الموارد المائية و حماية البيئة

د. حسن الجنابي – شط العرب… الرمزية والواقع المتردي!


 

د. حسن الجنابي – سفير العراق لدى منظمة الأغذية والزراعة الدولية في روما (فاو)

 
تتفاقم المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية في منطقة شط العرب منذ حرب الخليج الاولى مرورا بالحروب المتتالية وانتهاءا بالسيطرة الكاملة على الايرادات المائية نتيجة بناء السدود والمنشآت في الاجزاء العليا لشبكة الانهار المغذية للشط، ويتداول الاعلام الوطني اخبارا وتصريحات محزنة عن واقع المنطقة التي كانت حتى وقت قريب رمزا للخصوبة والمياه الوفيرة والجمال والثروة والانفتاح على العالم الفسيح باعتبارها رئة العراق واطلالته على البحر وتفاعله مع الحضارات البشرية المتنوعة منذ فجر بزوغها.
نهر يجري شمالا وجنوبا:
ان شط العرب هو مجرى مائي من نوع فريد لأنه وعلى العكس من كل الانهار الاخرى يجري بإتجاهين متعارضين شمالا وجنوبا بنفس اليوم وهو نهر بلا منابع!. وان كان لابد من منابع لأي نهر، فمنابع شط العرب هي منابع الانهار الكبرى التي يتشكل منها هذا المجرى العظيم وهي نهرا الفرات ودجلة اللذان ينبعان في تركيا ونهرا الكرخة والكارون وتقع منابعهما في ايران بالاضافة الى روافد دائمية او موسمية اخرى تصب بالنتيجة بواحد من تلك الانهار.
يصب نهر الكارون مباشرة بشط العرب الى الجنوب من مدينة البصرة بحوالي 25 كم، اما انهار الفرات ودجلة والكرخة فهي تصب في نهاية المطاف في شط العرب شمالي البصرة ولكن عن طريق الاهوار العراقية، حيث يتشكل منها تكوين مائي اكثر فرادة، كنظام لمسطحات مائية ومقاصب ومستوطنات بشرية وسلسلة هائلة من الاحياء والنباتات المائية، تشكل بدورها حلقات مترابطة لدورة كاملة للحياة، بالاضافة الى كونها حاضنة رئيسية للتنوع الاحيائي في بيئة مائية مجاورة لأشد مناطق العالم جفافا وهما الربع الخالي والصحراء الكبرى.
يمثل شط العرب الجزء الجنوبي لذلك النظام المائي الهائل الذي يتشكل من الانهار الاربعة المذكورة من المنابع حتى المصب. فالمعروف بأن للانهار منابع متعددة ولكنها تتدفق دائما نحو مصب واحد، وشط العرب هو ذلك المصب والمنفذ الذي يجمع وينظم حركة تلك المياه، في شحتها او فيضانها، ويحدد علاقتها التفاعلية مع مياه البحر المالحة في حالتي المد والجزر، فيجري شمالا اثناء المد وجنوبا اثناء الجزر.
 
رمزية الشط ووظائفه الملموسة:
اذا ما وضعنا جانبا قضية السيادة الوطنية على شط العرب والحدود الدولية، وهي قضية حساسة، وتدير ملفها جهات حكومية اخرى بحكم اختصاصها، فبالإضافة الى الرمزية العالية لشط العرب في وجدان البصريين والعراقيين، تأريخا وتجارة وابداعا وشعرا وانفتاحا وما شاكل ذلك، يمكن القول بأن لشط العرب – مائيا- مهمتان رئيسيتان: اولاهما كونه ممر مائي مهم لاغراض الملاحة والنقل النهري والبحري وما يرتبط بذلك من السياحة والترفيه، وثانيهما هو ان شط العرب يمثل المصدر الرئيسي لمياه الشرب وللفلاحة وصيد الاسماك وغير ذلك مما يتطلب مياهاً عذبة اعتاد السكان عليها منذ بدء الوجود البشري على تلك البقعة من الارض.
بالنسبة للوظيفة الاولى، فإنها وإن تراجعت كثيرا وتدهورت بسبب الحروب وما خلفته من غوارق وتدمير واهمال، الا انه يمكن استعادتها لأن ظاهرة المد البحري تضمن وجود المياه في مجرى الشط باستمرار، وكذلك يمكن القيام باعمال تنظيف مجرى شط العرب من الغوارق وتعميق مقطعه وتحسين وصيانة ضفافه، بل وتعميق وتأهيل القنوات المرتبطة به على الجانبين وخاصة قنوات مدينة البصرة الستة على يمين الشط وهي السراجي والخورة والعشار والخندق والروباط والجبيلة، والتي تكوّن مع الشط شبكة مائية متصلة تصلح للاستخدام في النقل والترفيه وغيرذلك مما يجلب للمدينة رونقها واناقتها وحيويتها المفقودة نتيجة الحروب والاهمال، ويحقق فيها تنمية اقتصادية واجتماعية هي في أمسّ الحاجة اليها، وستحاكي البصرة عندذاك على الأقل مدينة امستردام المشهورة بقنواتها الكثيرة بعد ان فقدت لقبها الرومانسي “فينسيا الشرق”.
اما بالنسبة للوظيفة الثانية فإن عذوبة مياه الشط هي التي ساعدت على الاحتفاظ بخصوبة التربة وبغابات النخيل المليونية والحقول والبساتين المزدهرة على الضفتين والمساحات الخضراء في الاماكن العامة والبيوت والمزارع وغيرها. ومن الواضح بان كارثة كبرى قد حلت بهذه الوظيفة وانعكست بإفقار شامل لفئات سكانية كبيرة نتيجة تحطيم البيئة النهرية الطبيعية لشط العرب ومحيطه الجغرافي، وخاصة تدمير خصوبة التربة وغابات النخيل وتراجع الثروة السمكية وصعود المد المالح في الشط وانعدام مياه الشرب في المدن والقرى، مما أسفر عن توقف النشاط الاقتصادي بشكله المعروف تاريخيا.
لقد وصل الحد بالنظام السابق ونتيجة للتدهور الذي حلّ بالشط نتيجة الحروب والتعسف الى الترويج لفكرة الاستغناء عن شط العرب والاستعاضة عنه بقناة “شط البصرة” في محاولة جاهلة لمنع استفادة ايران من شط العرب بعد التنازل المهين عن السيادة على نصف الشط لصالحها بدءاً من الضفة اليسرى للشط التي كانت تمثل الحدود السياسية بين البلدين لعدة قرون وحتى المجرى العميق في منتصف النهر وذلك في عام 1975.
اما قناة “شط البصرة” فهي قناة كبيرة منجزة تقع الى الغرب من المدينة وتصل بين كرمة علي والجزء السفلي من قناة “المصب العام” قبل مصبه في الخليج بمسافة قصيرة، ويمكن استخدامها للنقل المائي أو أي استخدامات مناسبة اخرى ولكنها لاتعوض عن شط العرب بأي شكل من الاشكال.
 
مجمع المياه الناضبة!:
كانت مياه الانهار الاربعة الكبيرة جميعها تصب في شط العرب وهو بدوره يفرغها في ثغر الخليج، والأخير يرجعها شمالا اثناء المد البحري العالي فتندفع خلال شط العرب وكرمة علي وهور الحمّار لتسقي الحقول والمزارع والبساتين، وتتيح الصيد الوفير وتسّهل حركة الزوارق والمراكب، ثم تجري جنوبا اثناء الجزر البحري لتتسرب الى شمال الخليج وتختلط مع مياه البحر فتكوّن مساحة بحرية ذات طبيعة خاصة هي مأوىً لانواع احيائية متميزة.
أخذت تلك المياه بالانحسار التدريجي منذ السبعينيات بسبب بناء السدود وتحويل مجاري الانهار والروافد في دول الجوار ومع انحسارها تقدمت مياه الخليج المالحة لتندفع في شط العرب شمالا ولتحلّ محل المياه العذبة التي كانت تملأ مقطع الشط والاهوار اللصيقة به. وقد كان سد الكرخة الذي انجز عام 2001 وسلسلة السدود على نهر الكارون وروافده التي اكتملت في عام 2006 بمثابة الضربة القاصمة والاخيرة في عذوبة شط العرب بعد انحسار مياه الرافدين الفرات ودجلة ، مما ادى الى تردي بيئته النهرية بشكل مريع.
لقد فقدت بيئة شط العرب اثر ذلك خصائصها الساندة للحياة وأهمها خصوبة التربة وكذلك القدرة على تعويض وتجديد المخزون السمكي والاحياء المائية الأخرى. فالتربة، وعلى عكس الانطباع السائد، هي من الموارد غير المتجددة وإذا فقدت خصوبتها نتيجة للتملح والاهمال فهي تفقدها للأبد.
كذلك الأمر اذا تلوثت المياه العذبة او تردت نوعيتها او اصبحت مالحة فإن المخزون السمكي المعتاد سوف ينضب وتنقرض الانواع المحلية المعتادة من الأحياء المائية، ولذلك يضطر الصيادون البصريون للبحث عن الصيد في اماكن ابعد لم يألفوا الاصطياد بها، وهذا يفسّر مأساتهم وحوادث اعتقالهم المتكررة من قِبَل دول الجوار ومصادرة مراكبهم وتعريضهم للاهانات والتعسف كما عرض في الاعلام العراقي الرسمي في اكثر من مناسبة. كما تناولت الأخبار حوادث العثور على أحياء مائية غريبة كاسماك القرش في شط العرب ويعزي مركز علوم البحار العراقي ذلك الى التغيير في بيئة شط العرب وندرة المياه العذبة التي لاتعيش بها تلك الاسماك.
ان حجم التدهور في مساحات كثيرة من منطقة شط العرب يؤهلها لكي تصنف على انها منكوبة وبحاجة الى تدخل استثنائي وفق برامج اغاثية، وبحيث يمكن منح تعويضات مناسبة للسكان وخاصة المزارعين والصيادين لتمكينهم من ترميم محيطهم وتطوير وسائل معيشتهم وانتشالهم من الافقار الذي حل بهم ومساعدتهم على استعادة قيمة ممتلكاتهم، فقد تعرضوا الى ويلات الحروب التي طحنت ابنائهم وحطمت مقومات حياتهم الاقتصادية واليوم يعانون من تدهور محيطهم البيئي وتراجع قدرتهم في الحصول على الغذاء والخدمات الضرورية بما فيها مياه الشرب.
مع ذلك فالمنطقة بحاجة الى دراسة علمية وتفصيلية لتقييم مستويات التردي البيئي والزراعي للتعرف على مديات تراجع الأمن الغذائي والاكتفاء الذاتي من الزراعة والصيد، واعتماد تلك الدراسة كأساس لأعادة تأهيل المنطقة وفق خطة متكاملة تهدف الى مساعدة التجمعات البشرية في القرى والمدن على البقاء في اماكنهم وتجنب النزوح قبل فوات الآوان.
 

شط العرب عند نقطة التقاء دجلة والفرات في القرنة
 
 
 
سد على شط العرب…؟
تطلق تصريحات ومطالبات كثيرة، حتى على مستوى اعضاء في مجلس النواب العراقي، عن ضرورة بناء سد على شط العرب وذلك لمنع تسرب المياه العراقية الى الخليج ولمنع صعود مياه البحر المالحة شمالا.
لاشك فإن هذه الفكرة لا تخلو من براءة، الا انها غير واقعية بل ومضرّة. فلا يمكن بناء سد لتخزين المياه على شط العرب على شاكلة سدود دوكان ودربندخان وحديثة والموصل لأن شط العرب يقع في ارض مستوية. ولكن يمكن انشاء سدّة على غرار سدّة الهندية او سدة سامراء او الكوت وغيرها وهذه تستخدم لرفع مناسيب المياه بغرض استخدامها سيحا في الري بدون الحاجة الى الضخ الذي هو مكلف حتى في ظل توفر طاقة كهربائية اعتيادية. ستكون السدّة في حال انشائها عديمة الفائدة بسبب قلة او انعدام الايرادات المائية من الجانب العراقي وبالتالي عدم وجود مياه عذبة كافية للاحتفاظ بها ومنع تسربها الى الخليج.
فالمعروف أن اغلب مياه شط العرب حتى وقت متأخر كانت تأتي من نهر الكارون اساسا (اكثر من 15 مليار متر مكعب كمعدل سنويا) والكرخة (اكثر من 5 مليار متر مكعب سنويا كمعدل)، وبما ان ايران اكملت سيطرتها على مياه نهري الكارون والكرخة وتحويلها للاستخدام داخل الحدود الايرانية، فلا أمل يرتجى في تحسين نوعية مياه شط العرب في ظل انحسار مياه الفرات وفي انتظار اكتمال تشييد سد اليسو التركي على دجلة.
من الجدير ذكره هو ان وزارة الموارد المائية شرعت بتنفيذ قناة اروائية بموازاة شط العرب استجابة للواقع الجديد المتمثل بملوحة شط العرب، وذلك لنقل ما مقداره 30 متر مكعب في الثانية من مياه الري للاراضي الزراعية التي كانت تسقى من مياه شط العرب العذبة، في محاولة لمساعدة السكان على ممارسة نشاطهم الزراعي.
 
القانون الدولي للمياه وشط العرب:
ان شط العرب هو مجرى مائي دولي، وان النظر في مديات انطباق القانون الدولي عليه أمر واقعي ومفيد، خاصة من حيث ادارة المياه المغذية له، لأن كسب الجدل والفوز بالحجة استنادا على القانون الدولي هو انتصار بحد ذاته حتى لو بقي في اطاره المعنوي او الاخلاقي او السياسي، ولكن هناك اشكاليات يجب التمعن بها بغرض فهمها من قبل من يتصدى لهذه المعالجة وأهمها وبإختصار شديد ما يلي:

  1. ان القانون الدولي للمياه ليس حلا سحريا او فوريا لمشكلة شط العرب، او أية مشكلات ونزاعات مائية بين الدول، بل هو اطار عام للمبادئ والأسس التي تعتمدها المجموعة الدولية لحل تلك المنازعات، وبذلك فإن للقانون الدولي للمياه تأثير اخلاقي وقانوني كبير في أي نزاع مائي دولي يطرح على محكمة العدل الدولية في لاهاي، وإن حل اية مشكلة مائية مشتركة بين اكثر من دولة يتم حصرا بين الدول نفسها، ولا يمكن للقانون الدولي فرض حلٍّ معين على الاطراف.
  2. ان وجود اتفاقية ثنائية بين دولتين (او اتفاقية ثلاثية او رباعية… الخ بين مجموعة من الدول المعنية) يجمّد من الناحية العملية -ان لم يلغ- مفعول القانون الدولي الا اذا حدثت أضرار كبيرة او تهددت مناطق ومجاميع بشرية بمخاطر كبرى. وفي حالة شط العرب فإن للعراق اتفاقية ثنائية مع ايران منذ عام 1975، بالرغم من رغبة العراق التي عبر عنها رئيس الجمهورية العراقية في وقت سابق بمراجعتها، وكذلك هناك أضرار كبيرة حدثت وتحدث في بيئة شط العرب وإن العراق بحاجة الى مسحها وحصرها وتقييمها بشكل تفصيلي.
  3. لاتوجد آلية أو أجهزة معينة او شرطة دولية لتطبيق القانون الدولي للمياه مهما كان حجم الخروقات او سوء الاستغلال من قبل طرف من الاطراف المتشاطئة، على عكس قوانين المياه الوطنية، حيث تسهر أجهزة الشرطة المحلية والمحاكم على تطبيقها مثلا.
  4. في الوقت الذي لايشك فيه احد من ان الفرات ودجلة نهران دوليان، فإن دولية نهري الكرخة والكارون قد تكون موضع نقاش وبحاجة الى جهد قانوني وفني يتناسب مع أهمية هذين النهرين للنظام المائي في المنطقة عموما وخاصة لشط العرب.

 
فلو أخذنا نهر الكارون مثالا، وهو لايختلف بالنتيجة عن نهر الكرخة، لنرى مدى انطباق القانون الدولي عليه او لكشف اهم التعقيدات المرتبطة بذلك – في ضوء الفقرة الرابعة أعلاه- فسنجد أن اتفاقية قانون استخدام المجاري المائية الدولية 1997، وهي أهم وثيقة في القانون الدولي للمياه، تعرّف النهر الدولي على انه: “أي مجرى مائي تقع أجزاؤه في دول مختلفة“.
وبما أن نهر الكارون يقع جغرافيا داخل الاراضي الايرانية من المنبع حتى المصب فيبدو حسب التعريف المجرد وكأنه نهر محلي وليس نهرا دوليا.
ولكن الوجه الآخر لهذا الجدل هو ان لكل نهر خصائصه المميزة النابعة من ارتباطه بالبيئة الاجتماعية والاقتصادية والجغرافية والثقافية وما يناسب ذلك من أنماط انتاجية وانشطة وتجمعات بشرية وغيرها. وبذلك فإن النهر هو ليس فقط المسافة الجغرافية المحددة بين المنبع والمصب بل ماحولهما وما بعد نقطة المصب كذلك.
فمياه الكارون لاتتلاشى عن نقطة المصب وان كانت داخل الحدود الايرانية، بل انها تغذي شط العرب الذي هو نهر دولي ويقع ضمن منطقة تتأثر بالمد البحري وهي ظاهرة طبيعية ملازمة للخليج ولايتحكم بها اي طرف، وهذا المد البحري يدفع مياه الكارون مباشرة داخل الحدود العراقية الى البصرة. لذا فإن الكارون لايختلف من هذه الناحية عن نهر دجلة الذي تقطع مياهه الحدود التركية الى العراقية!.
لذلك فإن تفسيرنا للنهر الدولي يتجنب التفسير النظري البحت البعيد عن الواقع الاجتماعي والهيدرولوجي والبيئي، والبعيد عن روح اتفاقية قانون استخدام المجاري المائية الدولية التي تعنى اساسا بالحفاظ على المجاري المائية كأنظمة كليّة غير مجزأة ومنع استغلالها الجائر، بقدر ابتعادها عن فكرة السيادة المطلقة للبلدان على الانهار داخل حدودها السياسية وتدعو الى الاستخدام المنصف والمعقول للموارد المائية لضمان استدامتها. وبالنهاية فإن الحدود السياسية بين الدول هي خطوط وهمية تتفق عليها وتلتزم بها الحكومات وليست الانهار التي تعترف فقط بمساحة تأثيرها او تأثرها بغض النظر عن الحدود الدولية.
وعلى هذا الاساس يشكل الكارون رافدا من روافد شط العرب وجزءا مكملا للنظام النهري الذي يتشكل من دجلة والفرات وروافدهما، وهو “جزء من شبكة المياه السطحية التي تشكل بحكم علاقتها بعضها ببعض كلاّ واحدا وتتدفق صوب نقطة وصول مشتركة“، كما جاء في اتفاقية قانون استخدام المجاري المائية الدولية في الأغراض غير الملاحية.
القضية المهمة الأخرى هي ان تحويل مجرى نهر الكارون او احداث تغييرات كبيرة به او تلويثه ينعكس مباشرة على العراق وسكان منطقة شط العرب ويسبب لها  اضرارا كبيرة، وأن الاتفاقية الدولية المذكورة – وفقا للمادة السابعة منها- تمنع احداث اي ضرر ذي شأن لدى دولة مشتركة بالمجرى المائي، وان حدث ذلك فإن التسبب بأضرار يستوجت دفع تعويضات مناسبة للطرف او الاطراف المتضررة.
وبالمناسبة فإن القانون الدولي للمياه لا ينظم علاقات الدول والحكومات فقط، بل يمكن لأي مواطن متضرر او مجموعة مواطنين متضررين بسبب سوء ادارة الموارد المائية من قبل احدى الدول المتشاطئة التقدم بشكوى الى محكمة العدل الدولية في لاهاي دون ان يؤثر ذلك على التزامات دولة المشتكي او المشتكين بالاتفاقيات القائمة ولا يفسّر ذلك على انه اخلالاً بالاتفاقية الثنائية او الثلاثية او غيرها ان كان ثمة اتفاقية موقع عليها من قبل الدول المتشاطئة.  وقد سبق لمحكمة لاهاي الدولية الاستناد في مداولاتها حول النزاعات المائية الى اتفاقية قانون المجاري المائية الدولية، وهناك اكثر من وسيلة بإمكان المواطنين المتضررين من خلالها تقديم شكاواهم، بعيدا عن القنوات الدبلوماسية الرسمية لتجنب احراج الحكومة المرتبطة باتفاقية نافذة مع جيرانها.
 
النفط مقابل الماء المالح:
لقد دفعت البصرة وضواحيها وبساتينها وانهارها ثمنا باهضا للحروب والاهمال والتعسف خلال العقود الثلاثة الماضية تحولت اثرها، وعلى العكس من تاريخها الناصع، الى خرائب واحياء فقيرة وجفت او تملّحت انهارها واستخدمت قنواتها لقذف القمامة بعد ان كانت تجوبها زوارق الصيادين او المصطافين او المتبضعين.
فأية مفارقة حين تمنح البصرة نفطها للعراق، بكل ما يعنيه ذلك في ظل انعدام قدرة المجتمع على انتاج ما يكفيه من الغذاء، ولكنها تستلم ماءا مالحا بعد جفاف المنابع العذبة. ان انتاجها من النفط لعدة اشهر يكفي لإعادة بناء ما خربته الحرب. نعم لن يعيد النفط عذوبة شط العرب، ولكنه يعالج بعض جراح المدينة ويمكّنها من استعادة جزء من عافيتها، ويمنح مواطنيها مياه شرب صالحة، ومساكن لائقة ومدارس ومشافي وملاعب ويساعد مزارعيها وصياديها على التأقلم مع المعطيات الجديدة التي فرضت عليهم.
البصرة هي مفتاح نهضة العراق، وان لم تنهض ستبقى النهضة الوطنية الشاملة مؤجلة.

موت النخيل على ضفة كرمة علي

الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية

التعليق هنا

%d مدونون معجبون بهذه: