أبحاث نظرية في الفكر والتاريخ الإقتصاديالمكتبة الاقتصادية

عرض كتاب: مارغريت سي جاكوب، اقتصاد المعرفة الأول: رأس المال البشري والاقتصاد الأوروبي، 1750-1850

كاتب العرض: أريك هورننغ، معهد ماكس بلانك لقانون الضريبة والمالية العامة
ترجمة: مصباح كمال
الناشر: موقع التاريخ الاقتصادي، أيلول 2015 **
Download PDF
شُخصت العديد من العوامل كأسباب للانتقال نحو النمو الاقتصادي المطرد خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. وقد يكون تشخيص رأس المال البشري كواحدة من الإضافات المثيرة للجدل إلى قائمة طويلة من الأسباب، لأسباب ليس أقلها أن الإنجليز لم يُعرف عنهم بأنهم تلقوا تعليماً جيداً عشية الثورة الصناعية. في اقتصاد المعرفة الأول، تحاجج مارغريت سي جاكوب أن النخب الإنجليزية المالكة للمعرفة كان لها موقعها في صلب العملية الانتقالية. وتركّز خصوصا على المزواجة بين العلوم النظرية والمعرفة الميكانيكية التطبيقية مما ساعد على خلق العديد من الابتكارات التكنولوجية خلال الثورة الصناعية. وهي، بالتالي، تهدف إلى تصحيح الفرضية السائدة التي تقول إن التقدم التكنولوجي نتج عن ترقيعات المهندسين المهرة ولكن الجاهلين بالعلوم. وتدعم حجتها باستخدام مجموعة رائعة من المصادر الأرشيفية الجديدة لتأكيد أن المهندسين الإنجليز كانوا، في الواقع، مُدركين بشكل جيد ومتأثرين بقوة بالتطورات الحديثة في العلوم الطبيعية.
 
ركّز كل فصل من الفصول الأربع الأولى على رجال الأعمال والمهندسين المتميزين ممن بقيت سجلاتهم ونصوصهم محفوظة. وتم استخراج المعلومات المتاحة عن المعارف التقنية والعلمية من المراسلات مع زملائهم المهندسين ورجال الأعمال، والحسابات، وتدوين الملاحظات حول محاضرات وأفكار حول القراءات العلمية، والمشاركة في الجمعيات العلمية. وبهذه الطريقة، يتعرّف القارئ كيف أن المحتوى العلمي أثَّر على عقليات وقرارات رجال الأعمال المشهورين، ودخل في نهاية المطاف في عملية الإنتاج. إن فهم قراراتهم بكونها مبنية على أحدث التطورات في مجال العلوم يساعد على فرز الاعتقاد الخاطئ بأن رجال الأعمال لم يكونوا غير سمكريين غير بارعين tinkerers جاهلين وأصبحوا ناجحين بالصدفة. فهم كانوا يعملون بدقة ميكانيكية وبمراعاة القوانين الطبيعية المعروفة.
 
بعد مقدمة غير منظمة إلى حد ما، يُقدم الفصل 1 صورة عن جيمس وات وماثيو بولتون، الثنائي المخترع/رجل الأعمال، اللذان اشتهرا بتطوير المحرك البخاري. من خلال تحليلها لثروة من المعلومات المسجلة في دفاتر المذكرات والمراسلات، تُصور جاكوب الآراء والمواقف تجاه الدين والسياسة والتعليم والعلوم لرجلي الاعمال هذين وأفراد أسرهم. وعلى الرغم من أنهما لم يكونا أبداً عالمين رسميين في أي معهد للتعليم العالي، فإن العلم كان منغرساً في حياة وعمل كل من وات وبولتون.
 
يناقش الفصل الثاني بشكل أساسي الحجة القائلة بأن إنجلترا كانت الأولى [في تدشين الثورة الصناعية] لأن العمل كان مُكلفاً وكان الفحم رخيصاً، وهو ما جعل اختراع محركات البخار ضرورياً. وتقول جاكوب إن المعرفة التقنية كانت حاسمة للتقدم التكنولوجي في مجال التعدين. وتقوم بإثبات هذا الادعاء من خلال النصوص التي تجسد المعرفة التقنية للمهندسين وعمال المناجم، ومن يسمون بالمشاهدين viewers العاملين مع المحركات البخارية. ومن الواضح أن الغالبية العظمى من الموظفين التقنيين في مجال التعدين في إنجلترا كانوا مُلّمين بشكل جيد بالقراءة والكتابة وقادرين على إجراء الحسابات المعقدة. فهم كانوا بحاجة إلى تقدير حجم اسطوانات المحرك، وإمكانات ضخ المياه، وحجم وتكاليف محرك البخار كي يتمكنوا من تقديم المشورة لأصحاب المناجم لشراء المحركات البخارية المناسبة. إن معرفتهم ترجمت نفسها في النهاية إلى قاعدة معرفية واسعة انتشرت من خلال المطبوعات والمحاضرات العامة.
 
الفصول 3 و 4 توسع المفاهيم الراسخة لتشمل صناعة غزل القطن في مانشستر وصناعة النسيج في ليدز. باستخدامها لمراسلات بارونات القطن جون كينيدي وجيمس مكّونيل، تصف جاكوب كيفية ازدياد أهمية العلم والمعرفة التقنية خلال ميكنة غزل القطن. يمكن القول إن صناعة النسيج أقل قبولاً للمكننة من صناعة الغزل. ومع ذلك، فإن دفاتر ملاحظات المُصنعين جون مارشال وبنيامين غوت للغزل والنسيج تؤكد النمط المتبع في اعتماد المعرفة العلمية. وينتهي الفصلان إلى أن هناك حاجة إلى لغة مشتركة للسماح للتفاعل بين المُصنعين والمهندسين. وحالما أصبح أصحاب المشاريع الراسخين قادرين على اعتماد المكننة، أصبحت أعمالهم وآلاتهم أكثر تطوراً وتعقيداً.
 
الفصول 5 و 6 تُشكل تغييراً جغرافياً وقطيعة منهجية في الكتاب. إذ يتحول مركز الانتباه إلى فرنسا و “لغز” السبب وراء تأخر الفرنسيين في التنمية الصناعية. على الرغم من أن النظام القديم كان مهتماً للغاية في مجال الاستخدامات العملية للعلم الجديد، فإنه فشل في خلق بيئة مُثلى للأغراض الصناعية. وتقول جاكوب إن التعليم العلمي كان موجهاً بالكامل تقريباً نحو الطبقة الأرستقراطية التي اتجهت نحو الوظائف العسكرية. ونتيجة لذلك، فإن المعرفة التقنية استخدمت في المقام الأول في مجال الهندسة العسكرية وليس لأغراض النشاط التجاري. قامت الثورة الفرنسية بدمقرططة التعليم وزيادة المحتوى العلمي للمناهج، لكن هذا لم يكن سوى حلقة وجيزة قبل قيام الملكية التي عادت إلى الحكم بإعادة إصلاح التعليم واستبدال المحتوى العلمي بالمحتوى الديني وإخضاعه لإشراف قاسي من قبل رجال الدين وسلطات الشرطة.
 
ينتقل التركيز في الفصل 7 إلى بلدان الأراضي المنخفضة، بمقارنة بلجيكا وهولندا حول الكيفية التي تمكنت بها قوات الاحتلال الفرنسية في غرس المعرفة العلمية في مناهج المدارس الثانوية والجامعات. وتقول جاكوب إن بلجيكا وبفضل نظامها المركزي في التعليم احتضنت وأبقت على الإصلاحات الفرنسية في التعليم الصناعي بعد عام 1795، مما ساعدها على دخول مرحلة التصنيع بسرعة. على عكس بلجيكا، فإن هولندا مع نظامها المحلي [غير المركزي] في التعليم لم تحتضن الإصلاحات التعليمية الفرنسية وتطور التصنيع فيها ببطء أكثر.
 
تقول جاكوب بأننا لا نعرف ما يكفي عن المناهج الدراسية في إنجلترا، إذ أن تنظيم التعليم كان محلياً. وهكذا، لفهم ما إذا كانت الصناعة قد استفادت من العلوم، علينا أن نعتمد على المعرفة العلمية لرجال الأعمال والمهندسين دون معرفة أين تم الحصول عليها. ونظراً لحقيقة أن فرنسا كانت أكثر مركزية، يمكن الإقرار بشكل مقنع أن الإطار المؤسسي الفرنسي لم يترك مساحة كافية للمحتوى العلمي في التعليم العام. ومع ذلك، فإنه لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت هذه الحجة كافية في المساهمة في حل لغز التخلف الأوروبي. بدلاً من تطبيق المفهوم الراسخ في الاعتماد على معلومات عن السيرة الذاتية والمعرفة العلمية الشخصية لأصحاب المشاريع الناجحة على فرنسا (والأراضي المنخفضة)، تُقرر جاكوب تقديم ملخص للاقتصاد السياسي للتعليم والمناهج الدراسية قبل الثورة وبعدها. ولأغراض تحقيق مقارنة مناسبة فإننا نحتاج لمعرفة المزيد حول اعتماد المعرفة العلمية من قبل رجال الأعمال والمهندسين في أوروبا. وربما ننتهي بإيجاد أنماط مماثلة هنا. لقد نشرت مقالة مؤخراً من قبل سكيچياريني و فويتلاندر Squicciarini وVoigtlaender (2015) تركز على النخب الفرنسية في مجال المعرفة (من المشتركين في موسوعة ديدرو)، والذي يبدو بأنهم كانوا وثيقي الصلة بالتنمية الصناعية خلال الفترة 1750-1850.
 
هذا الكتاب يقدم مساهمة هامة من خلال إظهار أن التطور التكنولوجي الإنجليزي لم يحدث بمعزل عن التقدم العلمي. وتتجنب جاكوب استخلاص استنتاجات وتعميمات حادة. وتؤكد على الدور المركزي لرأس المال البشري من دون تقديم مزاعم سببية. ربما كان مفيداً لو أن الكتاب كان أكثر تماسكاً بقليل في تركيب محتوياته وأكثر وضوحاً في طروحاته. إذا جعلت الطاقة الرخيصة والعمالة المكلفة اختراع التكنولوجيات مربحة، يمكن عندها اعتبار اكتساب المعرفة العلمية عاملاً مباشراً بدلا من كونه السبب الأساسي.
 
(*) Margaret C. Jacob, The First Knowledge Economy: Human Capital and the European Economy, 1750-1850. Cambridge: Cambridge University Press, 2014. ix + 257 pp. $30 (paperback), ISBN: 978-1-107-61983-8.
 
Reviewed for EH.Net by Erik Hornung, Max Planck Institute for Tax Law and Public Finance.
 
(**)https://eh.net/book_reviews/the-first-knowledge-economy-human-capital-and-the-european-economy-1750-1850/
 
 
Reference:
Mara P. Squicciarini and Nico Voigtländer (2015). “Human Capital and Industrialization: Evidence from the Age of Enlightenment.” Quarterly Journal of Economics (forthcoming)
 
Erik Hornung (erik.hornung@tax.mpg.de) is Senior Research Fellow at the Max Planck Institute for Tax Law and Public Finance. He is author of the paper “Immigration and the Diffusion of Technology: The Huguenot Diaspora in Prussia,” American Economic Review 104-1 (2014): 84-122.
 
Copyright (c) 2015 by EH.Net. All rights reserved. This work may be copied for non-profit educational uses if proper credit is given to the author and the list.
 
حقوق النشر للترجمة العربية محفوظة لشبكة الإقتصاديين العراقيين. يسمح بالاقتباس واعادة النشر بشرط الاشارة الى المصدر. شبكة الاقتصاديين العراقيين 22 ايلول 2015

الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية

تعليقات (2)

  1. مصباح كمال
    مصباح كمال:

    الأستاذ العزيز فاروق يونس
    أشكرك على تقديرك لترجمتي مراجعات بعض الكتب في التاريخ الاقتصادي. ما دفعني إليها هو ما أراه افتقار مكتبتنا العراقية للدراسات التاريخية الاقتصادية أو قل قلة ما يكتب (د. محمد سلمان حسن، حسب علمي، هو حالة استثنائية)، والتنويه من خلال هذه الترجمات إلى جوانب في التاريخ الاقتصادي يمكن الاستفادة منها من قبل المؤرخين المحترفين في دراسة أحوال العراق. آمل أن أستطيع الاستمرار في مثل هذه الترجمة وبالتحديد فيما يخص منطقتنا، خاصة وأن د. بارق شبر هو أول من رحب بمثل هذه الترجمات.
    مع خالص التقدير.

  2. farouk younis
    farouk younis:

    شكرا للاستاذ مصباح كمال من غيره ترجم للقارىْ على هذه الشبكة الاقتصادية روائع الكتب والافكار التى تنير الطريق المفضى الى امتلاك ولو جزء من الحقيقة
    مع التقدير

التعليق هنا

%d مدونون معجبون بهذه: