مقدمة
سيحلُّ قريبًا، تشرين الأول، الذكرى الثانية لنشر الورقة البيضاء لخلية الطوارئ للإصلاح المالي. ويبدو لنا، وكما نُقل لنا، أن القائمين على إدارة هذا الموضوع في الحكومة العراقية يعتزمون الاحتفال بهذه المناسبة وعرض ما تم من انجازات لمستهدفات الورقة. ولعل بيان وزارة المالية (تموز 2022) هو أول الغيث إذ عرضت الوزارة انجازاتها في 25 نقطة، تناولنا “الإنجاز” رقم 10 فيها بالنقد (وهو مدرج في هذا الكتاب الصغير وكذلك نص البيان).[1]
أقرَّ مجلس الوزراء الورقة البيضاء للإصلاح الاقتصادي في 13 تشرين الأول 2020 بموجب قراره المرقم 148 لسنة 2020. وقد صدرت الورقة بجزأين:
الجزء الأول، ويضم التقرير النهائي لخلية الطوارئ للإصلاح المالي، حمل تاريخ 10 تشرين الأول 2020.[2]
الجزء الثاني، صدر بتاريخ 26 كانون الثاني 2021 وحمل العنوان الفرعي خطة تنفيذ برنامج الإصلاح. ويضم قسمين: الأول، الحوكمة، الثاني، المشاريع.[3]
نزعم أن المصادر الفكرية للورقة البيضاء تكمن في السياسات التي يروّج لها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والمؤسسات المالية الأمريكية والمراكز الاستشارية، محوّرة لتناسب أوضاع العراق. كما تجد إرهاصاتها في المانيفيستو[4] الذي أصدره الثلاثي، مع حفظ الألقاب، على عبد الأمير علاوي ولؤي الخطيب وعباس كاظم في 23 كانون الأول 2017.
من رأينا أن مثل هذه المشاريع المنمقة وفي ظل غياب المؤسسات[5] لن تنجح بشكل كامل لأن الدولة ضعيفة/مستضعفة وكذلك السوق، وذلك بفضل النظام المحاصصي الطائفي الاثني، القائم على الفساد المنظم الذي يمتد بآثاره على السوق (كما نعرف ذلك من خلال رصدنا لبعض ما يجري في قطاع التأمين)، والذي نظَّر له وأسسه الاحتلال الأمريكي، وطبقته سلطة التحالف المؤقتة، وتجسد في مجلس الحكم وفي الحكومات التي جاءت بعده حتى يومنا هذا.
وقد تنبه د. على عبد الأمير علاوي، وزير المالية المستقيل، بعد تأخير، إلى بعض عيوب النظام القائم، فقد كان جزءًا من نظام الحكم منذ 2003. أثار في رسالة استقالته الطويلة (عشر صفحات) بتاريخ 16 آب 2022 فضحًا لمؤسسة الفساد في العراق وقضايا مهمة مترابطة مع بعضها ومن بينها:
الخلل الكبير في مؤسسات الدولة (وقد سماها بدولة الزومبي) واستيلاء الأحزاب عليها (دون أن يسمي هذه الأحزاب أو يقوم بتوصيفها).
سيطرة شبكة الفساد على قطاعات الاقتصاد المختلفة، وسحبها لمليارات الدولارات من خزينة الدولة، وبحماية من البرلمان والأحزاب والمليشيات وقوى أجنبية.
حماية النظام السياسي للفساد (وهو ما أسس له الاحتلال الأمريكي لكنه لا يشير إلى تاريخ الفساد في العراق) وهو ما يضمن ازدهار الفساد.
حكومة الكاظمي غير قادرة على الوقوف في وجه التدخل الأجنبي (دون تسمية الدول التي تمارس التدخل) في شؤون العراق.
لا اعتقد أنه في ظل ما هو قائم ستترجم رسالة الاستقالة نفسها في إجراءات لتحسين الأوضاع، مثلما حصل مع المانيفيستو، فالطائفية المعززة بالمليشيات والمدعومة من إيران لن تتنازل عن غنيمتها كما قال عرّابها: “ما ننطيها.”.
ربما لا تعني الصحوة المتأخرة للوزير المستقيل كثيرًا لمصائر الاقتصاد العراقي وللنظام السياسي القائم، وما يهمنا منه قطاع التأمين.
وفي العام 2003، صرّح علي علاوي، الذي كان آنذاك وزير التجارة في الحكومة المؤقتة، والذي يُعتبر مهندس الورقة البيضاء الحالية بأننا “عانينا بسبب النظريات الاقتصادية الاشتراكية والماركسية ومن ثم المحسوبية. والآن نواجه احتمال تطبيق أصولية السوق الحرة”. وهذا النوع من الأصولية يتجلى بشكل واضح في الورقة البيضاء.[6]
واضح من هذا الاقتباس الموقف الفكري للوزير المستقيل. فقد عزا معاناة العراق إلى “النظريات الاقتصادية الاشتراكية والماركسية ومن ثم المحسوبية” وهذا موقف فيه الكثير من السطحية في فهم عقود الدكتاتورية المقيتة، وكأن صدام حسين كان يستهدي بـ “النظريات الاقتصادية الاشتراكية والماركسية” في إدارة حكمه. وأنا في حيرة كيف طبقت الدكتاتورية النظريات الماركسية على قطاع التأمين (أمم في تموز 1964) الذي ازدهر في ذلك الوقت مقارنة بوضعه المتردي منذ إعادة تأسيس الدولة على أساس طائفي اثني.
لقد كان الوزير المستقيل جزءًا من الفريق الذي عمل على بلورة ما اسمته الورقة البيضاء المستهدفات. وهذا الفريق، الذي لا نعرف هويته (الأعضاء المشركين فيه)، سيستمر في الالتزام بأصولية السوق كحل سحري لمعضلات الاقتصاد العراقي في غياب البدائل وعدم الاستماع إلى آراء العددي من الاقتصاديين العراقيين المستقلين.
بعد نشر رسالة الاستقالة ليس معروفًا كيف سيُحتفى بذكرى صدور الورقة البيضاء خاصة وان الوزير المستقيل كان من أشد المدافعين عنها وراعيًا لها، وكان يدفع باتجاه خصخصة شركات القطاع العام ومنها شركات التأمين العامة وخاصة شركة التأمين الوطنية التي تغذي خزينة الدولة بجزء من أرباحها. لطالما سألت نفسي: لماذا هذا الاهتمام الدائم لخصخصة شركة تأمين عامة ممولة ذاتياً لا تعتمد على خزينة الدولة في إدارة شؤونها؟
يضم هذا الكتاب مقالاتنا التي تناولنا فيها مفردات الورقة البيضاء المتعلقة بقطاع التأمين، مساهمة منا لتكوين رأي من قبل القطاع تجاه ما يرسم للقطاع من مخططات دون مشاركة حقيقية من شركات التأمين. ■
[1] أنظر: د. صباح قدوري، “هوامش سريعة على بيان وزارة المالية حول إنجازاتها في تطبيق بنود الورقة البيضاء،” موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:
[2] https://rmc.gov.iq/assets/ViewerJS/#../pdfs/white-Iraq-1.pdf
[3] https://rmc.gov.iq/assets/ViewerJS/#../pdfs/white-iraq.pdf
[4] http://www.manifestogroup.org/ar/content/%D8%B1%D8%B3%D8%A7%D9%84%D8%A9-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%86%D8%A7-%D9%88%D9%85%D8%A4%D9%8A%D8%AF%D9%8A%D9%86%D8%A7
[5] راجع الدراسة المهمة للدكتور علي مرزا، “التركيبة المؤسسية وغياب استراتيجية وسياسات تنمية مستدامة في العراق،” موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين: Merza_Institutional_Setup_Econ_Dev_in_Iraq.pdf (iraqieconomists.net)
[6] سردار عزيز، “الورقة البيضاء: حين يطرق التكيف الهيكلي باب العراق،” موقع الناس، 4 تشرين الثاني 2020:
https://www.nasnews.com/view.php?cat=44357
لتحميل الكتاب كملف بي دي أف انقر على الرابط التالي
White Paper and the Insurance Sector
باحث وكاتب عراقي متخصص في قطاع التامين مقيم في المهجر
الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية