الموارد المائية و حماية البيئة

د.حسن الجنابي: اتفاقية الأمم المتحدة بشأن الأنهار الدولية لعام 1997 – الجزء الخامس: دخول الاتفاقية حيز التطبيق

اولا:
عند نشر هذه المقالة يكون قد تبقى اقل من شهرين على دخول اتفاقية قانون استخدام مجاري الانهار الدولية في الاغراض غير الملاحية (اتفاقية الامم المتحدة لعام 1997) حيز التطبيق، بعد مرور نحو سبعة عشر عاما على تاريخ التصويت عليها في الجمعية العامة للامم المتحدة، مضافا لها اكثر من ثلاثين عاما من النقاش والحوار منذ ستينيات القرن الماضي حتى اكتمال صيغتها النهائية التي صوتت عليها الجمعية العامة، وهذا الامر يعتبر مكسبا كبيرا للدول الاعضاء ولجميع الحريصين على تطبيق مبادئ القانون الدولي في الخصومات المائية، بغرض تحويلها من خصومات واختلافات الى حالات من التعاون المشترك وفق اسس مقبولة دوليا، بل وفق اطار قانوني عالمي الطابع ينظم مبادئ استخدام مياه الانهار المشتركة بين اكثر من دولة.

ثانيا:
يضم الباب السابع المعنون “احكام ختامية” المواد من (34) الى (37)، وهي مواد تعنى بتوقيع الدول على الاتفاقية اثناء السنوات الثلاث الاولى بعد التصويت عليها من قبل الجمعية العامة للامم المتحدة في ايارالعام 1997 والتي امتدت حتى العام 2000، ومن ثم ضرورة المصادقة او القبول او الانضمام للاتفاقية، وهي تعبيرات متشابهة بالنتيجة، اذ يسمح للدول التي لم توقع على الاتفاقية خلال السنوات الثلاث الاولى للانضمام لها،وكذلك للدول الموقعة ان تصادق عليها، اذ لا يكفي التوقيع على الاتفاقية لتصبح الدولة عضوا في الاتفاقية، بل يجب ان تتبع ذلك مرحلة المصادقة او القبول او الانضمام، بحسب ما يتطلبه النظام التشريعي المتبع في الدولة المعنية لدخولها الى اتفاقيات دولية.
ثالثا:
تنص المادة (36) على ان نفاذ الاتفاقية يبدأ حال مرور ثلاثة اشهر على ايداع صك المصادقة (او القبول او الموافقة) الخامس والثلاثين من قبل اية دولة، وهذا ما حصل خلال شهر ايار الماضي، حيث صادقت حكومة فيتنام على الاتفاقية، واودعت صك الانضمام لها، فاكملت بذلك العدد المطلوب لنفاذية الاتفاقية اي مصادقة (35) دولة، مما يعني ان الاتفاقية ستصبح نافذة في شهر آب من هذا العام.
لا شك ان دخول الاتفاقية حيز التنفيذ، بالرغم من اهميته الفائقة كعلامة فارقة في القانون الدولي، الا انها لن تكون مرجعا تلقائيا لحل لخصومات المائية بين الدول المشتركة بالانهار الدولية، اولا:
بسبب طبيعتها الشمولية كاتفاقية اطارية تتضمن مبادئ ومفاتيح حلول، وليست حلولا جاهزة، لاية خصومة او خلاف مائي بين الدول المتشاطئة، وثانيا: لكون الزاميتها تشمل الدول الاعضاء في الاتفاقية فقط، اي البلدان الخمسة والثلاثين التي صادقت عليها، بالرغم من ان هذا الامر لا يعفي الدول غير الاعضاء في الاتفاقية من الالتزامات الواردة فيها باعتبارها، تمثل مبادئ راسخة بالقانون العرفي، وان الاتفاقية تمثل،بشكل من الاشكال، تدوينا لمبادئ قانونية سائدة عرفيا ومستخدمة وطنيا ودوليا.
رابعا:
من المعروف ان الجارة تركيا عارضت الاتفاقية عند مصادقة الجمعية العامة للامم المتحدة عليها في ايار العام 2009، وبالطبع لن توقع عليها طالما بقيت اسباب معارضتها لها قائمة، وهي كذلك، ومن المعروف انه خلال الاجتماعات الفنية والسياسية العديدة بين العراق وتركيا حول قضية المياه المشتركة لم يتم التطرق لهذه الاتفاقية، باعتبارها اطارا صالحا لمناقشة قضايا الرافدين المختلف عليها او على ادارتها، بسبب حساسية الطرف التركي لها، وهي حساسية تمتد الى قضايا اخرى مثل قضية “الحصص المائية” او قضية “الاستعانة بطرف ثالث” محايد للمساعدة على تقريب وجهات النظر وغيرذلك مما لا يرغب جيراننا الاتراك بالحديث عنها اثناء اللقاءات الرسمية، وهو موقف بحاجة الى مراجعة فعلية.
اما الجارة ايران فلم توقع على الاتفاقية هي الاخرى، ويظهر لي انها لن توقع في المدى المنظور، لانها قد لا تجد فائدة مباشرة من الاتفاقية، اضافة الى وجود اتفاقية ثنائية نافذة مع العراق (اتفاقية العام 1975)، وهي بالطبع لا تتعارض مع اتفاقية مجاري الانهار الدولية للامم المتحدة لعام 1997، بل هي (اي اتفاقية 1975) تغطي العلاقة المائية بين البلدين جزئيا، في حين يمكن ان تمثل اتفاقية مجاري الانهار الدولية لعام 1997 اطارا شاملا للتعاون بين البلدين، اذ انها تتناول مصالح بلدان المنبع والمصب بصورة متوازنة، اعتمادا على مبدأ الاستخدام المنصف والمعقول، اضافة الى انها ترسي العلاقة المائية بين البلدين الجارين على اسس صلبة وفق القانون الدولي وليس الميزان النسبي لقوى البلدين.
خامسا:
الجارة الشقيقة سوريا وقعت على اتفاقية في العام 1997 ومن ثم صادقت عليها في العام 1998 مع تسجيل تحفظ سياسي يتعلق بعدم التزام سوريا بأية تبعات قد تنتج عن عضويتها في الاتفاقية ويفسر على انه اعتراف باسرائيل.
اما العراق فقد وافق على الانضمام للاتفاقية في العام 2001 وجاء في قانون الانضمام ان الاسباب الموجبة لانضمام العراق:” نظراً لأهمية اتفاقية قانون استخدام المجاري المائية الدولية في الاغراض غير الملاحية التي تم تحريرها في نيويورك بتاريخ 21 / 5 / 1997 تنفيذاً لأحكام ميثاق الامم المتحدة التي تقضي بأن تقوم الجمعية العامة للامم المتحدة بوضع توصيات بقصد التطوير التدريجي للقانون الدولي . . . وبما ان من شأن الاتفاقية ان تكفل استخدام المجاري المائية الدولية وتنميتها وصيانتها وادارتها والعمل على الانتفاع منها للدول المنتفعة منها بصورة منصفة وعادلة ومعقولة، ولان هذه الاتفاقية تعتبر من اهم اعمال الامم المتحدة في مجال الانهار الدولية، ولان الانضمام الى هذه الاتفاقية يضمن حقوق العراق المائية في الانهار المشتركة، لذا شرع هذا القانون”.
ومن المفيد ذكره انه بالاضافة الى العراق وسوريا هناك سبع دول عربية اخرى وقعت او صادقت على الاتفاقية وهي: الاردن ولبنان وليبيا والمغرب وقطر وتونس واليمن، واغلبها ليس فيها انهار مشتركة وان دوافعها في الانضمام للاتفاقية مختلفة، في حين يسجل الغياب المحسوس لمصر، وهي دولة مصب تتعرض مصالحها في النيل الى مخاطر جدية
*) سفير العراق السابق لدى منظمة الاغذية والزراعة للامم المتحدة (فاو)

ملاحظة: الآراء الواردة في المقال هي اجتهادات شخصية لاتعكس رأي هيئة تحرير شبكة الإقتصاديين العراقيين. ولا تتحمل مسؤوليتها اي جهة اخرى سوى الكاتب

 

الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية

التعليق هنا

%d مدونون معجبون بهذه: