أبحاث نظرية في الفكر والتاريخ الإقتصادي

عرض كتاب: فرانسيسكو فيدال لونا وهربرت س. كلاين، التاريخ الاقتصادي والاجتماعي للبرازيل منذ عام 1889

قامت باستعراض الكتاب لموقع التاريخ الاقتصادي EH.Net
آن هانلي، قسم التاريخ، جامعة إلينوي الشمالية الكتاب . ترجمة: مصباح كمال
 
 
التاريخ الاقتصادي والاجتماعي للبرازيل منذ 1889 هو دراسة شاملة لأكثر من 100 سنة من السياسة الاقتصادية البرازيلية وتأثيرها على التنمية الاجتماعية. وهو مكتوب بوتيرة جيدة ولغة نثرية أخّاذة، يسوح بالقارئ في 125 سنة من التاريخ البرازيلي المليء بفترات النهوض، والهبوط، والقفزات إلى الأمام، والتراجع إلى الخلف، والحمائية، والليبرالية، والشعبوية، والاستبداد، والتحول الديمقراطي، والتضخم، والتضخم المفرط، وما لا يقل عن أربعة أنظمة للعملة، والكثير من غير ذلك.
 
لونا وكلاين، من جامعة ساو باولو وجامعة كولومبيا، على التوالي، يحددان خط الاتجاه للمكاسب الاقتصادية والاجتماعية عبر قرن، الذي شهد على الرغم من الفوضى الواضحة والأداء المتفاوت، انتقال البرازيل من اقتصاد متخلف ومجتمع تميّزَ بانخفاض نصيب الفرد من الدخل، وتدني رأس المال البشري، وانخفاض متوسط العمر المتوقع والانقسام العميق والواسع بين الأغنياء والفقراء، والريف والحضر، والأقاليم الشمالية والجنوبية، والسكان البيض وغير البيض في أواخر القرن التاسع عشر، إلى اقتصاد حديث (سائر نحو التحديث) تميز بارتفاع نصيب الفرد من الدخل، ورأس مال بشري عالي (أعلى)، وانخفاض معدلات الوفيات والخصوبة، وتحقيق مكاسب اجتماعية واقتصادية للأفراد من جميع الألوان، والطبقات، والمناطق الجغرافية في مطلع القرن الحادي والعشرين.
 
إن تقييمهما الإيجابي ينبع إلى حد كبير من منظور ماكروي ساهم بنجاح في تحجيم السرد الثقيل وحصره في اتجاهات واسعة سهلة على الفهم ولكن دون التعمق إلا قليلاً في المشاكل الشائكة التي تقف وراء بقاء البرازيل كواحدة من أكثر المجتمعات غير المتكافئة اليوم. إن المكاسب ليست محل شك، ولكن البرازيل تقف أمام طريق طويل لتقطعه.
 
ينقسم الكتاب إلى أربعة فصول طويلة تتوزع على التحولات السياسية الكبرى لإقامة علاقة بين السرد السياسي والسياسات الاقتصادية المصاحبة، وما ينشأ عنها من تغيرات اجتماعية. وهذا التوزيع يفي بغرضه بشكل جيد، ذلك لأن التحولات السياسية كان سببها تقريباً دائماً التحولات الاقتصادية الكبرى أو عاكسة لها، والتي كان لها تداعياتها على المؤشرات الاجتماعية الرئيسية التي تستخدمها لونا وكلاين لتقييم الاستمرارية والتغيير. إن هذه المؤشرات، وهي العناصر التي تشكل مؤشر الأمم المتحدة للتنمية البشرية، تضم نصيب الفرد من الدخل، ومتوسط العمر المتوقع عند الولادة، والتعليم. إن مدخلات هذه العناصر – التوظيف، والخصوبة والوفيات، والحصول على الخدمات الصحية، والاستثمار في التعليم – تشكل التاريخ الاجتماعي لكل فصل من فصول الكتاب.
 
يبدأ الكتاب مع الجمهورية القديمة، 1889-1930، وهي الفترة التي سادت فيها الزراعة التصديرية والملكيات الكبيرة وتركز السلطة في أيدي النخب المسيطرة على مزارع البن وحلفائها السياسيين في المنطقة الجنوبية الشرقية من البلاد. كانت الدخول منخفضة، وتركيز الثروة عالياً، والاستثمار في التعليم والصحة في مهده، وكانت الحياة قصيرة. ومع ذلك وبعد التحول من العمل القائم على العبودية إلى العمل المأجور للمهاجرين في ثمانينيات القرن التاسع عشر بدأ التوسع في الطلب على السلع الاستهلاكية وازداد النشاط التجاري الذي حفّز الصناعة المحلية وما نشأ عنها من استثمارات اجتماعية متواضعة. لقد أدت السياسات الرئيسية الموضوعة لحماية الثروات القائمة على البن (وقطاعات التصدير الأخرى) في نهاية المطاف إلى تقويض السلطة السياسية للمزارعين الكبار مثلما جعلت الأزمة الاقتصادية لعام 1929 دعم أسعار المنتجات الزراعية سياسة مكلفة للغاية، في حين أن نهوض الطبقات العاملة في الحواضر وفّرت للنخب السياسية الأخرى قاعدة بديلة للسلطة لها جاذبيتها.
 
ويتناول الفصل الثاني فترة الخمسة عشر سنة الممتدة من 1930-1945 عندما تولى غوتيليو فارغاس (Getúlio Vargas) الحكم كرئيس في البداية وبعد ذلك كدكتاتور، واستولى على منصبه في انقلاب سياسي كان الدافع له تداعي الدعم للسياسة الحمائية للبُن. عندها بدأت الدولة الدخول مباشرة في مجال وضع السياسة الاقتصادية والاجتماعية لدمج الطبقات العاملة والمتوسطة الناشئة مع القطاع الصناعي، وأنشأت مؤسسات الرعاية الاجتماعية التي تسيطر عليها الحكومة لتدريب وتثقيف وتمكين (واحتواء) الجماعات الحضرية، وتنظيم الوصول إلى الأسواق والعملات بهدف هندسة نتائج اقتصادية ترمي إلى حماية وتعزيز التصنيع المحلي. لكن التحسينات في الرعاية الاجتماعية استعصت على سكان الريف، إذ لم يكن هناك إرادة سياسية لإصلاح القطاع الزراعي. وهذا يعني القليل من التحديث واستمرار تركيز الأراضي في أيدي قلة قليلة.
 
ان القوة الدائمة لسياسات التنمية الحضرية والصناعية الجديدة، بالنسبة للمؤلفين، تقدم المدخل للفصل الثالث الذي يجمع بسهولة ما بين الدافع الديمقراطي الذي تعرض للفشل في حقبة ما بعد الحرب (1945-1964) والأنظمة العسكرية الديكتاتورية التي حكمت من 1964-1985. فقد عززت البرامج التنموية الطموحة في خمسينيات القرن العشرين، القائمة على أساس إحلال الواردات، السياسات الاقتصادية ذات النزعة القومية الاقتصادية التي كانت معتمدة في ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين، ولكن عندما جوبه الشعبويين بارتفاع التضخم والاضطرابات الاجتماعية التي أطلقتها الاستثمارات الباهظة في البنية التحتية والصناعات الأساسية ولكن القليل من الإصلاح في القطاعات الزراعية وغير الرسمية [الموازية]، تدخل الجيش وبقي في السلطة للمضي قدماً في سياسة التصنيع المحلي وتنمية الاقتصاد وفي نفس الوقت قمع المعارضة السياسية. في المقابل قام بالاستثمار في المعاشات التقاعدية، والصحة العامة، والتعليم، وهي المكاسب التي أنتجت تحسناً في المؤشرات الاجتماعية للطبقة المتوسطة.
 
يتناول الفصل الرابع عبء الديون الكبيرة المترتبة على برامج التنمية العسكرية المعتمدة على الاقتراض الدولي والعودة إلى الديمقراطية (1985 حتى الآن). لقد أدت الخصخصة وتحديث الزراعة، والسيطرة الدائمة في نهاية المطاف على التضخم إلى تحقيق مكاسب لجميع الفئات. وتبين المؤشرات الرئيسية أن البرازيليين صاروا يعيشون لفترة أطول، ويتمتعون بصحة أفضل، وتعليم أفضل في ظروف أكثر ازدهاراً بعد عودة الديمقراطية. كما أخذت الفروق الواسعة في مستويات الرخاء والعيش بين الشمال الشرقي والمناطق الجنوبية، وبين المناطق الريفية والحضرية، وبين الرجال والنساء، وبين البيض وغير البيض، بالتناقص والتقارب في المستويات.
 
ويختم المؤلفان الكتاب بالاعتراف بوجود لائحة طويلة من المشاكل الخطيرة جداً تنتظر المعالجة، ويستنتجان أنه “يمكن للمرء أن يبدي أعجابه فقط بالـ … وحدة غير العادية التي تجد الأمة نفسها فيها كمجتمع يشعر بأن المستقبل ربما وصل أخيراً.” (ص 354).
 
هذا هو الكتاب الثاني المتفائل الذي قرأته عن البرازيل في العام الماضي، مما يشكل تحديا لإحساسي المشحوذ جيداً القائم على التشاؤم الحذر بشأن آفاقها بعد عقود من العيش مع دراستها، وتدريس تاريخها المضطرب. صحيح أن الديمقراطية في البرازيل قد أثبتت صمودها في مواجهة بعض التحديات الكبيرة جداً منذ عام 1988؛ وصحيح أيضاً، كما يبين المؤلفان، بأن البرازيل قد قضت تقريباً على الفقر المدقع ويبدو بأنها ملتزمة بمواصلة سد الفجوة بين الأغنياء والفقراء؛ كما أنه صحيح بأن جميع مؤشرات الاقتصاد الكلي تقريباً تشير إلى اتجاهات متفائلة نحو المستقبل. لكنَّ مكاسب البرازيل تمثل تحسينات على ماضيها غير المتكافئ للغاية والمتميز بالفقر. فهي لا تزال ضمن العشرة الأوائل في العالم في عدم المساواة؛ ولها سجل مريع في الاستثمار في الخدمات العامة، وهي ذات الخدمات التي أثارت شهوراً من الاحتجاجات في الشوارع في الفترة التي سبقت نهائيات كأس العالم 2012؛ وتعاني من قضايا الفساد الجارية وعدم الكفاءة التي أدت في الآونة الأخيرة إلى دعوات غاضبة للتدخل العسكري، وهي دعوات تعبر عن نزوة قاسية وخطيرة جاهلة بتاريخ البلد الرهيب (انظر الفصل 3). إن أولئك القراء من غير المطلعين على حجم التحديات التي لا تزال البرازيل تواجها قد يخرجون باستنتاج خاطئ من قراءة هذه الدراسة الجيدة جداً والشاملة بأن “المهمة قد أنجزت”.
 
أنا أقف مندهشة من التغييرات في المجتمع والاقتصاد ونظام الحكم منذ أن ذهبت إلى البرازيل لأول مرة عام 1970، وأشعر بالارتياح تجاه هذه الإضاءة المتفائلة في هذا التفسير لمكاسب البرازيل في الآونة الأخيرة والمستقبل الأفضل الذي ينتظرها. اعتقد بأنني سوف أبقى على تشاؤمي الحذر مقيداً، وآمل أن تترجم هذه الاتجاهات على المستوى الكلي حقاً لتحقيق مستقبل أكثر ازدهاراً ومجتمع أكثر مساواةً.
 
آن هانلي هي أستاذ مشارك في التاريخ الأمريكي اللاتيني في جامعة إلينوي الشمالية. وهي مؤلفة كتاب Native Capital: Financial Institutions and Economic Development in São Paulo, Brazil 1850-1920 (Stanford University Press) وتقوم حالياً بتأليف كتاب في مجال التمويل البلدي وتوفير الخدمات العامة في البرازيل.
http://eh.net/book-reviews/
http://eh.net/?s=anne+hanley
Published by EH.Net (September 2015)
(*) نيويورك: مطبعة جامعة كامبريدج، 2014. عدد الصفحات 16 + 439 ص 33 $ (غلاف عادي)، ردمك ISBN: 978-1-107-61658-5.
Francisco Vidal Luna and Herbert S. Klein, The Economic and Social History of Brazil since 1889.  New York: Cambridge University Press, 2014.  xvi + 439 pp. $33 (paperback), ISBN: 978-1-107-61658-5.
 
Copyright (c) 2015 by EH.Net
 
 

الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية

التعليق هنا

%d مدونون معجبون بهذه: