار في الاسعار المحلية والحفاظ على نظام مالي ثابت يقوم على التنافس في السوق”، كما و”يعمل البنك المركزي بالتماشي مع الأهداف الأولى على “تعزيز التنمية المستدامة وإتاحة فرص العمل وتحقيق الرفاه في العراق”. ولتحقيق هذه الأهداف فرضت المادة (4) من نفس القانون على البنك المركزي تنفيذ 13 مهمة اساسية، منها صياغة السياسة النقدية وتنفيذها في العراق، بما في ذلك سياسة الصرف الاجنبي.
      يتضح من ذلك ان البنك المركزي العراقي معني بتحقيق الاستقرار في الاسعار المحلية، كما انه معني ايضا بتعزيز التنمية المستدامة بالتماشي مع الهدف السابق؛ وانه ايضا مطالب صياغة سياسة نقدية تؤمن تحقق ذلك. واعتقد انك تشاركني الرأي بان مفهوم التنمية الاقتصادية يقع ضمن الاطار المفاهيمي للتنمية المستدامة.
      ولقد استندت في ما ذهبت اليه بان البنك المركزي يركز على ’استقرار سعر الدينار مقابل الدولار كاداة لتأمين استقرار الاسعار المحلية’ على ما ورد في دراستين مهمتين حول السياسة النقدية للبنك المركزي العراقي. يشير الأستاذ وارن كوتس، خبير السياسة النقدية الأقدم لصندوق النقد الدولي، في دراسته عن دور البنك المركزي العراقي في تنفيذ السياسة النقدية بأن “تحديد سعر صرف الدينار مقابل الدولار يعد الأداة الأساسية المستخدمة من قبل البنك المركزي العراقي لتحقيق هدفه الرئيسي والمتمثل بالحفاظ على قيمة الدينار العراقي.” ويبين البنك الدولي في سياق مراجعته للقطاع المالي العراقي بـ “ان سعر الصرف الاسمي يعد الاداة الرئيسة لتنفيذ السياسة النقدية في العراق لتأمين الاستقرار السعري ….”
      وعلي ان اقر باني لم اطلع على، ولم احظ بــ ، اي وثيقة صادرة عن البنك المركزي العراقي بعد 2003 تفصح صراحة عن قناعة هذه المؤسسة بان الاستقرار السعرى يدعم التنمية الاقتصادية. وحسب اطلاعي المتواضع على الاقل، فان البنك المركزي العراقي ضنين في اصدار الوثائق التي تتولى توضيح تفاصيل سياساته وشرح مرتكزاتها النظرية واطرها المفاهيمية. ويلاحظ من زيارة الموقع الالكتروني للبنك المركزي العراقي ان الوثيقة الرسمية الوحيدة التي تتعرض بتفصيل واف لاحدى عناصر سياسته النقدية هي “اعلان صحفي صادر عن البنك المركزي العراقي- ملخص عن ادوات سياسة البنك المركزي العراقي” وبسبب هذا الغياب للمصادر الرسمية، وجدت نفسي مضطرا الى الاستناد الى الاطر النظرية المعتمدة من قبل المنتمين الى المدرسة الاقتصادية التي تتبناها المؤسسات المالية الدولية (تحديدا: صندوق النقد الدولي والبنك الدولي) للوصول الى هذا الاستنتاج؛ او بتعبير آخر لادراك المسوّغ النظري لتاكيد قانون البنك الدركزي رقم 56 في مادته الثالثة على “تعزيز التنمية المستدامة …تماشيا مع تحقيق الاستقرار في الاسعار المحلية.” ولهذا السبب تضمن الاستنتاج كلمة “ضمنيا” وكما هو واضح في النص ادناه المستل من ورقتي البحثية ذاتها:
      “ان هذا الالتزام من قبل البنك المركزي العراقي باستقرار سعر الدينار مقابل الدولار لا يجسد فقط ايمان هذه المؤسسة بان هذا الاستقرار يشكل احد الركائز الاساسية لتأمين استقرار الاسعار في الاقتصاد العراقي بل يعبر ايضا ضمنيا عن قناعتها بان الاستقرار السعري يدعم التمية الاقتصادية.”
      وحسب اعتقادي ان صياغة قانون البنك المركزي العراقي رقم 56 قد تمت تحت اشراف وبمباركة هاتين المؤسستين الدوليتين وبعد تاكدهما من انسجام القانون مع المنطلقات النظرية التي يعتمدانها ومع الاطر الاجرائية التي يؤكدان عليها.
      كلي أمل ان اكون قد وفقت في ما اوردت اعلاه في الاجابة على تساؤلاتك.
      مع كل تقديري واحترامي
      حاتم جورج حاتم
      عمان 16.04.2016

  4. حسن عبد الله بدر
    حسن عبد الله بدر:

    أولاً، أود التعبير عن ثنائي على الأخ الفاضل د. جورج حاتم جورج لإنكبابه على هذا الحقل المحدد من الدراسات، رغم صعوبته المعروفة. ومع أني أشاطره ضرورة تخفيض سعر صرف الدينار، للأسباب نفسها التي ترد في دراسته، بيد أن استمرار إجراء الدراسات للتأكد أكثر من حسنات التخفيض من جهة، وتشخيص آثاره السلبية (وبخاصة في مجال زيادة أسعار الاستيرادات)، أمر ضروروي ومطلوب.
    وبالنسبة لتعليق الأخ الفاضل د. كامل العضاض: نعم أن تخفيض سعر صرف الدينار مقابل الدولار من شأنه زيادة سعر السلع المستوردة،كما هو معلوم وكما يشير د. كامل، ولكن ليس من دون أن يساعد ذلك على تنمية الصادرات غير النفطية. فالتخفيض من شأنه أيضاً أن يجعل المنتوجات المحلية، رغم ضآلتها حالياً، في وضع تنافسي أفضل نسبياً مما يجعل لها موطئ قدم في السوق العراقية، المغرقة حالياً بالسلع الأجنبية لأسباب كثيرة، من بينها سعر الصرف الحالي للدينار. وفي الحقيقة، إن استخدام سياسة سعر الصرف لدعم الصناعة الوليدة، أو المتعثرة كما هو شأن صناعاتنا العراقية حالياً، هو أصلاً جزء من سياسة الحماية وإستراتيجية بدائل الاستيراد في الدول النامية. وتعمل بمثل هذه السياسة حالياً دول معينة (من بينها مصر وتركيا وروسيا) أو تأتي دعوات فيها للأخذ بهكذا سياسة.
    وهكذا، فثمة مجال لتخفيض سعر صرف الدينار لدعم المنتوجات المحلية حتى في الوقت الحاضر. إن هذا الاستنتاج يكتسب صحة أكثر إذا تظافرتْ معه سياسات أخرى، وبخاصة السياسة التجارية، بقصد المنع أو الحد من المستوردات لخلق أفضلية نسبية للسلع المحلية.
    مع التقدير والاعتزاز بالمقالة الأصلية والتعليق عليها.
    د. حسن عبد الله بدر

    • حاتم جورج حاتم
      حاتم جورج حاتم:

      الاستاذ الفاضل حسن عبد الله بدر،
      ابتداء اود ان اعرب عن عميق اعتزازي بالثناء التي تكرمتم به على جهدي البحثي المتواضع.
      اتفق كليا مع ما اوضحته عن اهمية تخفيض سعر الدينار مقابل الدولار. واود ان اضيف ما اعتقده مبررا مهما آخر لتخفيض سعر الدينار مقابل الدولار ومقابل عملات مهمة اخرى.
      بين الاستاذ موفق حسن محمود في دراسة له عن القطاع المصرفي العراقي بان الاقتصاد العراقي “إقتصاد مفتوح على الخارج بشكل يقترب من الكلية.” وفي مثل هذا الاقتصاد يعتبر سعر الصرف احد المحددات المهمة لمقدار العجز في الحساب المالي والراسمالي لميزان المدفوعات. ويمارس سعر الصرف هذا الدور من خلال ما يفرضه من تاثير على تدفق رؤوس الاموال من والى البلد.
      وفي ضوء التراجع الحاد في قيمة الصادرات النفطية يبرز تخفيض سعر الدينار مقابل الدولار وعملات اخرى مهمة كاحد المثبطات المهمة لهجرة رؤوس الاموال من البلد، وذلك لتخفيف وتيرة استزاف احتياطي النقد الاجنبي و/او معدل الاقتراض من العالم الخارجي لسد العجز في ميزان المدفوعات الناشئ عن هذا التراجع.
      مع كل التقدير والاحترام
      حاتم جورج حاتم
      عمان 16.04.2016

  5. Avatar
    محمد سعيد العضب:

    مقوله الباحث ” ان استقرار سعر العمله المحليه ” الدينار ” اتجاه الدولار لا تقود بالضروره الي استقرار هيكل الاسعار في الاقتصا د الوطني من ناحيه , كما انها لا تقود بالضروره الي دعم التنميه الاقتصاديه من ناحيه اخري , صائبه ,مع ذلك ظلت شكليات الادبيات النظريه للاقتصاد المدرسي مسيطره علي فكر صانع القرار واعتبرت صياغه السياسه النقديه التي روج لها بريمر بعد الاحتلال الملاذ الاخير لعوده الاقتصاد العراقي الي الاندماج في الاقتصاد العالمي والعولمه والانفتاح الذي اصبح الهدف والغايه الاولي , رغم ما حصل من انفصام تام عن سياسيه التنميه الاقتصاديه وضرورة الارتباط الموضوعي معها .ففي بلد دمرته الحروب وتوقفت التنميه فيه منذ عقود طويله ,كما غابت عنه الاحصاءات العلميه الرصينه , ابتداءا من السكان وتركيبته , وامتدادا الي حسابات الدخل وتوزيعه سواء علي الافراد او المناطق , ستظل طموحات صياغه وتنفيذ سياسه نقديه او ربما غايه مجرده يقصد منها تمرين مدرسي لا غير . لربما يكون صائبا او لا فائده منه بتاتا وهذا ما اثبتت الممارسه خلال العقد ونيف الاخير .

    • حاتم جورج حاتم
      حاتم جورج حاتم:

      الدكتور الفاضل محمد سعيد العضب،
      تحية طيبة
      حسب رايي المتواضع فان احدى المهام الاساسية لاي بحث تطبيقي ناجح في المجال الاقتصادي تكمن في توسيع وتعميق المعرفة والوعي بابعاد معينة قضية من الواقع المعاش وبتبعاتها ومسبباتها، وذلك باتباع منهجية رصينة ومتماسكة تتجنب التعميمات، وتأتي بموجبها الاستنتاجات كنتيجة طبيعية ومنطقية للتحليل المعتمد وليس كاحكام مسبقة. وقد توظف الاستنتاجات في تطوير، او الترويج لـ، ركن من اركان سياسة اقتصادية قائمة او في صياغة ركن من اركان مشروع/مقترح سياسة اقتصادية جديدة. وقطعا ان اي طموح لصياغة سياسة اقتصادية سليمة وفعالة لا يمكن ان يكتب له النجاح ان اقتصر الاعتماد على دراسة واحدة او عدد محدود من الدراسات فقط. ان النجاح في مثل هذا الطموح يتطلب الاستناد الى فرشة واسعة من الدراسات الجادة والابحاث الرصينة لاستدناء الثغرات والاخطاء ولتعظيم الفعالية وكفاءة الاداء.
      احترم رايك كل الاحترام ان ارتايت ان هذه الدراسة واي دراسة اخرى حول السياسة النقدية ليست اكثر من تمرين مدرسي. ولكني على قناعة راسخة بانه لا يعيب اي بحث ان اقتصرت استخداماته على التمارين المدرسية. فالتمارين المدرسية لا غنى عنها لتعميق وتطويرالمعرفة ولانضاج الوعي، ولهذا فهي تبقى ضرورية ما دام الراي السائد يدعم ابقاء المدارس ويعارض الغاءها او اغلاقها.
      مع كل التقدير والاحترام
      حاتم جورج حاتم

      • Dr. Barik Schuber
        Dr. Barik Schuber:

        نعم استاذي الفاضل حاتم جورج حاتم اتفق تماما مع ما ذهبت اليه من ان التمارين المدرسية لفهم منطق وقوانين علم الاقتصاد وتطبيقاته في العراق ضرورة قصوى وخصوصاً بعد ما نشهد من تخبط من قبل الطبقة السياسية الحاكمة في السلطتين التنفيذية والتشريعية . وللأسف أيضا من بعض الزملاء الاقتصاديين الذين لا يلتزمون بالمعايير والمفاهيم العلمية الدقيقة. والمثال على ذلك قام احدهم حديثاً بمقارنة عائدات العراق من النفط للفترة قبل الاحتلال 1927-2003 بواقع 281 مليار دولار مع الفترة بعد الاحتلال وحتى شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2015 بواقع 650 مليار دولار بحسب الأسعار الجارية ليقول لنا ضمنا بوجود سرقات خلال الفترة الثانية على عكس الفترة الأولى. هذا تسيس لعلم الاقتصاد، حيث لم يكلف الزميل نفسه السؤال حول القيمة الحقيقية لعائدات الفترة الثانية بالأسعار الثابتة خلال الفترة الأولى ولم يكلف نفسه السؤال عن عدد الموظفين ونفوس العراق في تلك الفترة بالمقارنة مع مثيلاته في الفترة الثانية. ولكي نوضح الفرق بين الفترتين لغير الاقتصاديين يتوجب علينا السؤال عن كمية السلع والخدمات التي يمكن ان يشتريها العراق من السوق الدولية بملغ 650 مليار دولار في الفترة الثانية مع كمية السلع والخدمات التي كان بأماكن العراق شرائها في خلال الفترة الأولى. يبدو لي ان هذا التمرين المدرسي في الفرق بين القياس بالأسعار الجارية وبالأسعار الثابتة ضروري حتى لبعض الاقتصاديين العراقيين مع جل احترامي لهم.
        مع التقدير
        بارق شبر

    • Dr. Barik Schuber
      Dr. Barik Schuber:

      الزميل الفاضل د. العضب
      اسمح لي ان أخالفك في الرأي حول مقولتك بأن بريمر والاحتلال من روج لعودة الاقتصاد العراقي الى الاندماج في الاقتصاد العالمي والعولمة. الصحيح هو ان الاقتصاد العراقي ارتبط بالاقتصاد العالمي وعلى نحو متزايد منذ بدأ تصدير النفط الخام وحتى في أيام ما كان يسمى بالاشتراكية العربية بعد اجهاض البرجوازية العراقية المنتجة في عام 1964 التي انجزها اليمن القومي العروبي وصفق لها اليسار العراقي الموالي للمعسكر الاشتراكي السابق. ما حدث في الواقع بعد غزو الكويت من قبل النظام الذي كان يدعي الاشتراكية والعروبة هو عقاب جماعي للاقتصاد العراقي تمثل بالحصار الشامل والذ نجح الى حد كبير في عزل العراق عن الاقتصاد العالمي excluding policy وعن مسيرة العولمة بكل جوانبها الإيجابية والسلبية. ولا داعي لان اذكرك بالنتائج الكارثية للحصار بمعني الاقصاء عن التعامل مع الاقتصاد العالمي. وعلى هذه الخلفية لا أرى ضرراً من قرار بريمر أو في الحقيقة قرار الأمم المتحدة برفع الحصار على العراق واعادته الى التعامل مع الاقتصاد الدولي. ما هو البديل لذلك في رأيك؟ هل استمرار الحصار ؟ أو الانعزال الطوعي عن التعامل مع الاقتصاد الدولي كما كانت تفعل الصين وكوبا في السابق؟
      مع عالي تقديري ورهاني على رحابة صدرك لتقبل ملاحظاتي النقدية
      بارق شبر

  6. Avatar
    كامل العضاض:

    الأخ الفاضل الأستاذ حاتم جورج
    تحية وسلام
    أحيي جهدك البحثي هذا ولعرضك المتسق والحصيف لموضوع إستقرار سعر صرف الدينار بالدولار الأمريكي، ولكنك حاججت بأنه لأغراض التنمية، تقوم الحاجة الى تخفيض سعر صرف الدينار مقابل الدولار، حتى لوتحقق إرتفاع محدد في حجم التضخم. والسؤال الذي يطرح نفسه، إذا كان الإستيراد يشكل أكثر من 70% من عرض السلع، فتخفيض سعر صرف الدينار مقابل الدولار سيؤدي الى الى إرتفاع أسعار المستوردات، دون أن يساعد على تنمية الصادرات غير النفطية، نظرا لحجمها الضئيل! والحقيقة، يجب أن تكون سياسة تثبيث سعر صرف الدينار مقابل الدولار جزء من سياسة إنتقالية أو مرحلية، من اجل كسب الوقت لترويج الإنتاج المحلي، وخصوصا الزراعي والصناعي، بهدف تقليص حجم الإستيراد. عندها يمكن التخفيف أو التخلي التدريجي عن سياسة تثبيث سعر الصرف مقابل الدولار؛ فهي سياسة أخذ نفس؛ Breathing space policy!!
    تقبل إعتزازي بمساهماتك النيرة التي بدأنا نطلع عليها مؤخرا، راجيا لك كل التوفيق.
    كامل العضاض

    • حاتم جورج حاتم
      حاتم جورج حاتم:

      الدكتور الفاضل كامل العضاض،
      تحية واحترام،
      سررّت كثيرا باهتمامك بورقتي البحثية الاخيرة وبتكبدك عناء ابداء الملاحظات عليها. ان الملاحظات والتعليقات التي يتكرم بتقديمها ذوي المعرفة والخبرة تشكل دائما محفزا مهما لتطوير الحجة وجعلها اكثر وضوحا وتماسكا.
      لقد راجعت الملاحظات التي اوردتها بعناية. ومع كل التقدير لوجهة نظرك، فاني لا زلت اخالفك الموقف للاسباب التالية:
      1. اتفق معك كليا ان الاقتصاد العراقي شديد الاعتماد على الاستيرادات بغض النظر عن دقة النسبة التي اوردتها عن مساهمة الاستيرادات في العرض السلعي المحلي. كما اتفق معك كليا ان القدرات التصديرية غير النفطية للاقتصاد العراقي تتصف بوهن مخيف مما يسلب تخفيض قيمة الدينار مقابل الدولار، وحتى مقابل عملات اخرى مهمة، من اي تاثير ايجابي يستحق الذكر على الصادرات العراقية غير النفطية في الامد اقصير على الاقل.
      ان التصدي لهاتين الثغرتين الخطيرتين في بنية الاقتصاد العراقي يتطلب عددا من الاجراءات من اهمها تصعيد الاستثمار في توسيع الطاقات الانتاجية غير النفطية. ان ما يولده هذا التوسع الاستثماري من تطور في انتاج القطاعات غير النفطية من شأنه في نهاية المطاف تقليل الاعتماد على الاستيرادات وتطوير القدرات التصديرية غير النفطية. وفي ظل التدهور الحاد في قيمة الصادرات النفطية، فان تخفيض قيمة الدينار مقابل الدولار ومقابل عملات مهمة اخرى يبرز كاحد الادوات الفعالة لتأمين تصاعد الاستثمار. فمن ناحية، ان تخفيض قيمة الدينار مقابل الدولار يرفع من قيمة الايرادات النفطية للموازنة العامة للدولة الامر الذي يتيح للدولة امكانية تخفيف حدة التقشف في الاستثمارات الحكومية وخاصة في مشاريع البنى الارتكازية. ومن ناحية اخرى، وكما اوضح الاستاذ حسن عبد الله بدر في تعليقه على الورقة، فان تخفيض سعر الدينار مقابل الدولار وعملات مهمة اخرى يعد مكوّنا مهما من سياسة حماية الانتاج الوطني وتقوية ميزته التنافسية (السعرية على الآقل)؛ وبالتالي فان هذا التخفيض يعطي دعما قويا للتطلعات والتوجهات الاستثمارية للقطاع الخاص. وتقودنا هذه الحقائق الى الاستنتاج بان تخفيض سعر الدينار مقابل الدولار، وليس تثبيته، “يجب ان يكون جزءا من سياسة إنتقالية أو مرحلية، من اجل كسب الوقت لترويج الإنتاج المحلي، وخصوصا الزراعي والصناعي، بهدف تقليص حجم الإستيراد” وتطوير الطاقات التصديرية غير النفطية.
      2. ان لتخفيض سعر الدينار مقابل الدولار، ومقابل اسعار عملات مهمة اخرى، وظيفة اضافية لا تقل اهمية عن الوظائف المبينة في الفقرة الاولى. ان هذا التخفيض لسعرالدينار سوف لا يشكل قوة ضاغطة على الاستيرادات فحسب بل سيكون عنصرا مهما في اي حزمة من السياسات الهادفة الى تقليص تدفق/تحويل رؤوس الاموال الى الخارج، وتخفيض وتيرة استنزاف احتياطي النقد الاجنبي العائد للعراق، وتقليل درجة الاعتماد على القروض الخارجية لسد العجز في ميزان المدفوعات. وتتعمق القناعة باهمية هذا العامل عند مراجعة مسار احتياطي النقد الاجنبي العراقي ما بين السنتين 2013 و2015. وفق بيانات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي فان احتياطي العراق من النقد الاجنبي هبط من (77.75) بليون دينار في سنة 2013 الى (66.37) بليون دولار سنة 2014 -اي بـ (11.37) بليون دولار- والى 54 بليون دولار سنة 2015 اي بـ (12.37) بليون دولار اضافية؛ ليبلغ بذلك مجموع ما فقده الاحتياطي العراقي من النقد الاجنبي خلال الفترة 2013-2015 (23.75) بليون دولار. ومع الاسف ليس لدي بيانات عن تطور المبلغ الاجمالي لقروض العراق من العالم الخارجي لكي يتضح بشكل اكثر جلاءا فداحة العبأ الاقتصادي الذي يساهم السعر المرتفع للدينار مقابل الدولار و مقابل عملات مهمة اخرى في فرضه على الاجيال المستقبلية.
      3. في نفس الوقت الذي حافظ سعر الدينار العراقي مقابل الدولار على استقراره، وعلى الرغم من التناقص الحاد في اسعار النفط، كانت اسعار عملات عدد من الدول الصناعية المهمة في تراجع واضح. ويعني هذا الامر ان هبوط قيمة الصادرات النفطية العراقية قد تزامن مع تحسن سعر الدينار مقابل اسعار عملات هذه الدول الصناعية (اي مع تحسن القوة الشرائية للدينار في اسواق العديد من الدول الصناعية المهمة). تأسيسا على ذلك فانه من المرجح جدا ان سعر الدينار مقاسا باسعار سلة من العملات المهمة من ضمنها الدولار الامريكي قد حقق ارتفاعا ملحوظا.
      ان تصاعد سعر الدينار مقابل اسعار عملات دول صناعية مهمة يبقي على قيمة الصادرات النفطية بالدينار العراقي وعلى قيمة الايرادات النفطية للموازنة العام للدولة على حالهما. إلا ان هذا التصاعد يشجع في ذات الوقت على توسع تدفق النقد الاجنبي الى الدول التي ارتفع سعر الدينار مقابل عملاتها، وذلك لما يولده من تحفيزعلى زيادة الاستيرادات من هذه الدول وعلى التوسع في تحويل رؤوس الاموال اليها، مع كل ما يسببه ذلك من اضرار على الانتاج الوطني ومن تعميق للعجز في ميزان المدفوعات والاضطرار الى زيادة الاقتراض من العالم الخارجي و/او الى تسريع لوتيرة استنزاف لاحتياطي النقد الاجنبي العراقي.
      مع كل التقدير والاحترام
      حاتم جورج حاتم

اترك رداً على غير معروف إلغاء الرد

%d مدونون معجبون بهذه: