جدل اقتصاديملف البنك المركزي العراقي

مهدي البناي: جدلية التحفيز والتضخم وأولويات البنــــك المركــــزي – حوار مع د. فاضل عباس مهدي

وافر الشكر والعرفان لاستاذنا الدكتور فاضل عباس مهدي ، لسعة صدره وتفضله بالاجابة على أسئلتي المتواضعة، والتي لم اكن احسبها تنال العناية وتبلغ شرف الحوار. لذلك يشرفني سيدي الكريم اهتمامكم،

 لقد بدأتُ تساؤلاتي بالاشادة بالدكتور الشبيبي ، ولا يحتاج بمهنيته وعلو جنابه ،  شهادةً من مثلي (فقط لعل الطموح والمرجو منه ومن طاقمه كان اكثر).

ولكن مقاربتي للموضوع كانت بمنهج تقييم النتائج وفق منظور كلي ، لا أن اجتزء بعضها اي ما يعجبني فقط وأبني عليه مسلة انجازات.

دعني سيدي الكريم اتفق معكم على بعض ما اوردته في معرض ردكم الكريم ، حتى لا نعود اليه مجدداً:

1-   عملية التحكم وادارة سعر الصرف واحدة من ادوات البنوك المركزية، للسيطرة وتحقيق عدة امور ، وقد نجح البنك المركزي بادارته المهنية باقتدار بادارة هذا الملف وازيد هنا ومن واقع تجربة مهنية شخصية ،اننا في الاعوام 2005 و 2006 كنا نعمل تحت تقاطع النيران وبظروف اشبه ما تكون بالحرب الاهلية وبقي سعر الصرف في نطاق شبه مستقر، وهذا انجاز محمود وحالة نادرة على مستوى عالمي ان لم اكن مخطأً.

وحتى غير المتخصصين يعلمون ما يعنيه استقرار معدل صرف العملة من استقرار لقيم التبادلات التجارية وتأثيره على استقرار الاسعار والاهم من ذلك مساعدة الحكومة على تنفيذ موازنتها وخططها بانسيابية كونها تدفع مصاريفها بالعملة المحلية التي تشتريها بالدولار.

2-   ان تخفيض التضخم واستهداف معدلات معقولة واحدة من اهم اهداف السياستين النقدية والمالية (واقول السياسة النقدية للبنك المركزي والسياسة المالية للحكومة) بل وازيد انه كان من الممكن ان يحقق البنك المركزي اهدافه بهذا الخصوص بوقت اسرع لو تعاونت معه الحكومة من خلال عقلنة موازناتها وتوجيه الموارد.

3-   واتفق مع قولك (ان النظام المصرفي الذي نرنو له جميعا لا يتحقق بقرار واحد ومن هيئة واحدة كالبنك المركزي ، بل عدة عوامل محفزة منها الاستقرار السياسي ومنها نظام قضائي لا يشوبه الفساد والمحاباة…..الخ)

 اذاً ما افهمه من طرحك  انه قد امكن تحقيق الهدفين الاولين (اسقرار معدل الصرف وتخفيض التضخم) بغياب شروط تحقيق الهدف الثالث وهو النظام المصرفي الفعال !!!!؟ الذي لم يتحقق.

    مع ادراك الاولوية وضرورتها .. اعتقد ان سعر الصرف والسيطرة على التضخم ما هي الا مقدمات لاقتصاد مستدام بقصد تحقيق الرفاهية (ولا احمل البنك المركزي وحده الفشل لحد الان ولو بتحقيق جزء من ذلك، ولكن لا يسعني ان ابرأه على الاقل من الجزء المتعلق به بخصوص النظام المصرفي).

   وهذا يؤكد كلامي حول (كلية) الموضوع الاقتصادي القومي لا جزئيته.

هناك الكثير من السلبيات والعوار في اعداد وتنفيذ الموازنات السابقة .. بل يمكن القول انها من عمل هواة او سياسيين وليس نتاج جهد القادة او الموجهين الاقتصاديين ، وهي موازنات لادارة سلطة وليس ادارة دولة (والفرق واضح) ولعل من الغفلة ان ننتظر نتائج اقتصادية استثنائية ناهيك عن العادية من هكذا فريق غير منسجم ولا متجانس (الحكومة – وزارة المالية –البنك المركزي- التخطيط) لا على مستوى الفكر والرؤية الاقتصادية ولا على مستوى المؤهلات.

اما موضوع التنسيق بين البنك المركزي وبين الحكومة ووزارة المالية (مرةً تؤكده جنابكم،  ومرةً تنفيه بواقعة مصرف الوركاء) ، فالذي سمعته من وزراء مالية – اثنين منهم على الاقل- ان التنسيق ضعيف وغير موجود بل احيانا التعارض والتقاطع، لا بل اضيف ان علاقة رئيس الحكومة الحالي ومنذ تشكيل وزارته الاولى هي علاقة متشنجة حتى مع وزراء ماليته ، فكانت علاقات تجافي ومناكفة اغلب الاحيان، وهذا ما لا تتحمله شركة صغيرة (اقصد عدم الانسجام والتعاون بين الرئيس التنفذي والمدير المالي) ان جاز لنا المقارنة.

اتذكر ان لوائح العمل كانت تجبر المدير المالي على لقاء الرئيس التنفيذي للشركة يوميا لمدة ربع ساعة على الاقل ان لم يكن قد التقاه ذلك اليوم باجتماع او لقاء عمل من اي نوع (علما ان مثل هذه القاعدة لا تشمل  بقية مدراء الادارات) هذا في مؤسسة مهما كبرت تظل شركة صغيرة مقارنةً بدولة.

في دول ذات نظام مؤسسي محترم كبريطانيا مثلا يوجد مكتب لوزير المالية بجوار مكتب رئيس الوزراء Next Door، أما في العراق فوزراؤنا بين المناكفة والمقاطعة ، ورئيس الوزراء بين المعاندة والاستخفاف.

استاذنا الدكتور، نحن في بلد يتبجح فيه وزير ماليته بأنه الاختيار الامثل لهذ المنصب لان أباه كان يرسله الى المصرف ليتابع له معاملة الاعتمادات المستندية، وبالتالي لديه خبره مكتنزة بهذا المجال !!!

واذا سألته عن انجازات الوزارة بعهده، سيقول انه خفض ديون البلد ولم يحدث فساد مالي في وزارته (هذا ادعاؤه) ليس هناك حديث فوق هذا ابداً.

اذا فادارات هذا البلد تجتزء التقييم.

ان بناء وادارة الاقتصاد القومي عملية كلية (بالممارسات والنتائج) لا يكفي أن تعنى الحكومة بموازنتها (وحتى الاستثمارية منها) وتوليها الاهمية في ظل انعدام منظومة مصرفية تستوعب هذا الانفاق وتستثمرة بدورة اقتصادية منتجة، ولا يكفي تخفيض التضخم واستقرار سعر الصرف وترك النشاط الاقتصادي بدون تمويل وضمان . ومن قال ان التحكم بمعدل الصرف والتضخم ممكن عمليا على المدى الطويل بغياب دورة اقتصادية نامية وقيم مضافة للاقتصاد … ان صح ذلك فعلى حساب الموارد الصافية للبلد حكماً.

استاذنا الدكتور ، انت خير من يعلم ان خير وسيلة لكبح التضخم هو خلق المنتج (واحدة من اسباب التضخم هي الفجوة بين الطلب على السلع والمعروض منها) اما الوسائل الاخرى فهي محرك اولي ولمدى قصير.

لا أجد منطقاً بنقد الاقتصاد الريعي والاسهاب بتعداد مساوئه، والتسبيح بحمد الاقتصاد الحر متعدد الموارد، وبنفس الوقت تحجيم العملية الانتاجية المحلية بتقليص المعروض من رأس المال!!!

يمكن فهم وتبرير الخطة القاسية للسيطرة على التضخم ضمن اطار زمني، لبلوغ معدلات مستهدفة ، فالذي اراه في عدة بلدان انها تقبل وتستوعب هوامش تضخم معقولة وغير منفلتة وحسب ظروفها.

أتعلم سيدي ان المستثمر العراقي يطالب ان يتوفر لديه 100% من راس المال (نقدا) حتى يستطيع انشاء مشروعه  وهي حالة فريدة في العالم كما اعلم، وحتى لو امتلك هذه النسبة فلا يستطيع ان ينشأ المشروع لانه بحاجه الى ضمانات واعتمادات لتوريد المكائن والمعدات ، والمصارف حاليا تطالبه ان يقدم من 200-400 % من مبلغ الاعتماد المطلوب كضمانات (عقار او نقد) وتُقَيم العقارات المقدمة كضمان بقيمة الارض فقط وبأقل من 50% من القيمة السوقية في احسن الاحوال (تحت بند التحفظ وادارة المخاطر).

أما مسألة الشراكات الخارجية وفتح المجال للمصارف الاجنبية بالاستحواذ او المشاركة في المصارف الخاصة العراقية ، فهو مشروع اقرب الى الفشل منه الى النجاح، مع التأكيد على انه امر لا بد منه لرفد المصارف العراقية الخاصة بالخبرات والتقنيات وسرعة اندماجها مع نماذج الاعمال المصرفية الدولية …الخ ،  ولقد احسنت الاختيار بذكرك مصرف الائتمان مثالاً استحوذ بنك الكويت الوطني وهو من اكبر المصارف في المنطقة على ما نسبته حوالي 85% من راس مال مصرف الائتمان العراقي منذ 2004 ، ماذا كانت النتيجة ؟ لم يتغير شيء في اسلوب عمل المصرف بل زادت حلقات البيروقراطية، اذا لا يمر شيء بدون الرجوع للمركز في الكويت الذي لم يضف حد علمي او يعزز موجودات المصرف العراقي او جعله مثل فروع  بنك الكويت الوطني في بقية دول العالم،  وزيارة سريعة للمقر الرئيس او احد الفروع تغني عن الكثير من القول… والتجربة في بقية المصارف ليست افضل ،  واترك موضوع تقييم التجربة بعد عشر سنوات للمختصين، ام نحتاج زمن اطول؟ التجربة بحد ذاتها عظيمة وتمثل وجه من اوجه السوق المفتوح والدفع باتجاه المنافسة ، ولكن حدث شيء ما جعلها تراوح مكانها، والمنظم لهذه التجربة هو البنك المركزي.. وهو مطالب ان يبين ما حصل.

استاذنا الدكتور مع وافر الاحترام ، كان الاجدر ان لا تغمزني من قناة اني اكرر او استمرئ  كلام مستشاري الحكومة، فلست موظفا ولا مقربا ولم اكن ولا انوي بعد 20 سنة في العمل الوظيفي الخاص مع شركات اقليمية ودولية ان انزلق لهذا المنزلق (يمكن الاطلاع على السيرة الذاتية على Linkedin.com     تحت اسم (Mahdi Al-Bannai) انما شجعتني دراستكم القيمة ان افتح موضوع النظام المصرفي الفعال وأهميته ومسؤولية البنك المركزي  (ولو جزئيا) عن البنية الهزيلة الموجودة حاليا . من واقع تجربة عملية ، تصف معاناة الصناعيين والمستثمرين والتجار الذين تُركوا بين ادعاء المصارف بالتعقيدات التي يضعها البنك المركزي وبين ادعاء المركزي أن لا يد له بالامر  مع التأكيد ان المصارف في العراق تجاز وتراقب من البنك المركزي بصفته المنظم Regular  .

وأتسائل واحسب ان الكثيريين من الاساتذة والمتتبعيين يتفقون معي ، أيعقل ان ما نراه من منظومة مصرفية متهالكة تتناسب وبلد موازنته الحكومية بحدود 120 مليار دولار لسنة 2012 ، والناتج المحلي الاجمالي 115 مليار دولار لسنة 2011 (المصدر نشرة البنك الدولي) !!!؟ وبحساب بسيط لحجم الودائع والموجودات وحجم الائتمان ندرك ان جل هذه الاموال هي خارج المنظومة المصرفية وبالتالي خارج المساهمة في حركة اعادة التمويل … او ان المصارف الاقليمية هي المستفيد منها.

   ولعلي اقترح على جنابكم وشبكة الاقتصاديين العراقيين ان تجمعوا بين مدراء المصارف والصناعيين والمستثمريين العراقيين وسترى وتسمع العجب.

اخيرا تفضلت بسؤالي عن اعتقادي ورأي بما قامت به الحكومة من تشهير وسجن ونفي للمهنيين .واعتمادا على خبرتي الشخصية وتكويني المهني والانساني وما تعلمناه ومارسناه مع الشركات المحترمة بوجوب ان تلتزم الادارات بمعايير السلوك المؤسسي Organization Behavior   ووجوب اتباع اجراءات ومعايير سلوك تتسم بالاحترام الكامل والتقدير في حالة الاستغناء عن خدمات موظف مهما صَغُر شأنه في السلم الوظيفي. مع هذه الخلفية بما تريدني ان اجيبك يادكتور ؟ والمعني هنا محافظ البنك المركزي العراقي شخصيا !!!… واحسرتاه.

*) رئيس مجلس الادارة –  الشركة المتقدمة للصناعات الغذائية AFICO.  كربلاء -العراق

 

خاص بشبكة الإقتصاديين العراقيين – 19 مارس 2013

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي موقع شبكة الإقتصاديين العراقيين بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها

 لتنزيل المقال كملف بي دي أف انقر هنا

الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية

تعليقات (1)

  1. Avatar

    الاستاذ مهدي الباني واحد من اروع الناس الذين عملت معهم منذ تاسيس شركه زين العراق له رؤيه واضحه و بعيده و استطاع وبالرغم من الظروف الصعبه في العراق ان يقوم بتاسيس اكبر شركه للاتصلات في الشرق الاوسط وفق اعلى المعاير الدوليه، وعمل بشفافيه وصدق مع الموظفيين في زين العراق اتمنى له كل الموفقيه في حياته العمليه.

التعليق هنا

%d مدونون معجبون بهذه: