الصناعة الوطنية

عبدالزهرة محمد الهنداوي: إدارة القروض والمشاريع الصغيرة

تمثل القروض والمشاريع الصغيرة المدرة للدخل مرتكزا مهما لتنمية وتنشيط الواقع الاقتصادي من خلال اثرها الفعال في خفض مستويات الفقر والبطالة في البلاد التي تشهد تزايدا واضحا في معدلاتها نتيجة الظروف الاقتصادية التي يواجهها العراق .. ولكن كيف يمكن الافادة من هذه القروض والمشاريع في تحقيق الاهداف التنموية المطلوبة من ورائها ؟.
من خلال القراءة البسيطة لبعض التجارب والمحاولات التي شهدها العراق خلال السنوات الماضية في اطار سياسة مكافحة الفقر نجد ان النتائج لم تكن بالمستوى المطلوب ، ربما نتيجة لعدم وجود رؤية واضحة يمكن من خلالها تحديد مسارات تلك القروض والمشاريع من الوجهة التنموية المطلوبة.
ولنأخذ مثلا احد هذه المشاريع ، ففي العام 2012 جرى استيراد نحو 800 بقرة ، وزعت في محافظة صلاح الدين على وجه التحديد للأسر الفقيرة والنساء الارامل في القرى والأرياف من دون مقابل، وهي تجربة كان يمكنها ان تسهم بنحو كبير في تحسين المستوى المعيشي لهذه الاسر، ولكن الذي حدث ان المشروع تلاشى ولم يحقق اي هدف من اهدافه لأسباب كثيرة من بينها ، ان الابقار المستوردة لم يكن بإمكانها التأقلم مع مناخ العراق ذي الحرارة المرتفعة ، ما ادى إلى نفوق بعضها ، في حين كان ينبغي ان يتم توفير الظروف المناسبة لمعيشتها لضمان تحقيق النتائج والأهداف ، لاسيما انها من النوع الحلوب.
فضلا عن ذلك ان البعض من تلك الابقار وزعت في مناطق نائية وبعيدة عن مراكز المدن، فلم يكن بإمكان الاسر المستفيدة ايصال الحليب ومشتقاته إلى المستهلكين وبالتالي فانها كانت تأخذ حاجتها منها ثم تتلف المتبقي، هذا مع انخفاض انتاجية البقرة الواحدة بسبب ظروف المناخ.
ثم بعد ذلك جاءت ظروف العام 2014 وظهور “داعش” ليختفي اي اثر للمشروع ، حاله حال مشاريع اخرى وثمة تجربة اخرى هي تجربة القروض الصغيرة التي نفذتها وزارة العمل والشؤون الاجتماعية خلال السنوات الماضية والتي تشير إلى ان هناك اكثر من 11 الف مستفيد من تلك القروض وبمعدل يتراوح بين 5 – 10 ملايين دينار للقرض الواحد ، وهي قروض مدرة للدخل تمنح للعاطلين عن العمل وتمثل في مجموعها مبالغ ليست سهلة ، ومع الجزم ان الكثير من المقترضين استفادوا من القرض وتمكنوا من اقامة مشاريع صغيرة غيرت كثيرا من واقعهم المعيشي ، ولكن ليست هناك مؤشرات تقييم دقيقة لنتائج المشروع برمته.
فمثل هذه المؤشرات من شأنها ان ترسم صورة واضحة تساعد المعنيين في تعديل المسارات المنحرفة وتطوير المشروع  وشمول المزيد من العاطلين بتلك القروض، ونتيجة لغياب التقييم ربما لن تتمكن الجهات المعنية من استرداد القروض ، فضلا عن عدم ضمان استثمارها بنحو سليم من قبل المقترض
نفسه.
ما يهمنا هنا ان البلد مقبل على مرحلة جديدة ستشهد ثلاثة مسارات تتعلق بمنح القروض الصغيرة لإقامة المشاريع الفردية وهذه المسارات تتثمل بخطة اعادة الاعمار للمناطق المحررة وما تتضمنه من محور يتعلق بتعويض المواطنين عن خسائرهم المادية وكذلك تمكينهم من تحسين واقعهم المعيشي.
اما المسار الثاني فيرتبط بقرب اطلاق الستراتيجية الثانية لتخفيف الفقر للسنوات 2018 – 2022 وهي الاخرى تتضمن محصلة خاصة بتحسين مستوى الدخل للفقراء من خلال سياسة منح
القروض.اما المسار الثالث يرتبط بصندوق التنمية الاجتماعي الذي سيتولى تمويل مشاريع التخفيف من الفقر التي تشمل توفير الخدمات وتمكين الفقراء ومن المتوقع ان يلجأ الصندوق ايضا إلى منح  القروض ، وفي كل الاحوال ينبغي ان تكون لدينا رؤية واضحة تتضمن رسم السياسات الخاصة بمنح القروض وضرورة ان تكون النتائج المتوخاة منها ذات اثر واضح في تحقيق الاهداف التنموية وان يكون مسار القرض “اي قرض” واضحا وهذا لن يتحقق ما لم تكن هناك آليات دقيقة للمتابعة والتقييم والإدارة للمشاريع والقروض الصغيرة
(*) المتحدث الاعلامي بأسم وزارة التخطيط
المصدر جريدة الصباح 16/10/2017

الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية

تعليقات (2)

  1. مصباح كمال
    مصباح كمال:

    البعد المفقود في الكتابات حول إدارة القروض والمشاريع الصغيرة: التأمين الزراعي مثالاً
    (1)
    بعد أن انتهيت من قراءة مقالة الأستاذ عبد الزهرة الهنداوي وتعليق الأستاذ فاروق يونس عليها خرجت بانطباع وقناعة بأن النيات الطيبة لوحدها ليست كافية لأغراض التنمية لا بل أنها تؤدي إلى نتائج سلبية غير متوقعة. فاستيراد “نحو 800 بقرة، وزعت في محافظة صلاح الدين على وجه التحديد للأسر الفقيرة والنساء الارامل في القرى والأرياف من دون مقابل” كان هدراً واضحاً للموارد كما يتبين من المعلومات التي أفاد بها الأستاذان عبد الزهرة الهنداوي وفاروق يونس. ويبدو أن النيات الطيبة في هذه الحالة ارتبطت بالجهل، كما جاء في اقتباس الأستاذ فاروق يونس ناقلاً عن (السومرية، الشبكة الفضائية العراقية) رأي السيد ابراهيم كارنائيل جورج، مدير دائرة الطب البيطري في قضاء الدور بمحافظة صلاح الدين، حيث ذكر ان هذه الابقار المستوردة من سلالة الفريزيان Friesian وتحتاج الى رعاية خاصة من حيث الطعام والمناخ والعلاج وان الجدوى الاقتصادية ستكون ضعيفة ما لم يتم توفير العلف والرعاية الصحية بأسعار مناسبة … وأن برنامجاً مماثلاً تم تطبيقه قبل نحو ٢٠ عاماً لم يعط النتيجة المرجوة، وان الظروف المناخية القاسية تسببت بموت الابقار المستوردة حينها بعد مدة ستة اشهر من دخولها العراق.
    (2)
    يذكّرني توزيع الأبقار بما تقوم به بعض القنوات الفضائية العربية في توزيع الأعطيات والهدايا النقدية والعينية وكأنها بذلك تقضي على مؤسسة الفقر، وهي بذلك لا تبتعد كثيراً علة التفكير الديني الداعي إلى الرفق بالفقراء. الهبات الإحسانية قد تخفف من غلواء الفقر على البعض ولبعض الوقت لكنها لا تحمل معها مشروعاً حقيقياً قابلاً للاستدامة والمساهمة في التنمية الاقتصادية. وهذا ما تنبهت له العديد من الجمعيات الإحسانية في الغرب إذ ربطت نشاطاتها بمشاريع ميدانية في الدول النامية وخاصة في الأرياف.
    (3)
    وهنا اتفق مع رأي الأستاذ فاروق بأن “النظام التعاوني هو الدعامة الاساسية للاقتصاد الفلاحي” إذ “ليس بإمكان العوائل الفقيرة والارامل ادارة مزارع للأبقار – مثل هذه المشاريع تتطلب تخصيص اراضي لزراعة العلف لقطعان الابقار وتحتاج الى مركز لصناعة الاعلاف كما تحتاج الى مركز لتخزين الحليب، وكلما زاد المشروع تعقيدا تزداد الحاجة الى التخطيط.” مهمة التخطيط للمشروع لا يمكن أن تقع فقط على عاتق أصحاب المشاريع الصغيرة لأن البعض منهم لا يمتلكون القدرات لتخطيط أعمالهم. هم بحاجة إلى من يقوم بتوفير المساعدة الفنية لهم، مثلما يتعين على الدولة توجيه القروض لتنسجم مع التنويع الهيكلي للاقتصاد.
    وهنا يرد على البال ما نشره موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين في الماضي ومؤخراً: سفينة نوح-الحاضنات الريادية المتخصصة. أنظر:
    http://iraqieconomists.net/ar/2017/10/18/%d8%b3%d9%81%d9%8a%d9%86%d8%a9-%d9%86%d9%88%d8%ad-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%a7%d8%b6%d9%86%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d8%b1%d9%8a%d8%a7%d8%af%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%aa%d8%ae%d8%b5%d8%b5%d8%a9/
    (4)
    وبودي أن أضيف بأن مثل هذه المشاريع تحتاج أيضاً إلى حماية تأمينية يوفرها التأمين الزراعي الذي يمكن أن تقوم به الدولة أو شركات التأمين التجارية أو الهيئات التأمينية التبادلية. والتأمين الزراعي، على أساس تجاري، متوفر في العراق منذ أوائل ثمانينيات القرن الماضي، ويشمل تأمين الإنتاج النباتي (المحاصيل الزراعية)، تأمين المواشي (الأبقار، الثيران، الجواميس، العجول، الأغنام، المواعز)، وتأمين الخيول، وتأمين الدواجن. (راجع: فؤاد عبد الله عزيز، التأمين في العراق: الواقع وآفاق المستقبل، 2005؟)، ص 135-163. وكانت شركة التأمين الوطنية الحكومية هي الوحيدة التي تقدم هذه الأشكال من التأمين الزراعي. ليس معروفاً إن كانت شركات التأمين الخاصة في العراق تمارس التأمين الزراعي.
    آمل أن يتقدم ممارسو التأمين المعنيين بتنويرنا بواقع التأمين الزراعي في الوقت الحاضر خاصة وأن الأدبيات المتوفرة عن الموضوع، وهي قليلة أصلاً، قديمة. آمل أيضاً أن يهتم الكتاب من خارج قطاع التأمين بموضوع التأمين ولو بإشارة أولية كي يتولى ممارسو التأمين توفير الشروح والإيضاحات.
    إن التعاون بين قطاع التأمين والجهات المعنية بتقديم القروض الصغيرة للمشاريع الزراعية الفردية لإيجاد حلول تأمينية بكلفة اقتصادية تتناسب مع حجم القروض والإمكانيات المالية للمقترض وما تستطيع الجهة المقرضة تقديمه كمساهمة في تكلفة الحماية التأمينية. وبالطبع فإن هذا التعاون يمتد ليشمل مشاريع في مجالات اقتصادية أخرى.
    تقديري وشكري للأستاذين عبد الزهرة الهنداوي وفاروق يونس.
    مصباح كمال
    20 تشرين الأول 2017

  2. farouk younis
    farouk younis:

    موضوع ادارة القروض للمشارع الصغيرة من المواضيع المهمة والحيوية في الوقت الحاضر لتطوير وتنمية الاقتصاد العراقي فشكرا للاستاذ عبد الزهرة محمد الهنداوي على مقاله القيم
    جاء في المقال الاشارة الى تجربة توزيع ٨٠٠ بقرة في محافظة صلاح الدين على الاسر الفقيرة والارامل في القرى والارياف من دون مقابل لكن المشروع تلاشى ولم يحقق اي هدف من اهدافه لاسباب كثيرة من بينها ان الابقار المستوردة لم يكن بامكانها التاقلم مع مناخ العراق ذي الحرارة المرتفعة — الخ كما هو موضح في المقال
    بالعودة الى عام ٢٠١٢ فقد نشرت السومرية نيوز في ه تموز ٢٠١٢ تحت باب الشارع العراقي راي السيد ابراهيم كارناءيل جورج مدير داءرة الطب البيطري في قضاء الدور بمحافظة صلاح الدين حيث ذكر ان هذه الابقار المستوردة من سلالة الفريزن وتحتاج الى رعاية خاصة من حيث الطعام والمناخ والعلاج وان الجدوى الاقتصادية ستكون ضعيفة ما لم يتم توفير العلف والرعاية الصحية باسعار مناسبة كما ذكر مدير داءرة الطب البيطرة في قضاء الدور بان برنامج مماثل تم تطبيقه قبل نحو ٢٠ عاما ولم يعط النتيجة المرجوة وان الظروف المناخية القاسية تسببت بموت الابقار المستوردة حينها بعد مدة ستة اشهر من دخولها العراق ( راجع السومرية الشبكة الفضاءية العراقية)
    لو نظرنا الى او على تجارب الدول المتقدمة مثل المانيا لرءينا بان النظام التعاوني هو الدعامة الاساسية للاقتصاد الفلاحي
    ليس بامكان العواءل الفقيرة والارامل ادارة مزارع للابقار – مثل هذه المشاريع تتطلب تخصيص اراضي لزراعة العلف لقطعان الابقار وتحتاج الى مركز لصناعة الاعلاف كما تحتاج الى مركز لتخزين الحليب وكلما زاد المشروع تعقيدا تزداد الحاجة الى التخطيط
    الخلاصة فشل مشروع الابقار في محافظة صلاح الدين وذلك لانه نفذ دون اعداد دراسات جدوى اقتصادية وفنية كما يبدو ودون التفكير مليا في مرحلة بدء المشروع
    مع خالص التقدير

التعليق هنا

%d مدونون معجبون بهذه: