خواطر إقتصادية

فاروق يونس: حوارات افتراضية بين شخوص اقتصادية

لتنزيل نسخة بي دي أف سهلة الطباعة انقر هنا
تقديم هيئة التحرير
الاستاذ فاروق يونس من مواليد عام 1935. درس الاقتصاد في جامعة بغداد في خمسينيات القرن الماضي ثم عمل في وزارة التجارة كمدير عام وخبير تجاري حتى تمت الموافقة على طلبه للإحالة على التقاعد في عام 1990. وبعد ذلك عمل كخبير اقتصادي في غرفة تجارة بغداد للمدة من 1990-2005.
يتمتع الاستاذ فاروق بخزين هائل من التجارب مع الشخوص الاقتصادية والاسواق التجارية في داخل العراق وخارجه. كما أنه يملك حجماً هائلاً من المعلومات التاريخية عن الحياة الاقتصادية والاجتماعية في العراق الحديث. ومن مواهب الاستاذ فاروق قدرته على شرح علاقات اقتصادية معقدة بشكل مفهوم ومبسط للمتلقي مما حدى بهيئة التحرير على تجميع خواطره التي وصلتنا على شكل حوارات افتراضية قريبة الى الواقع العراقي بين شخوص اقتصادية مختلفة وتقديمها الى قرائنا الاعزاء.
د. بارق شبر
رئيس هيئة التحرير
أولاً: حوار بين مقاول وبين موظف مالي
المقاول – علمت بأنك موظف متخصص في المالية العامة.
الموظف – هذا صحيح.
المقاول – أنا مهندس مدنى أعمل في مجال المقاولات الهندسية منذ سبع سنوات.
الموظف – اهلا وسهلا بك تفضل بالجلوس.
المقاول – كما تعلم ان عملنا نحن المقاولين وثيق الصلة بالموازنة العامة للدولة.
الموظف – صحيح فإن الانفاق الحكومي يشمل مشتريات الحكومة من السلع والخدمات الاستهلاكية الى جانب الانفاق على المشاريع الاستثمارية وانشاء البنى التحتية للاقتصاد وغير ذلك من بنود الانفاق.
المقاول – انا كمقاول وبصفتي مهندس مدنى ارى ان التوازن بين الايرادات والنفقات الحكومية امر في غاية الاهمية وربما انت باعتبارك متخصص في المالية العامة لديك وجهة نظر مختلفة.
الموظف- انت رجل مثقف، اقول لحضرتك نعم، المدرسة الكلاسيكية ترى اهمية الحفاظ على الموازنات العامة للدول في وضع التوازن الا ان هذا الوضع التوازني نادر الحدوث في الواقع العملي.
المقاول – ماذا يحصل في الواقع العملي؟
الموظف- في الواقع العملي تحدث اختلالات في الموازنات نتيجة لزيادة او قلة الايرادات العامة للدولة عن نفقاتها مما يسبب إما فائضاً او عجزاً في الموازنة.
المقاول- هذا يجعلني اثير سؤالا قد يكون محرجا وهو: الا تعرف الحكومة نفقاتها وايراداتها مقدما؟
الموظف – من الناحية العملية تقوم كل وزارة وكل مؤسسة غير مرتبطة بوزارة بتقديم ميزانيتها للسنة المقبلة وتقوم الدوائر المختصة بجمع المعلومات عن النفقات العامة والايرادات المتوقعة. وبعد اجراء تدقيق ودراسة تفصيلية تقوم زوارة المالية بتقدير ايرادات ونفقات الدولة للسنة المالية القادمة.
المقاول – هل افهم من كلامك بأن الموازنات العامة في الدول المختلفة هي تقديرات وليست ارقام فعلية؟
نعم هي تقديرات وبعد ان يتم تنفيذها حينئذ يتم اعداد الحسابات الختامية، وهذه الحسابات تبين الارقام الفعلية لمجمل ايرادات ونفقات الدولة الفعلية للسنة المنصرمة.
المقاول – يبدو لي ان الحسابات الختامية ضرورية جدا لتقيم الاداء في المؤسسات الحكومية.
الموظف – بالتأكيد في بداية السنة تكون لدينا موازنة تقديرية وفى نهاية السنة نحصل على موازنة فعلية كما تعكسها الحسابات الختامية.
المقاول – ما يهمني هو موضوع العجز في الموازنة العامة وكيفية تمويله وأثر التمويل بالعجر على عملنا نحن المقاولين وعلى اقتصادنا الوطني عموما.
الموظف – للإجابة على سؤالك احتاج الى عدة ساعات لكنني سأختصر الموضوع – الموازنة العامة اما ان تكون في حالة توازن وهذا نادر الحدوث واما في حالة فائض او حالة عجز. وللعلم معظم الموازنات العامة في الدول المختلفة مثل امريكا او الدول النامية مثل مصر والعراق والسعودية هي في حالة عجز.
وليس الخطورة في وجود العجز؛ الخطورة تكمن في طرق تمويل هذا العجز وفى اوجه الانفاق الحكومي. ولكي تطمئن انت، كمقاول، إذا حصلت وزارة المالية على قرض بشروط ميسرة وبفائدة مناسبة لتمويل العجز وتم استخدام هذا القرض للأغراض الاستثمارية لبناء المشاريع التي تقوم انت وزملائك بإقامتها وتشغيل القوى العاملة العاطلة عن العمل فإن هذا التوجه سوف يخدم الاقتصاد الوطني وزيادة الناتج المحلى. اما إذا استخدم القرض في تمويل نفقات الدولة الاستهلاكية فإن ذلك سيوْدى الى ارتفاع معدلات التضخم.
المقاول – هل هناك خيارات اخرى لتمويل العجز؟
الموظف- توجد خيارات أخرى. مثلاً، من السهل زيادة المعروض النقدي بإصدار المزيد من النقود من قبل البنك المركزي لكن هذا الخيار محفوف بالمخاطر لان زيادة المعروض النقدي يجب ان يقابله زيادة ملموسة في حجم الانتاج وبعكسه تكون النتيجة زيادة شديدة في معدلات التضخم.
المقاول – كيف تصف ولو باختصار حالة العجز في الموازنة العامة العراقية؟
الموظف – المشكلة عندنا هي ضخامة حجم النفقات الجارية والمتمثلة في الرواتب تحديدا بحيث اصبحت الرواتب تكاليف ثابتة يتم تغطيتها من ايرادات النفط التي انخفضت بصورة كبيرة كما تعلم.
المقاول – شكرا جزيلا.
ثانياً: حوار بين عضو جديد في لجنة المشتريات الخارجية وبين خبير في التجارة الخارجية
عضو اللجنة: عفوا للإزعاج انا عضو جديد في لجنة المشتريات في احدى المؤسسات الحكومية ولدى بعض الأسئلة.
الخبير – اهلا وسهلا بك ولكن كيف تم اختيارك لعضوية اللجنة؟
عضو اللجنة – بعث على رئيس المؤسسة وقال عينتك عضوا في لجنة المشتريات لأنك نزيه ومخلص وولائك معروف لمؤسستنا.
الخبير – الله يكون في عونك. طيب ما هي اسئلتك؟
عضو اللجنة – اريد منك ان تبين ما هو دوري في اللجنة.
الخبير- أخي الشراء لا يتم من فراغ. عليك اولا ان تتأكد هل هناك تخصيصات مالية كافية لشراء المواد او المعدات التي ستقوم لجنتكم بشرائها.
عضو اللجنة – هناك مبلغ مخصص لشراء مصاعد كهربائية لبناية مؤسستنا لان مصاعدها كثيرة العطل فكيف تقوم لجنتنا باستيراد مصاعد جديدة؟
الخبير- للمصاعد الكهربائية مواصفات فنية. بإمكانك شراء السمك من الشط لكن لا تستطيع شراء الاجهزة الفنية دون معرفة مواصفاتها الدقيقة.
عضو اللجنة – لم افهم.
الخبير – قبل ان تقوم لجنتكم بالشراء عليها ان تطلب من رئيس المؤسسة تشكيل لجنة فنية لتحديد مواصفات الاجهزة والمعدات المطلوب استيرادها.
عضو اللجنة – عفوا استاذ تذكرت ان شركة الحبوب بوزارة التجارة في سبعينيات القرن الماضي كُلفت باستيراد بذور حنطة انيا 66 وحصلت مشكلة لان البذور لم تكن مطابقة للمواصفات وكانت البذور من نوعيات متعددة.
الخبير – صحيح انا كنت عضوا في اللجنة التحقيقية كان يجب ان تجمع بذور الحنطة في الحقل وتُعباْ بأكياس جديدة وتصدق من قبل شركة فاحصة في الحقل بانها بذور انيا 66 لكن العقد نصَّ على بذور حنطة انيا 66 مصدقة بموجب شهادة من شركة فاحصة. وللحقيقة فإنني دافعت عن مدير عام شركة الحبوب في حينه لأنه كان انساناً مخلصاً ونزيهاً.
عضو اللجنة: هل كانت البذور المخلوطة مع بذور الحنطة المطلوب استيرادها رديئة النوعية؟
الخبير: لا ابداً لكن يجب ان تعلم بان للبذور الزراعية المختلفة درجات رطوبة مختلفة ودرجات انبات مختلفة وفى حالة خلطها فإن بعض البذور ستنبت قبل غيرها فكيف سيتمكن الفلاح او المزارع من اجراء عملية الحصاد؟
عضو اللجنة – لكن استاذ انت تعلم بأن العراق دولة نامية، اقصد إذا لم تكن لدى مؤسستنا الخبرة الفنية لوضع المواصفات العامة او المواصفات الفنية الخاصة ما العمل؟
الخبير- الله لا يحير عبده. هناك شركات عالمية متخصصة في كل فرع من فروع الانتاج الصناعي وعليكم توجيه الدعوة المباشرة للشراء من تلك الشركات العالمية المتخصصة.
عضو اللجنة – ولكن انا اعرف بان المشتريات الحكومية تتم بموجب مناقصة عامة.
الخبير – صحيح، الاصل ان يتم الاعلان عن مناقصات عامة لكنك سألتني عن نقص الخبرة الهندسية في اعداد المواصفات الفنية الخاصة. ولعلمك هناك منتجات وسلع احتكارية ليس بإمكان لجنتكم الحصول عليها الا من المنتج المحتكر لإنتاجها. اذكر لك الآتي على سبيل المثال لكي يتوضح لك الموضوع-
إذا كانت السرعة هي العنصر الحاسم في تحديد قيمة الطائرة الحربية المراد استيرادها عندئذ يصبح السعر عنصراً ثانوياً، وإذا كانت المكائن والمعدات ذات المواصفات الفنية الخاصة ليس لها سعر معروض في السوق العالمي ماذا تفعل؟ عليك اللجوء الى الشركات العالمية المتخصصة ومفاتحتها لتقديم عروضها بدلاً من اللجوء الى الشركات غير المعروفة او الى الوسطاء وما اكثرهم. كما ان توجيه الدعوة المباشرة الى الشركات العالمية المتخصصة تكون مقبولة في حالة شراء كميات قليلة من السلع التي تتخصص تلك الشركات بإنتاجها وتصديرها كما يحصل مثلا في تجهيز معمل بالمواد الكيمياوية.
عضو اللجنة – هل يقتصر عمل لجنة المشتريات على اجراء المفاوضات واختيار العرض المناسب من حيث السعر والنوعية؟
الخبير -لا ابدا، على اللجنة ان تعد تقريرا تبين فيه سير المفاوضات وبيان جوانب القوة وجوانب الضعف في العرض الذي تم اختياره. مثلا اصرار المجهز على عدم تقديم خدمات ما بعد البيع او ان السعر المقدم من قبله كان اعلى الاسعار المنافسة لكن النوعية أفضل ومدة التجهيز اقل من بقية المجهزين.
عضو اللجنة -وإذا لم يقتنع الرئيس الاعلى بالعرض الذي تم اختياره؟
الخبير- يمكن اعادة التفاوض.
عضو اللجنة – وهل في اعادة المفاوضات فائدة للمؤسسة؟
الخبير – الوقت مهم إذا كانت السلع المراد استيرادها موسمية. هل تستطيع تأجيل شراء المنتجات الزراعية خارج مواسم انتاجها؟
على لجنتكم ان تشترى السلعة او المادة بالسعر المناسب وبالكمية المناسبة وبالنوعية المطلوبة وفى الوقت المناسب.
عضو اللجنة – يبدو انني لا أصلح لعضوية لجنة المشتريات لذلك سأطلب من رئيس المؤسسة تنسيبي الى لجنة فتح عروض المجهزين.
الخبير – رأيك صحيح، ابدأ بفتح العروض وتعرّف على المناقصة وشروطها وانواعها وكيفية تسعيرها. اتمنى ان تكون عضواً متميزاً في لجنة المشتريات الحكومية في المستقبل القريب.
ثالثاً: حوار بين ملاّك زراعي صغير وبين مدير الناحية في منطقة زراعية
الملاك- السلام عليكم.
مدير الناحية – وعليكم السلام.
الملاك- استاذ انا ورثت من أمي ارض زراعية مساحتها 100 دونم واريد ان ازرعها
مدير الناحية – ما المشكلة؟
الملاك- المشكلة هي أنى متقاعد وغير متفرغ للزراعة.
مدير الناحية – تعاقد مع احد الفلاحين من ساكني المنطقة لزراعتها.
الملاك- عفواً هل عرفتني؟
مدير الناحية – طبعا اعرفك انت ابن عمتي التي ورثتَ عنها الأرض.
الملاك- قبل عشر سنوات اعطيت الارض الى احد الفلاحين لزراعتها على اساس ان يعطيني مائة الف دينار بالسنة.
مدير الناحية – هذا استغلال. كيف يتم زراعة 100 دونم وايجارها 100 الف دينار؟
الملاك- المستثمر كان يزرع 10 دوانم (خس) وكم دونم (شجر) او (رگي وبطيخ).
مدير الناحية – لماذا لا يزرع الـ 100 دونم؟
الملاك- المشكلة، حسب ما يقول المستثمر، تكمن في ارتفاع تكاليف نقل الزرع من الحقل الى العلوة؟
مدير الناحية – ما معنى ذلك؟
الملاك- يقول المستثمر اجرة نقل الخس أكثر من 40% من سعر البيع في العلوة، ويقول بأن الخس سريع التلف، يعنى راس الخس بسعر التراب.
مدير الناحية -وهل تريد انت استثمار الارض؟
الملاك – نعم.
مدير الناحية – ما ذا تريد منى لمساعدتك؟
الملاك- اريد منك توفير الحماية لمزرعتي.
مدير الناحية – وهل الحماية مفقودة في الناحية؟
الملاك – للأسف لا توجد حماية كافية.
مدير الناحية – ماذا تقصد؟
الملاك – هل تعتقد بان اهل الناحية يسمحون بدخول اشخاص غرباء للعمل في ناحيتنا؟
مدير الناحية – انت على حق. انا عندي بستان في الناحية واستأجرت عمالاً من خارج الناحية لقطف البرتقال والنارنج ولاقيت الأمرّين.
الملاك – ماذا حصل؟
مدير الناحية – قال اهل المنطقة لا يجوز دخول غرباء من الرجال الى منطقتنا
الملاك – كيف؟ انت مدير الناحية؟
مدير الناحية – انا المدير هنا حسب القانون المدني لكن عليَّ الخضوع للعُرف وللقانون العشائري.
الملاك – آسف لإزعاجك.
رابعاً: حوار بين طالب جامعي في المرحلة الاولية وبين تاجر جملة ومستورد للسلع المعمرة
الطالب – السلام عليكم.
التاجر – وعليكم السلام ورحمة الله و بركاته.
الطالب – انا طالب جامعي واريد ان اكتب تقريرا حول الاسعار في السوق المحلية.
التاجر – تفضل انا حاضر لمساعدتك.
الطالب – سؤالي الأول: كيف تتم عملية التسعير؟
التاجر – عملية التسعير ليست سهلة وسأحاول تبسيط الموضوع.
الطالب – يظهر أنك تتعامل بتجارة السلع المعمرة من ثلاجات وتلفزيونات ومكانس كهربائية وسلع منزلية اخرى فكيف يتم تحديد اسعارها؟
التاجر- لاحظ انا استورد هذه السلع من مناشئ متعددة وهى تحمل اسماء تجارية وماركات مختلفة فلكى اقوم بتسعيرها لابد ان اتعرف على طلب المستهلك لان هناك علاقة بين تغيرات الاسعار وبين طلب المستهلكين.
الطالب – هل ينظر المستهلك العراقي نظرة جدية الى العلامة التجارية والاسم التجاري؟
التاجر – طبعا لان مستهلكي السلع المعمرة اكثرهم من الطبقة الوسطى في المجتمع العراقي وهم متعلمون مثل جنابك وعلى اطلاع بالعلامات التجارية المعروفة عالميا والمناشئ الاستيرادية الجيدة.
الطالب- عفوا كان سؤالي الاول حول كيفية اجراء عملية التسعير.
التاجر – نعم انا ذكرت لك الطرف الاول في هذه العملية المعقدة وهو المستهلك فانا مثلا يجب ان اعرف طبيعة العلاقة بين التغير في السعر وبين طلب المستهلك.
الطالب – ومن هو الطرف الآخر في عملية التسعير.
التاجر – الطرف الثاني نحن التجار، فلو قمت انا مثلا برفع سعر الثلاجة او تخفيض سعرها فإن ذلك وفى الحالتين سوف يوْثر على مركزيَّ التنافسي في السوق كما ان السعر يتأثر بالأوضاع الاقتصادية في البلد.
الطالب – هل تقصد بالظروف الاقتصادية تأثر الاسعار بالنفقات الحكومية مثلا؟
التاجر – هذا سؤال جيد كلما زادت النفقات الحكومية الجارية مثل رواتب الموظفين في الدولة كلما أثَّر ذلك على حالة السوق، أي على الاسعار السائدة في السوق.
الطالب – ذكرتَ نفقات الحكومة الجارية ولم تُشر الى أثر نفقاتها الاستثمارية.
التاجر- تعجبني مداخلاتك. نعم النفقات الاستثمارية تُحرك السوق وتنعش النشاط الاقتصادي. خذ مثلا، إذا قامت الحكومة ببناء مائة مدرسة فإن ذلك سيخلق طلباً على المواد الانشائية من سمنت وحديد وخشب وستنفتح ابواب العمل امام النجارين والحدادين والبنائين والصباغين وسيعود النشاط بالنفع لجميع اصحاب الحرف العراقيين وسيزداد الطلب على المواد الإنشائية والعدد اليدوية والمواد الصحية وغيرها كثير.
الطالب – هل تقوم الحكومة بالرقابة على الاسعار؟
التاجر: الحكومة حاليا لا تتدخل في تحديد الاسعار لكن، للأسف، الرقابة النوعية على المنتجات شبه معدومة. خذ مثلا انتاج الخبز والصمون في الافران الحجرية والكهربائية لاحظ كم هو الهدر في انتاج الصمونة او رغيف الخبر. المواطن يجد لبة عجينة داخل الصمونة. وانا اقترح عليك القيام بإعداد دراسة عن مقدار الهدر في انتاج الصمون والخبز وكم يتحمل الاقتصاد الوطني من مبالغ اضافية بسبب وجود هذا الهدر.
الطالب- يبدو ان موضوع الاسعار معقد فعلا.
التاجر – المهم متابعة عملية تفاعل قوى السوق لأنه بنتيجة هذا التفاعل تتحدد الاسعار ونحن التجار المتعاملين في السوق نحاول التدخل في الاسعار وفى هذه الحالة فإن المستهلك اما ان يقبل بالأسعار التي نفرضها او ان يمتنع عن الشراء.
الطالب – صحيح يجب ان لا نهمل قوى العرض والطلب وتأثيرهما على الأسعار.
التاجر – سأروي لك تجربتي عندما كنت طالباً مثلك. عملت في مكتب أحد كبار التجار في بغداد – كان عملي مسائي وكلفني ذلك التاجر بجمع المعلومات عن اسعار التلفزيونات في المحال التجارية في شارع الرشيد والحصول على كتلوكات ومواد دعاية من تلك المحال. وجمعت فعلا معلومات عن اسعار السوق استخدمها ذلك التاجر في عمله الذي يحتاج الى التعرُّف على اسعار السوق. كلفني ايضا بمراجعة دليل التلفونات واعداد جدول بأرقام تلفونات الاطباء وتلفونات بعض اصحاب المهن الاخرى وقمت فعلا بأداء ذلك العمل.
الطالب- وما فائدة التلفونات وعلاقتها بالأسعار؟
التاجر – كان الغرض هو اجراء اتصال تلفوني مع الطبيب وابلاغه مثلا بوجود ارسالية جديدة من اجهزة التلفزيون ذلك لان الطبيب هو أحد اركان الطبقة الوسطى وهو الزبون المحتمل لذلك التاجر الذي حدثتك عنه.
الطالب- هل تقومون بالإعلان عن السلع التي تتعاملون بتجارتها وهل تقوم بمنح الائتمان لتجار المفرد؟
التاجر- في الحقيقة الشركات العالمية والمجهزون الاجانب لديهم وكلاء بالعمولة ولديهم مندوبون وهذه الشركات تعمل على المحافظة على حصتها في السوق العراقية، وتحاول زيادة حجم صادراتها الى العراق عن طريق الاعلان ومسح الأسواق. ومن المفيد هنا ان اذكر لك انه في السابق، أعنى في الاربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي، كان مجهزو الشاي والتوابل والافاويه من الهند وبعض الدول الاسيوية الاخرى يبعثون بعض موظفيهم لدراسة حالة السوق ويركزون على سوق الشورجة في بغداد وسوق العطاريات في البصرة لكي يتعرفوا على اذواق المستهلكين. وكان التجار الهنود مثلا لا يطلبون من المستورد العراقي فتح اعتماد مستندي للاستيراد بل يتعاملون على الثقة بالحوالات المصرفية، ويكون البيع بالنسيئة او على التصريف. اليوم وللأسف الثقة قلّت ودخل الى السوق اشخاص طارئين على التجارة.
الطالب- يبدو أنك غير راضٍ عن حالة السوق حاليا؟
التاجر – انا وقد مارست العمل التجاري أكثر من اربعين سنة الاحظ وجود بعض التصرفات غير الاخلاقية مثل الغش والتلاعب بأوزان العبوات. وكما ان هناك ارتباط بين السعر والكلفة فهناك ارتباط ايضا بين السعر والأخلاق.
ماذا تعنى كلمة تاجر عندنا نحن التجار القدماء؟
التاء: تعنى تقوى.
الالف: يعنى ائتمان.
الجيم: يعنى جرأة.
الراء: تعنى رحمة.
انا مثلا عملت في السوق مع المسلمين واليهود والمسيحيين والصابئة المندائيين وكنا متعاونين فيما بيننا ومتجاورين في متاجرنا وكما يقول الشاعر:
جاورتهم زمن الفساد فنعم الجار في العسراء واليسر
التاجر: شكرا جزيلا اتعبتك أستاذي الكريم
التاجر: لا شكر على واجب.
خامساً: حوار مع أحد تجار المفرد المتخصص في بيع العطور والسلع الكمالية والملابس النسائية
المحاور موجها كلامه الى صاحب المتجر: أخي انا باحث اقتصادي.
التاجر: اهلا وسهلا ومرحبا، تفضَّل.
المحاور: لدى بعض الاسئلة حول سلوك المستهلك العراقي.
التاجر: تفضل ماذا تقصد بسلوك المستهلك؟
المحاور: اقصد كيف يقرر المستهلك شراء أي سلعة من السلع المعروضة في متجركم؟
التاجر: كما تلاحظ امامك محلنا متخصص ببيع العطور والكماليات والملابس النسائية ومعظم زبائني من السيدات والعوائل الغنية او متوسطة الدخل. وطبعا فإن المشترى يسعى الى الحصول على أكبر منفعة ممكنة من السلعة التي يريد شرائها او اقتنائها.
المحاور: هل تعنى بان المستهلك يتخذ قرار الشراء بعد التفكير العميق في مدى فائدة او منفعة السلعة التي يقوم بشرائها؟
التاجر: لا، في حالات كثيرة يكون سلوك المستهلك عشوائي وغير عقلاني. مثلا احيانا تأتى السيدة مع زوجها، انا انظر ايهما سيتخذ القرار-هل شخصية الزوجة هي الاقوى ام شخصية الرجل؟
المحاور: ارجو التوضيح؟
التاجر: إذا كانت شخصية المرأة هي الاقوى انا احاول اقناع الزوجة بجودة هذه السلعة او تلك، وإذا كان الزوج هو صاحب القرار وهو الذي سيدفع الثمن احاول إقناعه بجودة السلعة وملائمة سعرها أيضا.
المحاور: هل تأخذ بنظر الاعتبار قابلية المشترى على الدفع؟
التاجر: طبعا ومن خبرتي الشخصية فإن السعر هو المحدد الرئيسي لشراء السلع الاستهلاكية في السوق العراقية.
المحاور: هل للمودة وعرض السلع ذات الموديلات المتعددة تأثير في زيادة الاقبال على الشراء؟
التاجر: في الحقيقة للإعلانات والماركات المشهورة أثرها المباشر في زيادة تفضيل المستهلكين لسلع تحمل ماركات معينة، كما ان الاعلان يفعل فعله في اغراء المشترى وتغيير اذواق المستهلكين.
المحاور: عفوا لكن يلاحظ في اسواقنا وجود بعض الماركات المقلدة والسلع الرديئة النوعية.
التاجر: صحيح والسبب ان المستهلك العراقي مع الاسف لا يبحث عن النوعية الجيدة بل هو مهتم كثيرا بعامل السعر فهو يفضل شراء السلعة الرخيصة الثمن، ولذلك تجد اسواقنا متخمة بالسلع الرخيصة من مناشئ حديثة التصنيع والمنافسة للسلع الجيدة التي منشأها الدول الصناعية المتقدمة.
المحاور: الا يتحمل المستورد والمنتج مسؤولية استيراد او انتاج سلع رديئة النوعية؟
التاجر: المسؤولية تقع ايضا على اجهزة الرقابة النوعية والجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعية وجمعيات حماية المستهلك والمواطن نفسه يتحمل جزءاً من المسؤولية. خذ مثلا استيراد الادوات الاحتياطية للسيارات غير الاصلية رخيصة الثمن لكنها تُستهلك بعد مدة قصيرة من استخدامها ويكون المستعمل لهذه الادوات والاقتصاد الوطني هو المتضرر في النهاية، يعنى استنزاف العملة الأجنبية.
المحاور: ما رأيك بالقول إن المستهلك على حق؟
التاجر: نعم انا انظر الى السلعة من وجهة نظر المستهلك فإذا قال المشترى او السيدة المشترية هذه البدلة أفضل من تلك اقول لها انتِ على حق.
المحاور: لكن المرأة تُغير رأْيها عدة مرات قبل اتخاذ قرار الشراء.
التاجر: نعم كلما غيَّر المشترى راْيه انا اكون معه أُغير رأي ايضاً لأنه على حق!
المحاور شكرا جزيلا.
حقوق النشر محفوظة لشبكة الاقتصاديين العراقيين. يسمح بالاقتباس واعادة النشر بشرط الاشارة الى المصدر. 7 كانون الثاني 2016

الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية

التعليق هنا

%d مدونون معجبون بهذه: