احداث وتقارير اقتصاديةالرئيسيةملف البنك المركزي العراقي

كلمة الدكتور بسام خليل الساكت في الندوة الاستذكارية لزملينا الاقتصادي الراحل الدكتور سنان الشبيبي

في هذا اليوم الجمعة 21/1/2022 أشارك الاهل والاخوة الاحباء في العراق وكل الاحبة خارجه ، ذكرى أخي ورفيق الدرب ، الدكتور محمد رضا الشبيبي ، قامة من قامات العراق الفكرية الوطنيه.

يجمعني واخي المرحوم د سنان واهله ، ليس فقط الذكريات بل القيم والطموح . لقد ودعناه بالامس القريب، وديعة عند الله ، ودَّعناه “عن بعد “، في حين كان هو “القريب” الصديق الوفي . لقد رجعت نفسه الى ربها ، راضية مرضية ، نسأله تعالى ان يدخله مع الصالحين ، جنات النعيم ./ان حضور د سنان عندي وبين اصدقائه علامة فارقة في حياتي وحياتهم . لقد حضرت للدراسة في العراق وثلّة من الاردن عام 1962، كان قد اختارنا رئيس الوزراء المرحوم وصفي التل ، اول سفير للاردن هناك بعد ثورة تموز عام 1958، تلك الثورة التي تلتها  عقودا من الالام والاشواك على العراق  والجوار . وكان معي الاخوة شتيوي الجمعاني ، وزياد فريز ، ونادر يونس ،ومحمد عبد الرحيم السالم الحياري ، وعبد الحميد الحياري واديب حداد واسماعيل دحيّات .

كانت بيئة الدراسة  حزبية قلقة  متعدده : من الشيوعية وحزب البعث والقوميين العرب ، كانت فئات متصادمة  .و مرت علينا  في تلك الفترة ،كطلاب شباب أحداث شديدة : حكومة عبد الكريم قاسم والثورة عليه وانقلاب  عبد السلام عارف  وحكومة عبد الرحمن عارف وانقلابات وعواصف واشواك . كانت فترة قلقة لامثالنا في بداية حياتنا .

ورغم ترحيب الكثيرين فينا ،من الاخوة ، كنا في بيئة طلابية تتحسس منا كأردنيين ملكيين . وكنا حريصون على نبل هدفنا وهو الدراسة .  لقد وجدنا في بغداد اصدقاء واهل من ابرزهم المرحوم د سنان الشبيبي ابن الشيخ العلامة محمد رضا الشبيبي رحمهما الله ، وجدنا فيهم وطناً صغيراً وإخوة . لقد ملئ د سنان ايام دراستنا وبعدها رضاً  ومحبة – رحمك الله يا ابو رضا .

كان د سنان غير منحاز لفكر خارج وطنه ، ايجابي مبتسم متفائل ، يتطلع الى الامام ، تفهَّم  قلقنا كغرباء وضيوف ، فتقربنا  منه وتقرب منا . كنت اتنافس معه على المرتبة الاولى في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية – تنافسنا ولم نتشاجر ، فكان سنان الاول على الكلية وكنت وزميلي  الذكي على ميرزا، بعده مرتبة  .كنا اذا احتد النقاش بيننا ، في يوم ، نصاب بفقدان الذاكرة ، كأن لم يحدث شئ بالامس . ،  كانت صداقة سنان نعمة ، وغيابه اليوم عنا فراغ وألم .

دعاني المرحوم وزملائي مساء الى بيت والده في منطقة الزِّوِيه في بغداد ، بيت العلم والوطنية – وقام بتعريف والده ، الشيخ الجليل علينا. كان طويل القامة، عميق المعرفة ، يرتدي عباءته ذات اللون الصحراوي وجبّته تاج على رأسه ،  هادئ وقور ، كلامه موزون ،  مُهاب ٌ،يفرض الاحترام على الحضور ، يُوقِض العقل والسمع ويريح الناظر اليه .  ولقد اعتبرته بعد اللقاء وشبهته بصقر من صقور قريش – اللهم صلي على محمد وعلى آله ومن والاه .  لقد حدثنا الشيخ الجليل  في اللقاء عن العراق وتدخلات الخارج في شؤونه ، وطموحات العراقيين في البلاد وسمو المفكرين في الداخل ، وكرَّمنا  إضافة بحضوره ، كرّمنا بوجبة سِيمَشْ مسقوف من شط دجلة المجاور للمنزل . حقاً لقد حمل د سنان جينات من والده وجده وعشيرته ، والجينات تُولِدُ المواقف .فكان امينا محافظاً وبانٍ عليها.

كان يزورنا د سنان  وزملاؤنا الاطياب امثال حسام عبد الرزاق العويناتي  و موفق بشير حديد ، ومناف عبد الغفور وعفيف الريِّس ، وعبد الجبار السعدون ، وغيرهم  ، وباستمرار في القسم الداخلي في منطقة راغبة خاتون في الاعظمية  ،  ذلك القسم الذي خصصته دائرة البعثات العلمية العراقية  للاردنيين فقط . وكم زرنا معه ومعهم في سفرات طلاب الكلية  معالم العراق وعتباته المقدسة في النجف الاشرف ومسجد الامام الاعظم في الكاظمية ومسجد الامام ابو حنيفة في الاعظمية. وزرنا الكوفة والملوية في سامرّاء وإطلعنا على تراث العراق ومشينا في شارع الرشيد والسعدون وباب المعظم والشورجه ، وتذوقنا اللبلبه  والشلغم من الباعة في الشارع ، وزرنا سوق الصفافير و مكتبة المثنى وفتاح باشا والمكتبات ومتاحف الفنون والآثار . كلها كان زاد لنا في شبابنا .

كان في صفنا الدراسي وكليتنا طلاب متنوعي المنابت والمشارب والتوجهات منهم من حمل السلاح على عبد الكريم قاسم ومنهم من يحمل الفكر المتوقد  سلاحا ، كالمرحوم د سنان  .  فكانت بوصلته إرث والده وأصوله من النجف والناصرية  ؛

ولقد زارنا في الاردن د سنان  عام 1966، مصحوبا بثلة من اصدقائنا امثال حسام العويناتي الصديق الوفي خفيف الظل طيب المعشر ،  وخليل عبد الجبار وموفق حديد .  إصطحبناهم بزيارة  الى الضفة الغربية للاردن ، فزرنا المسجد الاقصى وقبة الصخرة المشرفة وكنيسة القيامة ومعالم الاردن . فكانت  تلك زيارتنا الاخيرة للضفة  قبيل احتلال اسرائيل العسكري لها .

وزارني د سنان وموفق  حديد وكمال القيسي ، يوم كنت طالبا في جامعة اكسفورد عام 1969 ، جاؤا زائرين من بريستول ومانشستر ، فاستضفتهم في كليتي كلية جيسس ، ؛ كان لقاء مودة ومحبة وتجديد لشباب يشيّدون مخزون المعرفة التي هي ثروتهم المتجدده .  وحدّثت سنان عمّا قرأت عن والده واسم عشيرته في مراجع مكتبة بودليان الشهيرة في اكسفورد . فإسم عشيرة الشبيبي هو مسمىً لتمر  نخلة نادرة سعفها كثيف مرتفع للاعلى ، لا ينحني الى الاسفل ؛ وسنان واهله كذلك . حدثت سنان عمّا قرأت وكيف إرتحل والده الشيخ محمد براً  على ظهر جمل ، متخفياً عن الانجليز ، الى البصرة ثم الكويت حتى الحجاز ، مخولاً ، أميناً ، يحمل مجلد تواقيع عشائر العراق الى الملك الشريف الحسين بن علي رحمه الله ، مناشدينه فيها ومطالبينه إختيار أحد انجاله لتأسيس مملكة العراق الوطنية المستقلة . فكان الشيخ ،  كما ذُكِر ، سفير ثورة العشرين  بجدارة .رحمه الله عالما ورئيساً لمجلسي النواب والاعيان(مجلس الامة العراقي  ) ، وقامة من بيت علم وسياسة من الرافدين —. قامة لا تُنسى .

بعد التخرج ، عمل د سنان بنجاح   وكفاءة وتفوق في وزارتي التخطيط والطاقه في بغداد ، .  وأنضميت بعد التخرج  وعملت  في البنك المركزي الاردني . وعاودت والتقيت  مع المرحوم في الاردن مرات ومرات . وعندما عاد  الى بغداد عام  2003 بعد ذهاب إدارات البعث فيها ،تولى سنان مهمة كبيرة في وقت عصيب . لقد تولى مهمة محافظ البنك المركزي فكان مثالا لرافع راية سيادة القانون والنزاهة . فحفظ المال العام والاحتياطيات النقدية للبلاد ، وتوازن العملة ،وطور السوق النقدي  ، وكان مرساة الثقة في سوقي النقد وسوق رأس المال . وللاسف حاصرته في غفلة قوى مِعْوَجَّة . وحين اشتدت عواصف واشواك الادارات الحكومية والحزبية  عليه في بغداد لمست ،عن بعدٍ ، ألمه  وكدحه ، كما استشعرت الضغوط  عليه.

وكما ان سنان ولد طائرا حرا لا يطيق الاقفاص ، لا الفكرية ولا المادية ، هجر ناجياً منها الى سويسرا . وجاءنا الى الاردن  بطريقه ماراً ، فوجد زملاءه  القدامى ، كما كنا بالامس ، قلوبا وسواعد الى جانبه. لم يمكث طويلا  في الاردن ، وغادرنا الى جنيف . فحلّق  هناك في عمله في منظمة الاونكتاد للامم المتحدة ، ولم يحقد ، واحتضنته المنظمة رجلا كفواً منجزا . ولا تدري نفس ماذا تكسب غدا ولا تدري نفس بأي ارض تموت ، فقد وارته ارضٌ  غير ارض الرافدين التي احبها . ولله ِ في خلقه شوون : لقد صحت الادارة العراقية ، بعد حين ، وادركت خطأ سابقاتها بحق المرحوم ، كما ادركت نقاء وعلو قامتة ، ابن العراق الأبي ، د سنان ،وفُتِحَت الاعين على الحقيقة وتم تقدير أكبر له ، وعلو  شأن في النفوس ،  ابن العراق الوفي – د سنان محمد رضا الشبيبي .

يا من يعز علينا فراقه، ليس كل فتىً يُبكى عليه . كان د سنان طائرا وصقرا ، كوالده ، يحلق عاليا ، منجزا في العراق وخارجه  . وصدق من قال : نحن قوم إذا ضاقت الدنيا بنا ، إتسعت السماء لنا ، فكيف نيأس – سيعوضنا الله عن د سنان ، بأخيار من الديار .

يا أم رضا العزيزة  نبال ، رفيقة درب اخي د سنان الشبيبي ، ، يا أم رضا وعلي ، يا آل الشبيبي الكرام، لكم من الله الصبر والسلوان والفخر من إرث د سنان ، الرجل الصالح .  وللابناء رضا وعلي والاهل من آل الشبيبي ، لكم من إنجازه وإرثه الطيب ، عطرا وخير عزاء .

ويا اخي الدكتور فاضل عباس مهدي  الذي له من اسمه نصيب ، كل الامتنان  لك ولزميلي د زيد حبه ، على مبادرتكم  التكريمية للمرحوم الغالي .  لقد كان غاليا عليك  – اخي د فاضل ، وعلى اسرتك الكريمه .

إخوتي والاحباء : إن اسم د سنان محفور في قلوبنا .  وادعو الله للعراق واهله الكرام ، أهلنا الاجاويد ، دعاء الخير ، بأن يحفظ العراق مُوَحِّدا، مُوَحَّداً ، – هو بلد الرافدين الخصب والثري برجاله وحرائره وتراثه وماله .

وختاماً : صلوات الله وسلامه على النبي العربي محمد ابن عبد الله ، وعلى آله وصحبه ، ومن والاه – اجمعين .

والفاتحة على روح فقيدنا الكبير . إنا الى الله راجعون .  والحمد لله رب العرش العظيم . }}

 

الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية

التعليق هنا

%d مدونون معجبون بهذه: