التجارة الخارجية وموقع العراق في الاقتصاد الدولي

د. بارق شٌبَّر – أهمية العراق في إستراتيجية السياسة الخارجية الألمانية

جاءت الزيارة المفاجئة لوزير الخارجية الالماني غيدو فيسترفيله، والذي يشغل ايضاً منصب نائب المستشارة الالمانية أنغيلا ميركل، الى بغداد في مطلع هذا الشهر على خلفية تحولات جذرية في توجهات السياسة الخارجية الألمانية نحو العراق بعد تولي المستشارة الألمانية (رئيسة الوزراء) وزعيمة الحزب الديمقراطي المسيحي زمام الحكم للمرة الثانية في 28 تشرين الاول (أكتوبر) 2009 ولكن هذه المرّة بالتحالف مع الحزب الديمقراطي الحر (الليبرالي)، الذي يتزعمه فيسترفيله، كحليف بديل للحزب الاشتراكي الديمقراطي والذي كان يترأسه جيرهارد شرودر ابان حرب الولايات المتحدة الاميركية وحلافائها على نظام صدام حسين في آذار 2003.

تأثير التغيرات السياسية الداخلية على السياسة الخارجية في ألمانيا

عُرف شرودر بمعارضته الشديدة للحرب آنذاك، ما ساعد على فوز حزبه في الانتخابات النيابية لعام 2002 وتنصيبه مستشاراً للمرة الثانية وبالتحالف مع حزب الخضر. إلاّ أن حزبه لم يحقق الأغلبية المطلوبة في الانتخابات المبكرة في خريف عام 2005 ، حيث جاءت نتيجة تلك الانتخابات وتوزيع المقاعد في البرلمان غير حاسمة ومشابهة لنتيجة الانتخابات النيابية في العراق في آذار 2010 ولكن مشكلة تشكيل الحكومة تم حلها بسهولة نسبية من خلال تشكيل “تحالف كبير” بين الغريمين التاريخين اللذين كانا يشكلان الكتلتين الكبيرتين في مجلس النواب الالماني آنذاك وبقيادة ميركل باعتبار أن حزبها حصل على أغلبية نيابية بسيطة.

الا أن العلاقات الألمانية العراقية لم تشهد تحولاً ايجابياً واضحاً خلال فترة الحكم الاولى لميركل بسبب تحفظات حليفها المفروض قسراً عليها آنذاك الحزب الاشتراكي الديمقراطي. وتجلت هذه التحفظات بشكل واضح على لسان الوزيرة الاتحادية للتعاون الاقتصادي والانمائي الملقبة بـ (هايدي الحمراء) في اشارة إلى ماضيها السياسي اليساري حينما عبّرت عن رفضها مشاركة ألمانيا في برامج إعادة اعمار العراق بالقول “بأنها غير مستعدة لإصلاح ما خربه الأميركان” متجاهلة بذلك المصالح الاقتصادية الحيوية لألمانيا في العراق. ومما هو ذو دلالة الإشارة إلى أن حقيبة هذه الوزارة بالاضافة الى حقيبة وزارة الخارجية كانت آنذاك من حصة الحزب الاشتراكي الديمقراطي وانتقلت في عام 2010 الى الحليف الجديد المفضل، أي حزب الديمقراطين الأحرار.

تطور العلاقات التجارية الألمانية العراقية

الكثير من رجال الأعمال والسياسيين الألمان يشيرون بنبرة حنين للماضي الى العصر الذهبي في العلاقات التجارية بين ألمانيا والعراق في نهاية سبعينيات وبداية ثمانينيات القرن الماضي حينما كانت السوق العراقية تمثل الأكبر في المنطقة العربية للصادرات الألمانية، حيث سجلت في عام 1982 مستوى قياسياً يناهز ما قيمته 3,9 مليار يورو، وفق بيانات الدائرة الفدرالية الألمانية للإحصاء.

يمثل عام 1986 نقطة تحول في أهمية السوق العراقية للصادرات الألمانية، إذ انخفضت قيمتها الى 734 مليون يوور واستمر الانخفاض وبشدّة خلال فترة الحصار وسجل ماقيمته 205 ملايين يورو فقط في عام 2003، ما يؤشر على التراجع الكبير في أهمية السوق العراقية للصادرات الألمانية ويفسر السياسة الخارجية الألمانية السلبية تجاه العراق في تلك الحقبة.

وخلال الفترة الواقعة بين 2004 و2008 لم تتمكن الصناعات الألمانية من تحقيق اختراق ملموس في السوق العراقية، حيث كانت صادراتها ترتفع ببطء شديد وظلت تراوح في مستويات متدنية بين 274 و 368 مليون يورو، في الوقت الذي تمكنت بلدان عديدة سواء كانت أوروبية أو غير أوروبية من غزو السوق العراقية وإغراقها بالسلع الاستهلاكية. وكانت النتيجة المنطقية لهذة التطورات انتقادات لاذعة وجهها مجتمع رجال الأعمال الألمان الى الدبلوماسية الألمانية متهماً إياها بالسلبية والتردد في الدفاع عن المصالح الاقتصادية الألمانية الحيوية وذلك بالرغم من الدعم الواضح الذي قدمته الحكومة الألمانية للشركات الألمانية في اقليم كردستان منذ التغيير في عام 2003 . والدبلوماسية الألمانية كانت ولا تزال، وإن بدرجة أقل، تبرر سياستها التفضيلية لجزء من الدولة العراقية يقطنه اقل من خمس سكان العراق بالأوضاع الأمنية المتردية في بقية أنحاء البلد.

السياسة الخارجية والمصالح الاقتصادية الألمانية

ومن ابرز مؤشرات التحول في السياسة الخارجية الالمانية شطب 80 % من ديون العراق لالمانيا، ما يعادل حوالي 5 مليارات يورو وصرف حوالي 400 مليون يورو على شكل مساعدات عينية مباشرة للعراق، يعتقد ان الجزء الاكبر منها صرف في اقليم كردستان.

وفي تطور ملفت للنظر ويؤشر ايضاً على التحول الإيجابي في إستراتيجية السياسة الخارجية الالمانية تجاه العراق خصصت وزارة الخارجية الألمانية جلسة خاصة حول فرص الأعمال في جنوب العراق في إطار مؤتمرها السنوي الذي يلتقي فيه سفراء ألمانيا في كل بلدان العالم مع ممثلي رجال الاعمال والذي انعقد في برلين في 7/9/2010 وحضره اكثر من ألف رجل أعمال. حظيت هذه الجلسة باهتمام كبير من قبل رجال الاعمال الألمان الذين تهافتوا عليها وبحضور السفير الالماني السابق في العراق وخلفه الجديد.

وتم التأكيد على ألاهمية الاقتصادية لجنوب العراق وبالتحديد محافظة البصرة، حيث تسهم بنسبة 65 % من الناتج المحلي الاجمالي ويخرج منها حوالي 85 % من صادرات النفط العراقية. وأشار ممثلو الخارجية الألمانية إلى وجود فرص كثيرة وواعدة للشركات الالمانية على خلفية حاجات العراق الكبيرة الى تأهيل وتطوير البنية التحتية والصناعة النفطية، فضلاً عن حاجة العراق الملحة للتدريب والتأهيل الفني والمهني للقوى العاملة العراقية، حيث تمتلك ألمانيا في هذا المجال خبرات طويلة مشهودا لها عالمياً.

وأشار بعض رجال الاعمال الألمان إلى المنافسة الشديدة التي يتعرضون لها في البصرة من قبل الشركات الصينية والتركية وطلبوا الدعم من الخارجية الالمانية عن طريق تفعيل أدوات سياسة التجارة الخارجية تجاه العراق، وفي مقدمتها العمل على حماية الاستثمارات الألمانية المباشرة في العراق من خلال إبرام اتفاقية ثنائية مع العراق، وهذا بالضبط ما تم إنجازه خلال زيارة وزير الخارجية لبغداد. رافق الوزير وفد من أبرز رجال الأعمال الألمان من ضمنهم مدير قسم الغاز في شركة “آر. دابليو. إي” العملاقة للطاقة والتي تأمل في توقيع عقد مع الحكومة العراقية الجديدة لتجهيز الغاز عبر مشروع (ناباكو) الإستراتيجي لنقل الغاز من الشرق الاوسط الى أوروبا. كما رافق الوزير أيضاً مدير شركة “فولكسفاغن” الألمانية لصناعة السيارات والتي تعد من أكبر الشركات العالمية في هذا الميدان.

تسود حالياً في مجتمع رجال الاعمال الألمان أجواء من التفاؤل بمستقبل السوق العراقية الواعد ويعزز هذا التفاؤل أحدث البيانات عن الصادرات الألمانية إلى العراق والتي سجلت ارتفاعاً من حوالي 305 ملايين يورو في عام 2008 الى ما يربو على 582 مليون يورو في عام 2009، أي بنسبة زيادة مقدارها 91 % خلال عام واحد.

واستمرت وتيرة النمو هذه خلال الشهور التسعة الأولى من عام 2010 وبمعدل 73 % بالمقارنة مع نفس الفترة من العام السابق. أما قيمة الصادرات العراقية الى ألمانيا فكانت ولاتزال في مستويات متدنية منذ عقود طويلة، إذ سجلت ما قيمته 86 مليون يورو فقط في عام 2009، ما يعني وجود عجز في الميزان التجاري العراقي-الألماني بقيمة 496 مليون يورو في عام واحد. وهنا يتساءل الباحثون والمحللون الاقتصاديون عن مضامين إستراتيجية الحكومة العراقية للتعاون الاقتصادي والسياسي مع المانيا، إن وجدت مثل هذة الاستراتيجية

الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية

تعليقات (2)

  1. Avatar
    AHMAD_AJ_BEAKER:

    بسم اللة الرحمن الرحيم
    بعد التحية ومزيد من الاحترام
    قد كنت تاجرا ومستوردا جيدا من المانيا الشرقية والغربية في ثمانيناات القرن الماضي ولكن بسب الحصار على العراق قد توقف الاستيراد من الهانيا وقد كنت ازور المانيا كثيرا ولدية مايثبت ذلك والان ارغب في اعاادة هذة العتاقة
    مع الشكر الجزيل

  2. فاروق يونس
    فاروق يونس:

    ابدء تعليقى بتصحيح رقم الصادرات الالمانية الى العراق الذى يناهز 3,900 مليار يورو عام 1982 حسب ما جاء فى المقال ووفق بيانات الدائرة الفدرالية الالمانية للاحصاء اقول ان هذا الرقم لا يمثل صادرات سلعية الى السوق العراقية من المانيا وبغض النظر عن صحته فانه يمثل الصادرات الالمانية + المبالغ المحولة من العراق والمستلمة من قبل الشركات الالمانية المنفذة للمشاريع الهندسية فى العراق وحبذا لو يتم التاكد من ذلك ومفاتحة دائرة الاحصاء الفدرالية لايضاح الامرهذا اولا
    ثانيا – متى تظهر الى العلن اهمية العراق فى استراجية السياسة الخارجية الالمانية ؟ الدكتور الفاضل بارق شبر كتب المقال فى 11 يونيو 2011 ونحن اليوم فى بداية 2013 ولم يرى العراقيون ولو بصيص من تلك الاسترانيجية الالمانية الموجه للسوق العراقية
    ثالثا- ما يحتاجه العراق من المانيا هو قيام الشركات الالمانية بتقديم عروض يمكن قبولها من الجانب العراقى من ناحية الاسعار وشروط الدفع ومدة التنفيذ ومواعيد الدفع بحيث تكون تلك العروض منافسة لما تعرضه الشركات الاخرى وخاصة تلك الشركات الرصينة التى تعمل فى العراق حاليا
    رابعا – من المعروف ان كلا من المانيا و امريكا والمملكة المتحدة وسويسرة هى من الدول المصدرة للادوية والمستلزمات الطبية والسلع المتطورة تكنولوجيا الى العراق فلماذا احتلت دول اخرى جزء لا يستهان به من حصتها فى السوق العراقية؟خامسا – المطلعون على تفاصيل العلاقات التجارية الدولية يعرفون مكانة الصناعة الالمانية ومدى التزام الشركات الالمانية بالمعايير الدولية فى التعامل التجارى وكل ما يحتاجونه هو الارادة السياسية للتعاون الايجابى مع العراق الذى يسعى الى اعادة بناء ما خربته الحروب المدمرة ا وارساء دعائم دولة عراقية متقدمة

التعليق هنا

%d مدونون معجبون بهذه: