مقدمة:
منذ عامين ونيّف والعالم يعيش حالة من الارتباك والهلع قلمّا شاهدنا نظيراً لها من قبل بسبب التفشي السريع والواسع لجائحة كورونا (كوفيد-19) ومتحوراتها، وكذلك بسبب هوس الشائعات وضبابية المعلومات المتاحة حول طبيعة هذا الفيروس وكيفية علاجه أو الوقاية منه. وبالرغم من احتمالية تحول الجائحة البنفسجية قريباً إلى حدث من التاريخ؛ إلا أنه ثمة دلائل صادمة تشير إلى أن هذه الجائحة الغامضة والمتفردة في عدوانيها ومقاومتها الشرسة ما زالت تهدد بميلاد أزمات كارثية هي الأكثر خطورة في تاريخ الحضارة الإنسانية (وطفة 2021؛ سافيدرا 2020؛ غالغر2022). أزمات لم نعرفها من قبل إلا أننا نلمس إنعكاساتها وتداعياتها الدراماتيكية على مختلف القطاعات والأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والصحية والبيئية وحتى التعليمية والتربوية.
عدد غير قليل من الباحثين والمراقبين الدوليين ومن بينهم رئيس البنك الدولي ديفيد مالباس يحذّرون من أن الاقتصاد العالمي يواجه مستقبلاً قاتماً، ومن أن التداعيات الاقتصادية للجائحة يمكن أن تستمر لعقد من الزمن، وأن عالم ما بعد كورونا سيكون إلى الأبد مختلفاً عن عالم ما قبلها! منتدى “دافوس” والذي يعتبر أحد أهم الأحداث الاقتصادية والسياسية السنوية على المستوى العالمي، ذكر في بيان له من أنه سيركز في إجتماعاته لعام 2022 على آثار جائحة كورونا بالإضافة إلى التحديات العالمية الأخرى ومنها تصاعد معدلات التضخم وتراجع أسواق الأسهم والحرب في أوكرانيا. المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، قال في كلمة افتتح بها أعمال الجمعية العامة لمنظمة الصحة العالمية في 22 مايو/ أيار 2022، إن فيروس كورونا يفاجئنا في كل منعطف وتسبب في عاصفة مزقت المجتمعات مراراً وتكراراً، وما زلنا لا نستطيع التنبؤ بمساره أو شدته، بما في ذلك تزايد حالات الإصابات فيما يقرب من 70 دولة حول العالم، وطالب بضرورة تعميم حملات التطعيم في كل دول العالم.
لمواصلةالقارءة انقر على الرابط التالي
دكتور وجيه العلي-الأزمة الكورونية وتجربة التعلّم عن بُعد -يوليو 2022 مقال2شبكة
تعقيبات سريعة حول التعلُّم عن بُعد
وأنا أقرأ المقال المهم للأستاذ وجيه علي تذكرت المرحوم فاروق يونس، متصورا أنه يكتب تعليقا عليه. لقد رحل عن دنيانا وبذلك خسرنا كاتبا متابعا مهتما بطيف واسع من فروع المعرفة. لا امتلك ما كان لديه من معرفة ومن قدرة على التحري عن التفاصيل وإثارة الأسئلة الذكية وباختصار لافت. وهنا أحاول تقليده بالترحيب بمقال الأستاذ علي لأنه يتناول موضوعا لم نقرأ عنه في موقع الشبكة. صحيح أن الأستاذ محمد الربيعي نشر العديد من المقالات حول التعليم في العراق وعلى وجه التخصيص التعليم الجامعي إلا أنني لا أتذكر إن كان قد كتب عن موضوع التعلم عن بعد إلا بشكل عابر.
توقفت قليلا عند محور نقاط الضعف في مصفوفة “سوات” S-W-O-T analysis التي نجد حضورا ملموسا له في الدول الأقل نموا والعراق ليس ببعيد عنها. فقد حدد الأستاذ وجيه نقاط الضعف
“بالقيود وبالمحددات التكنولوجية والاجتماعية والاقتصادية والبيداغوجية والمتمثلة في: صعوبة التكيّف السريع مع التقنيات الجديدة لكل من المعلمين والمتعلمين؛ وفقدان الاتصال المباشر بين المعلم والمتعلم؛ وارتفاع تكاليف الاستثمار؛ والشعور بالوحدة والانعزالية نتيجة لنقص التفاعل الاجتماعي؛ ونقص المهارات اللازمة لاستخدام الوسائط الإلكترونية والحاسب الآلي وبرامجه المختلفة؛ وكذلك الفشل في إدارة وكذلك الفشل في إدارة التعلم الإلكتروني بنجاح وفعالية.”
إن كل نقاط الضعف هذه تجد حضورا لها في العراق ونظامه التعليمي المنخور. فلم يعرف عن الدولة أنها أخذت على عاتقها توفير أجهزة الكومبيوتر المناسبة والاتصال عبر الإنترنيت لتلاميذ العوائل الفقيرة. وليس هذا بمستغرب فهي حتى الآن فشلت في الحد من الفقر والبطالة والأمية وتوفير أمن اجتماعي حقيقي. لكنها، وكما جاء في خبر صحفي بتاريخ 21 مارس 2021 أن “العراق يُطلق قناة تعليمية لتجاوز معوّقات التعليم عن بعد”:
“أعلنت وزارة التربية العراقية، الأحد، إطلاق قناة متخصصة في التعليم عن بعد لخدمة طلاب المدارس بالتعاون مع منظمة “يونيسف”، في محاولة لتجاوز المشاكل المتمثلة بضعف البنية التحتية وشبكة الإنترنت، وعدم امتلاك أكثر من نصف طلاب العراق لأجهزة الكومبيوتر لمتابعة الدروس المقدمة عبر منصات “يوتيوب” أو تطبيق “زووم”.
وتعرف العملية التعليمية تعثراً واضحاً بسبب اكتظاظ التلاميذ في المدارس، ما جعل من المتعذر تطبيق آلية التعليم المدمج، فيما يؤكد مسؤولون تربويون حرمان طلاب القرى والمدن النائية التعليم عن بعد لعدم توافر الإنترنت وكثرة انقطاع الكهرباء، فضلاً عن عدم القدرة على توفير أجهزة الكومبيوتر أو الأجهزة اللوحية الأخرى لأبنائهم.”
لم نطلع على تقييم لهذه التعليمية المتخصصة.
يلاحظ أن مساكن الفقراء حيث تعيش العوائل الكبيرة في غرفة أو غرفتين لا توفر البيئة المناسبة للتعلم عن بعد: كيف يتسنى للتلاميذ التركيز في الدراسة؟ هم أصلا يعانون من سلبيات هذه البيئة، وتعلمهم الحقيقي رهين بوجودهم في المدارس التي يفترض فيها أن توفر بيئة أفضل من البيت الصغير أو العشوائي.
أتمنى أن يقوم الأستاذ وجيه علي أو غيره من المختصين برصد وتحليل تجربة العراق في مجال التعلم عن بعد.
كما أتمنى دراسة التكلفة الاقتصادية لعملية التعليم: تقليص التكاليف على الدولة وتحويلها على كاهل العوائل، وهو الاتجاه الذي تعزز في العديد من البلدان التي تعتمد الليبرالية الجديدة في رسم سياساتها ومنها السياسة التعليمية.
قبل جائحة كورونا كانت المحاولات جارية في الولايات المتحدة، على سبيل المثل، لتعليب الدروس التعليمية في وحدات معيارية للتدريس عن بعد لتقليص عدد المدرسين، وحتى تنميط نظام تقييم الاختبارات testing وتحويل تنفيذها إلى شركات تجارية مختصة تستهدف الربح وذلك للتخفيف من كلفة استخدام المدرسين.
إن نظام التعليم عن بعد يدفع بالاتجاه نحو تقليص حجم مباني المدارس (وما يترتب على ذلك من تقليص التكاليف التشغيلية كالتدفئة والتبريد، والصيانة، وعدد العاملين في الخدمات الساندة. ويترافق ذلك بالدفع نحو تأسيس المدارس الخاصة وتقليص مساهمة الدولة في تمويل التعليم.
أعرف من تجربة إحدى الشركات العاملة في قطاع التأمين في المملكة المتحدة أنها قامت بتوفير لابتوب لكل من يعمل في البيت أثناء جائحة كورونا وما بعدها. (للاستغناء التدريجي عن المكاتب الكبيرة وتكاليفها التشغيلية).
قد يأتي اليوم وباستخدام المزيد من الخوارزميات الاستغناء عن المعلمين واستخدام الروبوتات للتدريس، وتقييم نتائج الاختبارات بواسطة برامج خوارزمية معدة سلفا.
لقد كانت جائحة كوفيد 19 هدية مرسلة من السماء لرأس المال والليبرالية الجديدة لتحقيق المزيد من الأرباح وتحجيم دور الدولة في التعليم (وخدمات الصحة العامة كذلك). ■
31 آب 2022
* العربي الجديد:
https://www.alaraby.co.uk/society/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82-%D9%8A%D9%8F%D8%B7%D9%84%D9%82-%D9%82%D9%86%D8%A7%D8%A9%C2%A0%D8%AA%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D9%84%D8%AA%D8%AC%D8%A7%D9%88%D8%B2-%D9%85%D8%B9%D9%88%D9%91%D9%82%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B9%D9%84%D9%8A%D9%85-%D8%B9%D9%86-%D8%A8%D8%B9%D8%AF