أبحاث نظرية في الفكر والتاريخ الإقتصادي

كارل بولاني: التجارة غير السوقية في زمن حمورابي

ترجمة: مصباح كمال

 لتنزيل ملف بي دي أف انقر هنا

 

 يشهد تاريخ مختلف فروع المعرفة، في بعض مراحله، ظهور حالة تنطوي على مفارقة: فمع ازدياد حجم الحقائق القابلة للإدراك تصبح هذه الحقائق وكأنها لا تنتظم في صيغة نمطية.  وبالنسبة للاقتصاد البابلي، فقد بينَّ ماكس فيبر [1864-1920] منذ عام 1909 إدراكه للصعوبات الدفينة في هذا الاقتصاد إلا أنه لم يرجع إلى هذا الموضوع ثانية.  أما بالنسبة لعلماء التاريخ الآشوري فإن مظاهر العلل التي يتصف بها هذا الاقتصاد كانت واضحة لهم ولكن، وهو الأمر الأكثر دلالة، في فترة متأخرة نسبياً.  فـ بول كُوشِكَر Paul Koschaker – الذي دَعى مرة بعد أخرى إلى التعامل بحذر مع بعض الافتراضات التي قدمها الرواد في التاريخ الآشوري – أخذ بالتشكي في النهاية من أن جهوده قد وصلت إلى طريق مسدود.  فقد اختتم دراسته عن إدارة الاقتصاد في الدولة البابلية القديمة (1942) بـ “إشارات متضاربة ومشككة” ولمّح بأنه لم يتمكن من التطبيق المُرضي لقواعد التعامل التجاري transactional terms على عملية التجارة التي تمارسها الحكومة process of governmental trading كما هي مثبتة في وثائق لارسا.  وأضافَ بأنه علينا، في الوقت الحالي، القبول بعدم كفاية المفاهيم العقلانية لفهم التصرفات الإدارية اللاعقلانية لما اسماه، من باب الاتهام، الوسائل التجارية المفرطة في بيروقراطيتها.  هذا الأسلوب في التعبير قد يعكس تحيزاً في الحكمة العملية لهذا العالم الكبير الذي يتمتع برؤية واضحة.  وعلى أي حال، فإن مثل هذه النظرة تتجاوز جوهر المشكلة فحتى غوردن جايلد [1892-1957] V Gordon Child – الذي يمكن أن يوصف بأي شيء عدا كونه معادياً للاشتراكية – اخفق في تفكيك الأمور الغامضة التي تنتظم الأشكال الأولى للحياة الاقتصادية في هذه المنطقة.  فنظريته عن “الثورة الحضرية”[1] التي كانت انعكاساً للتقدم المذهل في اركيولوجيا ما قبل التاريخ، وعلى الرغم من هذا التقدم، لا تجيب على التساؤل عن كيفية تنظيم الإنتاج والتجارة.  لذلك يتوجب علينا الافتراض بأن العوائق أمام فهمٍ أعمق كانت تتجاوز أية تفضيلات لفلسفات التاريخ أو السياسات الاقتصادية.  ويبدو أن هناك، في الواقع، أسباباً قوية تدعونا للاعتقاد بأن الإحباط الذي كان الباحثون يواجهونه في حقل دراسة الاقتصاد البابلي ما هو إلا آخر طور للحيرة التي كانت تنتقل من جيل إلى آخر والتي عُرفت لما يقرب من قرن باسم الجدل حول أُويْكُوس oikos controversy[2] [المذكور في الفصل السابق].  وموضوع الجدل، وباختصار، هو: هل أن المجتمع الكلاسيكي اليوناني والروماني، في ذروة تطوره، كان، في جوانبه الاقتصادية، يعتبر في جوهره مجتمعاً حديثاً أو بدائياً.

الاقتصاد الزائف والمشهد المعكوس

في استعادة هذا الجدل، ليس من الصعب جداً أن نرى، حتى في حالة الاتفاق العام على الحقائق، لماذا بقي التفسير مُحيراً للعقول.  وفي الواقع، فإن المسألة مثار البحث كانت تتمحور حول مدى تنظيم الاقتصاد، في مجالاته المختلفة، من خلال الأسواق.  إن الأدلة على وجود أسواق عاملة ليست متوفرة بسهولة – كما يفترض.  وحتى في الأزمنة الحديثة فإن مسألة التثبت من جاهزية أو عدم عمل آلية العرض-الطلب-السعر لسلعة أو خدمة معينة، في وقت ومكان محددين، هي مسألة في غاية الدقة.  وبالنسبة للماضي السحيق فإن الدليل المباشر قد لا يكون في متناول اليد.  ولذلك فإننا مضطرون للاعتماد على تلك الدلائل غير المباشرة، كالسمات الثقافية، التي تشير على العموم إلى وجود الأسواق والنشاطات السوقية في المجتمع.  إلا أن مثل هذه الشهادة خدّاعة.  فالسمات التي تستدعي في ظاهرها ثقافة رجل الأعمال قد تتواجد بمعزل عن الأسواق وحتى عن الاقتصاد بأجمعه.  هناك الأمثلة الشهيرة للاقتصادات المُنتحلة كتجارة الـ بوتلاج[3] potlatch  أو تجارة الـ كيولا[4] kula، التي تحاكي تفاصيلها في بعض الحالات نشاطات سماسرة البورصة، والتي تمارسها قبائل مانوس Manus في الجزر الأدميرالية[5] Great Admiralty Islands، و تُولُوَا-تُوتوتني Tolowa-Tututni في كاليفورنيا أو كواكيوتال Kwakiutl في الساحل الشمالي الغربي للولايات المتحدة الأمريكية.  هناك عادات لا تتمتع بحد ذاتها بطبيعة اقتصادية – كالنزوع نحو المقامرة، والتنافس في المزاد العلني، والمحاسبة الصارمة، وإغراء المخاطرة، والتفاخر برقم المبيعات – والتي تَسِمُ ممارسة الأعمال التجارية الحديثة، تلعب دوراً في النسيج الاجتماعي للمجتمعات البدائية.  وبالطبع، فإن وجود مثل هذه السمات الاقتصادية الزائفة ليست دليلاً على وجود أسواق عاملة.  إضافة إلى ذلك، فإن بعض المؤسسات الاقتصادية الحقيقية، في أشكالها المعقدة، والتي نعتبرها حقاً بأنها نتاج الأزمنة الحديثة حصراً – وهذا مصدر آخر للغموض – كانت موجودة أيضاً في المجتمعات القديمة.  ولكن، إذا كانت بُنية هذه المؤسسات متشابهة فإن وظائفها قد تكون مختلفة جداً.  فهذه المؤسسات في أشكالها الأولية، أشكالها ما قبل السوقية، كانت تقوم مقام الأسواق في حين أن ذات المؤسسات كانت في أشكالها السوقية، على العكس، مؤسسات تكميلية supplementary للأسواق القائمة.  فعلى سبيل المثال، خلقت التجارة والأعمال، في القرون الأخيرة، هياكل ائتمانية معقدة وأنظمة للمقاصة وأشكال معقدة للوساطة والعملة المستخدمة لغرض محدد؛ وكل هذه يجب أن ينظر إليها على أنها جديدة.  ومع هذا، فإن مؤسسات مماثلة، بأشكال أقل تعقيداً بكثير، قد وجدت في المجتمعات القديمة.  وتفسير ذلك بسيط: عندما تكون المقايضة منتشرة يساعد الائتمان والوساطة والمقاصة والعملة المستعملة كمعيار على تعاطي المقايضة، وهكذا يتم التعويض عن غياب الأسواق والعملة كوسيلة تبادل.

يمكننا القول في مثل هذه الحالات، اعتماداً على المصطلحات الحديثة، إن غياب الأسواق العاملة يستدعي وجود ما يقوم مقام هذه الأسواق.  وفي غياب العملة، المستخدمة كوسيلة للتبادل، غالباً ما يكون هناك خزيناً حكومياً كبيرا ًمن السلع الأساسية يلازمه نظام ٌلضبط حساب مديونية الأفراد وإجراء المقاصة.  ورغم أن العملة لا تستعمل كوسيلة للتبادل، فإنها قد تستعمل كمعيار وكوسيلة للدفع، ويتم ذلك باستخدام سلع مختلفة حسب اختلاف الغرض.  وبالتالي تصبح عملية السمسرة والمزاد وسائل عادية لتنظيم عملية التبادل.  ومع تطور الأسواق تصبح هذه الممارسات، بالطبع، زائدة عن الحاجة وتبدأ بالاختفاء إلى أن تبدأ بالظهور ثانية فيما بعد ولكن، هذه المرة، بشكلٍ معقد وبدورٍ جديد للمساعدة في عمل الأسواق المتقدمة.  أفضل نموذج لإعادة ظهور السمات المؤسسية والأدوات الإجرائية في زماننا هو المجال الذي نطلق عليه اسم الصناعة المصرفية.  لقد كان ظهور الصرّافين، تاريخياً، وهُمْ أولُ المصرفيين، سابقاً لتعميم استعمال العملة المعدنية.  فقد وصلت ممارسة الصيرفة، بما فيها التعامل من خلال الفروع، درجة عالية من التطور في مصر زمن البطالسة، إذ كانت هذه الممارسات وسيلة لتسيير اقتصاد عيني [لا يقوم على استعمال النقود] مُخطط ومتقدم يعمل بدون أسواق وبدون استعمال العملة كوسيلة للتبادل.  وفي الواقع، فإن المقاصّة بين حسابات التجار كانت شائعة الاستعمال 1500 سنة قبل بطالسة مصر في التجارة “الآشورية القديمة” وفي غياب الأسواق المُقررة للأسعار، وحتى في غياب العملة المعدنية.

الخلاصة: لقد كان العنصر المُحيّر للفكر في الجدال الدائر حول أُويْكُوس يتمحور حول دور السوق، رغم غياب الوعي الكافي بأهمية هذا الدور بين أطراف الجدال.  اعتماداً على صياغة المسألة بهذه العبارات، أكد رودبيرتس[6] Rodbertus على أن النظام الضريبي، في غياب نظام السوق، في الفترة المتأخرة للإمبراطورية الرومانية، كان يعتمد، بداهة، على ضريبة عامة على الملكية، مفروضة على الأسر المكتفية ذاتياً تقريباً ممن كانوا يشكلون أصحاب الأرض ومالكي العبيد.  وعلى أساس نفس الصياغة، سلّم بُوشر[7] BÜcher بحقيقة أن توحيد الاقتصادات الحديثة قد تم من خلال الأسواق الوطنية، التي كانت بدورها، إلى حد كبير، نتاج تدخل الدولة، وهو تطور لم يشهده التاريخ قبلاً.  وأخيراً، فإن موقف  فيبر تجاه الرأسمالية في العالم القديم وكذلك موقف [مايكل إفانوفيج] روستوفتزيف [1870-1952] Rostovtzeff يمكن أن يختزل إلى سؤال واقعي وهو: إلى أي مدى كانت العملية الاقتصادية في روما القديمة، في أزمنة أخرى وفي جوانبها الأخرى، قد تشكّلت من خلال الأسواق؟  إلا أننا في تأكيدنا على وجود الأسواق يجب أن نتجنب بكل حذر مغبة الوقوع في مأزق خطير.  فالنشاطات الاقتصادية ضمن شروط الأسواق المتقدمة قد تشبه النشاطات في ظل شروط ما قبل السوق في حين أن وظيفتها تختلف كلياً.  إن التمييز بين أوضاع ما قبل السوق وما بعد السوق يساعد على تجنب ما يمكن أن يسمى بـ “المنظور المعكوس” الذي أغرى المؤرخين برؤية ظواهر “حديثة” جداً في العالم القديم في حين انهم كانوا، في الواقع، يواجهون ظواهر نموذجية بدائية أو قديمة.

قضايا الاقتصاد البابلي

 

لقد كان ﭙول كوشكر عام 1942 حقاً أقل وثوقا لفهمنا للاقتصاد البابلي من إدوارد ماير Eduard Meyer عام 1895.  وفيما يلي سنوضح أسباب ضعف الثقة.

بعد فترة قصيرة من ظهور تضارب الآراء بين بوشر وماير تم العثور على مَسلّة مصنوعة من الحجر البركاني الأسود منقوشة بشريعة حمورابي.  وتضم هذه الشريعة قانوناً تجارياً حُدد تاريخه في (ذلك الوقت) بحوالي 25 قرناً قبل الميلاد[8].  على إثر هذا الاكتشاف بانت أهمية اللوائح الطينية الخاصة بالمسائل التجارية والمكتشفة قبل مسلّة حمورابي.  بدى واضحاً بأن الحضارة قد نشأت من الغرائز التجارية للإنسان، وأن مهد عالمنا، القائم على ثقافة رجل الأعمال، قد أُزيح عنه الستار في بابل.  وفي مواجهة هذه الحقائق فإن توصيف الحياة الاقتصادية القديمة بالبدائية لا يعدو أن يكون غير هلوسة.  وأثبت سلسلة من العلماء، من أصحاب العقول النقدية التي قلّما تم تجاوزها في أي حقل من حقول المعرفة، النتائج الجماعية لهذه البحوث.  لم يكن الاختلاف على التفاصيل معدوماً بينهم، ولا حتى الإقرار بوجود ثغرات مهمة ـ ولكن فيما يخص الطبيعة العامة للاقتصاد، وروحية المشاركين فيه، والمواقف وميزان القيم التي كانوا يعتمدونها في توجيه سلوكهم، فإن هذه كلها لم تكن موضع شك بين هؤلاء العلماء.  نحن نشهد هنا عين الجوهر الذي يتسم به مجتمع الأعمال ذو العقل الرأسمالي، حيث يقوم الملك والإله على حد سواء بالعمل على تحقيق الربح الفاحش، باستغلال الفرص المتوفرة للإقراض بالربا، وإضفاء روح الانهماك في جمع المال على حضارة بأكملها عبر آلاف السنين.  لذلك يجب النظر إلى الشكوك التي أثيرها هنا، فيما يخص التنظيم الحقيقي للحياة الاقتصادية القديمة في الشرق الأدنى، قُبالة هذا المُناخ من الآراء.

نستطيع من خلال منهج تفسيرنا للجدل حول الـ أُويْكُوس صياغة المأزق بإيجاز.  لقد بدت الحياة الاقتصادية البابلية لهؤلاء العلماء بالضرورة كمُركّب من النشاطات تعتمد أساساً على عمل نظامٍ للسوق مفهوم ضمناً.  فالأسواق كانت القاعدة الصلدة التي ترتكز عليها، بالتوكيد البديهي، كل ما يحدد أشكال التجارة، واستعمالات النقود، والأسعار، والصفقات التجارية، وحسابات الربح والخسارة، والإعسار المالي، وشركات التضامن.  وباختصار: الأصول التي تنتظم الأعمال.  مؤدى ذلك، منطقياً، هو أنه في حالة غياب مثل هذه الأسواق فإن هذه التعليلات للمؤسسات الاقتصادية وطرق عملها تؤول بالضرورة إلى الانهيار.

ونحن نؤكد بأن الحالة هي كذلك تماماً.  فبابل، في حقيقة الأمر، لم يكن لديها مواضع للأسواق أو نظاماً للسوق من أي نوع كان.  هذا الإقرار، الذي يشكل الأطروحة الرئيسية لهذا الفصل، يتأسس على عدد من الحقائق تدعم بعضها بعضاً.

(1)     جَزَمَ هيرودوت[9]، الذي زار بابل في وقت غير محدد بين 470 و 460 قبل الميلاد، وبأقصى ما يمكن من تأكيد، بأن “الفرس لا يترددون على مواضع السوق market places وبالتالي ليس لديهم في بلادهم موضع سوق واحد.”  (هيرودوت، I، 153)  لقد تجاهل المؤرخون الاقتصاديون لبلاد ما بين النهرين هذه الفقرة بثبات.

(2)     إن مسحاً سطحياً للطبيعة القانونية للمعاملات التجارية، من الفترة البابلية القديمة، نزولاً إلى الفترات الفارسية، يبين صحة الرأي المقبول، ومفاده أنه، بالرغم من “العصور المظلمة” التي تخللت هذه الفترات، لم يحصل أي تغير لافت للنظر في طبيعة وخصائص هذه المعاملات.

(3)     من الواضح بداهةً بأن مواضع السوق، لو كانت موجودة حقاً في زمن حمورابي، فإنه من الصعب جداً أن يختفي أي أثرٍ لها الى الحد الذي لا يمكن معه إحيائها خلال فترة نهوض النشاطات في حقل الأعمال والتي حصلت بعد ألف سنة كان هيرودوت في أعقابها يزور بابل.

(4)     بالرجوع إلى الأدلة الآركيولوجية المعتمدة فإن المدن المسّورة في فلسطين (باستثناء أورشليم الهيلينستية) لم تكن فيها أية مواقع مكشوفة [أسواق] لغاية تدميرها.

(5)     إن موضع السوق الرئيسي في بابل [لو كان موجوداً فعلاً] يوفر معلماً لا يمكن إهماله.  علاوة على ذلك فإن المدوّنات الأدبية المعاصرة للأسماء والمواقع وتخطيطات المعابد وطرقات المدن، التي أُكتشفت في مكتبة آشور-بانيبال، لم تُشِر إلى أي نوعٍ من المواضع المكشوفة.

(6)         أن ما يقرب من نصف دزينة من كلمات مختلفة ترد في الوثائق المسمارية، وتُرجمت في سياقات مختلفة إلى كلمة “سوق” ظهرت عند تدقيقها بأنها لا تعني “موضِعَ سوقٍ” بتاتاً أو على الأقل فإن معناها مشكوك فيها.

(7)          أخيراً، فإن إثباتاً جزئياً وصلنا من أ. ل. أوبنهايم A. L. Oppenheim[10] كما يلي: “وبالنسبة لأسئلتك الخاصة: الأدلة الآركيولوجية تشهد ضد وجود ’مواقع للأسواق‘ داخل مدن الشرق الأدنى القديم.”[11]

مستوطنة تجارية آشورية ممعنة في القدم

يوفر لنا الاستعراض السريع لمستوطنة تجارية آشورية قديمة، كانت قائمة لفترة تزيد عن القرن في زمن حمورابي في قلب آسيا الصغرى، صورة تعميمية عن الكيفية التي فهم بها علماء التاريخ الآشوري، وحتى لبضعة عقود خلت، تنظيم التجارة لهذه الحالة الخاصة التي نحن بصددها.  فاستعراض الخطوط العامة سيبرز المسائل التي ستظهر بالضرورة مع استبدال وجهة النظر التقليدية – التي تفترض الأسواق – مع وجهة نظر أخرى تعتمد على نفس البيانات المتوفرة ولكن دون اعتماد فرضية الأسواق.  ومن الصعوبة بمكان تجنب بعض التكرار عند مقارنة المشهد المُركّب، كما يتجلى من المصادر المتوفرة لنا – وتضم مُؤَلَفين رئيسيين هما: لاندسْبيرغر Landsberger في 1925 و آيْسار جَيْ. لَوي Eisser-J. Lewy سنة 1935 – مع الصورة التجريبية التي نقدمها كبديل عن الصورة التقليدية.

مما لا يُنكر أن المطبوع الأول كان قائماً على الحدس ـ وهو ما لم يمكن بمقدور المؤلف تجنبه بسبب الثغرات في الأدلة؛ إضافة إلى الإدعاء، صواباً، بالحق في الصياغة الحرة للبيانات التوضيحية المنتقاة بغية إتمام [نواقص] النصوص الأصلية بدلاً من الإفراط في الدقة الذي كان سيؤدي الى إخراج قِطع عسيرة على الفهم.

ضمَّ المطبوع الثاني، الذي ظهر بعد عقد، معظم الألواح المُنقحِرة transliterated آنذاك.  وكان على العموم مطابقاً للمطبوع الأول ومختلفاً معه، باستثناء التفاصيل، بشكل خاص في الدقة الحِرَفية والإتقان القانوني.

لقد عرض لاندسبيرغر سلسلة فارغة من المشاهد الحياتية تستوحي دراما نشاط الأعمال.  وقدّم آيسار-جي لوي التعليقات الفيلولوجية والتصنيفات القانونية.  وسنوجز العرض المجتزأ لهذين المؤلَفين في ثلاث نقاط هي: الأفراد والحوافز، طبيعة السلع، خصائص النشاطات.

بالقرب من كانيش[12] Kanish ،على نهر هالس Halys ، نجد مستوطنة [محطة تجارية] آشورية للتجار ـ أعضاء ما يسمى بالـ كاروم[13] karum ، رجالُ أعمالٍ يعملون على تحقيق الربح من خلال عمليات البيع والشراء، والمشاركة التضامنية partnership، والإقراض والاستثمار.  وهناك وَفرٌ من الوثائق [عن هذه النشاطات] تمتد لثلاثة أجيال وبعدها تتوقف فجأة.  يعمل هؤلاء التجار كوسطاء بين مدينة آشور البعيدة، التي ينتمون إليها عرقياً ودينياً ولغوياً، وبين رعايا أمير (أو أمراء) مَحلّي في وسط الأناضول.  ومهما يكن اصلها، فإن سبب وجود هذه المستوطنة، وبالطريقة التي تدار بها في الواقع، هو الحصول على النحاس لمدينة آشور.  ويُحَقق الربح من خلال بيع-شراء السلع، والقروض – القصيرة الأجل أو الطويلة الأجل – والتشارك في الأعمال وكذلك المشاركة في الأرباح، كما هو الحال مع حقوق المساهمين في أية شركة.  والشركة هنا عائلية، ولكن ليس حصراً.  غالباً ما يحصل أن أحد الشركاء الصغار، أو شخص آخر يتمتع بمهارات معينة، يُمنح قرضاً نقدياً أو سلعياً، بدون فائدة، لقاء خدماته كمندوب متجول، يستطيع استعماله في التجارة لحسابه الخاص (بيعولاطوم be’ulatum).  القوة المحركة في تجارة الأعمال هو الرجل الكبير في آشور [ورد في الأصل ربما خطأً باسم Ashshur] (أمينوم[14] ummeanum) الذي يوفرُ السلع، ويُقرضُ المال، ويستثمر الأموال لأجلٍ طويل لقاء فائدة أو لقاء المشاركة أو كليهما.  ومع ذلك فإن بعض نقابات gild التجار، الناجحة أكثر من غيرها في كانيش، ربما كانت تمارس نفس أعمال التجار الكبار.  أما عمليات النقل فكانت تقوم بها جماعات خاصة من الناقلين وعلى أساس تجاري.  بالإضافة إلى هذه الفئات فإن صورة الشخص المجهول الاسم تمكاروم [15]tamkarum دائماً حاضرة رغم أن وظيفته ومصالحه ونشاطاته ليست واضحة ولكنها على ما يبدو مهمة.  أما السلع موضوع التجارة فقد كانت بالدرجة الأولى النحاس – كما ذكرنا – والذي يُدار كاحتكار من قبل الـ كاروم karum .  ويأتي في الدرجة الثانية من الأهمية السلعُ برسم الأمانة[16] consignment  كالرصاص (القصدير؟) والأقمشة الفاخرة من العاصمة [آشور] وتصدير الأنسجة المحلية وغيرها من السلع من كانيش.  وكانت قضبان الفضة تتحرك في كلا الاتجاهين.  ثم هناك أخيراً ذكرٌ للسلع “الحرة” التي لا تخضع لـ “الاحتكار” أو لا تكون برسم الأمانة.

كان النشاط الأساسي هو البيع والشراء وخاصة بالنسبة للسلع برسم الأمانة التي يستطيع التاجر أن يطلب عليها عمولة.  وفيما عدا هذا النشاط كانت وظيفة التاجر البحث عن زبون للسلع والاستفادة القصوى من فرص السوق.  فالأسعار والفوائد تتغير صعوداً ونزولاً بطريقة تكاد أن تكون مماثلة لما يجري في البورصة، ولذلك يتوجب على التاجر مراقبة حركة الأسعار والفوائد.  وتؤدي المعاملات بين التجار إلى نزاعات غالباً ما تُحلُّ عن طريق التحكيم.  وفي حالات أخرى، يبدو أن احتمال فرض العقوبات الصارمة، الأدبية والبدنية، من قبل السلطات، يهدد الطرف المتخلف عن أداء التزاماته [للامتثال للحق].

إن ما ذكرناه يستقيم مع نظام المتاجرة السوقية قبل اختراع النقود المعدنية وإيجاد الأجهزة التنفيذية القادرة على تطبيق قرارات المحاكم.  إلا أن أموراً أخرى تبدو وكأنها لا تنسجم مع هذه الافتراضات.  ولم يَنسَ لاندسبيرغر أن يقول بأن الأرباح لم تذكر بوضوح أبداً، وأن الخسارات لم تذكر إطلاقاً، وأن الأسعار ليست محط الاهتمام الرئيسي، كما أن المعاملات بين التجار ليست مضمونة بكفالة surety أو رهنية pledge كما هو الحال في التجارة القديمة.  كما أن البيانات تشير ضمناً إلى وجود تحريم على المعاملات ما خلا المعاملات النقدية على الأقل بالنسبة للسلع برسم الأمانة.  إضافة إلى ذلك، لوحظ بأن الأحكام كانت تطبق أحياناً تحت طائلة التهديد بعقوبة الموت.

حتى الآن أتينا على ذكر الخطوط العامة لوجهة النظر التقليدية.

التجارة بدون مخاطرة

علينا الآن أن نلقي نظرة ثانية على هذه المستوطنة الآشورية، ونقترح أساليب للتجارة تتناسب مع الظروف العامة كما نراها.  ومع ذلك فإن المهمة التي نضطلع بها لا تعدو أن تكون غير إعادة تفسير للبيانات التي أتينا على ذكرها أعلاه.

التجارة غير السوقية non market trade – وهذه هي النقطة الحاسمة – تختلف في صفاتها الأساسية عن التجارة السوقية، وتنطبق على الأفراد [العاملين في التجارة] والسلع والأسعار ولكن وبكل تأكيد على طبيعة النشاط التجاري نفسه.

فالمتاجرون بالـ كاروم في كانيش لم يكونوا تجاراً، بمعنى أفراد يرتزقون من الربح الناشئ عن البيع والشراء، أي من فروقات الأسعار بين العمليتين.  لقد كانوا تجارا بحكم المنزلة، وكقاعدة عامة بفضل النسب أو الأسبقية في التدريب على مثل هذا العمل، وفي حالات أخرى بفضل التعيين.  وما لم يكن التعيين مقترنا بمنحة كبيرة من الأراضي الأميرية land grant – وهو ما نفترضه في حالة الـ تامكروم ولكن ليس في حالة أعضاء النقابة [التجارية] – فإن مصدر دخل هؤلاء الأفراد هو من مبيعات السلع التي يكسبون منها عمولة.  وكان هذا هو المصدر الأصلي لـ “الأرباح”، أي ذلك المُجّمَع من السلع، بما فيها الفضة، التي كان الأعضاء الداخليين وكذلك الأعضاء الخارجيين – أي الدائنون والشركات – مساهمين فيها [في الأرباح].

كانت السلع تجارية ـ قابلة للخزن، قابلة للمعاوضة وذات صفات معيارية، أو كما يرد في القانون الروماني .quae numero, pondere ac mensura consistunt  وكانت السلع الرئيسية، إضافة إلى الملابس العادية، تتكون من المعادن ـ وعلى الأرجح الفضة والنحاس والرصاص والقصدير، وكلها تحتسب حسب مُعادلها من الفضة.  وكانت الفضة، والى حد ما، بالإضافة إلى وظيفتها المعيارية، وسيلة للدفع في حين أن الذهب كان يلعب دوراً أقل في مجالي معادلة القيم واستعماله كوسيلة للدفع.

أما “الأسعار” فقد اتخذت شكل تثبيت التكافؤ equivalencies عن طريق العُرف أو القانون أو الإشهار proclamation (أنظر فيما يلي، ص 32).  ويفترض أن تكون ضروريات الحياة خاضعة لتكافؤ دائم في القيم إلا أنها في الواقع كانت خاضعة لتغيرات طويلة الأجل اعتماداً على نفس الطريقة المتبعة في تثبيتها أصلاً.  مثل هذه التغيرات لم تؤثر بالضرورة على دخل التاجر الذي لا يعتمد على التفاوت في الأسعار.  مبدئياً، كان هناك دائماً “سعر” [للسلع]، أي المكافئ الذي كان التاجر يبيع ويشتري على أساسه.  لكن الأحكام المُنَظِمة للمُكافئ لم تطبق على السلع الخاضعة للاحتكار، والسلع برسم الأمانة والبضائع “الحرة.”  إن الصفات العديدة المُقِيدة التي تُلحق بمصطلح المكافئ تشير إلى الأحكام المختلفة وآثار هذه الأحكام.  فالمكافئ للنحاس، [وهي من السلع التي تخضع] “للاحتكار”، جرى تثبيته باتفاقية تمتد لأمد طويل.  أما استخراج النحاس، وكما كان منظماً من قبل السكان الأصليين، فقد كان يتطلب ضمانات من رؤساء هؤلاء السكان بأن قسماً، على الأقل، من المُكافِئات، وعلى الأرجح بشكل سلع يرغب بها الناس، يكون في متناول اليد بكميات معلومة.  وفيما يخص السلع برسم الأمانة، وتشمل بالدرجة الأولى الملابس الفاخرة المصنوعة في آشور والرصاص (أو القصدير؟) المستورد، فإن “أسعارها” كانت تثبت بنفس الطريقة وكانت السلع تباع وتشترى بذلك “السعر.”  وتتخذ “الأسعار” بالنسبة للبضائع الحرة أهمية خاصة، ذلك لأن التحول النهائي نحو المتاجرة في السوق ربما نشأ عن هذه الأسعار.  وبعبارة أخرى، فإن المعنى الحالي “للسعر” ربما كان قد تطور من المُكافِئات للبضائع “الحرة.”  إن الصفات المختلفة التي أُلحقت بالمُكافئات في القوائم الوصفية formulary السومرية (موجودة أيضاً في أوغاريت[17] Ugarit) وكذلك المصطلحات الغريبة التي ترد في وثائق لارسا تدل كلها على أن معاملة المكافئات كانت خاضعة لأحكام إدارية ذات تعقيد خاص.  مثل هذا الأمر لا يستوجب الدهشة في القرن العشرين.

وعلى أي حال، فإن الفرق الرئيسي بين التجارة القائمة على الأوامر الإدارية أو الاتفاق من جهة، وبين التجارة الخاضعة للسوق من جهة أخرى يجد تعبيره في أنشطة التجار أنفسهم.  فعلى الضد من التجارة في السوق، كانت هذه الأنشطة خالية من الخطر risk-free فيما يخص السعر المتوقع وعُسر المَدين.  فالخطر الناشئ عن السعر ليس وارداً بسبب غياب الأسواق التي يتحدد فيها السعر والتقلبات التي تطرأ عليه، وبفضل التنظيم العام للتجارة التي لا تعتمد على تحقيق الربح من خلال التفاوت في الأسعار، وإنما يكون الاعتماد على رقم المبيعات.  وهذا الوضع يفسر عدم الاهتمام بالأسعار، وغياب أي ذكر للأرباح في الأعمال قيد التداول، والأهم من كل ذلك عدم ورود أي ذكر للخسائر.  وتصبح المشاركة في الأعمال، في الواقع، مشاركة في الأرباح.  يترتب على هذا الواقع نتائج بعيدة المدى للصيغ التي تتخذها المشاركة التضامنية في التجارة trade partnership، إذ لا يمكن فهم أشكال المشاركة بتاتاً ما لم نُبقي في الذهن، كقاعدة عامة، إسقاط الخسارة من حساب الأسعار.

ليس هناك خطرٌ من عدم وفاء المدين، وبالتالي يكاد أن لا يكون هناك ذكر للخسائر المترتبة على الديون الهالكة bad debts.  هذه الحقيقة لها أهميتها القاطعة فيما يخص تنظيم التجارة، مثلما هي قاطعة حقيقة غياب الخطر بالنسبة للأسعار.

إن الدولة القديمة، وعلى الضد من المجتمع المعاصر، تجعل من الالتزامات تجاه السلطة العامة public hand مقيدة بالقانون stricti juris، في حين لا تتطلب الالتزامات تجاه الحاجة الخاصة أن تكون كذلك.  فكل من يُعهد إليه مُلكاً عاماً public goods يجب أن يكون قادراً دون كلل على إبراز المُلك ذاته أو ما يعادله، وهذا يستقيم مع ممارسة المعاملات العينية in rem transactions  (zug um zug, didontes kai labontes) واستبعاد الدَيْن.  فيما يلي بعض الميزات المعروفة لتجارة الـ كاروم karum-trading : (1) لا يتم البيع إلا نقداً.  (2) التاجر في كانيش يستلم شحنته من البضائع مقابل ضمان security مساوي لقيمة البضائع.  (3) يجب تسجيل الالتزامات تجاه الطرف الثالث مع السلطات المعنية: سلطات المدينة City، الكاروم Karum أو البلاط Palace (في حالة السكان الأصليين).  ولذلك فإن جميع الالتزامات، مبدئياً، تكون مضمونة من قبل السلطة العامة.  وبالنسبة للتجارة القائمة على الاتفاقيات فإن الدلائل على هذه القاعدة كثيرة.  (4) لا تأخذ السلطة العامة هنا على عاتقها أية أخطار، ذلك لأنها ترفض ضمان الالتزامات التي تتجاوز الضمان الموجود تحت تصرفها.

في حالة الغش أو خرق قواعد القانون فإن أقصى العقوبات تطبق بحق الطرف المُسيء.

كل هذا، في جملته، يفسر لماذا لا يحصل في الظاهر حالات عدم الوفاء بالدين؛ ولماذا تُنَفَذ أحكام التحكيم تلقائياً؛ وكيف أن السلطة المسؤولة عن ضبط الحسابات تستطيع ببساطة أن تسجل على حساب الطرف المتخلف عن الأداء المبلغ المحكوم به لصالح الطرف الآخر؛ ولماذا تعتبر عضوية الكاروم وسلامة العلاقة مع المدينة شرطاً سابقاً للشروع في التجارة؛ ولماذا لا نرى تعهدات بضمان الدفع؛ ولماذا لا يتعرض القرض المعطى للشريك الصغير journeyman دون فوائد، للتجارة به لحسابه الخاص، البيعولاطوم be’ulatum ، للخسارة؛ ولماذا تتميز الأعمال بالأرباح فقط وليس الخسائر.

في ظل هذه الظروف، القيام بالأعمال دون التعرض للخطر في موازاة الإجراءات الإدارية، يصبح تعبير الصفقة التجارية “transaction” بالكاد منطبقاً عليها.  ولذلك فسوف نشير إلى هذا النوع من النشاط باسم المعاملة التحويلية[18] “dispositional”.

لقد كانت نشاطات التجار متشعبة: فتجهيز النحاس كان يشمل استخراج المعدن الخام؛ تجميعه ونقله؛ تصفيته؛ خزنه وتسديد ثمنه.  وكانت وظيفة التاجر تحفيز النشاط المحلي في استخراج المعادن من خلال تقديم السُلَف advances [الدفع مقدماً]، وربما من خلال التوظيفات الطويلة الأجل التي قد تمتد لبضعة سنوات، لضمان تسليم وإيداع النحاس مع مكتب النقابة التجاري gild office في كانيش.  إلا أن عمله الأساسي كان يتمثل بتسديد ثمن النحاس وأي شيء آخر قد اشتراه.  وقد يتخذ التسديد شكل تصفية النحاس، أو الدفع بالفضة أو القصدير أو القماش الفاخر المستورد.  وما يتبقى من النحاس والنسيج المحلي كان يُصدّر.  وبالنسبة للنسيج المحلي فإن تصديره ربما كان يتم بعد إكماله نهائياً في نفس مكان إنتاجه.  إن كل الأشياء التي كانت تُشترى مقابل بضائع الأمانة كانت تذهب إلى آشور.

رغم أن مبادئ “السعر الثابت”، “الدفع عند الاستلام”، “الكفالة القانونية” و”العمولة على إجمالي المبيعات” كانت سائدة، فإن وظيفة التاجر لم تكن بسيطة.  لقد كان عليه إجراء الاتصالات المناسبة مع السكان الأصليين، والتقدير الصحيح للبضائع التي يحتاجونها، وترتيب التمويل في الوقت المطلوب، والامتثال بدقة للأحكام والقواعد، تحويل البضائع الموضوعة في عهدته بكل دقة، التأكد من نوعية البضائع المعهودة إليه أو المراد ابتياعها، الحصول على الأموال اللازمة لتقديم العربون للمجهز المأمول، وكذلك تقديم وديعة للحكومة، والعديد من الأمور الأخرى.  فالأخطاء والهفوات تؤدي إلى التأخير، والصعوبة في الحصول على القروض، والطلبات الصغيرة، والمصاريف غير الضرورية، والبغض العائلي، وفقدان السلطة والنفوذ في شركة العائلة، والمشاكل مع زملاء المهنة والسلطات، والانخفاض في رقم المبيعات.  ومع ذلك ففي هذه التجارة بلا أسواق، لم تكن هناك خسارة بسبب الأسعار، أو مضاربة أو إفلاس للمدينين.  كانت التجارة كوظيفة مثيرة لكنها كعمل business خالية من الخسارة.

الصفقات التجارية والمعاملات التحويلية Transactions and Dispositions

لقد كان الأسلوب التحويلي في التعامل الميزة الرئيسية للتجارة الآشورية القديمة.  كان العنصر الأساسي في سلوك التجار ليس فعلاً ذو وجهين، يؤدي من خلال التفاوض إلى عقد، وإنما سلسلة من تصريحات الإرادة ذات الوجه الواحد، يترتب عليها نتائج محددة بفعل أحكام القانون التي كانت تحكم التنظيم الإداري للتجارة القائمة على المعاهدات treaty trade والتي كان التاجر يشتغل بها.  واعتماداً على ذلك من السهل أن نستنتج معايير التجارة التحويلية.

(1)           لقد كان الحصول على البضائع من مسافات بعيدة – معيار كل تجارة أصيلة – هو العنصر الأساسي.  فالحصول على [شراء] الأشياء المفيدة كان يجري بطريقة سلمية، إذ كانت الأشياء تنتقل في كلا الاتجاهين.  وكان هناك عدد كبير من الأفراد المحترفين يعملون في الأنشطة الشرائية وكذلك النقل الفعلي للمواد.  وكان التجار يحصلون على الدخل بفضل نشاطاتهم التي لهم فيها مصلحة مالية.

(2)          رغم أن التاجر كان يعمل ضمن إطار تنظيم حكومي وشبكة من المؤسسات الرسمية وشبه الرسمية، فإنه كان دائماً وكيلاً مستقلاً.  فهو لم يكن مستخدماً لدى أي أحد، أو يعمل بأوامر أي رئيس؛ فله الحرية في توسيع أو تقليص أعماله أو توقيفها نهائياً حسب إرادته.  وإذا كان التاجر لا يتمتع بالمهارات المطلوبة، كسولاً أو غير حكيم فإن ما يكسبه يميل إلى الهبوط.  ومع هذا فهو لا يقع تحت طائلة الخوف من استدعاءات أرباب العمل أو المثول أمام السلطات العليا ـ طالما استمر في عمله ضمن القانون.  لقد كان مبدأ سيادة القانون هو الأسمى.

(3)          برغم ذلك، لم يكن بالإمكان، حتى مبدئياً، منع الصفقات أو الاتفاقات الخاصة.  ولذلك فإن الأساس المنطقي “لسيادة القانون” هو الفصل المؤسسي بين تحويلات التاجر ذات العلاقة بالأعمال الحكومية عن صفقاته الخاصة.  كان التاجر بحاجة إلى رأس المال بشكل قروض قصيرة أو طويلة الأجل أو إلى المشاركة التضامنية، وإلى مساعدين للعمل كأعضاء في الشركة، ومستخدمين للسفر نيابة عنه ونقل البضائع الى المناطق المجاورة.  لقد كان حراً في شراء وبيع البضائع التي ليست برسم الأمانة، وفي تقديم القروض النقدية إلى الشركات والمساهمة في أرباح هذه الشركات.  ومع كل ذلك فلم يكن هناك أي شك حول الطبيعة “العامة” للمعاملة تمييزاً لها عن الطبيعة “الخاصة” ـ سواء أكان التاجر يعمل بصفته العامة، أثناء شراء النحاس، الذي كان ينطوي على استعمال بضائع الحكومة برسم الأمانة، أو بصرف النظر عن هذه الأعمال العامة، أي يعمل بصفته الخاصة.  فبالنسبة لعمله في الحقل العام، فإن خطواته كانت مرسومة وأفعاله يُصطلح عليها كتحويلات.  أما عمله في الحقل الخاص، فإن خطواته لم تكن رسمية ويمكن وسمُها بالصفقات.  والسؤال الذي يطرح نفسه هو: ما هو نوع المؤسسات التي كانت تسمح بمثل هذا الفصل الفعّال في الحقول المختلفة للنشاط الاقتصادي.  والجواب ما زال غير معروف لنا.  هل أن الفصل كان بموازاة الأنواع المختلفة للبضائع، أو الكميات التي كانت موضوعاً للمعاملات، أو حسب مصدر الأموال المستخدمة فيها، أو ربما جملة هذه المعايير؟  لا زلنا لا نعرف هذا الأمر.

(4)          كانت الوثائق تُسجل من قبل كتّاب رسميين بإشراف موظفين حكوميين.  ومن المفترض أن تُحفظ نسخة من هذه الوثائق في الأرشيف الحكومي تحت عناوين سهلة التشخيص.  وبذلك كان بالإمكان، في أي وقت، التحري عن وضع أي بند من بنود الأعمال في المركز الرئيسي.  وكانت الوثائق تُعَدّ باختصار ودقة لتمكين القيّم الحكومي public trustee – الـ تمكروم tamkarum – اتخاذ الإجراء في أي وقت بطلبٍ من طرفٍ له مصلحة ويمتلك شرعاً نسخة من الوثيقة محل الطلب.

التمكروم The Tamkarum

يكمن مفتاح فهم وظائف التمكروم في طرق وتنظيم التجارة، والعكس صحيح: فمفتاح فهم هذه الطرق يكمن في وظيفة التمكروم.  فشخصيته ووظيفته فريدتان، وواجباته الأساسية هي واجبات القيّم العام.  فهو يتخذ الإجراء بموجب القانون حالما يبرز له شخص مسؤول (أو بالأحرى يقرأ له) اللوح الطيني المناسب، وربما يترك عنده نسخة من اللوح.  وحسب مقتضيات الوثيقة وواقع الحال، فإن واجبه يقتضي تقديم النول أو المصاريف الصغيرة الأخرى؛ قبول الرهونات، كقبول عبدٍ، مثلاً، كان قد سُلّم لتاجر النقابة بسبب إخفاق المدين المحلي native debtor ؛ أن يكون الأداة في شراء نقابة التجار gild merchant للبضائع من المدينة City (رغم أن هذه الوظيفة يبدو وكأنها لا تتضمن) تسليم البضائع إلى المدينة نيابة عن التاجر؛ تسهيل عملية النقل من خلال تسليم مسؤولية النقود والبضائع الموضوعين في عهدة الناقلين، وكذلك قبول المسؤولية عن سلامة البضائع المشتراة في المدينة لحساب تاجر النقابة (وفي مثل هذه الحالات الأخيرة كانت المعاملات تُقيد في وثيقة، تُعنون إلى التمكروم، يستطيع الدائن تحويله إلى تاجر آخر عضو في النقابة في حالة احتياج الدائن إلى النقد)؛ بيع البضائع بالمزاد العلني بناءً على طلب التاجر، وتسجيل المبلغ المسترد من المزاد لحساب التاجر بصرف النظر عن كون هذا المبلغ “أقل أو أكثر” من المكافئ equivalency.

الخدمات الثانوية الأخرى كانت تتخذ صفة الاستشارة القانونية والتدخل القانوني لدى الكاروم karum وخاصة إذا ما ظهرت الخلافات مع السكان الأصليين.  وكذلك في حالة الموت المفاجئ لتاجر مهم، فإنه يتولى الاستيلاء على البضائع والنقود وتصفية الشركة أيضاً من خلال تدخله الفوري.

لم يكن التمكروم يحصل على دخل عن الأعمال التي كان يقوم بها، وربما يطلب أجراً صغيراً لقاء خدماته للتجار اعتماداً على جدول ثابت.  وكانت معيشته مضمونة من خلال الممتلكات العقارية التي كانت تعطى له عند توليته في وظيفته.

إذا تسنى لنا رسم صورة التمكروم بالحدس فإن صورة الـ أومينوم ummeanum  يجب أن توصف بصراحة بأنها قاتمة.  وما هو مقترح هنا لا يعدو أن يكون تركيباً أولياً يمكن أن يستقيم مع نمط التجارة بلا أسواق والخالية من الخطر، والمنظمة في خدمة المصالح العامة، وبالأساس نيابة عن الحكومة في شراء مواد الحرب.  لقد كان تمويل هذه الاستيرادات جزء من الخدمات العامة.  ففي حين كانت الجوانب التجارية للموضوع ربما تترك في عناية الكاروم و التمكروم، على التوالي، اللذان كانا فيما بينهما يقومان في تنفيذها بكفاءة، فإن الجوانب المالية كانت تترك لعناية الـ أومينوم.  هناك أولا، معالجة حسابات تجار النقابة بما فيها التحويلات transfer من حسابات المدين لحسابات الدائن.  ثانياً، التوظيفات المباشرة في هذا الفرع من فروع التجارة الخارجية بهدف زيادة العرض وجعله أكثر انتظاماً.  لقد كان الأمينوم – وهو ما يجب التسليم به جدلاً – شخصاً بارزاً [في الحياة العامة] مشابهاً لشخص التمكروم.  فتوظيفاته ودخوله في شركات التضامن يمكن لنا أن نطلق عليها اسم تسليفات الخزينة treasury advances.  وغالباً ما كانت هذه تتألف من مبالغ مدورة من الأونسات الذهبية (باستخدام وحدات من أونسين) مما يؤشر على طبيعة مقام مثل هذه الصفقة إذ أن الذهب كان يمثل الثروة.  ولا نعرف على وجه اليقين فيما إذا كان هؤلاء “الرجال الكبار” في البلاد كانوا يُعطَون الفرصة للاستثمار في مثل هذه الأعمال الأمتيازية، وبالتالي الاستفادة من مصنوعات العمال التابعين (وخاصة النساء منهم).  هناك الكثير من الدلائل التي تشير إلى مثل هذا التوسع في الأعمال المرتبطة بالبلاط لصالح القلة المحسوبة على البلاط.  فقد كان كليومينيس[19] Cleomenes من نوكراتيس Naukratis يُعّوض كبار مالكي الأرض في مصر، لقاء احتكاره تصدير الذرة، بتخصيص حصة لهم في التجمع الحكومي governmental syndicate.  وكان ملك داهومي يتعامل مع محيطه بنفس الدرجة من السخاء فيما يخص تجارة الرقيق المَلَكية التي كان هو، بالطبع، المستفيد الرئيسي منها.

بعد الأخذ بنظر الاعتبار كل الظروف والحقائق، فإن هذا التنظيم للتجارة والأعمال ربما يظل فريداً في نوعه في التاريخ.  والسؤال إلى أي مدى كان هذا التنظيم نموذجاً للمحطة التجارية port of trade في الفترة المتأخرة من تاريخ أوغاريت، وفي أخر المطاف، صيدا، صور وقرطاجة، يظل حتى الآن موضوعاً للتكهن.  وما يظهر في حكم المؤكد الآن هو أن التجارة والأعمال البابلية، وخلاف ما تقول به الآراء التقليدية، لم تكن أصلا نشاطات مرتبطة بالسوق.

يُقدم الفصل الثاني نظرة عامة للتاريخ الاقتصادي البابلي والتي تبرز إيضاحات غير متوقعة للعديد من جوانب هذا التاريخ.  إن غياب موضع السوق[20] من هذه الصورة التي يقدمها باحث خبير يمكن أن يُشكّل دعامة عند النقطة الأساسية للفرضيات الأولية التي تنتظم دراستنا.  ومما لا يمكن إنكاره هو أن هذه الصورة الجديدة لا تدعم بالتفصيل العديد من الآراء القائمة على الحدس، التي أوردناها، لتضفي الحيوية والمعقولية للآراء المعروضة في هذا الفصل.

إذا كانت الحقائق مؤيدة لتفسيرنا فإن السؤال الذي ينهض هو: كيف ومتى وأين نشأت التجارة القائمة على الأسواق، والتقلب في الأسعار، وحساب الربح والخسارة، والأساليب التجارية وكل أدوات ومستلزمات الاقتصاد المنظم على أساس السوق؟  لربما تَحّول اتجاه تاريخ التجارة القائمة على السوق بألف سنة من عهد سحيق وبعدة درجات طولية نحو الغرب، إلى آيونيا[21] Ionia واليونان في الألف الأول قبل الميلاد.

ترجمة مصباح كمال

نشرت في الثقافة الجديدة، العدد 360، أيلول 2013

كل المقالات المنشورة على الموقع لاتعبر بالضرورة عن رأي شبكة الإقتصاديين العراقيين وانما عن رأي كتابها الذين يتحملون المسؤولية القانونية

الهوامش


[1] أنظر الفصل الخامس، الثورة الحضرية في وادي الرافدين، في كتاب:Gordon Child, What Happened in History, Penguin Books, 1952 (First Ed. 1942), pp. 89-113.

[2] Oikos  أصل الكلمة في اللغة الألمانية يعني “بيت” أو “منزل”.  فالاقتصادي المنزلي المغلق في الحضارات القديمة يشار إليه بكلمة oikenwirtschaft.  الفصل الأول من كتاب Trade and Market in Early Empires تحت عنوان المناظرة الدائرة حول البدائية الاقتصادية يقتبس نصاً من كتاب آخر، صدر بالألمانية عام 1925، يلخص عناصر الجدل الدائر بين الباحثين في اقتصاديات العالم القديم بالشكل التالي:

هل لنا أن نفهم اقتصاد العالم القديم على أنه وصل درجة عالية من التطور، أو، على العكس، كان في جوهره بدائياً؟

هل أن القرنين الرابع والخامس قبل الميلاد يعتبران عصراً للأعمال الوطنية والعالمية، شهد تقهقرا في الزراعة وتقدماً في الصناعة، والمانيفاكتورات الضخمة التي تدار على أسس رأسمالية أخذة طريقها للتوسع، ومصانع تعمل من أجل التصدير وتتنافس مع بعضها على بيع منتجاتها في الأسواق العالمية؟

أو نفترض، عكس ذلك، بأن مرحلة “الاقتصاد المنزلي” المغلق لم تنته بعد؛ وأن النشاط الاقتصادي لم يصل مستوى النشاط الوطني ودونه المستوى العالمي؛ وأنه لم تكن هناك تجارة منظمة تقوم على المتاجرة البعيدة، وأنه بالتالي لم توجد صناعة واسعة النطاق تنتج للأسواق الخارجية؟

وباختصار، هل أن طبيعة الحياة الاقتصادية كانت لمّا تزل زراعية وليست صناعية؟  هل أن التجارة كانت لمّا تزل محصورة ببيع بعض السلع عن طريق التجوال، وهو ما يقوم به الحرفيون الذين ينتجون سلعهم بدون استخدام المكائن وباستعمال المواد الأولية المتوفرة لهم محلياً.

[3] يشار في الدراسات الأنثروبولوجية إلى أن البوتلاج نشاط احتفالي يقوم على المنافسة، ويتضمن التوزيع السخي للهدايا وتدمير ممتلكات لإظهار المنزلة الاجتماعية لرئيس القبيلة أو العشيرة.

[4] يرد في الدراسات الأنثروبولوجية أن الكيولا هو تبادل احتفالي للهدايا بين مجموعة من الجزر في غرب المحيط الهادي بهدف تأسيس وتعزيز العلاقات بين سكان الجزر.

[5] مجموعة من 40 جزيرة بركانية ومرجانية في الجنوب الغربي للمحيط الهادي، تشكل جزءً من بابوا غينيا الجديدة، في ما يعرف بأرخبيل بسمارك.

[6] يوهان كارل رودبيرتس (1805-1875) عالم اقتصادي ألماني.  للتعرف على أفكاره يمكن الرجوع إلى The New Palgrave Dictionary of Economics

[7] كارل فيلهم بوشر (1847-1930) عالم اقتصادي ألماني.  في التعليق على بعض أفكار بوشر يرد في أحد المراجع ما يلي: وضع بوشر نظرية عن مراحل النمو الاقتصادي في كتاب له نشر عام 1893 (الترجمة الإنجليزية بعنوان: Industrial Evolution, Toronto: University of Toronto Press, 1903)) ميّز فيها بين الاقتصاد المنزلي في العصور القديمة بمقتضى فكرة رودبيرتس عن اقتصاد الأويكوس oikos economy واقتصاد المدينة في العصور الوسطى والاقتصاد الوطني ـ أي الاقتصاد التبادلي الحديث.  وكان دور التبادل يُشكل بالنسبة لبوشر المعيار المركزي في فهم مراحل النمو.  فقد افترض بأن التبادل كان، عملياً، مفقودا في الاقتصاد المنزلي، وهو السبب الذي يفسّر لماذا كان توصيف اقتصاد العالم القديم (حيث كانت التجارة كبيرة الأهمية خلاف ما كان يعتقد به بوشر) بأنه اقتصاد منزلي ليس دقيقاً.  كان التبادل في اقتصاد المدينة في العصور الوسطى محصوراً بالسلع المنتجة محلياً في الأسواق المحلية، في حين أن التبادل يعم جميع مجالات النشاط الاقتصادي في ظل الاقتصاد الوطني.  أنظر: The New Palgrave Dictionary of Economics, Vol. 1, 1987.

[8] حاشية للمؤلف: جرى مؤخرا تحديد التاريخ بالنصف الثاني من القرن السابع عشر قبل الميلاد.

[9] ليس هناك اتفاقا يقينيا عن الفترة التي عاش فيها هيرودوت، ويعتقد بأنه عاش في الفترة 484-425 قبل الميلاد.

[10] يضم كتاب Trade and Market in the Early Empires دارسة له بعنوان A Bird’s-Eye View of Mesopotamian Economic History ، الصفحات 27-38.  وكان أوبنهايم أستاذ الآشوريات في جامعة شيكاغو.  نشر العديد من الدراسات والكتب عن العراق القديم ومنها: Ancient Mesopotamia (1964)  و Letters from Mesopotamia (1968).

[11] حاشية للمؤلف: أنظر فيما يلي، ص 30-31.

[12] ويكتب الاسم أيضا Kanesh ويقع في تركيا ويعرف  اليوم باسم كولتبه (Kültepe).

[13] يرد في أحد المراجع الحديثة أن الكاروم الآشوري يعني هيئه حاكمة وقضائية، وأن الآشورين استخدموا مصطلح الكاروم للدلالة على الهيئات الحاكمة متبوعاً باسم المدينة التي تعمل فيها هذه الهيئات، مثال ذلك كاروم كانيش Karum Kanesh.  ويضيف هذا المرجع بأن الكاروم  عبارة عن هيئة تتشكل من جباة الضرائب وأن هذه الهيئات الآشورية القديمة في الأناضول كانت تقوم بوظائف متعددة:

1-   جباية الضرائب ورسوم المرور من القوافل الواصلة، وكانت لها الصلاحية لإلزام من تستحق عليهم الضرائب والرسوم على تسديدها عندما يحاول التجار التحايل في الدفع.

2-    كانت هذه الهيئات بمثابة الرؤساء (الآباء) للأمراء المحليين ممن خضعوا للسيادة الآشورية.

3-    القيام بمهام المحاكم القضائية، ولها سلطة التأكد من تطبيق قراراتها.

4-    توفير التسهيلات الخاصة لخزن البضائع.

5-    العمل كمؤسسة مالية تقوم بتوفير القروض، وضبط الحسابات الخاصة بالتجار فرادى وجماعات.

وبالنسبة لكاروم كانيش فقد كانت لها وظائف خاصة كونها كانت أكبر من الهيئات الأخرى.  فبالتعاون مع مبعوث مدينة آشور كانت تستلم أوامر الحكومة من المدينة وتقوم بنقلها إلى الهيئات الأخرى.

راجع: The Cambridge Ancient History, Ed. I.E.S. Edwards, C.J. Gadd, N.G.L. Hammond, E. Sollberger, Third Edition, Vol. II, Part 1, Cambridge, 1973.

[14] تكتب الكلمة في مراجع أخرى ummianum وحسب هذه المراجع فإن أصل الكلمة أكدية وربما تقابلها كلمة “ممول.”  أنظر: Wolfrom von Soden, The Ancient Orient, Michigan, 1994, p 124

وكذلك ص 104 حيث يذكر المؤلف المعاني المختلفة للكلمة.

[15] tamkarum كلمة أكدية الأصل، تقابلها في السومريةdam-gar راجع:von Soden .

[16] condignment بضاعة، أو وديعة، مرسلة إلى عميل لبيعها بطريقة الأمانة ولا يدفع ثمن البضاعة إلا بعد إتمام عملية البيع.

[17] أوغاريت Ugarit إحدى دويلات المدن في شمال غرب سورية (الاسم الحديث: راس شمرة) وكانت لها لغتها السامية المتميزة.

[18] disposition تحويل ملكية شيء من شخص إلى آخر عن طريق الهبة، أو الوصية أو البيع

[19] عيّنه إسكندر المقدوني (356-323 قبل الميلاد) ليتولى جباية الضرائب في مصر وأفريقيا.

[20] الموضع الذي يقام فيه السوقmarketplace  كأن يكون ساحة مكشوفة (كسوق بيع المواشي) أو مكاناٌ مغطى (كالأسواق العربية القديمة).

[21] الأقاليم القديمة في غرب آسيا الوسطى بضمنها جزر بحر إيجه القريبة منها.  استعمرها الإغريق في 1100 قبل الميلاد تقريباً.

الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية

تعليقات (3)

  1. فاروق يونس
    فاروق يونس:

    شكرا لاستاذى مصباح كمال الذى قد اصاب فى تعليقه كبد الحقيقة ة
    كيف ؟
    اولا انا قلت قد ( الحرفية ) ولها معان منها النحقيق مثل – قد قامت الصلاة
    ومنها التقليل مثل قد يجود البخيل
    ومنها التكثير مثل قد نرى تقلب وجهك فى السماء
    ومنها التقريب مثل قد اقبل المعلم
    قلت قد اصاب استاذى مصباح من باب التقريب
    اى قد اقبل معلمى مصباح واوضح فكرتى
    وهل للمعلم من دور اسمى من ايضاح ما يفكر به تلاميذه ؟
    نعم للمعلم دور الاب المرشد اولا ثم دور المراقب ( الشرطى ) حيث يراقب مدى قدرة تلاميذته على حل الاسئلة الامتحانية واخيرا دور القاضى عندما يحكم فى صحة اجابة التلميذ
    لنعود القهقرى من اللغة الى الاقتصاد
    اولا – كان للاعتبارات السياسية اثرها فى الاسقاط التديريجى لدور الذهب فى النظام النقدى الدولى
    ثانيا – الولايات المتحدة وحلفائها كانت القوة المحركة بل المسيطرة على جميع التعديلات التى ادخلت على نظام النقد الدولى قبل ظهور عملة اليورو
    ثالثا – اليوم لم تعد القوة العسكرية مصدر قوة الدول بل العلم اولا و القوة الاقتصادية – قوة العملة ثانيا ( حسب اجتهادى )
    السوءال لماذا يسعر نفط الابك بالدولار ؟ واذا كانت ( لماذا ) تقود الى جواب فلسفى فارجو ان يوضح علميا ( كيف ) تتم عملية التسعير ؟

  2. Avatar
    مصباح كمال:

    ربما أراد الكاتب تذكيرنا بأن الدولار الأمريكي لم يعد كما كان عليه في الماضي (قبل سبعينيات القرن الماضي) عندما كان مدعماً بالذهب، وأن هذه العملة الورقية ربما لن تصمد طويلاً أمام التغيرات في الاقتصاد العالمي. المضمر في هذا التعليق (مبادلة الذهب الأسود بورق مطبوع في الولايات المتحدة الأمريكية) هو احتجاج الكاتب على الهدر الحاصل في إدارة تنمية الاقتصاد العراقي (الريعي بامتياز).

  3. فاروق يونس
    فاروق يونس:

    يعود لنا الاستاذ مصباح كمال ليترجم لنا معنى التجارة غير السوفية فى زمن حمورابى
    ما معنى السوق
    ما معنى التجارة
    لم تكن السوق ايام حمورابى المكان الذى يجمع البائعين والمشترين كما تم توضيحه فى هذه الدراسة الاكاديمية
    كانت التجارة ايام حمورابى تبادل القيم المادية – النحاس – القصدير – الفضة — الخ
    اليوم يتم تبادل السلع عبر الزمان والمكان وليس كما هو الحال ايام حمورابى
    اليوم نحن العراقيون لدينا النفط
    اليس من المضحك ان يتم تبادل النفط عصب الحياة الاقتصادية فى الزمن الحاضر باوراق يتم طبعها فى الولايات المتحدة الامريكية اسمها الدولار ؟!

التعليق هنا

%d مدونون معجبون بهذه: