المصارف وأسواق المالخواطر إقتصادية

أمينة الذهبي: المصارف الأهليّة تتحوّل إلى معضلة في الإقتصاد العراقيّ

بغداد — يعاني القطاع المصرفيّ الخاصّ في العراق من تعثّرات في تسديد مستحقّات الزبائن بسبب مشكلات في السيولة أسفرت عن توقّف بعض المصارف عن إجراء عمليّات السحب. ولقد قنّن بعض المصارف تلك العمليّات في شكل حدّد نسبة السحب من المبالغ المودعة في الحسابات الجارية والتوفير، وحوّل دفع المستحقّات المودعة بالدولار الأميركيّ إلى الدينار العراقيّ بسعر صرف المصرف المركزيّ.

وأربكت تلك الإجراءات الزبائن، وأثارت غضب الكثير من المتعاملين مع مصارف فقدت سمعتها في السوق، فمجمل الإيداعات في مصرف عراقيّ (يمتنع عن ذكر اسمه لأسباب قانونيّة) لم تتجاوز الـ2500000 دينار عراقيّ، ممّا يعادل قرابة الـ2000 دولار أميركيّ في أسبوع عمل كامل وهو مبلغ ضعيف لا يصل الى عشر الايداعات في الاشهر السابقة ، فيما تعجّ صالة المصرف بالمئات من الزبائن المطالبين بسحب ودائعهم من حسابات التّوفير، بينما ترفض إدارة المصرف تسليمهم أموالهم دفعة واحدة.

أم أحمد، هي امرأة في الخمسينيّات من عمرها ووالدة لأربعة أبناء، تشدّ الرحال كلّ يوم خميس من محافظة البصرة إلى بغداد لسحب إيداعاتها من مصرف الشمال، بعد ما أوقفت فروع المصرف في كلّ المحافظات عمليّات السحب وتمّ حصرها في الفرع الرئيسيّ ببغداد. بدت أم أحمد متشنّجة جدّاً وهي تتحدّث للمونتور يوم 2/ تموز/2015 عن حالها، فأبناءها الراغبين في الهجرة يحتاجون إلى أموال قرّرت توفيرها لهم ببيع البيت وإعطائهم نصف قيمته وشراء آخر أصغر بالمتبقّي من ثمنه، الّذي أودعته في فرع المصرف بالبصرة، إلاّ أنّها فوجئت بعد أن أنهى أبناؤها معاملات سفرهم برفض المصرف سحب المال لانعدام السيولة النقديّة لديه. كما أنّ الشخص الّذي اشترى بيتها يطالبها بإخلائه بعد أقلّ من شهر، وهي لا تستطيع دفع ثمن البيت الجديد أيضاً، لأنّ المصرف لا يدفع أكثر من 2000 دولار أسبوعيّاً أو من أسبوع إلى آخر.

هناك قصص كثيرة لمواطنين على شاكلة قصّة أم أحمد تسمعها وأنت تراقب ما يحدث في صالة المصرف الّتي شهدت أعمال شغب وهتافات وصراعات بالأيدي بين إدارة المصرف والزبائن أكثر من مرّة، وشهدها “المونيتور”، الّذي اطّلع من مسؤول في المصرف أنّ المصرف وضع خطّة إنقاذ تقدّم عرضاً إلى الزبائن لاستبدال أموالهم بسيّارات أو بعقارات معروضة للبيع.

وفي هذا الإطار، أشارت أم أحمد إلى أنّ الإعلان جعلها تشعر بشيء من الأمل في استعادة جزء من أموالها، فقرّرت الحصول على بيت، وحصلت مع مجموعة من الزبائن على عناوين العقارات المذكورة، لكنّهم تفاجأوا بأنّ سكّان العقارات هدّدوهم بالقتل إذا أقدموا على شراء تلك الدور السكنيّة، الّتي اتّضح أنّها مرهونة للمصرف، ولم يسدّد أصحابها فوائد القروض المستحقّة عليهم.

وقلّل احسان الياسري مدير الاصدار والخزائن في البنك المركزي العراقي في تصريح لصحيفة المدى من مخاوف المتعاملين مع المصارف الأهليّة وقلقهم من عدم دفع “الودائع”، الّتي هي في ذمّة تلك المصارف، وأشار إلى أنّه كفيل بضمان تلك الأموال عبر “الاحتياطيّ القانونيّ” المتوافر لدى كلّ مصرف.

من جهتها، حمّلت الخبيرة المصرفيّة إيناس محمّد في تصريح لـ”المونيتور” في 4 يوليو/تمّوز من عام 2015 الحكومة جزءاً كبيراً من مسؤوليّة ما يمرّ فيه القطاع المصرفيّ الخاصّ. وأضافت: “مشكلة السيولة النقديّة في المصارف الخاصّة مرتبطة بالتعاملات والمشاريع الاستثماريّة مع الحكومة. فعلى سبيل المثال، فإنّ أحد المصارف الّذي يعاني من مشكلة النّقد، عليه في ذمّة وزارة التربية مبلغ 100 مليار دينار مستحقّة الدّفع وتتعثّر الوزارة في التّسديد، وهي لم تدفع سوى 8 مليارات دينار الأسبوع الماضي”.

في حين صرح مصدر موثوق للمونتور(رفض الكشف عن اسمه) يوم 3 يوليو/ تموز ان إحدى أكبر شركات الإتّصالات في العراق (أسيا سيل) سحبت وديعتها في المصرف نفسه وبقي لها في ذمّة المصرف 200 مليار دينار تطالب بها ويعجز المصرف عن تسديدها، وهي العمليّة التي وضعت المصرف على حافّة الإفلاس.

ورأت الخبيرة المصرفيّة د.عواطف جلوب استاذة الاقتصاد بكلية العلوم السياسية أنّ الحلّ يكمن في إقرار قانون جديد للمصارف يعمل على تطوير المصارف المحليّة ودعمها لأنّ القانون الحاليّ لا يسمح بإنفتاح المصارف المحليّة على العالميّة، مشيرة إلى ضرورة تشجيع التوأمة المصرفيّة بين المصارف المحليّة والعالميّة لخلق مصارف تنمويّة كبيرة قادرة على تمويل المشاريع الكبيرة في البلد.

أمّا الخبير الإقتصاديّ الدّكتور صفوان قصي استاذ المحاسبة المالية في كلية الادارة والاقتصاد فأشار في تصريح لـ”المونيتور” في 6/7/2015 إلى أنّ الحلّ لإنقاذ تلك المصارف المتعثّرة يكمن في اندماجها مع المصارف الكبيرة أو تدخّل الحكومة لشراء تلك المصارف أو المشاركة فيها، مؤكّداً أنّ تقنين مدفوعات الزبائن والتحكّم بالسحب وفرض سعر صرف معيّن والإجبار على تغيير العملة كلّها عوامل تضعف المصارف وتعدم ثقة المتعاملين بها، ممّا يؤدّي إلى ضعف أداء المصرف.

(*) باحثة وصحفية في السياسة والاقتصاد

المصدر: موقع المونيتور 16 تموز 2015

http://www.al-monitor.com/pulse/en/originals/2015/07/iraq-banks-liquidity-deposits-withdrawals-economy.html

الاراء الواردة في كل المواد المنشورة على موقع شبكة الإقتصاديين العراقيين لاتعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير وانما عن كاتبها/كاتبتها وهو/وهي يتحمل/تتحمل المسؤولية العلمية والقانونية

الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية

التعليق هنا

%d مدونون معجبون بهذه: