المكتبة الاقتصاديةقطاع التأمين الوطني والاجنبي

مصباح كمال: كتاب "وزارة النفط والتأمين: ملاحظات نقدية"

لتنزيل المقدمة والفصل الاول كملف بي دي أف انقر هنا

تصدير

يضم هذا الكتاب الصغير مجموعة من الدراسات نشرتها في أوقات مختلفة، وأضفت لها مدخلاً عاما لإبراز جوانب من موضوع تأمين صناعة النفط في العراق وموقع وزارة النفط في عملية التأمين.

تأمين قطاع النفط العراقي موضوع واسع ومتشعب، ولذلك فإن محتويات هذا الكتاب الصغير ليس إلا محاولة أولية للاقتراب من بعض جوانب الموضوع.  في عرض هذه الجوانب لم اتبع منهجاً مدرسياً كالتعريف بقطاع النفط بشقيه الوطني والأجنبي القائم في العراق، والبرنامج التأميني المناسب وكيفية الحصول عليه (بتفويض شركة تأمين معينة لتوفيره أو من خلال استدراج العروض التنافسية – كما يقضي بذلك قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005)، وإدارة البرنامج بواسطة قسم متخصص في التأمين وإدارة الخطر وما يقابله في الكيانات التابعة للوزارة، وكذلك ما يتطلبه البرنامج التأميني من معلومات اكتتابية وافية وعناصر تكميلية كتقييم الموجودات، المعروضة للتأمين، لتحديد قيمها الاستبدالية.  وأيضاً، دراسة القدرات التأمينية المحلية لتوفير الحماية المناسبة للقطاع، وتحليل وثائق التأمين الحالية ومدى استجابتها للحوادث الكبيرة والكارثية ضمن محاولة أوسع لتفكيك وإعادة صياغة البرنامج التأميني، والبحث في الإمكانيات التأمينية الفنية المتوفرة في الوزارة والكيانات التابعة لها.

الهدف الأول من جمع هذه المقالات في كتاب هو فتح الباب أمام دراسات معمقة حول الدور التأميني لوزارة النفط، وتأمين قطاع النفط العراقي عموماً والذي لم يخضع حتى الآن للبحث، رغم استمرار المكانة الأساسية التي يحتلها القطاع في تاريخ السياسة والاقتصاد العراقي.  ربما كان بالإمكان أن يكون هذا الكتاب أكثر شمولية لو توفرت لدي المعلومات الموجودة لدى الوزراة، وشركات التأمين العراقية التي تؤمن على اصول الوزارة وشركاتها، والأطراف الأخرى ذات العلاقة داخل وخارج العراق، أو لم أكن مقيداً بعدم الكشف عن معلومات خاصة متوفرة لدي.

الهدف الثاني هو آملي أن يحفز هذه الكتاب الباحثين في النشاط التأميني لإيلاء موضوعه الاهتمام المناسب ضمن رؤية تقوم على تطوير وتعزيز دور قطاع التأمين، على المستوى الاتحادي ومستوى إقليم كوردستان، في توفير حماية تأمينية رفيعة لقطاع النفط.  وكذلك استكمال ما فاتني الكتابة عنه.  ولعل المسؤولين عن ملف التأمين في وزارة النفط يأخذون على عاتقهم مهمة الكتابة عن المقتربات التي تعتمدها الوزارة في رسم سياسة التأمين لها وللشركات والدوائر التابعة لها.

ويهدف الكتاب أيضاً إلى توثيق أولي لتأمين الصناعة النفطية وتمهيد أرضية للبحث التاريخي لتأمين هذه الصناعة التي وسمت تاريخ العراق وشعبه باستبدادها.[1]

كان بودي التوسع في الكتابة لكنني خشيت الوقوع في الحرج – الحرج لنفسي ولغيري بالاستفادة من معلومات وبيانات غير منشورة أو ليست في التداول العام، ولذلك آثرت السكوت عن بعض القضايا والتفاصيل.  وعلى أي حال، فإن الكتاب يضم ملاحظات نقدية أراها كافية للمتابعة والتعليق والنقد.

مدخل عام

فقَدَ قطاع النفط العراقي وحدته بعد 2003 وأصبح موزعاً بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كوردستان العراق.  ويلاحظ أن هناك ميلاً قوياً في الإقليم للاستقلال الكامل عن وزارة النفط الاتحادية.

وفيما يخص التأمين فقد أصبح هو الآخر موزعاً بين المركز والإقليم.  لن نتعرض هنا لتأمين القطاع النفطي في الإقليم سوى الإشارة إلى أن شركات التأمين في الإقليم، وهي شركات تابعة للرأسمال الخاص وربما بمشاركة غير مباشرة لأطراف داخل النخبة الكوردية الحاكمة وبعض أجهزتها التنفيذية، لا دور حقيقي لها في التأمين على الأصول النفطية في الإقليم إلا بحدود ضيقة.

وليس الحال بأفضل على المستوى الاتحادي إذ أن حصيلة ما تكتتب به شركات التأمين العامة والخاصة من أقساط التأمين على الموجودات النفطية، قيد الإنشاء والتركيب أو قيد التشغيل، صغيرة لسببين.  الأول، يعود، ربما، إلى عزوف العديد من الشركات التابعة لوزارة النفط عن تأمين أصولها وعملياتها ومسؤولياتها القانونية.  وهذا الوضع بحاجة إلى بحث مستقل وبمساعدة من الوزارة وشركاتها للكشف عن واقع الحال.  الثاني، اشتراط شركات النفط العالمية العاملة في العراق على شركات التأمين العراقية الاحتفاظ بأقل نسبة من أقساط التأمين والدفع بها لإعادة التأمين مع شركات التأمين المقبوضة captive insurance companies العائدة للشركات النفطية وبعض شركات إعادة التأمين.  وهذا الوضع ينطبق على جميع الشركات النفطية التي تعمل بموجب عقود التراخيص.

الانشغال الشخصي بموضوع تأمين صناعة النفط العراقية

شغل موضوع تأمين قطاع النفط العراقي بعضاً من اهتماماتنا التأمينية، وقد عبرنا عن ذلك في مقالات منشورة لنا نأتي على ذكرها فيما يلي.  ففي دراسة لنا بعنوان “قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005: مراجعة للخلفية وبعض الآثار الاقتصادية” كتبنا عدة فقرات تحت عنوان “تأمين صناعة النفط العراقية” سنعرضها فيما بعد.

وفي دراسة سابقة بعنوان “بعض قضايا صناعة التأمين في العراق: دعوة للنقاش” أفردنا قسماً منها لعرض موقف عام من تأمين صناعة النفط العراقية.”  ونقتطع التالي من هذه الدراسة مع بعض التحوير:

“من بين القضايا التي تستحق وقفة خاصة قضية تأمين أصول صناعة النفط العراقية.  وقد يكون هذا مثار التجاذب بين مختلف الأطراف المحلية والخارجية.  ما يجب التأكيد عليه هو أن هذه الصناعة ستكون مصدراً كبيراً لأقساط التأمين وعمولات الإسناد [العمولات التي تحصل عليها شركات التأمين لقاء إجراء إعادة التأمين] متى ما اكتملت التغطية التأمينية لها، وأن التأمين عليها يجب أن يمر من خلال شركات التأمين العراقية ليس من باب ذر الرماد على عيون هذه الشركات بل من خلال مشاركة حقيقية في تجميع المعلومات والبيانات الاكتتابية والتنسيق فيما بين الشركات ذاتها وتفويض من يقوم منها بالتعامل مع وسطاء التأمين ومعيدي التأمين الدوليين.

وأملنا أن لا يتعكز البعض على الوضع الحالي الضعيف لشركات التأمين العراقية وتجاهل دورها، وتبرير ذلك باسم نظرية المزايا النسبية للتجارة الدولية.  نحن على قناعة بأن مشاركتها في هذه المرحلة سيفرض عليها مجابهة التحدي الذي يثيره تأمين صناعة النفط واكتساب الخبرة في التعامل معها.

من المناسب أن نذكر هنا أن شركات التأمين المحلية (الوطنية) في جميع البلدان العربية المنتجة للنفط تقوم، بصيغة أو أخرى وبفعالية، بالتأمين على أخطار الصناعة النفطية في جميع مراحلها، بدءاً بالإنشاء وانتهاءً بالتشغيل، بالتعاون مع ومن خلال وسطاء التأمين الدوليين.  وأملنا أن لا تفوت شركات التأمين العراقية هذه التجربة وتعمل معاً على نبذ المصالح الضيقة المترسخة في الداخل والخارج.”

وأكدنا في دراسة أخرى على إشراك جميع شركات التأمين العراقية في تغطية أخطار القطاع النفطي العائد للدولة من خلال التعاون والتنسيق بين شركات التأمين القائمة، العامة والخاصة، بحيث تتولى إحدى الشركات دور الشركة القائدة leading insurer على أن يتم تداول هذا الدور بين الشركات.  ونحن هنا نتحدث عن الأخطار الكبيرة للقطاع التي تتطلب حماية إعادية من الأسواق العالمية.  في هذه الحالة تقوم الشركة القائدة باستدراج عروض تنافسية من هذه الأسواق.  وتضمن هذه الطريقة تقديم ما هو الأفضل من شروط وأسعار للمؤمن لهم.  إلا أن هذا المقترح لم يتحقق ولم تلتفت إليه أي من شركات التأمين العراقية فالمنافسة تحول دون ذلك رغم أن التنسيق والتعاون بين مجموعة من شركات التأمين معروف في أسواق تأمين أخرى، ومعروف أيضاً في بعض المجالات، سوى النفط، بين شركات التأمين العراقية كمجمعات التأمين على المخازن والنقد أثناء النقل.

التحرك نحو تأمين صناعة النفط العراقية

منذ غزو العراق للكويت (2 آب 1990) توقفت إعادة تأمين أخطار قطاع النفط في أسواق التأمين الدولية.  وظل هذا الوضع قائماً لحين قيام وزارة النفط مع بدء عام 2013 بالتأمين على أصول بعض الشركات النفطية التابعة لها لدى إحدى شركات التأمين العامة التي قامت بدورها بإعادة التأمين، من خلال مجموعة من شركات وساطة التأمين العاملة في سوق لندن.

وقد سبق ذلك استطلاع وزارة النفط لإمكانيات شركات التأمين العاملة في العراق من خلال ندوة عقدت في مقر الوزارة (راجع فصل: “وزارة النفط وقطاع التأمين العراقي والتأمين على المنشآت النفطية: قراءة لخبر في موقع إلكتروني” في هذا الكتاب).

إن التأمينات الحالية، وحسب المعلومات القليلة المتوفرة لدينا، ليست شاملة بمعنى أنها لا تغطي جميع الشركات التابعة لوزارة النفط.  وفي تقديرنا ان تأمين صناعة النفط العراقية لا يزال ناقصاً.  هذا القول ينطوي على تعميم ولكننا نعتقد بأنه قريب من الواقع.

وزارة النفط وتأمين قطاع النفط

شحة المعلومات

نزعم بأن تأمين وإعادة تأمين قطاع النفط لم يكن موضوعاً لدراسة مستقلة تأمينية، في الماضي أو الحاضر رغم الدور الأساسي الذي يلعبه ريع قطاع النفط، منذ عشرينيات القرن الماضي، في تحريك الاقتصاد العراقي وتغطية عيوبه، وفي تكييف السياسة الانفاقية والاستثمارية للحكومات، وفي وضع موازنة الدولة، ودعم الأنظمة القمعية والدكتاتورية، وتمويل الحروب الداخلية والخارجية.  وهو ما يمكن أن يوصف بتسييس الريع النفطي politicisation of oil rent.[2]  ولم نعثر في الدراسات الاقتصادية عن قطاع النفط والريع النفطي، المتوفرة لدينا، إشارة مهمة إلى التأمين.  ونؤكد أن التأمين، في الواقع، لم يشغل بال الاقتصاديين العراقيين.[3]  كما لا يجد التأمين حضوراً له في الدراسات ذات الطابع التاريخي للنفط العراقي.

ونؤكد ان تطور قطاع التأمين العراقي، وهو قطاع ثانوي تابع، ارتبط بشكل غير مباشر، وإلى حد كبير، بالريع النفطي ووجوه التصرف بهذا الريع – كما هي مدرجة في التخصيصات الاستثمارية والانفاق التشغيلي في موازنات الدولة.  فالاقتصاد العراقي أحادي الجانب، يعتمد أساساً على الريع النفطي وهو المورد الرئيس لموازنة الدولة.  إن التخصيصات الاستثمارية، الممولة من الريع، تقرر حجم الاستثمارات الإنتاجية والخدمية، أو قل أن الحكومات هي التي تقرر بهذا الشأن، وهذه تصبح موضوعاً للتأمين البحري والتأمين الهندسي وما ينشأ من مسؤوليات قانونية وتعاقدية مرتبطة بتنفيذ المشاريع وغيرها من أشكال التأمين.  أبرز مثال على تبعية التأمين للريع النفطي هو الزيادة الكبيرة في أقساط التأمين المكتتبة والتي ارتبطت بما سمي بالخطة الانفجارية خلال سبعينيات القرن الماضي، وقد تجلى ذلك بشكل خاص بعد تأميم شركات النفط الأجنبية.[4]  بعدها انخفضت بشكل كبير، وتدهور قطاع التأمين بسبب الحصار الدولي (1990-2003).

ليست هناك معلومات منشورة عن أغطية التأمين التي تقوم وزارة النفط ومؤسساتها بشرائها.  المتوفر من المعلومات لا يتجاوز ما هو في التداول العام بين العاملين في قطاع التأمين وذلك بفضل استدراج عروض للتأمين بين شركات التأمين وعندها يصبح موضوعاً للحديث.  كما أن بعض عقود التأمين الكبيرة تنتهي كعقود لإعادة التأمين في أسواق التأمين العالمية (معيدي التأمين، وشركات التأمين المقبوضة للشركات النفطية العالمية، ووسطاء إعادة التأمين الدوليين).  وهذه، وبفضل استدراج العروض التأمينية التنافسية بشأنها، تنتج بعض المعلومات.

اعتماداً على مثل هذه المعلومات يظهر أن بعض مؤسسات الوزارة تشتري تأميناً خاصاً للأصول التي تمتلكها.  على سبيل المثال، تشتري شركة الناقلات النفطية العراقية تأميناً لأسطولها البحري في حين أن مجموعة من المصافي تشتري وثيقة تأمين على ممتلكاتها من خلال الوزارة.  وتقوم شركة المشاريع النفطية بتحويل مسؤولية إجراء التأمين على المتعهدين معها من المقاولين العراقيين والأجانب.  كما أن شركات نفطية أخرى تعمل في حقل الخدمات تشتري وثائق معينة للتأمين على أصولها أو مسؤولياتها التعاقدية أو العاملين لديها.  ومع ذلك ليست هناك معلومات كثيرة ودقيقة عن حجم وأنواع التأمين التي تشتريها الوزارة وشركاتها تساعدنا في التوسع في التحليل.

غياب برنامج تأميني موحد شامل

نزعم بأن وزارة النفط لا تمتلك برنامجاً تأمينياً موحداً وشاملاً لجميع الشركات والمنشآت التابعة لها، وليس لها تصوراً مدروساً لما يجب أن يكون عليه نظام الحماية التأمينية.[5]  وهذا الوضع يعكس عدم وجود قسم متخصص للتأمين وإدارة الخطر في الوزارة يتولى صياغة وإدارة برنامج التأمين.  والوضع نفسه موجود في الكيانات التابعة للوزارة إذ أن الوظيفية التأمينية تناط مرة بقسم المحاسبة وأخرى بالدائرة القانونية أو مكتب المدير العام وهكذا.

لم تفكر الوزارة، مثلاً، بالتأمين الذاتي self-insurance أو التأمين من خلال تأسيس شركة تأمين مقبوضةcaptive insurance company ، وهي آليات للتعامل مع الأخطار معتمدة من قبل شركات النفط العالمية وغيرها.  وليس معروفاً إن كانت كلفة شراء الحماية التأمينية موضوعاً للمناقشة عند وضع موازنة الوزارة أو الكيانات التابعة لها وهي تضم شركات نبعية upstream (تعمل في المنبع)، وشركات حدرية downstream (تعمل في المصب)، وشركات تعمل ما بين المنبع والمصب[6] وتضم في الوقت الحاضر، حسب الموقع الإلكتروني للوزارة:

شركة المشاريع النفطية (SCOP)

شركة الاستكشافات النفطية (OEC)

شركة الناقلات النفطية العراقية (IOTC)

شركة خطوط الانابيب النفطية (PLC)

شركة تسويق النفط (SOMO)

شركة توزيع المنتجات النفطية (OPDC)

شركة الحفر العراقية (IDC)

شركة نفط الشمال (NOC)

شركة نفط الشمال (MDOC)

شركة نفط الجنوب (SOC)

شركة نفط ميسان (MOC)

شركة غاز الشمال (NGC)

شركة غاز الجنوب (SGC)

شركة تعبئة الغاز (GFC)

شركة مصافي الشمال (NRC)

شركة مصافي الوسط (MRC)

شركة مصافي الجنوب (SRC)

معهد تدريب النفطي في بغداد

معهد تدريب النفطي في البصرة

معهد تدريب النفطي في كركوك

معهد تدريب النفطي في بيجي

وهذه الكيانات، من وجهة نظر تأمينية، وحدات مستقلة من حيث توزيعها الجغرافي، واصول بعضها يقدر بمئات الملايين من الدولارات.  ونفترض أن هذه الكيانات تقوم بشراء غطاء التأمين بانفراد وليس بالتنسيق مع الوزارة.

ليست هناك معلومات متوفرة عن أنواع الأغطية التأمينية التي تقوم الوزارة أو الكيانات العائدة لها بشرائها، كالتأمين على الممتلكات property insurance، وتأمين كلفة التحكم بالآبار نتيجة انفجاره والتلوث الناشئ عنه control of well insurance (operator’s extra expense)، وتأمين المسؤوليات القانونية والتعاقدية legal and contractual liability وغيرها من أشكال التأمين.  وهذا الوضع، أي قلة المعلومات، ينطبق أيضاً على شركات النفط العالمية العاملة في العراق.

ولم يجري جرد شامل لممتلكات القطاع لتقدير قيمتها الاستبدالية replacement value لأغراض التأمين.  وقد تكون القيم المؤمن عليها مجرد قيم دفترية ربما مستقاة من عقود الإنشاء معدلة بهامش لأخذ عامل التضخم بنظر الاعتبار.[7]

كما أن القطاع يفتقر إلى دراسات حول مشاهد أقصى خسارة يمكن أن تتعرض لها المنشآت جراء حادث كبير (حريق، انفجار، كارثة طبيعية).  كانت شركة التأمين الوطنية في الماضي، الشركة الوحيدة في السوق والمتخصصة بالتأمينات العامة آنذاك، المؤمِنة على بعض المنشآت، تستفيد، بالتعاون مع معيدي التأمين الأجانب، من خبراء في الكشف الميداني الهندسي على المصافي (مصفى الدورة أساساً في الماضي) لوضع تقرير لأغراض التأمين عن حالة المصفى وإدارته والمستوى الفني للعمال ومدراء الأقسام والصيانة الدورية للمنشآت وتقدير مشهد الخسارة القصوى Estimated Maximum Loss (EML) من جراء وقوع حادث واحد، وهو ما يستخدم لتقدير احتفاظ شركة التأمين retention، وتقدير السعر المناسب للتأمين.  ويمكن للمؤمن له الاستفادة منه في حال التأمين الذاتي.  وحسب المعلومات المتوفرة فإن آخر مرة جرى فيها مثل هذا الكشف كان في أواخر ستينيات أو أوائل سبعينيات القرن الماضي.  وقد تعثرت مثل هذه الكشوفات الميدانية بسبب الهاجس الأمني واعتبار إطلاق المعلومات الخاصة بالمنشآت النفطية نوعاً من الإخلال بالمعلومات الوطنية السرية!  وينسى السياسيون، في الماضي والحاضر أيضاً، أن براءات الاختراع الصناعية هي أجنبية وأن معظم المنشآت الصناعية المتقدمة قد صممت خارج العراق ونفذت من قبل شركات أجنبية متخصصة.

غياب قسم متخصص للتأمين وإدارة الخطر

غياب قسم متخصص للتأمين وإدارة الخطر insurance and risk management department يعكس خللاً في تصور الأخطار الاحتمالية، الطبيعية والبشرية، التي قد تتعرض لها المنشآت النفطية.[8]  قطاع النفط العراقي الوطني متخلف، من هذه الناحية، مع ما يماثله في البلدان المتقدمة وبعض البلدان العربية المنتجة للنفط.  والبون شاسع، تأمينياً، بين العراق وهذه البلدان.  وحسب علمنا، ليس هناك حالياً خطط لتأسيس مثل هذا القسم المتخصص، ولم يطرح الموضوع للنقاش داخل الوزارة أو خارجها، ولم تتقدم شركة/شركات التأمين العراقية المؤمنة على بعض منشآت الوزارة باقتراح لتأسيس مثل هذا القسم المتخصص.

ما عرضناه آنفاً تحت عنوان “غياب برنامج تأميني موحد شامل” يقع ضمن بعض وظائف هذا القسم المتخصص.

تصورات شركات إعادة التأمين حول تأمين الأخطار النفطية

بسبب غياب إعادة تأمين لقطاع النفط العراقي في الفترة 1990-2010 ترسخت بعض التصورات السلبية لدى معيدي التأمين reinsurers، وهي تصورات قابلة للنقاش.

عندما ينظر معيدو التأمين إلى أخطار قطاع النفط العراقي يستحضرون في ذهنهم خسائر الصناعة النفطية في العالم ويقحمونها في منهج اكتتاب أخطار ذات الصناعة في العراق من خلال التأكيد على التأمين بأسعار وشروط تعكس معطيات الخسائر العالمية المتوفرة لديهم.  لكن مراجعة سريعة لهذه الخسائر تكشف أن معظمها حصلت في بلدان غربية والقليل جداً منها في بلد عربي أو آخر.  وفيما يخص العراق، نزعم بأن صناعة النفط لم تشهد خسائر كارثية أو كبيرة خلال نصف القرن الماضي.

لا نقلل من احتمال تعرض المنشآت النفطية العراقية إلى خسائر غير متوقعة لأسباب عديدة منها: الافتقار إلى الصيانة المنظمة بأنواعها، وضعف الإنفاق الاستثماري على تجديد ما هو قائم، والبطء الشديد في تأهيل الجيل الثاني من الكوادر الفنية القائدة والمساعدة، وعوارض الطبيعة وغيرها.  ولا نقلل إطلاقاً من أهمية التأمين على المنشآت النفطية العراقية وإعادة تأمينها في الخارج، ولو بحدود دنيا، لحين التوفر على المعلومات الأساسية وبناء القدرات الذاتية في إدارة ملف التأمين على مستوى الوزارة ومستوى شركات التأمين العاملة في العراق.

بإمكاننا تفسير موقف معيدي التأمين من تأمين أخطار الصناعة النفطية في العراق بجملة من العوامل نذكر بعضاً منها فيما يلي:

ان أخطار الصناعة النفطية العراقية لم تعرض للتأمين في أسواق التأمين الدولية لفترة تقرب من ثلاثة عقود.  وبذلك أصبحت هذه الصناعة، من وجهة نظر تأمينية، كماً غير معروف.

ان المعلومات الاكتتابية التي يطلبها مكتتب التأمين العالمي وقدرة شركات التأمين العراقية على توفيرها ضعيفة.

إن البيانات المتوفرة عن القيمة الاستبدالية للموجودات المادية للقطاع ليست متوفرة وفي أحسن الحالات فقيرة.

ان الأوضاع الأمنية القائمة ما زالت ترمي بثقلها على العمل والحركة وإدارة المؤسسات.  ويزيد من تأثيرها البيروقراطية المفرطة بفضل تخمة التوظيف المسيس، أو قل هزال البيروقراطية الحقة.

ان الوصول إلى مواقع المنشآت ليست سهلة.  وبالتالي فإن تصليح المنشآت المتضررة بعد وقوع حادث مؤمن عليه يصبح عرضة للتأخير ومن شأن التأخير أن يؤدي إلى تشويه معالم الضرر وحتى مفاقمة حجمه قبل أن يستطيع مسوي الخسارة الوصول إلى موقع الضرر وتحديد سبب الضرر وتقدير كلفة تصليحه.  ولذلك فإن كلفة التصليح ستكون عرضة للزيادة، وهو ما لا يرغب به معيد التأمين.

لكن المبالغة المفرطة في اعتبار الأخطار النفطية العراقية وكأنها غير قابلة للتأمين ولذلك تستوجب فرض أسعار وشروط تقرب من القصاص في شروطها ومن التحريم بشرائها لكلفتها العالية، أمر غير مقبول وقابل للنقاش.  وذلك لأن أخطاراً مماثلة في بلدان أخرى تعامل بشكل أفضل.

ومع ذلك فإن القلق الاكتتابي الذي يكمن في تصورات معيدي التأمين حقيقية ولا يمكن صرف النظر عنها وإنما التعامل معها بجدية.  ولمجابهة هذا الموقف وجب تقديم منهاج متكامل من قبل الوزارة، أو كل منشأة معروضة للتأمين، يتضمن معلومات اكتتابية وافية، والميزانية المقررة للصيانة (وما يصرف منها فعلاً مع تفاصيلها في نهاية كل سنة) والتدريب الفني الهندسي للعاملين، والإنفاق الاستثماري على تحسين ما هو قائم وتجديده أو استبداله، وإجراء الكشوف الميدانية الهندسية سنويا، والقيام بدراسات الخطر والتشغيلHazard and Operability Studies (HAZOP) ، والاستجابة الحقيقية للمقترحات المقدمة لتحسين إدارة الخطر Risk Improvement Recommendations من خلال القبول بها، بعد مناقشتها، ورصد المبالغ اللازمة لها ووضعها قيد التطبيق خلال فترة زمنية محددة، وغيرها من العناصر التي تؤثر على الاكتتاب التأميني.

ولكن إن كانت أسعار وشروط معيدي التأمين مجحفة فإن الإنفاق على التأمين في هذه الحالة يكاد أن يكون هدراً للأموال، ومن الأفضل، إزاء هذا الوضع، قيام الوزارة بالتأمين الذاتي self-insurance.  يعني هذا، مع التبسيط، حجز الأموال التي كانت ستصرف على شراء حماية التأمين (أي أقساط التأمين) في صندوق خاص يستفاد منه في تمويل أضرار قد تلحق بالمنشآت النفطية.  وبالطبع فإن مثل هذا الصندوق يمكن أن يودع في حساب مصرفي بفوائد.  ومثل هذا الترتيب يجب أن يقترن مع إدارة صارمة للأخطار في مواقع المنشآت، ويناط إدارته لقسم متخصص يعمل وكأنه شركة تأمين صغيرة.  ومع تقييم هذه التجربة يمكن بعدئذ الرجوع إلى سوق التأمين العالمي، من خلال شركة/شركات التأمين العراقية، لترتيب غطاء تأميني مناسب.  لكن هذا المقترب لم يظهر في تفكير المعنيين في الوزارة.

وهنا نود الإشارة إلى أن دور شركات التأمين العراقية، في التعامل مع أخطار الصناعة النفطية العراقية، لا يتميز بحرفية عالية فهذه الشركات تفتقر في الوقت الحاضر إلى القدرات الفنية المناسبة والتي يمكن أن تساعد وزارة النفط العراقية في إدارة محفظتها التأمينية داخل العراق ولدى معيدي التأمين.  الانطباع العام هو ان كل الذي ترغب به هذه الشركات هو الحصول على قرار من الوزارة للتأمين بموجب الشروط التي تفرضها شركات إعادة التأمين الدولية وكأن دورها لا يتعدى دور ساعي البريد.[9]

ومن المؤسف أن شركات التأمين العراقية وجمعية التأمين العراقية لم تفكر بتكوين صندوق وطني لتأمين قطاع النفط كإجراء لتكوين طاقة استيعابية محلية.  ولا نذكر إن قامت هذه الشركات، بانفراد أو من خلال جمعيتها، بنشر تصور أو تحديد موقف تجاه تأمين القطاع.

وزارة النفط وتأمين عقود التراخيص النفطية

شركات النفط العالمية التي تعمل بموجب عقود التراخيص والشركات التي تعمل لديها من الباطن (شركات الخدمات النفطية الأجنبية وشركات الخدمات العراقية) ملزمة بالتأمين بموجب المادة 24 (الشراكة، والتعويض والتأمين) في العقود النموذجية لهذه التراخيص.  وقد تناولنا هذا الجانب في دراستنا “شروط التأمين والتعويض النموذجية في عقود النفط العراقية” في هذا الكتاب.

بعض شركات الخدمات النفطية تلجأ إلى شركات التأمين العراقية للحصول على أغطية تأمينية معينة بحدود صغيرة هي في واقع الأمر هي بحجم الخسارة المهدرة (فقرة تحمل المؤمن له لمبلغ معين من كل خسارة) المثبتة في وثائق تأمين شركات النفط العالمية.  وبعض هذه الشركات تتجاهل شركات التأمين العراقية وتقوم بشراء الحماية التأمينية في أوطانها.

شركات التأمين العراقية و محنة تأمين قطاع النفط

في دراستنا “ملامح من محنة قطاع التأمين العراقي”[10] كتبنا الآتي تحت عنوان “محنة تأمين قطاع النفط”:

الموارد النفطية هي العنصر الأساس للاقتصاد العراقي، وهذه الموارد تغطي عيوب هذا الاقتصاد إذ ليس هناك إنتاج صناعي وزراعي حقيقي.  ورغم هذه الأهمية الاستثنائية للقطاع النفطي فإن ما يشتريه القطاع من حماية تأمينية ضئيل جداً مقارنة بحجم الموارد.  ويبدو لنا أن القطاع يكاد أن يستغني عن تأمين ما يتعرض له من أضرار مادية لامتلاكه ما يكفي من موارد داخلية لتمويل أعمال تصليح الأضرار بدلاً من تحويل كلفة التمويل، لقاء قسط سنوي معلوم مسبقاً يمكن إدخاله في موازنة وزارة النفط والشركات التابعة لها، إلى شركات التأمين العراقية.

بدلاً من تمويل جبر الأضرار من الموارد الداخلية يمكن الاستفادة من هذه الموارد في استثمارات جديدة وفي تنمية القدرات البشرية.

وحتى لو سلمنا جدلاً بأن قطاع النفط قادر على تمويل خسائره المادية إلا أنه يفتقر إلى سياسة في هذا المجال.  بمعنى أنه يستجيب للضرورات عند قيامها (وقوع الضرر الذي يستوجب التصليح) بدلاً من أن يكون له سياسة واضحة في إدارة الخطر من منظور تحويل عبء تحقق الخطر على شركة التأمين أو من خلال تكوين صندوق ذاتي للتأمين هو بمثابة شركة التأمين إذ ترصد له سنوياً مبالغ محددة (ربما تعادل قسط التأمين السنوي الذي تدفعه لو لجأت إلى شركة تأمين) تتراكم على مر السنين لتشكل احتياطياً كبيراً ربما يكفي لتمويل الخسائر المادية ذات الطبيعة الكارثية.  وربما يمكن لهذا الصندوق أن يكون نواة لتأسيس شركة تأمين مقبوضة.  ومن المؤسف أن مثل هذه السياسة غائبة عن التفكير لدى المعنيين في قطاع النفط.[11]

شركات التأمين العراقية محشورة في زاوية ضيقة فيما يخص التأمين على جولة التراخيص النفطية.  كانت البداية تقوم على عدم إشراك شركات التأمين الخاصة.  وبعد ضغط من هذه الشركات وتدخل ديوان التأمين العراقي صارت المنافسة على تقديم خدمات التأمين للشركات النفطية الأجنبية مفتوحة للشركات العامة والخاصة على حد سواء – وهو ما تقضي به المادة 81 من قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005.[12]

بعد تجاوز محنة شركات التأمين الخاصة صار “عصر” شركات التأمين من قبل الشركات النفطية الأجنبية أمراً قائما لم تستطع شركات التأمين العراقية الوقوف ضده.  اتخذ العصر شكل الضغط على أجور ترتيبات الواجهة[13] لتكون في حدودها الدنيا، والتقليل من حدود الاحتفاظ إلى أدنى المستويات، والحرمان من ممارسة الاكتتاب: فكل شيء مجهز من قبل شركة النفط الأجنبية أو شركة التأمين المقبوضة لها أو وسيطها الدولي المعتمد أو مستشارها (كنص وثيقة التأمين، ودليل إجراءات المطالبة، شرط الاختراق cut through clause فيما يخص تسديد أقساط التأمين والتعويضات بتجاوز دور شركة التأمين) لينحصر دور شركة التأمين-الواجهة fronting company بإصدار وثيقة التأمين لقاء أجر زهيد.

وقد تم ذلك بالانتقاء بين شركات التأمين من خلال إجراء المناقصات التنافسية بينها بعد تأهيل تلك الشركات التي تتماثل مع اعتبارات التقييم التي تعتمدها شركات النفط الأجنبية.  ونفس نظام المناقصات طُبق على انتقاء وسطاء ومستشاري التأمين خارج العراق.  ويعتبر الخروج على أي بند من شروط المناقصات كافياً لإلغاء عطاء شركة التأمين.

الدافع الأساسي لموقف الشركات النفطية الأجنبية هو تقليص حجم الانفاق على التأمين مثلما هو الحال على شراء الخدمات الأخرى وذلك لتعظيم هامش الأرباح، وضمان الحصول على التعويضات عند حصول الأضرار لأنها لا تثق كثيراً بإمكانية شركات التأمين المحلية التي لا تمتلك موارد مالية كافية (رأس مال عالي، احتياطيات، غطاء إعادة التأمين المناسب والمتين) لتستجيب للمطالبات الكبيرة (خاصة وهي محرومة من الاستفادة من اتفاقياتها الإعادية).  والدافع الآخر تدوير أقساط إعادة التأمين لتستقر عند شركات التأمين المقبوضة لها بفضل الاشتراط على شركة التأمين القبول بشرط الاختراق فيما يخص تسديد أقساط التأمين والمطالبات – أي تأسيس علاقة مباشرة بين المؤمن له (شركة النفط الأجنبية) ومعيد التأمين (الحصة الكبرى تستقر لدى شركة التأمين المقبوضة لشركة النفط) تجاوزاً لدور شركة التأمين العراقية التي تَقزّمَ دورها إلى واجهة لإصدار وثيقة التأمين.

بالنسبة للشركات النفطية العالمية فإن تمويل أقساط التأمين يتم من خلال تكاليف انتاج البترول petroleum cost recovery ، أي إن الطرف العراقي يشارك في تمويل أقساط التأمين إلا أن دور الطرف العراقي في إدارة التأمين مفقود أو ضعيف جداً.

سلوك الشركات النفطية العالمية يكاد أن يكون نظاماً عاماً تطبقه في العديد من دول “العالم الثالث” (دول “الجنوب”) التي تعمل فيها هذه الشركات، أي أنها ليست خاصة بالعراق.  مثل هذا النظام يسري لأن هذه الدول، ومنها العراق، سمحت لنفسها الخضوع لسلطة الشركات النفطية العالمية، وضعف الشريك المحلي (شركات النفط الوطنية) وضعف السوق الوطنية للتأمين، وغياب دعم الدولة لقطاع التأمين، وغياب رؤية (سياسة) واضحة تجاه النشاط التأميني الوطني، وموقف شركات إعادة التأمين العالمية بعدم منح شروط مناسبة لشركات التأمين المحلية بالاكتتاب والاحتفاظ بالأخطار النفطية.  وهكذا يعمل قطاع التأمين العراقي في ظل هذا الحصار غير المعلن – المحنة التي لا يجد في الوقت الحاضر من يستجير به منها.

بعض عقود الدولة، ومنها ما يسمى بعقود التراخيص النفطية، هي التي تشترط التأمين بصيغة محددة مع شركات تأمين محلية – لو توفر الغطاء التأميني المطلوب محلياً وبكلفة تعتبرها الشركات النفطية معقولة وخلاف ذلك تستطيع، إن أرادت، شراء التأمين من خارج العراق.  وهنا يبدو أن الشركات النفطية الأجنبية تتصرف من موقف يُحسب لصالحها في استدراج عطاءات التأمين من شركات تأمين محلية، وهي حقاً كذلك بعد أن تعلمت الدرس من سوء التصرف في أسواق أخرى في العالم.  لكن تصرفها قابل للمناقشة والنقد كما أشرنا أعلاه.

وقد اختتمنا دراسة قصيرة لنا حول المادة 24 من جولة التراخيص التي صيغت لصالح الشركات النفطية، التي تذكرنا بصياغة بعض بنود الدستور العراقي الملتبسة، “أن التزام شركات النفط العالمية العاملة في العراق بمتطلبات التأمين مع شركات تأمين عراقية ليس متساوياً، ولا سيما في إقليم كوردستان، فليست كل الشركات تمتثل بصرامة لقوانين التأمين في العراق أو الالتزامات التعاقدية.”[14]

وحسب المادة 24-6 من عقود جولة التراخيص، ونترجمه بتصرف، فإن “خطة التأمين تتطلب من المقاول والمشغل [شركة النفط الأجنبية] الحصول على تأمينات من شركة تأمين عراقية أو أجنبية عاملة في جمهورية العراق لتغطية الأخطار ذات العلاقة بالعمليات النفطية وأي نشاطات أخرى ذات صلة بها وكما قد يقضي به القانون خلال فترة العقد، بما في ذلك مسؤولية الطرف الثالث والضرر البيئي والضرر [البدني] إذا كانت مثل هذه التغطية متوفرة في جمهورية العراق بشروط معقولة تجاريا.  إذا كانت مثل هذه التغطية غير متوفرة في جمهورية العراق، يجب الحصول على التأمين من شركة تأمين أجنبية.  وتقوم شركة التأمين بالتعاون مع المقاول والمشغل، واعتماداً على مدى الحاجة، بترتيب إعادة التأمين للتغطيات في السوق الدولية لذلك الجزء من الخطر الذي يفيض عن صافي احتفاظ شركة التأمين.”  [التأكيد من عندنا]

ترى هل حصل تعاون حقيقي بين شركة النفط الأجنبية وشركة التأمين العراقية الفائزة بمناقصة التأمين؟  سؤال ليس من السهل الإجابة عليه بسبب السرية التي تكتنف المناقصات والمشاركة فيها والتي يتوجب على جميع الأطراف المشاركة الالتزام بها.

محنة شركات التأمين تكمن في أن عدم المشاركة في المناقصات التأمينية هو نوع من “الانتحار الاقتصادي” لكن المشاركة تعني الخضوع لمنطق السوق الذي كرسه قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 وأحكام العقود النفطية – أي القبول بالمنافسة ولكن بشروط الشركات النفطية.  بعض شركات التأمين العراقية تفضل عدم الاشتراك في مناقصات الشركات الأجنبية، ومنها النفطية، ربما لقناعة أن المناقصة شكلية وأنها سترسي على واحدة من الشركات العامة، أو لأن الشركة الأجنبية تبحث عن أوطأ الأسعار وتعمل على تقييد حرية شركة التأمين العراقية في الاحتفاظ بحصة من تأمين العقد وفي المساهمة في إدارة المطالبات بالتعويض وفي حقها باستلام أقساط التأمين أولاً وليس تجاوزها لصالح العلاقة المباشرة بين الشركة الأجنبية وشركات إعادة التأمين ومنها شركات التأمين المقبوضة.

استخلاص المزيد من المنافع للشركات النفطية يهدد في النهاية حيوية سوق التأمين العراقي وتطوره فنياً (اكتتابياً) ومالياً إلا بالحدود الدنيا – أي القيام بوظيفة الشركة الواجهة الصرفة (بعض شركات التأمين تقوم، مع الأسف، بهذه الوظيفة مع تخليها المطلق عن المسؤولية، وهو ما ترغب به الشركات النفطية).

في سبعينيات القرن الماضي عندما لم يكن غطاء التأمين المطلوب من قبل طالب التأمين الأجنبي متوفراً في العراق كانت شركة التأمين الوطنية، وقتها كانت الوحيدة التي تزاول أعمال التأمينات العامة عدا الحياة، هي التي تتولى البحث عن الغطاء في أسواق التأمين العالمية إما مباشرة أو من خلال عدد محدود من وسطاء إعادة التأمين.

كان المبرر لهذا الموقف قانونياً باعتبار أن جميع الأصول العراقية وما يترتب عليها من مسؤوليات قانونية تجاه الطرف الثالث يجب أن يجري التأمين عليها مع شركة تأمين عراقية مرخصة.  أما المبرر الاقتصادي، غير المعلن، فهو ان الطرف العراقي، ممثلاً بإحدى مؤسسات الدولة وهي المستثمر الأكبر آنذاك، صاحب المشروع (رب العمل) هو الذي يتحمل كلفة عقد استيراد المواد والمعدات وكلفة الإنشاء والتركيب بضمنها كلفة شراء الحماية التأمينية وكذلك هامش ربح المقاول.  صار الآن من حق المؤمن له المباشر أن يتعامل، ضمن آلياته، مع سوق إعادة التأمين وفرض شروط هذا السوق على شركة التأمين العراقية الفائزة في المناقصة.

*) خبير اقتصادي متخصص في شئون التأمين

تم الحصول على موافقة المؤلف لنشر الكتاب على الموقع ولتنزيل نشخة الكترونية كاملة كملف بي دي أف انقر هنا

كل المقالات المنشورة على الموقع لاتعبر عن رأي اشبكة وانما عن كاتبها فقط الذي يتحمل المسؤولية كاملةً

الهوامش


[1] صفة الاستبداد هي موضوع كتاب د. سليم الوردي، الاستبداد النفطي في العراق المعاصر (بغداد: دار الجواهري، 2013).

[2] للتعرف على موقفنا الفكري، راجع: مقالتنا “النفط والدولة والسياسة الاقتصادية في العراق،” الثقافة الجديدة، العدد 322-323، 2007

[3] نأمل أن نقوم بتجميع بعض دراساتنا عن مكانة التأمين في الفكر الاقتصادي العراقي في كتاب نأمل أن ننشره إلكترونياً بعنوان التأمين في الكتابات الاقتصادية العراقية.

[4] لتقييم أولي لنمو أقساط التأمين راجع: مصباح كمال، أوراق في تاريخ التأمين في العراق: نظرات انتقائية (بغداد: منشورات شركة التأمين الوطنية، 2012)، ص 124-125.

[5] ونزعم أيضاً أن الوزارة والكيانات التابعة لها تفتقر إلى سياسة موحدة واضحة في صياغة العقود التي تبرمها مع الشركات العالمية لتنفيذ المشاريع النفطية على أنواعها.

بعض هذه العقود تنص على قيام الشركة الأجنبية/المقاول بالتأمين لدى شركة تأمين عراقية مجازة بموجب القانون، لكن هناك عقود أخرى ساكتة عن هذا الموضوع إذ لا تذكر مع من تقوم الشركة الأجنبية بالتأمين.

كما أن هناك عقود تنص صراحة على حرية الشركة الأجنبية في شراء التأمين من المصدر الذي ترغب به.  محصلة هذا الوضع هي تجاهل شركات التأمين العراقية من قبل وزارة النفط، مثلما تتجاهل مؤسسات الدولة العراقية الأخرى والأمم المتحدة والشركات الأجنبية لشركات التأمين العراقية.  ومن المحزن أن وزارة النفط لم تقم، حسب المعلومات المتوفرة لدينا، بتبني نموذج موحد لشروط التأمين والتعويض في عقود الإنشاء، يساهم في تغذية شركات التأمين العراقية بحصة مناسبة من أقساط تأمين هذه العقود.  وبهذا الخصوص، كنا قد أثرنا في دراسة سابقة لنا هذا السؤال الخطابي الذي لا يزال يحتفظ براهنيته: “كيف يمكن لصناعة التأمين العراقية أن تتطور وتستجيب لمتطلبات الاقتصاد العراقي، الآن ومستقبلاً، إن كانت النية معقودة على تجاهلها الفض من قبل أجهزة الدولة والشركات الأجنبية العاملة في العراق؟  أليس هذا تفريطاً بدور المؤسسات الاقتصادية العراقية؟”  مصباح كمال، “تجاهل شركات التأمين العراقية: ملاحظة حول بعض آثاره السلبية” في مجلة البيان الاقتصادية، بيروت، العدد 412، آذار 2006.  وستكون هذه الدراسة فصلاً من كتابي قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005: تقييم ودراسات نقدية التي ستقوم شركة التأمين الوطنية، بغداد، بنشرها خلال 2014.

[6] لاحظ غياب شركة نفط وطنية منذ أن قام النظام الدكتاتوري السابق (1968-2003) بتفكيك شركة النفط الوطنية وخلق شركات نفطية نوعية وأخرى على أساس جغرافي.  ولحد الآن لم يتم البت بتأسيس شركة النفط الوطنية.

[7] للتعرف على أهمية تقييم الموجودات، راجع: مصباح كمال، “تقييم الممتلكات لأغراض التأمين،” مجلة التأمين العراقي.

http://misbahkamal.blogspot.co.uk/2011/06/blog-post.html

[8] الشركات العراقية العائدة للقطاع الخاص هي أيضاً تفتقر لمدير متفرغ للتأمين وإدارة الخطر دونكم وجود قسم متخصص في هذا المجال.

[9] في هذا التقييم شيء من القسوة إذ أن شركة التأمين العراقية التي تكتتب بأخطار منشآت الوزارة ربما تعاني من ضعف استجابة الوزارة ومنشآتها لبعض متطلبات العملية التأمينية وبالتالي فإن موقف الوزارة ومنشآتها تقلص من حرية شركة التأمين في التفاوض مع معيدي التأمين.

[10] نشرت هذه الدراسة في مجلة التأمين العراقي:

http://misbahkamal.blogspot.co.uk/2012/03/dilemmas-of-iraqs-insurance-sector.html

[11] للتعريف بجوانب أخرى يمكن الرجوع إلى دراسة  مصباح كمال: “وزارة النفط وقطاع التأمين العراقي والتأمين على المنشآت النفطية” مجلة التأمين العراقي

http://misbahkamal.blogspot.com/2009/12/httpwww.html#!/2009/12/httpwww.html

وقد أضفتها لهذا الكتاب.

 

[12] للتعريف بمضمون هذه المادة والإشكالية التي تنطوي عليها راجع مصباح كمال، “المادة 81 من قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 (الأمر رقم 10): المدخل لتغيير القانون،” الثقافة الجديدة، عدد مزدوج 353-354، كانون الأول 2012 ‎http://www.iraqicp.com/2010-11-21-17-19-16/28074—–353-354—–.html

وستكون فصلاً في كتابي قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005: تقييم ودراسات نقدية الذي ستنشره شركة التأمين الوطنية خلال 2014.

[13] لمزيد من التحليل راجع مصباح كمال: “ترتيبات الواجهة: محاولة أولية لتقييم نقدي” مجلة التأمين العربي، العدد 95، 2007، ص 25-32 وكذلك مرصد التأمين العراقي

http://iraqinsurance.wordpress.com/2011/09/19/fronting-arrangements-critical-assessment/

[14] مصباح كمال: “شروط التأمين والتعويض النموذجية في عقود النفط العراقية: ملاحظات عن بعض مفردات هذه الشروط” مجلة التأمين العراقي

 http://misbahkamal.blogspot.com/2010/12/24.html#!/2010/12/24.html

وهذه الدراسة هي أحد فصول هذا الكتاب.

الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية

التعليق هنا

%d مدونون معجبون بهذه: