المكتبة الاقتصادية

د. عبد الحسين العنبكي: عرض كتاب الاصلاح الاقتصادي في العراق – تنظير لجدوى الانتقال الى اقتصاد السوق

كان هذا اول كتاب في الاصلاح الاقتصادي في العراق طبع من قبل مركز العراق للدراسات بصورة غير جيدة واعادت الامم المتحدة ( UNDP) طباعته عام 2009 ، لقد اعتمد مرجعا لبرنامج الاصلاح الاقتصادي الذي عملت عليه الحكومة العراقية في تلك الفترة مع المنظمات الدولية ، ولكن اعداء الاصلاح والتحول نحو اقتصاد السوق تمكنوا من عرقلة جهود الاصلاح الاقتصادي ونامل ان يجد طريقه للتنفيذ في زحمة الاصلاحات الحالية التي جاءت في ظروف شدة وعوز وحرب بعد ان اضعنا سنوات الرخاء والموازنات المتخمة والاموال التي ترجع في نهاية كل سنة لعدم القدرة على استيعابها.
وهذه مختطفات من هذا الكتاب……
 
حتمية الإصلاح الاقتصادي ..لماذا؟
 
عرف آدم سمث علم الاقتصاد ، بأنه ” العلم الذي يهتم بأثراء الدولة والمجتمع ” ولذلك جاء عنوان كتابه الشهير الصادر عام 1776 ” بحث في طبيعة واسباب ثروة الامم ” ومصطلح ” الامة” يشتمل على الدولة والمجتمع معاً.
عليه فان الإصلاح الاقتصادي وفق تعريف الاقتصاد لا يمكن اعتباره إصلاحا اقتصادياً لمجرد تزايد نسبة الاثرياء في المجتمع من 5% مثلاً الى 10% اذا كان ذلك تحقق على حساب ازالة الطبقة المتوسطة الميسورة الحال وبالتالي ارتفاع نسبة الفقراء والبائسين من 25% مثلا الى 50% من السكان ، فإذا ما تحققت مثل هذه الظواهر بنتيجة التغيير الاقتصادي فلا يمكن وصف هذا التغيير بالاصلاح حتى ولو رافقه نمو سنوي في الدخل القومي بمعدل كبير ، وتراكم هائل في احتياطات الدولة من القطع الاجنبي . فقد شاهدنا دول ( النمور الأسيوية ) منذ سنوات وقد كرست مئات مليارات الدولارات من فائض نتاج عمل مواطنيها من اجل تكديسها في الخارج ، أنها لم تحقق النمو المتوازن بين الرفاهية المجتمعية وتراكم رؤوس الأموال وبقيت أسيرة الهزات والأزمات المالية العابرة للحدود ، الإصلاح الاقتصادي المنشود ، اذن يمكن ان يكون مرناً من حيث الشكل والوسائل والادوات بدون حدود الا انه لا بد ان يكون صارماً جداً من حيث المعايير والغايات والنتائج التي يقاس ويقوم بها والتي تحدد بـ ” إثراء الدولة والمجتمع والمواطن ، معاً وفي الوقت نفسه وبصورة مضطردة ” مع التأكيد على التلازم بين الثراء المادي والثراء المعنوي والروحي ايضاً ، بحيث لا يأتي الاول على حساب الاخر. (3)
 
ان العلاقة بين الفرد والمال الخاص علاقة مباشرة والإنسان في طبعه ميال إلى الحرص على ماله،بصورة عامه،مما يجعله في علاقته مع المستخدم متميزاً لشخصه ومصلحته ، إما عن جهل او تجاهل ،وهذا التميز يبعده ،في الغالب،عن الإنصاف الذي يمكن تعريفه بمعاملة المرء لغيره كما يحب ان يعامل هو لو كان في مكانه.هذا الميل عند الإنسان يخف كثيراً او يضمحل عندما يصبح في مؤسسة ملكية عامه، لأن العلاقة بينه وبين حال المؤسسة علاقة غير مباشرة . وسيكون هنالك خطران يمكن أن يكون الواحد منهما او الأخر أشد من خطر صاحب الملكية الخاصة بحق المستخدم .الخطر الأول هو أن يحل حب السلطة والاستبداد من قبل مسؤول المؤسسة او الدولة محل تميز صاحب المنشأة الخاصة .عندئذ لا يكون هنالك فرق بين رأسمالية الفرد ورأسمالية الدولة. بل قد يكون التعسف بحق العامل في النظام الاشتراكي الشمولي أشد من تعسف ممثل الدولة الرأسمالية.والخطر الأخر هو بعكس الخطر الأول، وهو تهاون مدير المؤسسة العامة والعاملين فيها في تعاملهم مع أموال المؤسسة ومصالحها وتفريطهم بها لان العلاقة بينهم وبين أموال المؤسسة علاقة غير مباشرة ،وبالتالي ضعيفة كما سنرى.
حيث لا يختلف اثنان على إن صاحب المنشأة أو الشركة الخاصة يسعى لاختيار أفضل المدراء والمختصين من أصحاب الخبرة في منشأته لمساعدته في أدارتها والقيام بالأعمال الإنتاجية فيها،بالنظر لماله من مصلحه مباشرة في ذلك ،نرى هذا السلوك غير مؤكد في المؤسسة العامة بصورة مستمرة ،أو شاملة بسبب ضعف العلاقة بين مدير المؤسسة ومصلحتها . إن المشكلة الرئيسية في الملكية العامة لوسائل الإنتاج ضمن النظام الاشتراكي المغلق،هي ،كما لاحظ الرئيس السابق غورباتشوف ،إيجاد الأشكال الأكثر فعالية وعصرية للربط بين الملكية الاجتماعية والاهتمام الفردي (4) ، وهاتان حسنتان لا يجمعان بسهولة كما اعتقد .
 
الانتقال إلى آلية السوق في التعامل الاقتصادي :
 
من الجدير بالذكر إن الاشتراكية الماركسية لم تلغي القوانين الاقتصادية التي تتضمنها النظرية الكلاسيكية والنظرية النيوكلاسكية بل اعتمدت على هذه القوانين في تحليلها ووصولها إلى استنتاجات ومن أهم هذه القوانين قانون العرض والطلب الذي يعتبر ركناً من أركان نظرية القيمة وتحديد الأسعار ، لقد خالف المخططون هذا القانون في الغالب ،ولكنهم لم يستطيعوا أن يلغوه ولا أن يتجنبوا نتائجه ، ومنطوق هذا القانون هو إن أسعار السلع والخدمات تتحدد في السوق التي تسودها المزاحمة الحرة بالحدود التي تؤمن توازن الكمية المعروضة منها (عرضها)مع الكمية المطلوبة منها(طلبها)أي إنها لا تحدد بقرارات سلطوية ومن أهم شروط السوق الواحدة المزاحمة المشروعة بين العارضين وكذلك بين الطالبين ففي مثل هذه السوق يكون لكل سعر من أسعار السلع حجم محدد من الطلب وحجم محدد من العرض ولا يستقر السعر إلا عندما يتساوى العرض مع الطلب ،ومن شأن هذا القانون أن يقيس سلم الطلب الاجتماعي،أي رغبات المجتمع،ومن ثم يكون من الأولى عدم معارضته أو مخالفته بصورة عامة،ضمن المسلم به انه إذا قامت السلطة المركزية بتحديد سعر كلفة ما بأقل من سعر التوازن بين طلب السلعة وعرضها ،وبقيت كمية السلعة المعروضة ثابتة وغير كافية لتلبية الطلب بالسعر المحدود ، إذا حصل هذا فلا بد أن تحصل النتيجتان التاليتان :

  1. نفاد كمية السلعة المعروضة من قبل الشارين قبل أن يستطيع جميع طالبيها الحصول على طلبهم منها،وبالتالي حرمان بعض الأشخاص من السلعة بالسعر المحدد، ويعبر عن هذا الوضع وقوف الناس في صفوف طويلة أمام مراكز توزيع السلع.
  2. بيع السلعة في السوق السوداء بسعر أعلى من السعر المحدد لتلبية الطلب المستعد للشراء بسعر أعلى ولذلك تروج السوق السوداء ،بل الأسواق السوداء في الأنظمة التي تلجا إلى التسعير الإجباري خلافا لقانون العرض والطلب.

 
ولكي لا يحدث هذا تلجأ السلطات إلى التقنين(Ration ) أي تحديد حصص الأفراد من السلعة بموجب وثائق تعد لهذا الهدف ، ويتم توزيع السلعة موضوع البحث عليهم وفقاً للكيان المحدد في هذه الوثائق (بطاقة تموين) بطاقة السلعة الغذائية المهمة المدعومة من الدولة في فترات الحروب لصالح الفئات ذات الدخل المنخفض والتقنين هو حالة استثنائية خارجه عن توازن العرض مع الطلب طالما إن سعر السلعة المقننة يقل عن سعر التوازن .ولذلك فان تطبيقه يعد نوعاً من الضغط على الطلب لكي يتراجع جزء منه إلى ( طلب مؤجل ) فينخفض الطلب الكلي إلى حدود العرض الكلي المتاح وكذلك الأمر بالنسبة للأجر في حالة العرض والطلب على العمل ، هذا يعني إن الاعتماد على القوانين الاقتصادية وآلية السوق في تحديد الأسعار والأجور يمنع التشوهات الاقتصادية ويحد من الانحرافات لأن هذه الآلية قائمة على سلوكية ثابتة للبشر اتجاه المنافع،ولا يجوز مخالفتها إلا بصورة استثنائية محدودة عندما تدعو الضرورة ، لأنها تساعد على تحقيق الوصول إلى الإنتاج الأمثل كما سبق إن رأينا . وعندما تكون القرارات والإجراءات الحكومية المركزية مطابقة لقوانين العرض والطلب في سوق نادرة الحصول وصعبة المنال لعدم قدرة السلطات المركزية على متابعة حركة العوامل المؤثرة يوما بيوم وبدرجة سرعة حركة هذه العوامل،مما يجعل القرارات متخلفة زمنياً عن تحركات السوق ( إذ من غير الممكن أن تكون القرارات الإدارية مهما كانت مجساتها كفوءة بنفس سرعة آلية السوق – اليد الخفية – ) ولاشك إن محاولة إصدار قرارات مطابقة لقوانين العرض والطلب زمنياً ومكانياً ومضموناً في سوق تسودها المزاحة هي محاولة عقيمة ، وطالما يمكن من خلال الإصلاح الاقتصادي في العراق العودة إلى آلية السوق لتحقيق ذلك فمن الأفضل دوماً مراعاة القوانين الاقتصادية في آلية التعامل بين العارضين والطالبين سواء كان هؤلاء أو أولئك من القطاع العام أو الخاص أو المشترك أو التعاوني لأن هذه الآلية تعكس رغبات المجتمع وتساعد على الوصول إلى حالة الإنتاج الأمثل الموافقة لمصلحة المجتمع القصوى .وأي تأثير مرغوب أو هدف هام وله مبرراته يمكن إحداثه بواسطة سياسات الدولة عبر هذه القوانين بالتسليم بها وليس بمخالفتها. (5)
 
خصخصة الاقتصاد العراقي في ظل الديمقراطية ..رؤيا اقتصادية متوازنة :
 
1- القطاع العام يقتل السياسات الاقتصادية لأن السياسات تعتقل في إطار تجاذب المصالح والمنافع والأرباح وغيرها من الامتيازات التي تنمو في بيئة القطاع الخاص وليس في ظل انفصال الإدارة عن الملكية.
2- يجب ان ننظر لرسم خريطة الاقتصاد العراقي بعيداً عن المعطيات الموروثة والجاذبات الأيدلوجية رأسمالية كانت ام اشتراكية وأنما تنظر لوضع هذه المقدرات او تلك تحت ادارة القطاع العام او القطاع الخاص بمقتضى ما يمكن ان تحققه من منافع اقتصادية ومصالح عامة تدفع عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية إلى الأمام بخطى أوسع .
3- ان قطاع خاص يوزع ثمار نشاطه الاقتصادي على العاملين بشئ من الإنصاف يؤدي الى انتفاع الجمهور من ثرواتهم بشكل اكبر قد يعزز الشعور لديهم بامتلاك مقدرات بلدهم وكأنها ملكية عامة بينما قد يكون قطاع عام لا يوزع سوى الفتات من ثمار نشاطه الاقتصادي على العاملين فيه فهو بمثابة ملكية خاصة لرأسمالي جشع وكبير (اسمه الدولة ) تقتل الشعور بكونها ملكية عامة ،فالعملية برمتها أسيرة مدى احترام الحقوق العامة للجمهور وليس مجرد أسيرة مسميات كما يعتقد البعض.
 

الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية

تعليقات (2)

  1. عمر الجميلي
    عمر الجميلي:

    الدكتور الفاضل يعرض مقتطفات تنظرية ولكن من خلال موقعة الوظيفي كمستشار لم يوضح لنا ماهية الإصلاح المطلوب وماهية حدودة وماهي الالية المطلوبة وهل تتوفر الكوادر القادرة على انجاحة وأين دور صندوق النقد الدولي من ذلك. وهل حسم الامر في قطاعات معينة ام ماذا؟

    • أ.د.عبدالحسين العنبكي
      أ.د.عبدالحسين العنبكي:

      شكرا جزيلا للاخ عمر الجميلي
      بالحقيقة كل ما ذكرته موجود في الكتاب من اصلاح السياسة المالية واصلاح السياسة النقدية والاصلاح المصرفي والاصلاح الضريبي واصلاح الشركات المملوكة للدولة وتنويع الاقتصاد والحماية الاجتماعية وكيفية دعم القطاع الخاص وتشخيص مواطن الاختلال ومعالجتها ، وعلى اساسه كان برنامج الاصلاح الاقتصادي يحتوي 7 فرق عمل بما فيها اصلاح التشريعات الاقتصادية ..ولكن ما عرض هو تعريف بالكتاب ليس الا..مع الامتنان
      أ.د. عبدالحسين العنبكي

التعليق هنا

%d مدونون معجبون بهذه: