مصباح كمال *: :كتاب نقاش حول دمج شركات التأمين العراقية
تقديم
منذ إطلاق مكتبة التأمين العراقي الإلكترونية سنة 2011، وقبلها مجلة التأمين العراقي ومرصد التأمين العراقي (متوقفتان عن النشر في الوقت الحاضر) عملتُ على تجميع ما كان ينشر في هذين الموقعين، وبعدها ما كان ينشر في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين، في كتب وكراسات تضم مقالات منشورة حول موضوع تأميني معين. وكان الهدف وراء ذلك هو حفظ وتوثيق غير مباشر لبعض التطورات في قطاع التأمين من خلال ما هو منشور بين دفتي كتاب إلكتروني لتسهيل الرجوع إليه بدلاً من البحث في أماكن متعددة. وقد اغتنت المكتبة بعدد لا بأس به من هذه الكتب والكراسات بفضل إسهامات زملاء وزميلات المهنة وتشجيعهم.[1]
ضمن هذا الإطار قمت بتجميع ما توفر لي من مساهمات حول موضوع دمج شركات التأمين العراقية في هذا الكراس. وما دفعني إلى هذا العمل هو ما قرأته عن موافقة مجلس الوزراء في جلسته المنعقدة بتاريخ 2 كانون الثاني 2024 على تعاقد شركة التأمين الوطنية مع الشركة الاستشارية ارنست ويونغ لدراسة موضوع دمج شركتي التأمين الوطنية والتأمين العراقية، وهما من الشركات العامة ذات التمويل الذاتي.
يضم الكراس مقالات وتعليقات حول موضوع الدمج نشرت في الفترة الممتدة منذ 2016 حتى وقت إعداد الكراس. والأمل معقود على همة زميلات وزملاء المهنة والمعنيين بالشأن التأميني العراقي ومصائر قطاع التأمين لمتابعة وتحليل ما يُرسم للقطاع من سياسات حفاظًا على مصالح جميع الأطراف المنضوية تحت خيمة قطاع التأمين، وكذلك تقييم ونقد الآراء المعروضة في الكراس.
من غرائب تعامل الطبقة السياسية المحاصصية الحاكمة للعراق مع قطاع التأمين، منذ الاحتلال الأمريكي سنة 2003، إهمال العلل الأساسية للقطاع والتركيز على قضايا جانبية، أو قل ليست آنية في ظل الوضع القائم للقطاع، كدمج الشركات العامة، إرضاءً لتوجيهات وتوصيات المؤسسات المالية الدولية. وقد كان أحد زملائي على حق عندما كتب الآتي:
يبدو لي أن الجهات المسؤولة عن قطاع التأمين تميل إلى وضع الحصان قبل العربة. الأجدى بنظري هو الاهتمام بمعالجة العلل التي تعاني منها شركات التأمين الخاصة. فالشركتان موضوع مشروع الدمج هما آخر هموم سوق التأمين العراقي.[2]
في مقال لي نشر سنة 2016 حاولت التعريف بالدوافع وراء الاندماج والاستحواذ. ومما جاء في هذا المقال:
يلاحظ في الأسواق العالمية، التي تشهد منافسة قوية بين الشركات، أن الدافع وراء الاندماج قد يكون الحدّ من المنافسة وربما إخراج المنافسين وخاصة المنافسين الصغار، أو تحقيق تكامل في عرض المنتجات، أو الحفاظ على حصة الأعمال في السوق وإبقاء هامش الربح عالياً لصالح رأس المال، أو غيرها من الأسباب. لكننا لم نعثر على الدافع وراء توجه وزارة المالية وتدخلها في تقرير مصير شركات التأمين العامة ذاتية التمويل من خلال الدمج. ترى هل أن مشروع الدمج هو الآلية التي تعمل وزارة المالية على تحقيقه تماشياً مع مروجي سياسة التجارة الحرة في الداخل والخارج، وإزالة العوائق التجارية والقانونية أمام الشركات المتعددة الجنسية لدخول سوق التأمين العراقي، والتمهيد لانضمام العراق إلى منظمة التجارة الدولية مع النمو (المرتقب) للاقتصاد العراقي؟ هل صارت الوزارة تخطط للمستقبل؟[3]
ويظل فحوى هذا الاقتباس مناسبًا كتعليق أولي على قرار مجلس الوزراء بتكليف شركة استشارية أجنبية لدراسة موضوع دمج الشركتين العامتين.
ليس لأفراد هذه الطبقة حس بالتاريخ إذ أنهم لا يدركون مدى الخراب الذي لحق بقطاع التأمين بمقياس حجم أقساط التأمين المكتتبة مقارنة بما كان عليه في سبعينيات القرن الماضي، أو مقارنة مع حجم الأقساط في أسواق التأمين العربية.[4] ولم ينتبهوا إلي عيوب قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005 الذي وضعه المحتل الأمريكي والذي وفَّر الغطاء القانوني لتجاوز شركات التأمين العراقية المرخصة من قبل ديوان التأمين بعدم التأمين لديها واللجوء إلى التأمين خارج العراق.[5] وكانوا ثابتين في تعزيز سياسة الاستخدام على أساس المحاصصة في شركات التأمين العامة وتعيين مدراء عامين لها لا علاقة لهم بالتأمين مع بعض الاستثناءات.[6]
إن فقر فهم التأمين لدى أفراد الطبقة السياسية يشهد عليه الوضع الحالي لقطاع التأمين العام والخاص. فهناك ما يقرب من أربعين شركة تأمين عاملة لم تستطع بمجموعها إنتاج مليار دولار من أقساط التأمين خلال السنة (أقساط التأمين في دولة الإمارات العربية المتحدة تتجاوز 10 مليار دولار). هذا الوضع المتدني للقطاع لا يثير عندهم التساؤل.
وبدلاً من الاهتمام بدمج شركات التأمين الصغيرة الخاصة (كما تعمل هيئة الرقابة على التأمين (ساما) في المملكة العربية السعودية وقبلها المملكة الأردنية) يلجؤون إلى تكليف شركة استشارية أجنبية لدراسة دمج شركة التأمين الوطنية (1950) وشركة التأمين العراقية (1959) العامتين.
ومن المحزن أن أفراد الطبقة الحاكمة لا يعيرون أي اهتمام بالكفاءات العراقية المحلية (جامعة بغداد التي درست موضوع الدمج، وغيرها من هيئات البحث العراقية)، ولهذا فإنهم يهرولون نحو الخارج لشراء الخدمات الاحترافية لا لتطوير قطاع التأمين العراقي برمته بل دراسة موضوع دمج شركتي تأمين عامتين يمتد تاريخهما لأكثر من نصف قرن هو عمر تاريخ التأمين الحديث في العراق. وليس معروفًا ما هو المستتر وراء اللهاث وراء كل ما هو أجنبي. يكفي أن نقول إن إهمال الكفاءات العراقية المحلية هو استهانة بالجهد الوطني، وتأكيد على تعزيز التبعية للخارج.
آمل أن يساهم هذا الكراس في فتح نقاش موسع بين من يعنيهم موضوع دمج شركات التأمين وخاصة بين العاملين والعاملات في قطاع التأمين العراقي فكل عملية دمج ستؤثر على مكانتهم وفرص تقدمهم وطموحاتهم في الشركات التي يعملون فيها.
سيكتشف القارئ تكرارًا لبعض الأفكار في فصول هذا الكراس، وقد أبقيت عليه كي لا يتخلخل النص ويفسد السرد.
استفدت من فرصة إعداد الكراس لتخليص النصوص من الأخطاء الطباعية قدر الإمكان.
لتحميل الكتاب كملف بي دي اف انقر على الرابط التالي
Merger of Iraqi Insurance Companies
[1] يجد القارئ عرضًا لجميع المطبوعات الصادرة من مكتبة التأمين العراقي في الصفحات الأخيرة من الكراس.
[2] تيسير التريكي، رسالة إلى مصباح كمال، 9 كانون الثاني 2024.
[3] راجع فصل “مشروع دمج شركات التأمين العامة” في هذا الكراس.
[4] منعم الخفاجي، “ملاحظة حول أداء قطاع التأمين العراقي 2022،” موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:
Performance-of-Iraqs-Insurance-Sector-2022-IEN-3.pdf (iraqieconomists.net)
[5] مصباح كمال، قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005: تقييم ودراسات نقدية (بغداد: منشورات شركة التأمين الوطنية، 2014). وكذلك: مساهمة في نقد ومراجعة قانون تنظيم أعمال التأمين لسنة 2005، تحرير: مصباح كمال (مكتبة التأمين العراقي، 2013). يضم الكتاب مساهمات كل من: جبار عبدالخالق الخزرجي، سعدون الربيعي، فؤاد شمقار، محمد الكبيسي، مصباح كمال، منعم الخفاجي.
[6] كتبت أكثر من مقال حول موضوع سياسة تعيين المدراء العامين لشركات التأمين وإعادة التأمين العراقية، وقد استطعت الوصول إلى مقالين:
مصباح كمال، “بعض المثالب في إدارة شركات التأمين العامة: شركة التأمين الوطنية نموذجاً،” موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين، الفقرة (2):
وكذلك: مصباح كمال، “رسالة استقالة وزير المالية وسياسة الاستخدام في الوزارة- تعيين مدراء شركات التأمين العامة نموذجاً،” موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين:
باحث وكاتب عراقي متخصص في قطاع التامين مقيم في المهجر
الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية