الرئيسيةالكهرباء والطاقة المتجددةقضايا اللاصلاح الاداري والاقتصادي

فؤاد الكاظمي*: ملاحظات حول قطاع الكهرباء في الورقة البيضاء

الطاقة الإنتاجية

 

تبلغ الطاقة الإنتاجية الاسمية (الحد الأقصى للإنتاج في ظروف جيدة مثالية) 33,300 ميجاوات، أما الطاقة المنتجة فعلا هي حوالي 13,000 ميجاوات أي حوالي 40% فقط في حين أن النسبة المقبولة عالميًا وإقليميًا هي 85-90% والتي تأخذ بنظر الاعتبار التوقفات لأغراض الصيانة بصورة اساسية.  وعزت الورقة البيضاء هذا النقص الهائل الى أسباب عديدة أهمها:

 

أ- وجود حوالي 21% من الطاقات الاسمية خارج نطاق الخدمة، ولم تتطرق الورقة إلى تفصيل الأسباب إلا أن السياق في الورقة يوحي إلى التخريب الذي أصاب هذه المحطات بصورة رئيسية.

 

ب- عدم تجهيز المحطات بالوقود المناسب أي الغاز الطبيعي المصممة عليه واللجوء إلى استخدام النفط الأسود أو النفط الخام مما يقلل الكفاءة إلى حوالي 60% من الطاقة التصميمية.

 

ج- مشاكل تشغيلية مثل غياب الصيانة، نقص المواد الاحتياطية، نقص مياه المحطات الكهرومائية.

 

د- استيراد عدد كبير جدًا من التوربينات الغازية بدون تنسيق مسبق لتوفير الغاز الطبيعي اللازم في أماكن نصبها.

 

ه- وجود غياب التنسيق العملي مع وزارة النفط في توفير الوقود الملائم.

 

لقد شخَّصت الورقة المشاكل بصورة دقيقة إلا أنها افتقرت إلى الحلول، كما وأنها نوهت إلى استيراد الكهرباء عن طريق الربط مع شبكة الكهرباء لدول الخليج العربي كإحدى الحلول بالرغم من محدودية هذا الإجراء (حوالي 500 ميجاوات) والكلفة المترتبة والفترة الزمنية اللازمة لمد خطوط الربط.

 

إن الحل الأمثل يتطلب بصورة أساسية:

 

1- التركيز على استغلال الغاز الطبيعي والذي يُحرق الآن وتشير المعلومات إلى أن هذه الكميات تُقدَّر ب 1,500 مليون قدم مكعب قياسي في اليوم، وهي كافية في حالة استثمارها إلى سد النقص في إمدادات الوقود.

 

2- تصليح وتحديث شبكة نقل الغاز الطبيعي لتغطي كافة أماكن الطلب.

 

3- وضع برنامج لتأهيل محطات الكهرباء التي هي خارج نطاق الخدمة حاليًا (قدرتها التصميمية بأكثر من 6,000 ميجاوات) بالتعاون المباشر مع الشركات المصنعة لهذه المحطات.

 

4- التعاون مع الشركات المصنعة لتأهيل التوربينات الغازية المشترات وغير منصوبة وبتحويل التوربينات المنصوبة إلى الدورة المركبة combined cycle.

 

5- وضع برنامج لتأهيل وتدريب عناصر التشغيل والصيانة لمواكبة التطور الكبير في هذا المجال.

 

ومن المفرح التقاط أخبار بأن وزارة النفط قد تعاقدت مؤخرًا لاستثمار حوالي 500 مليون قدم مكعب قياسي في اليوم من حقول البصرة إضافة إلى استثمار 200 مليون قدم مكعب قياسي في اليوم من حقل ارطاوي.  ونأمل أن يتم التوسع في هذا الأمر ليشمل جميع الغاز المصاحب المنتج من جولات التراخيص.

 

المعوقات والمشاكل في مراحل ما بعد الإنتاج

 

قبل الولوج في هذا الموضوع أود أن أبين بعض المصطلحات والأرقام المتداولة في هذه الورقة:

 

1- الكيلو هو 10 مرفوعة للأس 3، الميجا هو 10 مرفوعة للأس 6، الجيكا هو 10 مرفوعة للأس 9، التيرا هو 10 مرفوعة للأس 12.

 

إن وحدة القياس الأساسية هي كيلوات ساعة وهي تعني استهلاك 1,000 وات لمدة ساعة، أي ما يعادل إضاءة 10 مصابيح ذات قدرة 100 وات لكل مصباح وهي الوحدة المستخدمة عالميًا في تسعير الكهرباء للمستهلكين.

 

في عام 2018 قُدّر الطلب بمقدار 17,700 ميجاوات في حين بلغ الإنتاج  13,000 ميجاوات  مما يعني أن الإنتاج كان قادرًا على توفير 105 تيرا واط ساعة إلا أن ما وصل فعلًا إلى المستهلكين كان حوالي 44 تيرا واط ساعة أي حوالي 40% فقط من الإنتاج في حين بلغت نسبة الضياعات حوالي 60 %، وهي نسبة عالية جدًا حيث تتراوح نسب الضياعات  بالمقايس الدولية 5-10% كحد أقصى.

 

إن الضياعات الكبيرة جدًا تعزى إلى سببين رئيسين:

 

1- الضياعات في مراحل التوزيع، ومرده بصورة أساسية قِدَم هذه الشبكات وأغلبها هوائية وعدم استخدام الكابلات الأرضية التي توفر استمرارية التجهيز والقضاء على الضياعات.

 

2- التجاوزات غير الشرعية، أي استهلاك الكهرباء بدون بدل ويقدر ذلك بحوالي 17 تيراواط ساعة.  وتخمن كلفة التجاوزات بحوالي 2,000 ميجاوات أو ما يقدر بضياع 1.3 مليار دولار سنويا من الإيرادات.

 

ونتيجة لذلك تلجأ العوائل العراقية إلى شراء الكهرباء من المولدات الأهلية.  وفي عام 2018 أنفقت العوائل حوالي 4 مليار أي بمعدل متوسط تقريبي هو 50 دولار شهريًا لكل عائلة.

 

وإذا افترضنا بأن حوالي 50% من 4 مليار دولار يذهب إلى وزارة النفط لشراء الوقود يبقى هناك حوالي 2 مليار دولار خسائر سنوية يتكبدها الاقتصاد العراقي

 

تحليل لبعض الأرقام المهمة

 

1—تتحمل الخزينة العراقية حوالي  8  الى 10 مليار دولار سنويًا لدعم قطاع الكهرباء.  إن من الأسباب الرئيسية لذلك:

 

أ- عدم وجود تسعيرة اقتصادية واقعية تنظم استهلاك الكهرباء.

 

ب- عدم وجود جباية منظمة لأجور الكهرباء حيث أن الجباية الحقيقية لا تمثل إلا نسب قليلة، ويعود أمر ذلك إلى أن المستهلك العراقي يعتبر أن الكهرباء حق مكتسب فهو لا يسدد القوائم لعدم وجود رادع لعدم التسديد على نقيض تعامله مع المولدات الأهلية.

 

ج- وجود تضخم كبير جدًا في أعداد الموظفين والمتعاقدين (وهذه صفة عامة للدولة العراقية).

 

د- الكلف الكبيرة التي تتحملها وزارة الكهرباء في استيراد الغاز من إيران بكمية حوالي 800 مليون قدم مكعب قياسي في اليوم بكلفة حوالي 2 مليار دولار.  وتمثل هذه الكمية حوالي نصف الغاز المصاحب لعمليات إنتاج النفط الخام والتي لا تزال تحرق.  إضافة لتحمل الحكومة العراقية كلفة مد الأنبوب من إيران إلى العراق بكلفة 700 مليون دولار.

 

وبهذه المناسبة نود أن نشير إلى ضغط الحكومة الأمريكية على العراق للتخلي عن استيراد الغاز من إيران وبقاء العراق بطلب تمديد الإعفاءات، ولم يبادر العراق إلى إحراج الأمريكان بالطلب منهم المساعدة في استثمار الغاز المحروق العراقي لتلافي الاستيراد وذلك يسير على أمريكا بفضل قدراتها التكنولوجية العالية.

 

ه- كلف استيراد الكهرباء من إيران بواقع يصل الى 1,300 ميغاواط يكلّف حوالي 2 مليار دولار سنويًا.

 

و-كلف شراء الكهرباء من الشركات الأهلية في بسماية 1,500 ميغاوات والرميلة 3,000 ميغاوات بسعر 3.2 سنت أمريكي للدورة البسيطة و 4.7 سنت للدورة المركبة (زيادة كفاءة الاداء)، إضافة إلى تحمل وزارة الكهرباء كلف الوقود المجهز لتشغيل هذه المحطات.

 

ز- عدم التوسع في استخدام الطاقة الشمسية بالرغم من الإمكانيات الهائلة المتوفرة.

 

الخلاصة والاستنتاجات

 

لقد شخّصت الورقة المشاكل بصورة دقيقة إلا أن غياب الملاحق التفصيلية للورقة التي لم تنشر لحد الآن يجعل من الصعب الولوج في الحلول المناسبة بصورة مفصلة غير أن هناك العديد من الاقتراحات والتوصيات العامة يمكن أن تساهم في رسم خارطة طريق لقطاع الكهرباء:

 

1- من الملاحظ أن المشاكل التي تطرقت لها الورقة كانت سائدة لفترة طويلة تمتد إلى أكثر من عشر سنوات إلا أنها لم تعالج بصورة مناسبة وأنصبَّ العمل في التركيز على رفع الطاقة الإنتاجية للتوليد والتي هي إحدى المشاكل وليس كلها.

 

2- تطرقت الورقة بشكل سليم إلى موضوع استغلال الغاز الطبيعي المصاحب لعمليات إنتاج النفط والغاز الحر، وقد أبهجتنا خطوات الحكومة الحالية بالتعاقد على استثمار 500 مليون قدم مكعب يوميًا من الغاز المصاحب الذي يحرق حاليًا إضافة إلى استثمار 200 مليون قدم مكعب يوميًا من حقل أرطاوي، ونأمل التوسع في هذا المضمار ليشمل كافة الغاز المصاحب الذي يحرق حاليًا، وكذلك الغاز المصاحب المنتج من جولات التراخيص والتي لم تشمل استثمار الغاز المصاحب.

 

3- إن هذه الخطوات المهمة اقتصاديًا وبيئيًا ينبغي أن ترافقها عمليات تصليح وتأهيل شبكة أنابيب نقل الغاز إلى مراكز الاستهلاك، وقد أبهجتنا الأخبار الصحفية التي تحدثت عن قيام رئيس مجلس الوزراء بالتوجيه بتخصيص مبالغ إضافية لمشاريع استثمار الغاز وهو توجه يستحق كل التقدير.

 

4- تطرقت الورقة إلى وجود حوالي 21% من الطاقة الإنتاجية المتاحة (أي أكثر من 6000 ميجاوات) خارج الخدمة، ولم تتطرق الورقة إلى تفاصيل ذلك إلا أن استقرأنا يشير إلى أمرين:

 

4-1 المحطات التي أصابها الدمار أو المتوقفة عن العمل لأسباب فنية، وأن أفضل السبل هو التفاوض والتعاقد المباشر مع المنفذين الأصليين لهذه المحطات التوربينية الغازية.

 

24- المحطات التوربينية الغازية المجهزة من شركة جي أي General Electric (GE) غير منصوبة أو غير مشغلة بسبب عدم توفر الوقود المناسب.  ويرتبط هذا الأمر بما ورد أعلاه في مجال استغلال الغاز المصاحب والحر.

 

5-قدَّرت الورقة نسبة الضياعات والتجاوزات في شبكات النقل والتوزيع بحوالي 60% وأن الحل يتمثل في إعادة بناء البنى التحتية والتوجه إلى استعمال القابلوات الأرضية بدلًا من الشبكات الهوائية المتهالكة.

 

6- التوجه إلى تأهيل المحطات الكهرومائية والتي تساعد في التخفيف من الطلب على الوقود.

 

7- التنسيق مع وزارة الصناعة ووزارة التجارة في تصنيع واستيراد المصابيح الكهربائية ذات الاستهلاك المنخفض للطاقة (ل أي دي light-emitting diode-LED) والمعدات الكهربائية ذات الكفاءة العالية.

 

8- وضع نظام تسعيرة مناسبة تصاعدية تهدف إلى جعل وزارة الكهرباء ممولة ذاتيًا مع مراعاة وضع تسعيرة مخفضة لاستهلاك شريحة ذوي الدخل المحدود وذوي الاستهلاك المنخفض.

 

9- مواكبة التطور العلمي في استخدام الطاقات البديلة وخاصة الطاقة الشمسية.

(*) خبير نفطي متقاعد مقيم في أوتاوا/كندا

حقوق النشر محفوظة لشبكة الاقتصاديين العراقيين.  يسمح بإعادة النشر بشرط الإشارة إلى المصدر. 8 كانون الأول 2020

 

الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية

التعليق هنا

%d مدونون معجبون بهذه: