الكهرباء والطاقة المتجددةملف أزمة الكهرباء

عصـام الخالـصي: خلفيات اجازات وعقود الاستثمار في كهرباء العراق

في 15 حزيران 2014 أعلنت وزارة الكهرباء أبرامها عقدين استثماريين لبناء محطتين لتوليد الكهرباء تصل طاقتيهما إلى (4500) ميكاواط  ولم يقدم قبل او بعد اعلان البيان أية دراسة مهنية متوفرة في القطاع العام عن الجدوى الحقيقية لهذين العقدين اللذين ابرما بالتفاوض من دون مناقصة رغم ضخامة الحجم الذي يتوقع ان يكلف الكهرباء المشترى منهما ما يزيد عن مليار ونصف المليار دولار سنويا لثمانية عشرة ونصف سنة اضافة الى كلفة الوقود مع العلم ان مقدار الاستثمار الكلي في المحطتين يقدر في حدود 3.1 مليار دولار.

 اضافة الى مايثار من قانونية في اصول ابرام هذين العقدين لا يمكن تفادي ملاحظتين اضافيتين حول الموضوع وهما:

أ

في 21/12/2010 قدم رئيس وزراء العراق لمجلس النواب مبادىء وأسس المنهاج الوزاري لحكومة الشراكة الوطنية والتي نصت النقطة 17 منها:

 “تحرير الإقتصاد العراقي من النظام المركزي إلى إقتصاد السوق وتشجيع القطاع الخاص وحمايته بأنظمة وقوانين ليكون شريكا قويا في عملية البناء والإعمار”.

لايمكن بأي قابلية للخيال او التلاعب بالتعاريف اعتبار وضع الحكومة (وزارة الكهرباء) كمشتري وحيد او الاكبر لما ينتج من الكهرباء هو تطبيق لهدف “تحرير الإقتصاد العراقي من النظام المركزي”. وفي الحقيقة ان ذلك الاجراء هو تركيز للنظام المركزي المتبع الان والذي برهن فشله في السنوات الاخيرة.

كما لايمكن بأي تصور اعتبار الارتباط  بأسعار مثبتة لثمانية عشر ونصف عام لذلك المنتوج هو اجراء لاتباع سياسة “اقتصاد السوق”.

لم تقدم الحكومة في الاربع سنوات الماضية أي طلب او اعلام الى مجلس النواب بأي تغيير في اتجاه سياستها المعلنة والتي حازت بموجبها  على ثقة المجلس في 21/12/2010 أدت االحكومة القسم بعدها.

ب

نصت المادة 112 – 2 من دستور العراق:

“تقوم الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة معاً برسم السياسات الإستراتيجية اللازمة لتطوير ثروة النفط والغاز بما يحقق أعلى منفعةٍ للشعب العراقي معتمدةً احدث تقنيات مبادئ السوق وتشجيع الاستثمار.”.

أن تجهيز العراق النفط والغاز مجانا مقابل شراء الكهرباء بأسعار ثابتة متفق عليها لما يقارب العقدين مسبقا هو ليس فقط خرق كبير لما نص عليه الدستور باتباع “احدث تقنيات مبادئ السوق” فهو عائق كبير لبلوغ هدف روح الدستور فيما يتعلق بقطاع الكهرباء والطاقة بصورة عامة طيلة مدة تنفيذ العقدين التي تم التوقيع عليهما.

حسب مافهم من تفاصيل عقدي الاستثمار في الكهرباء تجهز هيئة ألاستثمار قطعتي ارض للمحطتين وبعد اكمال الانشاء تقدم وزارة النفط الوقود مجانا لتشغيل المحطتين تكون بعدها وزارة الكهرباء ملزمة بشراء الطاقة من تلك المحطتين بقيمة (32) دولار للميكاواط ساعة من الكهرباء المنتج في الوحدات الغازية ذات الدورة البسيطة لفترة قصيرة  تطور بعد ذلك الى مايسمى الوحدات المركبة والتي تستهلك وقودا اقل مما تستهلكه وحدات الدورة البسيطة وبذلك يرتفع سعر شراء الوحدة الكهربائية الى (47) دولار للميكاواط ساعة لبقية مدة العقدين – سبعة عشر عاما ونصف قابلة للتجديد لمدة عام واحد.

لغرض التعمق في بحث تفاصيل وكلف توليد الكهرباء لتقييم جدوى العقدين على ضوء المصلحة العامة هو موضوع يمكن البحث عنه من قبل اى شخص يستعمل الانترنت ولا يحتاج الى خبرة عميقة في موضوع الكهرباء أو الطاقة.  ولكن لتقييم أثر العقدين الاخيرين على مالية العراق واقتصاده للسنوات القادمة فمن الاسهل اجراء مقارنة بين ما التزمت به حكومة العراق مع مستثمريها في الكهرباء ومع ما يجري في بلد مجاور بشروط متطابقة.

في تشرين الاول 2011 نشرت وكالات الانباء توقيع عقد بين شركة كهرباء السعودية الحكومية وشركة سعودية-كورية تقوم الاخيرة بتأسيس محطة كهرباء بنظام الدورة المركبة في منطقة القرية على الساحل الشرقي للبلد بسعة 4,000 ميكاواط تجهز منها الكهرباء الى شبكة الكهرباء الشرقية في السعودية بقمة 7.1  هللة سعودية للوحدة الكهربائية (كيلوواط ساعة) او 18.93 دولار للميكاواط ساعة يجهز لها الغاز الطبيعي مجانا (مثل العراق) ولمدة عشرين سنة من منتصف 2014 وهي فترة تغطي عمل فترات العقدين العراقيين.

لترجمة الارقام والاوليات الى واقع عقدي الاستثمار في كهرباء العراق اللذين ابرمتا في حزيران الماضي تقدم المعلومات التالية:

  • بافتراض عمل وحدات محطتي الاستثمار العراقية بتكنولوجيا الدورة الغازية البسيطة لمدة تسعة اشهر تحول بعدها الى تكنولوجيا الدورة المركبة الى باقي مدة نفاذ العقدين وبمعدل 87% معامل استغلال المحطتين من قابلياتهما الكلية فان ماسيدفعه العراق (وزارة الكهرباء) الى المستثمرين الاثنين سيكون في حوالي 29 مليار دولار امريكي (تسعة وعشرين مليار دولار) للثماني عشرة  سنة ونصف وهي مدة نفاذ العقدين.

  • عند مقارنة العقدين العراقي والسعودي يتبين ان ما سيدفعه العراق الى مجهزيه (مستثمريه) في قطاع الكهرباء يتجاوز بحوالي 15.5 مليار دولار (خمسة عشر ونصف مليار دولار) أكثر مما ستدفعه السعودية الى مستثمريها في محطة كهرباء القرية لتجهيز نفس الكمية من الكهرباء ولنفس المدة وبنفس الشروط العامة وهو ما يعادل حوالي 840 مليون دولار سنويا.

ان هذه الزيادة التي  سيدفعها العراق لنفس كميات الكهرباء المجهز لاتشمل كلفة الغاز الاضافي في فترات العمل من خلال الدورات الغازية البسيطة التي ستعمل بها المحطات العراقية. كما ويجب التذكير أيضا بأن أجور الشركة السعودية-الكورية تشمل ارباحا لها كونها مؤسسة تجارية وليست خيرية.

ومما يلاحظ ايضا كون ابرام عقدي الاستثمار في الكهرباء  في العراق قد تم اياما أقل من أصابع اليد الواحدة قبل انتهاء فترة الحكومة تحت غطاء الشرعية البرلمانية  تتحول بعدها الى ادارة تصريف اعمال لايمكنها قانونيا او اخلاقيا الزام  الحكومات القادمة بتنفيذ عقود بهذا الحجم والنوعية لما يقارب العقدين.

الاوليات المتوفرة لعقدي الاستثمار في كهرباء العراق تؤشر بقوة الى تعارضها مع المبادئ المتعارف عليها عالميا في عقود الخدمات العامة وهو ما يدعو الى جلب نظر منظمة الشفافية الدولية اليهما. ومما لاشك فيه في نفس الوقت فان هذين العقدين سيكونان محل اهتمام الادارات المستقبلية للعراق والتي ستكتشف بوضوح ما يبرر قانونيا الغائهما بصرف النظر عن المراحل التي مرت بها وكذلك مسائلة المسؤولين عن تفعيلهما على كل المستويات.

*) خبير ومهندس كهرباء، 13 تموز 2014

الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية

التعليق هنا

%d مدونون معجبون بهذه: