جدل اقتصادي

د. علـي مـرزا: تعقيب حول مشروع غاز الجنوب

في مداخلة أُرسلت مؤخراً الى المشاركين في شبكة الاقتصاديين العراقيين والتي تظهر أيضاً كمقال في موقع الشبكة، أشار السيد/لؤي الخطيب، وهو اقتصادي عراقي لامع، إلى “مشروع الغاز المصاحب العملاق، والذي ذهب إلى شركة واحدة بالتفاوض المباشر…“. ومن الواضح أن الإشارة هي لمشروع غاز الجنوب والمسمى شركة غاز البصرة Basrah Gas Company, BGC وبالشكل الذي صيغ فيه فإن الاقتباس ليس فيه حكماً صريحاً على هذا المشروع، ولكن قد يستشف منه نظرة تميل للسلبية كونه أحيل إلى شركة بالتفاوض المباشر معها وليس مع عدة شركات. وإذا كان هذا هو المقصود فإني اعتقد أن هكذا نظرة للمشروع، إن وجدت، تحتاج إلى تمحيص.

ابتداءً أشير الى الدراسة التي نشرتها عن مشروع غاز الجنوب فيMEES’s Energy and Geopolitical Risk  في تشرين أول/أكتوبر 2012 وأثارت جدلاً شارك فيه عدة خبراء اقتصاد ونفط عراقيين في الشبكة وخارجها وظهر في ملف عن المشروع منشور على موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين.

(1)   ومع اني ذكرت في احد مداخلاتي المشمولة في هذا الملف ان عرض تنفيذ المشروع على عدة شركات هو افضل من عرضه على شركة واحدة فقط، من ناحية الكفاءة الاقتصادية (بمعنى تحقيق أعلى عائد ممكن للعراق)، ولكن هذا لا يبرر نظرة سلبية للمشروع:

‌أ.      فهذا المشروع سيؤمن استغلال جزء ملموس من الغاز المصاحب المنتج في الجنوب وتقليل حرقه، خاصة وإن إنتاج الغاز سيزداد باضطراد بزيادة إنتاج النفط.

‌ب.   تخصيص حوالي 66٪ من إنتاجه لإشباع الحاجة المحلية للغاز الجاف والغاز السائل LPG وغيره من سوائل الغاز.

‌ج.    تصدير حوالي 34٪ من إنتاجه أساسا بشكل غاز طبيعي مسال LNG ولكن أيضاً كميات من المكثفات  condensates والغاز السائل LPG.

‌د.     استمرار تقديم الدعم لمستهلكي الغاز الجاف والسائل. وبذلك اذا أُحسن استهداف الدعم لصناعات/نشاطات واعدة مستدامة فانه يساهم في  تحفيز التنويع الاقتصادي بدعم هذه الصناعات/النشاطات.

هـ. عدم تحميل الميزانية العامة للدولة بالأعباء الاستثمارية للمشروع أو أعباء الدعم. ويعود ذلك الى أن من الممكن تمويل استثمارات المشروع من عوائد المشروع وتمويل الدعم من أرباح الجانب الوطني في شركة غاز البصرة و/أو ضرائب الدخل على الجانبين الوطني والأجنبي في الشركة، اذا تم التصدير كما أشير اليه أعلاه.

و. تأمين معدل عائد مقبول للجانب الأجنبي. مع العلم ان معدل العائد للجانب الأجنبي، بعد دفع الضرائب، الذي احتسبته في دراستي هو في حدود 23٪.

(2) وحتى لو فرضنا جدلا ان هذا معدل عائد مرتفع مقارنة مع معدل أدنى، لنفترض 15٪، فإن هذا لا يبرر نظرة سلبية للمشروع وما قد يستنتج منها من تفريط للحقوق (أي تخفيض حجم العوائد) للعراق وهي المعيار الأساس، من الناحية الاقتصادية.  فالحقوق مسالة نسبية ويمكن تشخيصها كما بينته في مجال آخر (في مقالي بالانجليزية حول مقال السيد/طارق شفيق وكلاهما نشر في الشهر الماضي في موقع الشبكة) من خلال مقارنة ما يحصل عليه العراق من عوائد من هذا المشروع مع ما قد يحصل عليه من مشروع بديل ممكن (وأشدد على كلمة ممكن). لذلك لمن يريد انتقاد هذا المشروع بفعالية أن يقارنه اقتصاديا مع مشروع بديل ممكن افضل منه بحيث يصل إلى نتيجة مقنعة بأن مشروع غاز الجنوب مشروع متواضع inferior.

(3) وعدا عن دراستي المشار اليها أعلاه التي قمت فيها بتحليل رقمي واقتصادي وتحليل حساسية متأن ومؤسس على نص مسودة الاتفاقية بالانجليزية (بجزئين، 381 صفحة) لمشروع الغاز/شركة نفط البصرة والمعادلات الرياضية التفصيلية للأسعار في المسودة وتطبيقها من خلال افتراضات معقولة حول المستقبل، لم أطلع على دراسة اقتصادية مشابهة استخدمت نص المسودة بجزئيها للحكم على هذا المشروع. مع العلم أن مسودة الاتفاقية بجزئيها نشرت في 29 أيلول/سبتمبر 2011 في موقع Iraq Oil Report.

(4) اما ما استطعت الإطلاع عليه في هذا الخصوص من مقالات وتقارير فانه في أحسن حالاته يشير، ضمناً أو صراحة، الى ملزمتين بالعربية عن مشروع غاز البصرة (13 صفحة و5 صفحات، بالتتابع) ظهرتا في أواخر 2011 (بدون ذكر جهة مصدرة أو تاريخ محدد عليهما) ومصادر ثانوية أخرى و/أو مراسلات وأحاديث مع لاعبين في المجال النفطي. وفي هاتين الملزمتين بعض البيانات، أزعم في ضوء دراستي، انها أرقام غير دقيقة عن أسعار منتجات مشروع غاز الجنوب وكيفية ربطها بأسعار النفط العالمية. على سبيل المثال، مع ان أسعار الغاز الجاف والمكثفات مرتبطة بأسعار النفط العالمية في مسودة الاتفاقية ولكن في ضوء أسعار النفط العالمية في 2012/2013 فإن مستواها سيختلف عن ذلك الذي ذُكر في الملزمتين. من ناحية اخرى، فان أسعار صادرات الغاز الطبيعي المسال والغاز السائل، كما وردت في مسودة الاتفاقية، مرتبطة بالأسعار العالمية لهذين المنتجين وليس بأسعار النفط. مع العلم أن سعر الغاز الخام الذي يستخدمه المشروع محدد ب 0.95 دولار لكل ألف قدم مكعب.

(5) وبالإضافة لاستخدام هذه المعلومات الجزئية من الملزمتين فإن اغلب الانتقادات التي أطلعت عليها، وأنا مستعد هنا لأن أُصَحَّح، تؤكد أما على حقيقة ان المشروع لم يعرض على عدة شركات واقتصر العرض على شركة واحدة أو أنه يستخدم أسعار مدعمة وليس الأسعار الدولية أو ان معدل العائد للجانب الأجنبي مرتفع. وفي ضوء ذلك يتم الحكم على المشروع. ومع أهمية هذه الاعتراضات فإن المنهجية المستخدمة في التقييم انتقائية مجتزأة ولا تنظر إلى الصورة الشاملة لما يحصل عليه العراق من عوائد وما يستدنيه من حرق للغاز.

(6) ويسري ذلك حتى على تقرير قَيِّم كتقرير Iraq Energy Outlook الذي أعدته وكالة الطاقة الدولية في تشرين أول/أكتوبر 2012. ففيما يتعلق بما جاء في التقرير عن شركة غاز البصرة (في Box 2.3 من التقرير) لم يتم الرجوع إلى جزئي مسودة الاتفاقية المشار أليهما في اعلاه. ولقد كتبت في حينه بهذا الصدد إلى السيد Fatih Birole كبير اقتصادي الوكالة. وبعد أن أطلع “محلل طاقة أقدم” في الوكالة على دراستي أجابني برسالة تفصيلية غير مقنعة وفي الحقيقة غير متماسكة يقر فيها بعدم الاطلاع على جزئي مسودة الاتفاقية, وبدلاً من ذلك يذكر أن الذي أعد Box 2.3 استمد مادته من عدة مصادر (ولكن ليس جزئي مسودة الاتفاقية) ومنها التراسل مع the stakeholders. ومن الغريب أن يتم تجنب المعلومات الأولية في جزئي مسودة الاتفاقية ويستعاض عنها بمعلومات ثانوية وانطباعات في مراسلات مع the stakeholders!

(7) ويمكن الرجوع الى الجداول التفصيلية في دراستي لبيان كيفية حساب الأسعار المستخدمة لكافة منتوجات المشروع: الغاز الجاف، الغاز السائل، المكثفات، والغاز الطبيعي المسال وكذلك الأرباح المتوقعة من المشروع وتوزيعها بين الجانبين الوطني والأجنبي  والضرائب والدعم، ومعدلات العائد، الخ.

* باحث وكاتب اقتصادي.

يسمح بإعادة النشر بشرط الإشارة إلى موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين.

December 2013, merza.ali@gmail.com.
 

 تنزيل ملف بي دي أف للطباعة انقر هنا

الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية

التعليق هنا

%d مدونون معجبون بهذه: