أوراق في الاقتصاد الساسيالرئيسيةالصفحة الأولى

سياسة ترامب تثير عملية سباق التسلح في ‏العالم.

ترامب وحلف الناتو: عودة الجدل حول تقاسم الأعباء1.

ستار الخفاجي*:

منذ وصول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى السلطة، برزت حالة من القلق داخل دول حلف ‏شمال الأطلسي (الناتو)، ليس فقط بسبب تصريحاته المتكررة حول ضرورة زيادة الإنفاق ‏العسكري، بل أيضًا بسبب نبرته الصدامية التي حملت في طياتها تهديدًا ضمنيًا بزعزعة ‏التزامات الولايات المتحدة تجاه الحلف. فقد شدّد ترامب مرارًا على أن على الدول الأعضاء رفع ‏إنفاقها الدفاعي إلى ما لا يقل عن 3% من ناتجها المحلي الإجمالي، وفي تصريح آخر 4% ‏معتبرًا أن واشنطن تتحمل النصيب الأكبر من الأعباء المالية دون مقابل عادل.‏

وزاد المشهد تعقيدًا مع تصريحات نائب الرئيس، جيمس ديفيد فانس، الذي أعرب عن رفضه ‏لمزيد من الدعم الأمريكي لأوكرانيا. هذه المواقف أثارت تساؤلات جوهرية حول مستقبل ‏التوازن داخل الحلف، في ظل بيئة أمنية أوروبية مضطربة بفعل الحرب الروسية الأوكرانية.‏

صحيح أن دول الناتو رفعت بالفعل مستوى إنفاقها الدفاعي خلال الأعوام الأخيرة، إلا أن الأرقام ‏تكشف تفاوتًا كبيرًا بين الأعضاء. ففي حين تخصص بولندا وإستونيا نسبًا مرتفعة نسبيًا من ‏ناتجهما المحلي (4.1% و3.4% على التوالي)، ما يعكس إدراكهما المباشر للخطر الروسي، ‏نجد أن دولًا مثل إسبانيا والبرتغال لا تزال بعيدة عن مستوى الطموح الأمريكي، بإنفاق لا ‏يتجاوز 1.3% و1.6% على التوالي. هذا التفاوت يعكس الانقسام بين الدول الواقعة على ‏خطوط التماس مع روسيا، والتي تظن ان التهديد وجوديًا لها، وبين الدول الواقعة في الغرب ‏الأوروبي التي تنظر إلى المسألة ببرود نسبي.‏

من وجهة نظر ترامب، يظل هذا الواقع غير مقبول؛ الولايات المتحدة، وفق أرقامه، تتحمل ما ‏يقارب 70% من نفقات الناتو، وقد أنفقت في عام 2019 نحو 4.3% من ناتجها القومي على ‏الدفاع، مقابل متوسط أوروبي لم يتجاوز 1.55%. هذه المعادلة، في رأيه، تكرس اعتمادًا ‏أوروبيًا مفرطًا على المظلة الأمريكية، وتحوّل الحلف إلى عبء على واشنطن أكثر منه شراكة ‏متوازنة.‏

لمواصلة القراءة الرجاء الضغط على الرابط التالي:

Sattar Al-Khafaji-Armament-IEN (1)

الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية

تعليقات (1)

  1. Misbah Kamal
    Misbah Kamal:

    مصباح كمال
    استطراد حول اقتصاديات التسلح

    (1)
    قد يبدو أن موضوع مقال الأستاذ ستار الجنابي بعيد عن توجهات شبكة الاقتصاديين العراقيين لكنه، من رأينا، يمثل إطارًا مناسبًا أو قل تمهيدًا لدراسة الآثار الاقتصادية للتسلح. فيما يلي بعض الملاحظات السريعة على اقتصاديات الإنفاق العسكري وشيء من تداعياتها على العراق.

    (2)
    من المعروف أن اقتصاديات التسلح تنطوي على تقاطع الاقتصاد والسياسة والصناعة والأمن، وهو ما يثير الجدل حول الجدوى الاقتصادية للإنفاق العسكري وأثره على التنمية. يمكن ملاحظة الآثار الاقتصادية للإنفاق العسكري (التسلح) في مجال الطلب الكلي aggregate demand والفرصة البديلة opportunity cost (الإنفاق العسكري يُحوّل الموارد عن القطاعات ذات المنفعة الاجتماعية مثل الرعاية الصحية أو التعليم) وإعادة تشكيل الاقتصاد reorientation of the economy ليتمحور حول الصناعات العسكرية.

    هناك من يجادل بأن التسلح يحفز الصناعات (وفق منظور الروابط الأمامية والخلفية forward and backward linkages)، ويعمل لذلك على خلق وظائف جديدة، والدفع باتجاه الابتكار (وهو ما تدل عليه التجربة في الولايات المتحدة الأمريكية إذ أن العديد من الابتكارات التكنولوجية نشأت على خلفية الصناعات العسكرية وبدعم من الدولة ). ويندرج هذا التحفيز تحت عنوان التأثير المضاعف multiplier effect فالإنفاق العسكري يحفّز، من خلال الطلب غبر المباشر، على إنشاء وتطوير صناعات ذات صلة كالصناعات الهندسية والتكنولوجية والخدمات اللوجستية.

    وهناك من يجادل بأن التسلح يشكل عبئًا على التنمية، ويؤدي إلى تشوهات في سوق العمل (تحويل العمالة من القطاع المدني إلى القطاع العسكري وما يترتب عليه من تأثير على مستوى الأجور)، وتضخم غير منتج في الجهاز العسكري (شكل من أشكال البطالة المقنعة).

    في إطار هذا الجدال يمكن التعكُّز على مفهوم يُعرف باسم الـكينزية العسكرية Military Keynesianism الذي يمزج بين التحفيز المالي والإنفاق العسكري لزيادة الطلب الكلي وخلق فرص جديدة للعمل. وكان كينز قد دعى عقب الكساد العظيم إلى الإنفاق العام لتعزيز الطلب الكلي وإحياء عجلة الاقتصاد الرأسمالي. وقد صار الإنفاق العام، رغم ما قد ينطوي عليه من أثر تضخمي، سياسة اقتصادية للتطبيق خلال فترات الركود الاقتصادي. وكانت الولايات المتحدة هي الأكثر استخدامًا للكينزية العسكرية خلال الحرب العالمية الثانية (1939-1945) والحرب الباردة (1946-1990).

    وما يُعاب على الكينزية العسكرية هو أنها تأتي على حساب الاستثمار في البنية التحتية ذات التفع العام أو البرامج الاجتماعية. ومن عيوبها أيضًا أنها تعمل على عسكرة الاقتصاد بحيث يصبح الإنتاج العسكري محوريًا، وليس ببعيد عنا فكرة أن الرأسماليين المالكين للصناعات الحربية لهم مصلحة في قيام النزاعات والحروب (وهو ما كان يطلق عليهم في الأدبيات اليسارية اسم تجار الحروب).

    (3)
    ليس للعراق صناعات عسكرية ذات قيمة في الوقت الحاضر (محاولات التصنيع العسكري زمن الدكتاتورية فشلت وأُفشلت بسبب أعباء الحروب وما ترتب عليها من عقوبات اقتصادية شلّت الاقتصاد العراقي بالتوافق مع السياسات الارتجالية للنظام، وكانت وراء تراكم الديون البغيضة للعراق ). لكن العراق، في الوقت الحاضر، يتأثر بحروب الغير كما برز خلال الحرب الإسرائيلية-الإيرانية (13-24 حزيران 2025)، إذ أغلق المجال الجوي العراقي مما تسبب بخسائر مالية مباشرة (إيرادات عبور الطائرات المدنية والتوقف المؤقت للخدمات التي تقدمها المطارات العراقية). ومن المحتمل أن سقوط بغض الصواريخ والطائرات المسيرة في جنوب العراق تسببت بأضرار للممتلكات وربما المخاوف المختلفة في المناطق التي تأثرت بسقوط هذه الأجسام.

    يمكن التوسع بعرض الآثار الاقتصادية في السيناريوهات المحتملة لغلق مضيق هرمز (حيث يتعرض العراق لخسائر في تصدير النفط الخام مع شحة خطوط التصدير البديلة).

    كما أن استمرار تأثر العراق بالنزاعات الإقليمية ليس مستبعدًا، وهو ما يؤثر على سلامة البيئة الأمنية لاستثمار رؤوس الأموال المحلية والأجنبية. والملاحظ أن تهريب الأموال، بفضل نظام المحاصصة وضعف مؤسسات الدولة، سيزداد في حال اشتداد النزاعات بين الفصائل المسلحة ومنها تلك المتخفية تحت مظلة الحشد الشعبي.

    (4)
    ليس لدينا معلومات عن حجم الإنفاق العسكري في العراق ومع هذا يمكن القول إن هذا الإنفاق، مهما كان حجمه، سيكون على حساب القطاعات الأخرى كالتعليم والرعاية الصحية والبنية التحتية.

    نخلص من هذا العرض القصير غير المكتمل إن الاقتصاد العراقي الوحيد الجانب يتأثر بالصراعات المسلحة الخارجية والداخلية، وهو ما قد يفسر الركود الاقتصادي المزمن.

    آمل من الأستاذ ستار الخفاجي ومن اقتصاديين آخرين دراسة اقتصاد التسلح وخاصة في إطار الاقتصاد العراقي.

    10 أيلول 2025

التعليق هنا

%d مدونون معجبون بهذه: