أسواق النفط والطاقة الدولية

د. وليد خدوري: تداعيات زيادة إنتاج النفط الأميركي

توقعت إدارة معلومات الطاقة الأميركية في تقريرها الأسبوع الماضي ارتفاع إنتاج النفط الخام في الولايات المتحدة خلال 2013 و2014 نحو 1.61 مليون برميل يومياً، معظمها من زيادة إنتاج النفط الصخري. ولو أضيفت هذه الزيادة المرتقبة إلى ما زاد فعلاً من إنتاج النفط الخام الأميركي منذ 2008 ومقداره 2.48 مليون برميل يومياً، لبلغ إجمالي الزيادة بين 2008 و2014 نحو 4.09 مليون برميل يومياً. وهكذا سيصل مجمل الإنتاج النفطي الأميركي إلى نحو سبعة ملايين برميل يومياً، فيما تستقر الأسعار عند مستويات عالية (نحو 110 دولارات للبرميل خلال 2012) ويرافق الزيادة في إنتاج النفط الصخري انخفاض في إنتاج النفط التقليدي في الولايات المتحدة ودول أخرى خارج منظمة «أوبك».

ورجحت شركة «بي بي» أن يرتفع إنتاج النفط الصخري الأميركي بحلول عام 2030 إلى نحو خمسة ملايين برميل يومياً، وفق كريستوف روهي، كبير الاقتصاديين في الشركة النفطية العملاقة، الذي توقع أن تشكل زيادة الإنتاج الأميركي طاقة إنتاجية عالمية فائضة تقدر بنحو ستة ملايين برميل يومياً. وكانت الدول الأعضاء في «أوبك» تملك طاقة إنتاجية فائضة بنحو ستة ملايين برميل يومياً في شباط (فبراير) 2002، ما خفض سعر النفط الأميركي الخفيف في حينه إلى نحو 21 دولاراً للبرميل. وتوقعت شركة «بي بي» في تقريرها السنوي حول الرؤية المتعلقة بالطاقة المستقبلية أن تحقق الولايات المتحدة الاستقلال الطاقوي بحلول 2030، نتيجة عوامل منها: انخفاض الطلب على الطاقة، وارتفاع إنتاج الطاقة المحلي إلى نحو 99 في المئة من مستوى الاستهلاك المحلي بحلول عام 2030، في مقابل نحو 70 في المئة عام 2005.

لكن روهي يضيف أن ظاهرة صناعة النفط الصخري ستبقى صناعة أميركية (أو بالأحرى صناعة مزدهرة في أميركا الشمالية) ومن الصعب توسعها وازدهارها في بقية دول العالم لعدم توافر العوامل القانونية والاقتصادية اللازمة، بالإضافة إلى البنى التحتية الضرورية. والإشارة هنا إلى مرونة العمل للشركات في أميركا الشمالية حيث يمكنها الاستثمار وبيع القطع الممنوحة لها وشرائها بسرعة ووفق قوانين واضحة، وهذه كلها عوامل غير متوافرة في دول أخرى حيث الأولوية هي لشركات النفط الوطنية، ما يصعب العمل للشركات الخاصة، ناهيك عن تزمت الإدارات البيروقراطية في كثير من الدول الأخرى. والبنى التحتية اللازمة الغائبة خارج أميركا الشمالية تشمل المواصلات المطلوبة لنقل الإمدادات البترولية من المناطق الصخرية البعيدة عن مناطق الاستهلاك، بالإضافة إلى سهولة الحصول على التسهيلات المالية اللازمة لتمويل هذه الصناعة الحديثة.

والغالبية الساحقة من زيادة الإمدادات النفطية من خارج دول «أوبك» خلال 2020 – 2030 ستأتي من النفوط غير التقليدية: الرمل القاري والنفط العضوي والنفط الصخري، وفق تقرير «بي بي». وهذا سيعني أن أسعار النفط الخام التقليدية ستستمر هي الأساس في صناعة الطاقة العالمية، وان أسعار النفط ستحافظ على مستوياتها العالية، لتحقيق الأرباح المتوقعة من صناعة النفط غير التقليدية.

وتطرح إمكانية إنتاج نفوط جديدة تحدياً مهماً لصناعة النفط العربي واقتصاد الشرق الأوسط. ويرجى أن تدفع هذه الصناعة الحديثة إلى تفكير جدي في إدارة الاقتصادات المحلية في المنطقة. ويجب أن يحصل هذا الآن، وليس في بعد سنوات أو عقود. ومؤكد أن المسؤولين عن صناعة النفط العربية بدأوا يتنبهون إلى الآثار المترتبة على نجاح إنتاج النفط الصخري وكيفية التعامل معه اقتصادياً. فهذا النفط يشكل منافساً للنفوط العربية في الأسواق، وكذلك على صعيد الأسعار. لكن هذه هي طبيعة تجارة السلع كلها، والأسواق النفطية العالمية تعج حالياً بمختلف أنواع النفوط ومن دول عديدة تزيد عن 30 دولة، بعضها ضخم الإنتاج، مثل روسيا حيث يزيد الإنتاج عن 10 ملايين برميل يومياً، أو تونس التي يقل إنتاجها عن 100 ألف برميل يومياً. وبما أن الولايات المتحدة أهم دولة استهلاكاً واستيراداً للنفط، سيترك تحقيقها للاستقلال الطاقوي الذاتي بصماته على صناعة النفط العالمية.

وثمة سؤالان أساسيان يجب طرحهما في هذا المجال: إذا بقي العالم معتمداً على النفط الخام التقليدي أو غير التقليدي كأهم مصدر للطاقة، وهنا نفترض أن الدول الصناعية الغربية ستعزز إنتاج النفوط غير التقليدية بعدما استنفدت إمكاناتها في إنتاج النفط التقليدي في بلادها، فهل من الممكن في هذا الحالة غض النظر أو إهمال أهمية النفوط العربية باحتياطاتها العملاقة؟ والسؤال الثاني: هل ستستطيع الولايات المتحدة، على رغم استقلالها الطاقوي مستقبلاً، تهميش أهمية النفوط العربية، ومن ثم تغيير إستراتيجيتها الأمنية نحو الدول النفطية العربية عموماً، ومنطقة الخليج العربي خصوصاً؟ هناك شكوك في هذه الفرضيات لأن حلفاء الولايات المتحدة وشركاءها سيستمرون في اعتمادهم على النفط، من ثم فإن أي انقطاعات أو تهديدات للإمدادات ستؤثر على أسعاره العالمية.

ما الذي يمكن توقعه إذاً؟ سيحصل أولاً تغير طبيعة الأسواق فتبرز حال من المنافسة الجديدة، وهذه المسؤولية ستقع على عاتق الصناعة النفطية العربية التي نضجت وجربت كثيراً من التحديات في ظروف أصعب بكثير. وتضطر دول المنطقة ثانياً إلى تبني سياسات أكثر رشداً وعقلانية في إدارة دفة البلاد واقتصادها، ناهيك عن تغير علاقات دول المنطقة، فلا تتدخل الواحدة بالأخرى في شكل مباشر أو غير مباشر. ويرجى تبني هذه السياسات منذ الآن، مع البحبوحة النفطية، وعدم الانتظار إلى زمن التحديات الصعبة. وثالثا، لن يعني تغيير الإستراتيجية الأميركية في الخليج تخلي الغرب والدول الصناعية الغربية عن المنطقة، على رغم الرغبة الجامحة في هذا المضمار، فمن الممكن جداً، وهذا قد حصل فعلاً في تجارب كثيرة، أن تتحمل الدول الأوروبية والآسيوية أعباء أكثر من الولايات المتحدة في حماية أمن المنطقة

  *)  مستشار لدى نشرة «ميس» النفطية 

عن جيدة الحياة – الأحد ٢٧ يناير ٢٠١٣

http://alhayat.com/Details/476464

الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية

التعليق هنا

%d مدونون معجبون بهذه: