الرئيسيةالمكتبة الاقتصاديةقطاع الزراعة والثروة الحيوانية والسمكية

عرض كتاب الزراعة وتحولات الريف في العراق خلال الفترة 1921 – 1991

كتاب يبحث في علاقة الدولة بالمجتمع والمسألة الزراعية منذ قانون الأرض العثماني

تقديم جريدة «الشرق الأوسط»

لسبـت 05 محـرم 1422 هـ 31 مارس 2001 العدد 8159

https://archive.aawsat.com/details.asp?article=32903&issueno=8159#.Y0ls7m5ByUl

 

 

صدر أخيرا كتاب «الدولة والمجتمع: مسألة التحول الزراعي في العراق 1921 ـ 1991» للكاتب د. عدنان كرجر من جامعة نايميخن في هولندا. ويتكون من ثمانية فصول اشتملت على الجداول الاحصائية والرسوم البيانية والخرائط اضافة الى الملاحق التي شرح فيها الملامح الجغرافية للعراق، الموارد الطبيعية، السكان، التعليم، انتاج المحاصيل الزراعية والانتاج الحيواني.

يبحث الكتاب في دور الدولة في التحولات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي شهدها الريف العراقي والمجتمع العراقي بشكل عام منذ بداية القرن العشرين. ويحاول تحديد مدى تدخل الدولة في التحول الزراعي واكتشاف تأثير الدولة في صياغة شبكة العلاقات الاجتماعية والاقتصادية في المناطق الريفية. ويبين كيف ان التحول الزراعي هو جزء من عملية اكبر للتحول البنيوي تتضمن تغيرات كبيرة في اهتمامات الدولة وعلاقاتها بالتنمية الاقتصادية والقطاع الزراعي.

وكان قانون الارض العثماني لعام 1885 قد صنف ملكية الاراضي الزراعية في العراق الى ملكية الدولة، ملكية خاصة، الوقف، والاراضي البور. وفي حقيقة الامر ان تنفيذ هذا القانون قد فاقم مشكلة ملكية الارض ونتج عنه تركز كبير للاراضي والنفوذ في ايدي رؤساء العشائر والملاك الكبار الذين اصبحوا ارستقراطية مدنية.

وبعد الاحتلال البريطاني وخلال فترة الانتداب على العراق (1917 ـ 1932) لم تطرأ تغيرات رئيسية في ملكية الاراضي. وقد استوجبت مصالح بريطانيا ايجاد دعامة اجتماعية محلية لها كي تبقي سيطرتها بفعالية اكبر وبتكلفة زهيدة، ووجدت هذه في الشيوخ. لذلك عززت السياسة البريطانية المواقع السياسية والاقتصادية لشيوخ العشائر. وفي مقابل ذلك ساند هؤلاء الحكم البريطاني. وفي هذا السياق تم اصدار قانون دعاوى العشائر لعام 1924 الذي حدد وعزز الدور القانوني للشيوخ وللاجراءات العشائرية المألوفة.

ويشرح الكتاب النظريات الرئيسية للدولة: نظرية النخبة، النظرية الجماعية او الجمعية (التعددية)، النظرية الماركسية ونظرية الدولة المركزية. ويستخدم المؤلف هذه المقدمة لشرح طبيعة وسلوك الدولة العراقية. ويرى ان نظرية النخبة تنطبق بدرجة كبيرة على تركيبة الدولة العراقية خلال العهد الملكي، اذ بقيت الدولة في يد مجموعة صغيرة من الافراد تتكون من اعيان المدن الاثرياء وملاك الاراضي وشيوخ العشائر وكانت اولوياتهم تتمثل في تعزيز نفوذهم وثروتهم. هذه النخبة من المجتمع سيطرت على اجهزة الدولة واستخدمتها لتوسيع هيمنتها على باقي المجتمع العراقي.

لقد قاد تدخل الدولة في المجتمع الريفي الى اصدار تشريعات عززت من استغلال الفلاحين من قبل النخبة الريفية المتكونة من شيوخ العشائر وملاك الاراضي، مثل قانون تسوية الاراضي لعام 1932 وقانون حقوق وواجبات الفلاحين لعام 1933. اضف الى ذلك فهذه القوانين نتج عنها تركز اضافي للاراضي بيد مجموعة صغيرة من ملاك الاراضي. ففي 1958 كان هناك 4 ملايين فلاح لا يملكون اي قطعة ارض بينما فقط 272 من ملاك الاراضي يملكون 4.5 مليون دونم. وبما ان الارض كانت المصدر الرئيسي للنفوذ والثروة بالنسبة لرؤساء العشائر فانهم ارادوا تأطير علاقتهم بالفلاحين من خلال اطار قانوني يخدم مصالحهم بشكل افضل. وفي ظل النظام الاقطاعي كانت الهجرة من الريف تعتبر الوسيلة الوحيدة للخروج من دائرة البؤس والاستغلال والتي تسارعت من المحافظات الجنوبية باتجاه المدن وبالاخص بغداد.

بعد سقوط الملكية اثر ثورة 14 يوليو (تموز) 1958 شرع في عهد عبدالكريم قاسم بتنفيذ اصلاحات مهمة في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والصحية والتعليم وتحرير المرأة. ولم تقصر سياسات التنمية اهدافها على المناطق الحضرية بل اعطت الاولوية لسكان الريف، حيث عانت المناطق الريفية من الاهمال بدرجة كبيرة خلال العهد الملكي وهي بحاجة الى حلول جذرية وسريعة. واراد النظام الجديد إحداث تحولات زراعية فعالة وكان اهم اجراء في هذا التحول اصلاح نظام ملكية الارض القديم. فصدر قانون الاصلاح الزراعي لعام 1958 وكان هدفه انهاء النظام الاقطاعي في المناطق الريفية والقضاء على نفوذ رؤساء العشائر وكبار ملاك الاراضي. وقد قوض القانون القاعدة الاقتصادية لهذه الطبقة، اذ صودر اكثر من 4.5 مليون دونم من اراضيهم حتى عام 1963، واعادة توزيع الاراضي بين صغار الفلاحين والفلاحين من دون ارض قوى هذه المجموعات من السكان وعزز نمط انتاج الاسرة في الريف العراقي.

وكان انشاء التعاونيات الزراعية طبقا لقانون 1958 قد قوض سيطرة مالكي الاراضي الكبار على آليات الانتاج. وقد نزعت الاصلاحات الى خلق وضع جديد للعلاقات الزراعية تفضي اكثر الى تنمية زراعية اكبر في المجتمع الريفي.

ومنذ مجيء حزب البعث الى السلطة اثر انقلاب 1968 حدث تغير كبير في طبيعة الدولة ونمط ومدى تدخلها في شؤون المجتمع. فمنذ السنوات الاولى لتسلم السلطة بدأت النخب السياسية لحزب البعث التغلغل في مؤسسات الدولة واجهزتها. واصبحت المواقع الرئيسية في الحكومة، الادارية، العسكرية والمنظمات الاجتماعية تشغل من قبل اعضاء حزب البعث، وبناء عليه بات صنع القرار في يد عدد محدود من اصحاب النفوذ من السياسيين الذين بدأوا اعادة بناء المؤسسات القيادية طبقا لعلاقاتهم الشخصية وعلاقات القربى والولاء خصوصا للرئيس.

وكان ثراء الدولة المتأتي من ارتفاع اسعار النفط بعد 1973 قد شجعها على توسيع نطاق تدخلها في المناطق الريفية. اصبح هذا واضحا من خلال اقرار سلسلة من السياسات العامة التي تؤثر في ملكية الاراضي الزراعية، التسويق، الاسعار والاستثمار. كذلك التدخل في الزراعة تم عبر تنفيذ قانون الاصلاح الزراعي الثاني لعام 1970 وانشاء التعاونيات الزراعية والمزارع الجماعية ومزارع الدولة. وهي آليات مختلفة استخدمت لتنظيم سيطرة الدولة على المجتمع. وخلال السبعينات زاد الاعتماد على الاسواق العالمية لتأمين المواد الغذائية فانخفضت استثمارات الدولة في الزراعة في خطط التنمية من %24 في 1970 الى %9 عام 1983، وبناء علىه انخفضت حصة الزراعة باستمرار في تكوين الناتج الداخلي الاجمالي حتى وصلت الى%9. ان تدهور الزراعة ترافق مع تسارع الهجرة الريفية ـ الحضرية التي نتج عنها استنزاف ثابت للقوى العاملة الزراعية. ففي 5 سنوات فقط 1970 ـ 1975 انخفضت هذه بنسبة %10.

وفي الثمانينات وللخروج من الازمة المالية اوقفت حكومة البعث جميع برامج التنمية وذهبت بعيدا لاعادة النظر في مجمل سياسات التنمية. وبدأت تطرح الحكومة تخصيص الاقتصاد والقطاع الزراعي على وجه الخصوص، والغت برامج الاصلاح الزراعي وباعت ايضا معظم الاراضي والمشاريع التي تملكها الدولة. وكان هذا بداية مرحلة جديدة من التحول الزراعي في الريف العراقي.

لقد شجعت الدولة توغل الرأسمال الخاص في الزراعة بواسطة توفير محفزات مختلفة. وهذا لم يأخذ طريقه من دون تدمير الانجازات الاجتماعية والاقتصادية لبرامج الاصلاح الزراعي. وتمكنت مجموعة صغيرة من النخبة الحاكمة من الاستحواذ على القوة الاقتصادية والسياسية. ونما بسرعة عدد الاشخاص الاثرياء واصحاب الاعمال التجارية ـ الزراعية على حساب الفلاحين الصغار. وبعد 25 سنة من الاصلاح الزراعي، وجد الفلاحون انفسهم من دون اي دعم من قبل الدولة وباتوا يعتمدون على التجار او الفلاحين الاغنياء من اجل الاستمرار في الزراعة. وسياسة التخصيص تعكس بكل تأكيد تغير سياسة الدولة من تعزيز الاصلاح الزراعي الى اعطاء الاولوية لزيادة الانتاج من دون اي اعتبار لتأثير ذلك في زيادة التفاوت في الدخول.

ولم تؤد سياسة الانفتاح في العراق الى أي تحسن مهم في الانتاج. ففي الفترة 1988 ـ 1990 لم يتمكن الانتاج الزراعي من مواجهة الطلب الداخلي المتزايد على المنتجات الزراعية. واستمر العراق يستورد ثلثي المواد الغذائية. وهذا لا يعني بالضرورة ان التخصيص مطابق لعدم الكفاءة لكن الذي يجب تأكيده ان انماط التخصيص التي اتبعت في العراق كانت غير ملائمة، اضافة لذلك غياب الثقة في مصداقية السلطة، اذ ان اصحاب الاعمال كانوا غير واثقين من اجراءات المستقبل والقرارات السياسية التي يمكن ان تفرضها الدولة.

لتحميل الكتاب باللغة الإنكليزية كملف بي دي أف انقر على الرابط التالي

Book State and Society in Iraq 1921-1991

 

الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية

التعليق هنا

%d مدونون معجبون بهذه: