دراسات اجتماعية وثقافية

علی معموري: تحالف للأقليّات العراقيّة للحفاظ على وجودها الأخير في البلد

يخسر العراق أقليّاته بأعداد كبيرة وفي شكل مستمرّ، وهو قريب جدّاً من لحظة إخلاء البلد من معظم تنوّعه الثقافيّ. وعلى الرغم من هذا الوضع المأساويّ، لا تحصل الأقليّات على دعم وحماية كافيين من قبل الحكومة العراقيّة، ولا يقوم المجتمع الدوليّ بإجراءات جادّة لحمايتها. فقد أصبحت وحيدة في بلد طارد وأمام قدر مجهول.
يؤكّد إحصاء مؤسّسة “مسارات للتنمية الثقافيّة والإعلاميّة” المتخصّصة في شؤون الأقليّات في العراق، أنّه لم يبق في العراق سوى ستّة أشخاص من اليهود بعدما كانوا أكبر أقليّة في الشرق الأوسط في بدايات القرن الماضي، وما يقارب 240 ألف مسيحيّ بعدما كانوا أكثر من مليون عند غزو العراق في عام 2003، و5 آلاف من المندائيّين بعدما كانوا أكثر من 50 ألف في عام 2003. وتناقص عدد الإيزيديّين من نصف مليون تقريباً في عام 2003 إلى أعداد ضئيلة غير معلن عنها بعد الإبادة التي واجهوها على يدّ تنظيم “داعش” العام الماضي.
ولا يختلف وضع الأقليّات الأخرى عن وضع النماذج السابقة اختلافاً جوهريّاً، حيث أنّها تواجه تهديدات مشابهة وتفتقد إلى الحماية الحكوميّة والدوليّة الكافية. وفي ظلّ مثل تلك الظروف، لا توجد خيارات متنوّعة أمام الأقليّات. فهي مخيّرة بين ثلاثة أمور: أوّلاً ترك البلد إلى مقصد غير معلوم، حيث أنّ خيارات الهجرة أصبحت صعبة ومحدودة جدّاً بعد الأمواج الكبيرة للمهاجرين إلى الدول الغربيّة. ثانياً البقاء في البلد والتعرّض إلى مختلف التهديدات الجارية ضدّها من قبل الجماعات الإرهابيّة والعصابات الإجراميّة، من دون الحصول على ما يحميها أمام ذلك. ثالثاً وأخيراً التحوّل إلى إحدى الجماعات الكبرى في البلد والانضمام إليها، كي تتمتّع بالحماية الجماعيّة المتوافرة لها.
فالإيزيديّون مدعوّون إلى أن يتنازلوا عن هويّتهم الخاصّة لصالح الهويّة الكرديّة العامّة، والشبك إلى أن يكونوا شيعة على نمط الغالبيّة الشيعيّة في البلد، والمسيحيّون إلى أن يكونوا مسلمين… وهذا كلّه يؤدّي إلى شيء واحد، وهو انقراض وجود تلك الأقليّات في البلد، والذي قد يحصل في أمد قريب إن استمرّ وضعها مثل ما هي عليه الآن.
وتكافح الأقليّات برفقة عدد من مؤسّسات المجتمع المدنيّ التحدّيات الصعبة أمامها، وذلك من خلال إيجاد تنظيمات إجتماعيّة قويّة تسعى إلى تقوية صوت الأقليّات وارتفاع مستوى الوعي العام عن وضعها المأساويّ وإيصال صوتها إلى مراكز صنع القرار في البلد. وقد اتّجهت الأقليّات في الآونة الأخيرة الى إيجاد تحالفات بينها ليكون لها صوت واحد في المشاكل المشابهة التي تعيشها في مختلف المجالات.
فقد تأسّس المجلس العراقيّ لحوار الأديان في عام ٢٠١٣، وقد ضمّ المكوّنات الرئيسيّة من الأقليّات مثل المسيحيّين والمندائيّين والإيزيديّين، وهو ما زال في حالة التوسّع ليشمل كلّ الأقليّات المختلفة في العراق. وقد ساعد المجلس في تفعيل تحالف الأقليّات العراقيّة، والذي كان قد انعقد في عام ٢٠١٠، ولكنّه لم يفعّل في شكل جادّ قبل الانطلاقة الجديدة التي شنّها أخيراً. ففي مؤتمر لمختلف المؤسّسات المرتبطة بالأقليّات بما فيها المجلس العراقيّ لحوار الأديان، أعيد إنشاء تحالف الأقليّات العراقيّة في ٢٧ و٢٨ تشرين الثاني/نوفمبر في مدينة إربيل. فقد عيّن التحالف مجلس إدارة جديد، ووضع خطّة واستراتيجيّة لمواجهة التحدّيات الراهنة لمختلف الأقليّات العراقيّة.
ويضمّ التحالف ممثّلاً عن كلّ المؤسّسات المشاركة، المتخصّص كلّ منها بأقليّة محدّدة أو المهتمّ بوضع الأقليّات في شكل عامّ. وبهذه الطريقة، يسعى التحالف إلى إيجاد صوت واحد لمختلف الأقليّات في العراق. كما يطمح إلى التواصل مع المنظّمات العالميّة المهتمّة بوضع الأقليّات في العراق، مثل معهد الولايات المتّحدة للسلام، وذلك بهدف جعل موضوع الأقليّات العراقيّة موضع الاهتمام العالميّ. وكذلك، يسعى التحالف إلى توسيع التعاون مع مؤسّسات المجتمع المدنيّ ومراكز حقوق الإنسان في العراق، بهدف رفع مستوى الوعي العام لدى المجتمع العراقيّ بوضع الأقليّات والعواقب السلبيّة الكبرى لإفراغ البلد منها.
وفي حوار معه، قال رئيس مؤسّسة “مسارات للتنمية الثقافيّة والإعلاميّة” المساهمة في تأسيس المجلس العراقيّ لحوار الأديان، والعضو في تحالف الأقليّات العراقيّة سعد سلّوم لـ”المونيتور”: إنّ مواجهة مشكلة الأقليّات في العراق تتطلّب إرادة جماعيّة وبرنامجاً شاملاً، وذلك من حيث أنّ المشكلة ليست بسيطة وذات بعد واحد فقط. فهناك حاجة إلى عمل جماعيّ ومكثّف في محاور عدّة، منها: “إصلاح التشريعات التمييزيّة المتبقّية من العهود السابقة والعمل على إيجاد تشريعات جديدة لحماية الأقليّات، وإيجاد تعديلات في المناهج الدراسيّة على مدى واسع جدّاً كي تكون محفّزة على احترام التنوّع والاحتفال به مجتمعيّاً”، إضافة إلى إجراءات موقّتة وعاجلة لحماية المهجّرين من الأقليّات كي يتمكّنوا من العيش في بلدهم بدل الإسراع في الهجرة منه.
لا شكّ في أنّ التحالفات الكبرى بين الأقليّات والمؤسّسات المهتمّة بها ستمكّنها من تحقيق أهدافها في شكل أفضل، ولكن ما يجب عدم تناسيه هو أنّ مشكلة الأقليّات ليست معضلة منفصلة عن الوضع العراقيّ في شكل عامّ. فما دامت المكوّنات الثلاثة الكبرى، أي الشيعة والسنّة والأكراد، لم تتّفق على التعايش السلميّ في ما بينها، سوف لن يكون هناك وضع آمن للأقليّات. فالأقليّات تقع غالباً تحت أقدام الكبار في أيّ صراع يحدث في البلد. وأبرز مثال على ذلك هو ما حدث للأقليّات بعد سيطرة تنظيم “داعش” في 10 حزيران/يونيو 2014 على سهل نينوى الذي يتضمّن تنوّعاً مختلفاً من الأقليّات. فقد أصبحت الأقليّات فريسة سهلة لتنظيم “داعش” ضمن الصراعات الكبرى الجارية بينه وبين الحكومة العراقيّة وإقليم كردستان.
ومن هنا، تبرز أهميّة مشروع المصالحة الوطنيّة في العراق من جهّة أخرى. وهذا يدعو تحالف الأقليّات العراقيّة إلى توسيع أفق عمله، والعمل على دعم مشروع المصالحة الوطنيّة في شكل عامّ.
(*)علي المعموري هو باحث وكاتب متخصص في الدين. وهو كان مدرس في الجامعات الإيرانية والحوزات في إيران والعراق. وقد نشرت له العديد من المقالات ذات الصلة بالشأن الديني في البلدين والتحولات المجتمعية والطائفية في الشرق الأوسط.
المصدر: نبض العراق نشر ديسمبر 15, 2015
http://www.al-monitor.com/pulse/ar/originals/2015/12/iraq-minorities-alliance-lack-protection.html#

الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية

التعليق هنا

%d مدونون معجبون بهذه: