ملف الكفاءات العلميّة

سعدي شرشاب ذياب: محطات في الذاكرة عادل شعلان تحية وسلام – عراق الموهوبين والمبدعين يدمره الجهلة، هل تسهم في إنقاذه وإعماره حكومة تكنوقراط؟

هذه القصة الحزينة تحكي باختصار محنة العقل وانجازاته بشكل عام ومحنة الموهوبين المبدعين بشكل خاص في بلادنا وربما في محيطنا العربي او الإقليمي.

أنهينا السنه التدريبية في مستشفى الكرامة التعليمي بغداد وتم سوقنا الى الخدمة العسكرية الإلزامية لننقل بعدها الى الوحدات في جبهات القتال ليستقر المقام بي في وحدة الميدان الطبية التابعة لفرقة المشاة الحادية عشرة والتي كانت وقتها في التنومة أو ما يسمى قضاء شط العرب ومرت الأيام وكأنها ليل طويل ينزلق كحبات المسبحة على خيطها ويا لها من مسبحة طويلة كانت, لتحدث خلالها معارك نهر جاسم التي استمرت تقريبا اكثر من أربعة اشهر وذلك استدعى مجيء معظم القوات الموجودة في الجبهات الأخرى إلى قاطع هذه الفرقة وكان واجبنا تقديم الخدمات الصحية والطبية لمقاتلي هذه الوحدات وكنت أنا فقط طبيب الأسنان في وحدتي ولي غرفه كاملة ومجهزة بكل الآلات والأدوات الخاصة بطب الأسنان.

ذات يوم كنت جالسا في بهو الضباط والأطباء لمشاهدة تلفزيون الكويت ومتابعة أخبار الحرب اللعينة وأحتسي الشاي خلالها دخل العسكري الانضباط الخاص بالمقر ليخبرني بوجود ضابط مراجع في غرفتي أكملت الشاي وخرجت لأدخل الغرفة وإذا بي أجد ضابطا برتبه نقيب مربوع القامة، ممتلئ الوجه بسحنة حنطاوية مع هندام عسكري مرتب جدا ونظيف وأنيق هذه الملامح توحي بشيء ما عن الشخص المعني الواقف.

قلت عند دخولي: السلام عليكم

رد النقيب: وعليكم السلام وقام واقفا ليصافحني مبتدئاً قوله بأسف شديد لحضوره في هذا الوقت رغم إن الوقت كان قبل بدء الظهر بقليل

أجبته: خيرا تفضل ماذا عندك وما هي حاجتك

أجاب: العفو دكتور إذا تسمح لدي مشكلة بأسناني وبحاجة إلى عنايتك

قلت له: تتدلل وبالخدمة وابتدرته قائلا قبل أن يبدأ بوصف شكواه: أعتقد حضرتك ضابط مجند

أجاب والابتسامة تعلو محياه: نعم لكن كيف عرفت

أجبته: وضعك العام يشي بأنك ضابط احتياط وليس ضابط دائمي ومظهرك يوحي إنك خريج إحدى الكليات

ابتسم وقال: نعم أنا دورة الاحتياط رقم (؟) نسيت رقم دورته

أجبته: الله كريم لأن خدمتكم العسكرية طالت ولا أرى بارقة أمل لكم بالتسريح منها

أجابني: العفو دكتور (إنته سامع بواحد اسمه عادل شعلان)

أجبته: نعم وهل يخفى اسم هذا الموهوب

أجابني: دكتور أنا عادل شعلان

ظننت في البداية إنه يمزح معي أو إنني أمام مقلب مرح لا يدوم طويلا وابتسمت

كرر الضابط قوله أنا عادل شعلان فرحان

نظرت إليه باحثا بمظهره الجميل المنمق أي أثر لرجل ربما يعاني من اضطراب في السلوك إثر ضغط نفسي تسببت به أجواء الحروب

اختلست النظر إلى ورقة العيادة الخاصة به لأحسم موقفي وإذا هي مسجلة بإسم النقيب عادل شعلان فرحان

وموقعه من قبل آمر الفوج الأول لواء المشاة الخامس الذي يحمل نفس الاسم النقيب عادل شعلان فرحان

نهضت واقفا لأحيّيه بحرارة مرة أخرى وقلت: أهلاً بك أيها الموهوب في الرياضيات

سألني: دكتور حضرتك من أي مواليد

اجبته :1960

استغرب قائلا لكن أنا عندما ظهرت في تلك الفترة وأنت بعمر أقل من سنة؛ كيف عرفتني؟

أجبته: كان أبي عند دخولي المدرسة في الأول الابتدائي يساعدني كثيرا في دروسي حيث أنا ابنه الذكر البكر وخصوصا بالرياضيات رغم أنى كنت بها متميزا، لكن أي تأخير في حل مسألة بالواجب البيتي أو أي خطأ بالإجابة كان يعنفني بـ(رزالة) خفيفة قد تعقبها ضربه خفيفة على الراس أو ما نسميه (دمغة) ويردد حانقا: اللي (الذي) خلق عادل شعلان مو هوه (أليس هو) اللي خلقك شبيك بابا انتبه وفكر ولتغلط (لا تخطئ) بعد.

أود أن أنوه بأن (عادل شعلان فرحان من مواليد مدينة النعمانية في محافظة واسط في الخمسينات، لم يكن طفلا عاديا عندما قدمه لأول مرة الأستاذ الراحل (كامل الدباغ) في برنامجه الشهير (العلم للجميع) الذي كان يعده ويقدمه خلال فترة ستينيات وسبعينيات القرن الماضي وقدمه كموهبة وأعجوبة في الرياضيات، كان يحل أصعب الأرقام وجداول الضرب وبسرعة بديهية يعطي الجواب، ونحن المشاهدين مشدودين إلى شاشة التلفاز آنذاك وبقي في ذاكرتنا سرعة بديهيته ونباهته وموهبته الربانية تلك في لغة الأرقام ضربا وجمعا وقسمة وطرحا. وكذلك ظهر مرة أخرى من على شاشة تلفزيون بغداد وقدمه الفنان التشكيلي (المرحوم نوري الراوي) في البرنامج الذي كان يقدمه (مع الموهوبين) ونحن ننظر مرة أخرى إلى براعته وسرعته في حل لغة الأرقام هذه، بعدها ظهرت صوره وأخباره في الصحف وكانت صوره تباع كطفل موهوب في بغداد والمحافظات الأخرى)(1)

جاء في كتاب (قراءات) لعبد الخالق ناصر شومان ص 124-125 ما يلي

(في بداية الستينات برز اسم عادل شعلان الموهوب بالرياضيات، بعد أن استضافه كامل الدباغ في برنامجه (العلم للجميع)

فانهالت التبرعات عليه من الشركات ومن التجار والمواطنين…، وجاء تلفون من وزارة الدفاع بأن الزعيم عبد الكريم قاسم أمر بتكريم عادل شعلان بجهاز تلفزيون، وهي هدية قيّمة في وقتها وفي اليوم التالي ذهب عادل شعلان إلى وزارة الدفاع لاستلام هدية الزعيم وحين عرف الزعيم بأن عادل شعلان قد حضر شعر بالإحراج أمام مدير مكتبه وقال لمن معه:

أليس بالإمكان تأجيله إلى نهاية الشهر كي أستلم راتبي وأعطيه الهدية. (2)

أخذ يتكلم عادل شعلان حول ظروف ذيوع موهبته وكيف ظهر في تلفزيون بغداد

سألته: هل لديك أولاد موهوبون مثلك

أجاب: دكتور أنا عندي بنات.

قلت له وهل يتمتعن بنفس قابليتك.

أجاب: نعم ولكنهن لسن بنفس الدرجة.

سألته: العجيب إنك تستطيع إخراج ناتج عملية الضرب الحسابية بسرعة فائقة قد نحتاج نحن وقتا باستخدام عدة عمليات رياضية وصولا إلى الناتج النهائي.

قال: عند النظر إلى عددين طويلين بمراتب عديدة مضروب أحدهما بالآخر أعتصر ذاكرتي وكأني رأيت هذه العملية سابقا وكأني أتذكر الناتج فورا.

عقبت على ذلك: أستاذ أكيد دخلت كلية علوم قسم الرياضيات.

أجاب: لا أنا خريج زراعة.

استغربت أنا الأمر وقلت له كيف تكون موهوبا بالرياضيات وتذهب إلى كلية الزراعة.

أجاب: دكتور هذا اللي صار وهذا الموجود.

قلت له بالمناسبة أنا رأيت برنامج العلم للجميع عندما ظهر به الموهوب ظافر عندما كان طفلا في بداية السبعينات وأنت ظهرت أيضا في البرنامج كضيف وعلق وقتها كامل الدباغ بأننا بعد رقم عادليون وهو من مضاعفات الملايين حصلنا على رقم أكبر اسمه ظافرليون.

علقت بعدها لكن هذا حرام موهوب بالرياضيات يرشح لدراسة الزراعة، وأنا أعتقد لو تخصص في علم الرياضيات أو الهندسة ربما لأبدَعَ أكثر.

أجابني: حبيبي هذا اللي حصل واللي صار.

ضربت له مثلا أحد أصدقائي والده ذهب إلى الخارج ليتخصص بقوانين الفقه المقارن وعند رجوعه إلى العراق تم تعيينه مديرا لحقل دواجن في أبي غريب ضحك ضحكة خفيفة معقبا: هذا استغلال للمواهب والمعرفة وساق المثل الشعبي القائل ((يصيبون البگة (البعوضة) ويخطون (ويخطئون) الجمل)). أحسست إن لديه الكثير مما يريد أن يقوله لكن أجواء الجيش كانت وقتها محاطة بإحكام من قبل الأمن والاستخبارات العسكرية وأي جملة من الممكن أن تفسر تفسيرا يقود قائلها إلى السجن وربما الإعدام.

أتممت عملي معه وكتبت له على العيادة إحالة إلى مستشفى البصرة العسكري وأكملت له الإجراءات بنفسي من توقيع (آمر) الوحدة والختم وسلمتها له بعد إكمالها وأخذ بالاستعداد للذهاب إلى وحدته سلم عليّ بحرارة وبصوت عال يشوبه الحزن والاستنكار ويخفي في طياته كثيرا من الجمل التي بقيت صامته: دكتور سلملي على أبوك وگولّه عادل شعلان هسّه بجزيرة الصالحية والله يعلم ليمته تجي قذيفة ويخلص، قالها بلهجة جنوبية خالصة وذهب وعيناي تشيعانه وأقول في نفسي ربما سألتقي هذا الرجل الرائع مرة أخرى أو ربما لا ألتقي به بسبب غيابه عن الدنيا أو غيابي أنا عنها بقذيفة غبيّة قد تطاله أو تطالني أو تطالنا نحن الاثنين.

بعد أيام قرأت في جريدة (القادسية) التي كانت توزع يوميا على وحدات الجيش ردا لأمير الحلو على تعليق لعادل شعلان على موضوع معين نسيت فحواه ويحاول أن يوضح فيه فرق العمر بينه وبين عادل شعلان الذي يصغره بسنين عدّة

بعد لقائي مع هذا المبدع الرائع في هذه الحادثة في النصف الأول من العام 1987 وأحسست كم يتصف بالطيبة والتواضع لأن يأخذ ويعطي مع كل من يعرف شيئا ولو بسيطا عنه.

تفحصت الوضع مليا بعد خروجه من غرفتي وأخذت أفكر في الأمر جيدا لأرى إلى أين سيذهب بالعراق وبنا النظام السياسي القائم, أين رعاية الموهوبين, هل هنالك حكومة ترضى أن يكون هذا الشخص تحت مرمى النيران وضمن مديات الكلاشنكوف ربما تزهق روحه إطلاقة غبيّةٌ تنطلق من سبطانة جوفاء صماء وبقيت حائرا ومتفكرا إلى مساء ذلك اليوم بقيت جالسا وحدي في غرفة النوم ولم أذهب إلى البهو وتناولت عشائي في غرفتي واستغرب زملائي الأطباء انعزالي عنهم وأجبت على استفساراتهم إني أعاني من صداع وأريد أن أرتاح لوحدي وبقيت ساهما غارقا في دوامة من الهواجس المزعجة والمؤلمة في نفس الوقت وبعد تفكير عميق قررت أن لا أبقى في العراق حال تسريحي من الخدمة الإلزامية وحصولي على جواز السفر وكان هذا عهد مني لكن هذا القرار والأمل بتحقيقه بدأَ يتلاشى عاما بعد عام بسبب استمرار الحرب وحين انتهت لم نسرح من الخدمة مثلما ظننا لذلك أتممت نصف ديني بالزواج بعد وقوف الحرب الملعونة وأخيرا حصلت على التسريح من الخدمة في أواخر شهر مايس 1990 وعملت جوازا للسفر وأنجزته بسرعة مفرطة وقد خدمتني الصدفة في ذلك حيث كنت أنتظر أن يأتيني أحد أقاربي من سكنة الإمارات بعقد عمل وإقامة هناك, وبقيت أنتظر ليتلاشى الأمل بصورة أكبر عندما سمعت أخبار احتلال الكويت من الراديو وبعدها توالت البيانات الصادرة من مجلس قيادة الثورة والقيادة العامة للقوات المسلحة ومنها استدعاء المواليد بستّ وجبات, إيقاف السفر ومنعه وحتى إشعار آخر, حجز بعض رعايا الدول الأجنبية, واستمرت الخيبات بتحقيق ذلك الأمل الذي تلاشى وإلى الأبد مذ رزقت بمولودي الأول لأبقى في العراق أتحسس ناره وكأنها وخزات برد لذيذة.

(وفي حرب الخليج الثانية 1991 كان يخدم في الجيش مرة أخرى وبرتبة (رائد احتياط) وشاء القدر أن يقع أسيرا بأيدي القوات الأمريكية، وحتى وهو في الأسر لم تفارقه موهبته الربانية تلك، وقال لزملائه في الأسر أن عدد الأسرى بالقفص الفلاني؛ كذا عدد والمجموع؛ كذا، وكان العدد مطابق ووصل الخبر إلى الأمريكان فاستدعوه لبيان كيفية معرفة الرقم بالضبط. قال إن الطعام ينقل بالعجلات على شكل علب (پاكيت) فعرفت عدد الأسرى من خلال حساب عدد العلب!! ويقال إن الأمريكان طلبوا منه العيش في أمريكا ولكنه رفض!! وكان بحاجة إلى علاج رغم معاناته من مرضه، بعد انتهاء الحرب أطلق سراحه من الأسر. وفي ظروف اجتماعية يائسة مات عادل شعلان، وطبعا لم يدفن بالقبة الفلكية في متنزه الزوراء – بغداد لأنه لم يبق هنالك لا قبة ولا فلك، اضطرب الزمن في دورته، ولم نرجع إلى الوراء، بل إلى المجهول) (3). إنه لمن المحزن أن تكون نهاية العلماء بهذه الطريقة ولا ينالون استحقاقاتهم في تكريمهم عند وفاتهم وكذلك كان زميله (ظافر)الذي غابت أخباره عنا ولم نسمع عنه شيئا حتى في الشبكة العنكبوتية. (وكل هذا وذاك فالطفل الموهوب أو المعجزة آنذاك (عادل شعلان) لم يحظ بشيء من الرعاية والاهتمام لموهبته وتوجيهه نحو الدراسة التي تنمي وتُصقل هذه الموهبة الكبيرة والفريدة آنذاك، سواء في العهد الجمهوري الأول أو الثاني أو غيره من الحكومات التي تولت الحكم، وبدل أن يدرس الهندسة أو أحد علوم الرياضيات ذهب ودرس الزراعة!! في كلية الزراعة في بغداد وتعين بعدها في أحد الوظائف الحكومية (3). حصل عادل شعلان على دعم من الزعيم عبد الكريم قاسم كما أوردنا سابقا ما ذكر في كتاب (قراءات) لعبد الخالق ناصر شومان حيث يعكس ذلك الوضع اهتمام الحاكم برعاياه الموهوبين وكيف إنه اعتذر عن تلبية توفير الهدية لأنه لم يستلم راتبه وهذا يعطي فكرة عن مدى نزاهة الحكومة ونزاهة المسؤول في تلك الفترة لكن علينا أن نشير إلى إخفاقات البرنامج التربوي في العراق حيث عشنا وتعايشنا ورأينا منظومتنا التعليمية ومناهجنا تعيش في فترات حالكة بسبب بؤسها وهيمنة النظام السياسي عليها والتدخل في كل شاردة وواردة ومحاولة تطويعها لتخدم السلطة والمفروض العكس أن تكون السلطة خادمةً لهذه المنظومة يقول الدكتور علي ثويني (4) :(قرأت بحثاً متميزا بصدد “الكشف عن مواهب الطلاب وصقلها إبداعيًّا” والذي يبين أن نسبة المبدعين الموهوبين من الأطفال من سن الولادة إلى السنة الخامسة من أعمارهم يبلغ نحو 90%، وعندما يصل الأطفال إلى سن السابعة تنخفض نسبة المبدعين منهم إلى أن تصل إلى 10%، وما أن يصلوا إلى السنة الثامنة حتى تصير النسبة 2% فقط، مما يشير إلى أن أنظمة التعليم والأعـراف الاجتماعية تعمل عملها في إجهاض المواهب وطمس معالمها، وبالعكس فإنها قادرة على الحفاظ عليها بل وتطويرها وتنميتها. ويتذكر جلنا في الستينات قصة العبقري عادل شعلان وخياله بالرياضيات، والذي لم يجد له في منظومة العراق التعليمية التي تركها “ساطع” لنا، محل ومن يأخذ بيده، فانحسر وتداعى إلى كاتب وصولات في أحد المستوصفات الحكومية، وطواه النسيان).

مشكلتنا التعليمية أو المرتبطة بالنظام التربوي تعاني من خلل كبير قد يكون حدث بسوء تقدير بدون قصد وربما يكون مقصودا بحد ذاته وأتذكر إننا في الابتدائية والمتوسطة والإعدادية لم نكن نأخذ حصة الرسم التي كانت موجودة في جدول الدروس الأسبوعي بل كانت دائما توصف شاغر لعدم توفر معلم مختص وحتى يشمل ذلك درس النشيد والموسيقى وكذلك درس التربية الرياضية. بتركهم درس الرسم جعلوا فجوة في نفسيه الطالب العراقي تحول دون إعجاب كثيرين منهم بالفن والرقي الإنساني الذي يهذب النفس ويجعلها مرهفة الحس وقادرة على رصد جمالية المكان وكذلك ترك درس النشيد أدى إلى عدم تنمية الحس الإنساني واهتمام الطفل بالنغمة الجميلة الهادئة التي تبعث بالنفس شعورا بالارتياح واستبدل ذلك بالإصغاء إلى الموسيقى التي أقل ما يقال عنها صخب مليء بالفوضى ونغمات بحاجة إلى تهذيب حيث يعلل ذلك الدكتور ثويني (4) : (وحينما عرف السبب بطل العجب، فلم يدرس الجمال للعراقيين كي يوغلوا بالتوحش، ويصلوا أن يقتل ويقطع رأس أحدهم الآخر كما هو دائر اليوم، أو يفجروا جماليات معمارية مترعة بالروحانية والقدسية، مثل قبة الإمام العسكري (ع) في سامراء، أو أثر عظيم مثل منارة الملوية، أو يفجروا كنائس المتقشفين المسالمين، أو يقتلوا أهلنا الصابئة حماة الوداعة والتجمل الماكث في التراث العراقي من تعاليم ماني البابلي). يضاف إلى ما تقدم إن نظامنا التربوي منذ نشوئه يعاني من نقص حاد بأي درس يمت لعلم الفلسفة وفروعه مثل المنطق وتساؤلاته ونهايته العظمى والصغرى وعلم الجمال وعلاقته بتنمية الحس الإبداعي لاكتشاف ما هو جميل ويعلل ذلك الدكتور ثويني(2) : (وحينها قفز لخاطري جواب عن سؤال: لماذا لم يضع (ساطع الحصري) ولا حتى سلطة البعث في منظورها أن تدّرس المنطق للناشئة العراقية؟ والجواب: كونه يفتح في عقولهم مرصداً “لمنطق” الأمور، والشروع في عملية محاسبة لكل ما عداها، ومن ضمنها ممارسات تلك السلطات النائية تماماً عن أي منطق وعقل. حتى أن عفلق نفسه القادم من (السوربون) والثقافة الفرنسية “المتفلسفة” لم يرَ ضرورة لتدريس تلك المفاهيم للعراقيين، كونها تكشف عورته ورهطه قبل غيره).

بعد حصولي على الماجستير في طب الأسنان بسنوات تم نقل خدماتي إلى الجامعة ومن متطلبات ذلك بعد الحصول على اللقب العلمي أن ندخل دورة في طرائق التدريس وكان المحاضرون كلهم من حملة الدكتوراه وفي اختصاصات دقيقة في فن التدريس منهم من اختص بتصميم المناهج وكان طالبا عند التربوي الشهير جون ديوي الذي أشرف على أطروحته للدكتوراه سأله أحد زملائي في الدورة: دكتور أنت مختص في إعداد وتصميم المناهج منذ أكثر من ربع قرن هل تم استدعاؤك سابقا من قبل وزارة التربية أو وزارة التعليم العالي لغرض معرفة رأيك وإمكانياتك في إعداد المناهج.

أجاب الدكتور المختص: كلا لم يستدعني أحد طيلة ربع قرن وسكت وكان يقصد فترة الثمانينات والتسعينات والسنين الستة الأولى من الألفية الجديدة. أصابنا الذهول من جوابه واستنكرنا ذلك كيف يا دكتور أنت ذهبت بعثه لهذا الاختصاص ولم يسمح لك أن تساهم في إعداد المناهج وتصميمها أو على الأقل إعطاء رأيك، تجاهل استنكارنا ولم يجب على تساؤلنا. يتضح من ذلك إنّ هذه الأنظمة غير مشمولة بالتطوير ومتابعة التغييرات الحاصلة بل بقيت محكومة من قبل منظومة خاصة تتبع السلطة.

وأخيرا أقول إليك تحيتي وسلامي يا عادل شعلان ولو ولدت في بلد آخر ربما كنت بوضع مغاير وأفضل. .

*) أستاذ طب الاسنان في جامعة بابل

 المصدر: صوت العراق –   30-07-2014

http://www.sotaliraq.com/mobile-item.php?id=164592#axzz39PtSOROx
 

الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية

التعليق هنا

%d مدونون معجبون بهذه: