خواطر إقتصادية

د. سلام سميسم: حلقة الاستثمار المفرغة في العراق

منذ أن دخلت كلية الادارة والاقتصاد – قسم الاقتصاد في 1978 وإلى الآن وأنا استمتع بالتلمذة في مدارس الفكر الاقتصادي المنهجية، أي التي تُدرّس أكاديمياً، والتي من حسن حظي أن حظيت بأحسن الاساتذة في هذا الحقل وأخص بالذكر منهم أ. د. هشام البعاج رحمه الله.  والمهم أن تجارب الدول والاحداث تعطينا دروساً مجانية في علم الاقتصاد وفروعه كافة.

 

وفي أحيان كثيرة يكون التأمل ببعض التجارب هو بمثابة مفتاح لحلول قد تكون بدايات جديدة تضع الأمة على طريق الخلاص.  والأمثلة كثيرة في النماذج التي عاشها ويعيشها البشر، ولنا في مقالات اللورد كينز وكثيرين غيره، وصولاً إلى عصرنا الحالي ونشوء مدرسة شيكاغو وكيف ابتدأها مجموعة من اساتذة جامعة شيكاغو بسلسلة مقالات تطورت لتصبح مدرسة مهمة في السياسة النقدية، خير مثال على ذلك.

 

هذه المقدمة هي بوحٌ خاص اردتُ أن أبثه لأساتذتي وأنا أفكر بشأن الاقتصاد العراقي.  فعملي الاستشاري “الخاص” جعلني اصطدم بحلقة مغلقة تذكرني بحلقة الفقر Vicious Circle of Poverty مع اختلاف المكونات.  الاقتصاد العراقي اليوم يدور في حلقة مفرغة لمشاريع القطاع الخاص:

 

1-   نقص التمويل.

2- عدم الحصول على الضمان المصرفي الذي يكفل للمشروع الحصول على قرض للتمويل.

3-   عدم توفر السيولة النقدية.

4- بيروقراطية هيئات الاستثمار وتعمدها المباشر لعدم السماح لمشاريع القطاع الخاص.

5-   عدم وجود غطاء سياسي لأي مشروع لا يكفل له الولادة أبداً.

 

هذه النقاط ببساطة شديدة هي ملخص لمعاناة تؤدي إلى تدهور مستمر ونحن ندور في حلقة الاستثمار الخاص المفرغة التي إنْ بقيت دون علاج ستصبح كما في مثال الفقر، متلازمة الاقتصاد العراقي وبحال تصبح الرديف الشَرطي للحديث او لدراسة الاقتصاد العراقي.

 

 

فسلوكيات الأجهزة الحكومية وما ارتبط بها من هيئات يدفع إلى صياغة نمط جديد من التشكيل الاقتصادي لوحدات الإنتاج الخاصة والعامة.  والحديث المُفرغ من المنطق والعلمية هو الحديث الوحيد السائد في هكذا حلقات، وهي وإن تعددت إلا أنها تنبع من مصدر واحد ويقودها فكر واحد ويديرها فكر واحد تتغير الوجوه ومسميات المكان الجغرافي إلا أن المنبع والآلية والإدارة واحدة.

 

فكيف يمكن لمستثمر، سواء كان عراقياً أم اجنبياً، أن يرتبط بحصة هذا الحزب أو هذه الكتلة؟  وكيف يسوق إدارته للاستثمار وكيف يدير عملية الاستثمار أصلاً؟

 

أتساءل هنا: تحت أي بند يمكن أن ندرج هذه السيطرة الكتلوية عند احتساب الجدوى الاقتصادية، أو للدراسة الفنية للمشروع؟

 

سادتي، إن كنا نتحدث عن الفساد التي أُدرجها أنا كاقتصادية في “نمط الاقتصاد العراقي الحالي” ضمن عناصر الكلفة إلا أن الانجرار والتمادي في هذا الأمر قد يفوق مجرد احتسابه جزءاً من الكلفة إلى ….. ولا اعرف ماذا يمكن أن نسميه.

 

المهم في كل ذلك أن هذا الأمر يجب أن يعالج ويأخذ الجدّية في الطرح والتداول، والجدّية من صانع القرار العراقي في الاستماع لنا كباحثين اقتصادين جادّين وغير منضوين بمصالح اقتصادية ضمن منظومات الفساد أو كارتيلات اللجان المقربة من القيادات العليا في بلدنا العليل.

 

سادتي، إنها حملة تستوجب المشاركة والنهوض بالاقتصاد العراقي.

 

وللعراق رب يحميه.

 

(*) خبيرة اقتصادية

حقوق النشر محفوظة لشبكة الاقتصاديين العراقيين. سميح بأعادة النشر بشرط الاشارة الى المصدر. 11/3/2017

 

الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية

تعليقات (6)

  1. Avatar
    علاء فريد ابراهيم:

    ان تعزيز وتقوية الاقتصاد العراقي لا يعتمد فقط على الاستثمار في داخل العراق وانما التطلع الى ايجاد شراكات مع شراكات عالمية في مختلف القطاعات خارج العراق والبحث عن فرص استثمارية في دول لها ثروات وتحتاج من يدخل معها في مشاريع تعود بالنفع على الطرفين وهكذا ظهر مفهوم الشركات العابرة للقارات ابسط مثال على ذالك شركة ارامكو السعودية دخلت في مشروع ضخم مع شركة شل وتكوين شركة ( موفيتا ) وإقامة مشروع مشترك يعرف باسم ستر أنتربرايز لتسويق المنتوجات البترولية في شرق الولايات المتحدة وساحل الخليج.حيث ان شركة ارامكو اصبحت تملك اكبر مصفاة للبترول من خلال هذه الشركة . لماذا لا توسع شركة نفط الجنوب عملها الى خارج العراق وتدخل في مشاريع مثل شركة ارمكو السعودية وتزيد دخلها وبالتالي دخل العراق وللعلم شركة ارامكو لها استثمارات في الصين واوربا واسيا والان مع امريكا اين شركة نفط الجنوب من كل هذا . ينبغي ان يكون للعراق جهاز استثمار خارجي تعود استثماراته بالنفع على العراق وشعبه اسوة بدول الخليج جميعا ويبحث عن كل الفرص الاستثمارية المتاحة في العالم واقتناصها

  2. Avatar
    حامد الجبوري:

    مقال أشعرني بالثلج الذي يتساقط على قلبي

  3. Avatar
    محمد صادق:

    أقترح أن يتم تشريع قانون لتعليل إرساء أي مناقصة بالتفاصيل، ووفقاً لمبلغها.
    بمعنى آخر:
    لا يكتفي رئيس لجنة المناقصة بالقول: أحلنا المناقصة الآتية على المقاول فلان لتطابقها مع المواصفات أو لأن عرضه كفوء.
    وإنما يجب التعليل والشرح بالتفاصيل المهمة، وكلما زادت قيمة المناقصة يجب التعليل والشرح بكمية أكبر.
    أي مثلاً إن كانت مقاولة بخمسين مليون دولار فيجب أن لا يقل الشرح لأسباب إحالة هذه المقاولة دون غيرها عن سبعة صفحات.
    وذلك كي يستطيع الناقدون أن ينقدوا أسباب رسو تلك المناقصة ولتقليل مجال التنسيقات الغير شريفة والعمولات.

  4. Avatar
    دريد الشاكر:

    السلام عليكم
    في مقالات اثنتين او ثلاثة على صفحتكم الموقرة لاحظت مؤخرا ان الاساتذة خرجو من دائرة التبعية للاقتصاديين المخضرمين وبدئو يدقون على الوتر الحساس بواقع نقدي ميداني وبلا نظريات تخطيطية عملاقة وجبارة لاقتصاد وليس لشتات اقتصادي كما نعيشة الان في مجموعة تمشية الاعمال في العراق وليس اقتصاد
    وقدعلقت على النسب التى هي في العراق وكيف لايستطيع المجلس المشكل حديثا ان ينتشل الواقع العراقي منها وهم من عاشرالانحدار الاقتصادي منظرين غيرفاعلين شيئا
    شكرا

  5. Avatar

    هذه خاطرة اقتصادية تتناول موضوع مبتكر تحت عنوان ( الاقتصاد العراقي اليوم يدور في حلقة مفرغة لمشاريع القطاع الماص ) و كاي نساج ماهر قامت الباحثة بضم السدى الى اللحمة بلغة سهلة لا تكلف فيها تحمل في مضامينها احاسيس و مشاعر صادقة
    سيدتي الدكتورة سلام سميسم تقولين ( المهم في كل ذلك ان هذا الامر يجب ان يعالج وياخذ الجدية في الطرح )
    كيف ؟
    المصارف التجارية الحكومية مشغولة بتمويل التجارة الخارجية ( الاستيراد من الخارج) كما ان السيولة النقدية لدى المسارف موجهة جزءيا لتقديم التسهيلات الاءتمانية قصيرة الاجل
    ملاحظة: السدى هي خيوط نسيج الثوب التي تمد طولا وهي خلاف اللحمة التي تمد عرضا
    مع التقدير

    • salamsmeasim
      salamsmeasim:

      شكرا جزيلا على هذا التعليق و ممتنة لاهتمامكم

التعليق هنا

%d مدونون معجبون بهذه: