الاقتصاد العراقي الكلي

د. مظهر محمد صالح* : تراكم رأس المال المالي ( السالب ) واديولوجيا الصراع في محاور السياسة الاقتصادية العراقية

د. مظهر محمد صالح* : تراكم رأس المال المالي ( السالب ) واديولوجيا
الصراع في محاور السياسة الاقتصادية العراقية .
بالقدر الذي قادت فيه عوائد النفط وتراكماتها ،كثروة
رأسمالية مالية للدولة ،اتجاهات ومحاور السياسة النقدية في اطار ما يسمى بالآثار
النقدية للسياسة المالية (سواء كان في هيمنة المالية العامة على خلق النقد الاساس
للبنك المركزي ام في تراكم الاحتياط الاجنبي للبنك المركزي العراقي بكونه غطاء
العملة الوطنية المتداولة خارج البنك المركزي ) فأن تلك الآثار النقدية للمالية
العامة قد اصبحت واضحة في جعل فكرة استقلالية البنك المركزي( من وجهة نظري
الشخصية) بمثابة تفضيل ثاني best Second بدلا من كونها تفضيلا اولاً كما تريده
السياسة النقدية ذلك لهيمنة رأسمالية الدولة المالية على تطور حركة المال الاجمالية
في العراق وضبط او مراقبة اتجاهاتها النقدية والانمائية والاستهلاكية وفق اديولوجيا
هجينة
فرضها الظرف الراهن وحال الاقتصاد، كأمتداد لظواهر الدولة الريعية
المركزية .
ان رأسمالية الدولة بآلياتها العاملة تتساير وتوجهات
المالية العامة وتنسجم معها و بتفاصيلها التي تقود في الوقت نفسه حركة رأس المال
المالي الاهلي وعد الاخير امتداداً طبيعياً للاول عبر آصرة السوق وآلياته التي
تكونت كقوة مالية تجارية تنسجم والتشكيل الاديولوجي لرأسمالية الدولة ولاسيما تبعات
اشكالية التوزيع الاستهلاكي في الموازنة العامة وهي الصفة التي غلبت رأسمالية
الدولة في اشكالية التوزيع الاستثماري في تلك الموازنة  . فأتساع نطاق المساواة والعدالة في الموازنة
العامة وتغليب ظاهرة التوزيع عبر غلبة موازنات الاستهلاكية التشغيلية وتقديم السلع
العامة الضرورية ذات الطابع الخدمي التي غلفت النفقات العامة واتجاهاتها على حساب
تدني فرص الاستثمار والكفاية الانتاجية في معادلة غير متوازنة ادت الى تكوين
نطاقات  ملحقة بها من الرأسمالية المالية الوطنية الاهلية
تكيفت مع النمط الاستهلاكي للدولة والتكوين المالي لرأسمالية الدولة الريعية.
فرأس المال الخاص وتراكماته المالية وشدة تكوينه بهذا
الاتجاه جاء معبراً عن درجة التكامل والالتحام بين العناصر التشغيلية او
الاستهلاكية في موازنات البلاد العامة وبين تنمية القطاع الرأسمالي المالي الاهلي
الذي ولد قطاعاً تجارياً استهلاكياً خارجياً مؤآزراً له ولاسيما بعد ان تغيرت
طرازات الحياة العراقية وانماط المعيشة وعولمة الاستهلاك خلال السنوات التسع
الماضية والتي جاءت كردة فعل قاسية ضد مخلفات الحرمان والتجويع ابان عقد الحصار
الاقتصادي وآلامه .
فضياع فرص الاستثمار الوطني وتعظيم الانتاج والانصراف عن
تأسيس تراكم مادي حقيقي عماد الانتاج والتقدم الاقتصادي جاء بسبب انغماس المجتمع وتوجهات
رأسمالية الدولة نحو متعة الاستهلاك والكسل والتراخي امام ارادة الانتاج وتعظيم
الاستثمار مما قاد وبدون شك الى خلق قطاع رأسمالي مالي اهلي نتاج رأسمالية الدولة
المالية يحدد مستوى من الآلتحام والتكامل في تشكيل رأس المال المالي الكلي للطابع
الاستهلاكي شديد الربح والخالق لمؤسسات مالية موازية له تتكامل هي الاخرى مع
النهضة التجارية الاستهلاكية التي تتطلع في تكاملاتها مع السوق الخارجية للتبضع او
نقل حركة المال . وبهذا استمزجت الرأسمالية المالية والرأسمالية التجارية الاهلية
في تيارات لاتبتعد عن ظاهرة خلق وتحقيق الثروة الرأسمالية المالية وتكثيرها من
خلال سرعة تدوير رأس المال المالي وتعظيم الربح وسرعة تدويره بواقع تدوير لايقل عن
ثلاث مرات في العام الواحد وفي نطاق دورة تجارية استهلاكية سريعة بين بلادنا
والعالم الخارجي .
ونظراً لضآلة فرص الاستثمار في القطاعات المنتجة ،
باستثناء الاستثمار المالي الاهلي المذكور آنفاً والملتحم بمعادلة شديدة الالتصاق
بالاستثمار التجاري الاستهلاكي فأن المتراكم من الارباح الرأسمالية وعموم الثروة
الرأسمالية المتنامية وجل التراكم الرأسمالي المالي لابد من ان يجد له حاضنة بديلة
في الدورة التجارية القصيرة النطاق التي تمتد الى اسواق الاقاليم الجغرافية
التجارية المحيطة بالعراق ، اذ تحولت تلك الاقاليم الى مستودعات مالية خارجية
تمتص فيها الارباح المتراكمة من الدورة التجارية العراقية قصيرة الاجل والتي نطلق
عليها بالادخار الخارجي العراقي . وعلى هذا الاساس اخذ رأس المال المالي
الفائض طريقه ليتراكم في تلك المستودعات المالية الخارجية والاقليمية منها
بشكلٍ خاص الذي هو نتاج فوائض او ارباح رأس المال المالي الملتحم برأس المال
التجاري الاهلي الذي يخضع تطوره وقوته مع شدة نفقات الموازنة العامة وغلبة طابعها
الاستهلاكي . ولكي لانبتعد كثيراً عن مآلات ما نكتبه ، فأن الرأسمالية المالية
للدولة قد ولدت بحكم توجهاتها الاستهلاكية والتوزيعية التي تتطلع الى خلق مجتمع
الرفاهية الاستهلاكية بمعدلات وتصورات فاقت تطلعاتها في خلق مجتمع الرفاهية
الانتاجية طالما ان وقود هذه العملية هو الريع النفطي سهل التحصيل و سهل التراكم .
لذا فأن ولادة مضاعفات مالية وميول تجارية استهلاكية خارجية سريعة الربح والمردود
لابد من ان تلفظ فوائضها وادخاراتها خارج البلاد لقاء تعظيم قدراتها التسويقية صوب
الاستهلاك المحلي في ظل ضآلة ميول تطبيق قطاع الانتاج الوطني البديل وضعف الاستثمار
فيه وهي علة واشكالية النظام الاقتصادي الراهن في البلاد ومصدر الصراع
الاديولوجي وكثرة الابهامات او المجاهيل في محاور السياسة الاقتصادية العراقية
سواء المالية منها او النقدية او التجارية وعلى رأس ذلك السياسة الانمائية ذات
المعالم المبهمة .
فالسياسة النقدية للبنك المركزي العراقي التي بنيت على
اعتماد آليات اقتصاد السوق والادوات غير المباشرة في التدخل في سوق النقد والتصدي
لمناسيب السيولة النقدية العالية التي تولدها المالية العامة عبر حركة رأس المال
المالي للدولة كفائض طلب لايكافأه انتاج حقيقي تولده استثمارات مادية او حقيقية بأستثناء
مكافأة واحدة من موجود مالي هو احتياطيات البنك المركزي العراقي وموجوداته بالنقد
الاجنبي  . وان هذه المكافاة المقابلة
لتيارات الانفاق الاستهلاكي العالي الذي ولدته المالية العامة عبر مضاعف الانفاق غير
المنتج الذي هو مصدر شرور التضخم وتدهور المعيشة ما لم يكافأ بعرض سلعي وخدمي وافي
وهو امر لايوفره الاقتصاد السياسي للعراق بهذه الاشكالية في توصيف النظام
الاقتصادي ما لم يضع البنك المركزي العراقي احتياطياته الاجنبية وغطاء عملته
لمقابلة الطلب ليعبر عن قوة عرض مالية دولارية تشكل حقوق على سلع خدمات خارجية او
اجنبية تكون تحت قوة وارادة القطاع الاهلي التجاري والملتحم مالياً برأس مالية
الدولة المالية . فسياسة التعقيم التي يعتمدها البنك المركزي للسيطرة على
مناسيب السيولة وامتصاص ذلك الطلب السائل الهائل بالدينار العراقي المقوم بالدولار
والمعتمد على كفاية العرض من العملة الاجنبية لمقابلة الطلب الاستهلاكي ومختلف
اصناف الطلب بما في ذلك تراكم الارباح التجارية للرأسمالية المالية العراقية والتي
تفجر اليوم اركان الصراع الاديولوجي بين المالية العامة والسياسة النقدية في
اقتصاد السوق، الرأسمالي الكبير فيه هو رأس المال المالي للدولة وتابعه رأس المال
المالي الاهلي وكأنما هناك تنازع على توزيع الثروة داخل معسكر رأس المال ! .
فمزاد العملة الاجنبية للبنك المركزي هو المزاد المضحك
المبكي الذي يخفي ذلك الصراع الاديولوجي سواء بين مفاصل السياسة الاقتصادية نفسها
او بين رأس المال المالي الكلي (الخاص والعام) حيث تبحث السياسة النقدية عن آليات
بلوغ اهدافها في فرض الاستقرار على مستوى المعيشة
عن طريق استقرار سعر الصرف والمستوى العام للاسعار وهذا هو الشرط الذي
يتطلب انسجاماً عالياً مع الرأسمالية
المالية للقطاع الاهلي والملتحم تجارياً مع الخارج ومستودعاته المثيرة
للجدل الذي اجج بؤرة الصراع مع رأسمالية الدولة لتنتهي الى صراع داخل مفاصل
السياسة الاقتصادية نفسها وهي حروب من الاتهامات والهواجس متناسية ان العلة
الرئيسة هي توصيف النظام الاقتصادي في العراق واشكالية ذلك النظام الريعي الذي
تغلب عليه رأسمالية الدولة وهي مصدر وبوصلة توليد ذلك الصراع . فآليات مزاد العملة
الاجنبية الذي هو مرتكز السياسة النقدية لبلوغ اهدافها في الاستقرار لايعدُ عن
كونه احد منظومات التعاطي مع رأس المال المالي الكلي واجزاءه وتراكماته بالدينار
العراقي المنفق عبر الموزانة العامة التي تهيمن على 60% كنسبة من الناتج المحلي
الاجمالي للعراق والذي ولدته موارد النفط لتصب في النهاية في مفاقص الرأسمالية
المالية العراقية والتي تأخذ مجراها خارج البلاد سواء في تمويل التجارة الاستهلاكية
او لفض تراكماتها المالية من ارباحها التجارية في تلك المستودعات الآمنة خارج
الحدود كبؤر مالية مستقطبة للتراكم الرأسمالي العراقي . والسؤال من هو المتهم:اهي
السياسة المالية( بوصلة النظام الاقتصادي الراسمالي المالي الكلي بادواته الضريبية
)ام مزاد العملة الاجنبية (بكونه اداة السياسة النقدية التي تواجه قوة تلك
الرأسمالية وتوفر لها حاضنة الاستقرار) ؟ انها مجاهيل
محيرة في دولاب
النظام الاقتصادي العراقي المبهم في تفاصيله وحركته وتوجهاته كاقتصاد
قوي
الاستهلاك ضعيف التنمية .
فالتراكم المالي للرأسمالية العراقية مازال يبحث عن ملجأ
لتنويع محافظه خارج البلاد بنسب وتناسبات تنسجم و تراكم الثروة ورأس المال
الكلي بعيداً عن اية فرص استثمارية حقيقية صناعية كانت ام زراعية او انتاجية اخرى
ذات اثر فعال في احداث قوة من النمو تستطيع خفض البطالة الفعلية الى المرتبة
العشرية الواحدة وخفضها عن مستوياتها المقلقة الحالية والتي مازالت بين صفوف
الشباب العامل تزيد على 25% من تلك الفئة المهمة . وما دامت الحركة داخل راس
المال بهذا الاتجاه والتوجه فأن مزاد البنك المركزي سيظل من اكبر اشكاليات العلاقة
بين رأسمالية الدولة ورأس المال الاهلي ليمثل كينونة الصراع في الاستحواذ على
الثروة وتقاسمها وامست مصدر الاتهام داخل النظام الاقتصادي المتناقض بين تيارات
رأس المال نفسه وآليات تحويل مصادر الثروة الى خارج البلاد سواء لتمويل التجارة او
الاحتفاظ بفوائضها في تلك المستودعات الاقليمية وغيرها. فذريعة الاستقرار والحفاظ
على مستوى المعيشة من جانب السياسة النقدية ستبقى اولوية لا اهمية لها في خضم المتناقضات
الراهنة في حركة رأس المال المالي والصراع المحتدم غير التناحري بين رأس المال
الاهلي والمولد له رأسمالية الدولة وقواها الريعية  .
ان التلازم بين رأس المال المالي للدولة والاهلي
مازالا مستمران و يتعايشان دون بلوغ مرحلة الصراع التناحري ولكن في ربيع من السلام
والتناقض الحاد الا ان كشاف الصراع ومستوى حدته تعكسه مرآة مزاد العملة الاجنبية
للبنك المركزي العراقي . وعلى الرغم من ذلك فهما مازالا ايضاً حالة واحدة وجهة
متصلة النشاط جعلت البلاد ماكنة مستهلكة من الدرجة الاولى ومعطلة للاستثمار
والانتاج بمستوى مماثل لامحال . ولكن علة الصراع ومستوى تفجره هي ماكنة التمويل
بالنقد الاجنبي وتفسير شرعية الفائض لرأس المال المالي الاهلي وشرعية التحويل
والحرية الاقتصادية في التعامل مع مستودعات تراكم الثروة المالية خارج البلاد عبر نظامنا
الاقتصادي الرأسمالي المالي المبهم المعالم في تفسير حدود الملكية الشخصية وحرية
التصرف بها ! .
فأذا كان الصراع داخل معسكر رأس المال
العراقي بالصورة غير التناحرية حتى اللحظة  ، فلابد من التعمق قليلاً في البحث عن انعكاسات
ذلك الصراع وتناقضاته الايدولوجية داخل مفاصل السياسة الاقتصادية العراقية نفسها .
لقد غلب التوزيع والبحث عن العدالة
الاجتماعية في موازنات البلاد العامة الريعية فكرة النمو الاقتصادي ودفع عجلة
تنمية البلاد والتحري عن فرص خلق  الثروة
المادية وتعظيم العوائد من خارج القطاع النفطي للظروف والمعطيات التي مر بها العقد
الاخير الصعب المراس امام تبدلات اجتماعية واقتصادية وسياسية ومداخلات دولية هي
اكبر من قدرات البلاد .
وعند العودة الى فلسفة السياسة المالية
التي آراها مصدر الصراع وقوة توليد رأس المال المالي نجدها تمتلك فلسفة هشة ازاء
الموارد الاخرى الممولة للموازنة العامة من غيـــر الريع النفطي . فلينظر الجميع
الى الموارد الضريبية للموازنة العامة فلا يجدها بنسبة تتعدى 1% من اجمالي ايرادات
الموازنات السنوية للبلاد مما يعني ان الرأسمالية المالية الشريك القوي لرأسمالية
الدولة تحصل على وجبات مجانية free lunch طالما ان الضرائب سهلة الاستقطاع عند المنبع
من اربعة ملايين موظف حكومي ممن يتمتعون هم وعائلاتهم بعدالة التوزيع خارج مجهودات
السوق وتراكم راس المال المالي الاهلي عبر آلية تحويل رأسمالية المالية للدولة الى
رأس مال فردي وتواصل انتقال التراكم المالي من الدولة الى السوق خارج ممرات
الدائرة الضريبة مكونة اديولوجية السوق الحــــر المنفلت واديولوجيتها في التكوين
الرأسمالي المالي او التراكم الرأسمالي المالي (السالب ) لما يتمتع به من ميزتين هما
: الاعفاء الضريبي او التهرب السهل منه والاستقرار في مستودعات المال وحواضنها
خارج الحدود .
لايخفى ان عملية زيادة خزين رأس المال
المادي (الطاقة المنتجة) هي الوحيدة التي تعبر عما يسمى بالتراكم المادي الرأسمالي
(الموجب) الذي يعد المصدر الرئيس للنمو الاقتصادي بآماده المختلفة . وبخلاف ذلك ،
فان تسرب رأس المال المالي بصورة مدخرات خارجية وهي اشبه باللعبة ذات المجموعة
الصفرية  zero – sum
game  في النظام الاقتصادي العراقي . فالربح المتراكم
خارج الحدود والذي اطلقنا عليه اصطلاحاً بـ (التراكم السالب) يعادل من حيث المبدأ
خسارة التراكم المادي داخل الاقتصاد الوطني ( التراكم الموجب) . لذا ، فأن معادلة
الربح والخسارة تساوي صفر في محصلة النمو الاقتصادي للبلاد ضمن لعبة المجموعة
الصفرية .
بعبارة اخرى ، فأن اي تسرب لرأس المال المالي (السالب)
كمدخرات خارجية مالم يقابله تسرب داخل موجب من رأس المال المالي ، سيأتي بالضد من
عمليات التراكم الرأسمالي المــــــادي ( الموجب ) المولد للنمو الاقتصادي داخل
البلاد ، مما يعني ان القيمة المضافة والنمو الاقتصادي المترتب عليها سيتم توليده
في الاقتصادات الخارجية ومن موارد تلك المستودعات المالية التي تختزن بتراكم رأس
المال المالي الاهلي العراقي وعلى حساب انحسار النمو الداخلي . فبدلا من ان يتحول
رأس المال المالي الى رأس مال مادي او حقيقي داخل نشاط الاقتصاد الوطني نراه يتحول
الى ادخارات خارج البلاد تمول استثمارات مادية في تلك الاقاليم الخارجية الناشطة
اقتصادياً .
وان المفارقة على صعيد السياسة المالية ، تأتي على نحو
مماثل في تحريك اللعبة الضريبية ذات المجموعة الصفرية . فقيام المالية العامة
بتحصيل ضريبة افتراضية اسمها : ضريبة العائد على رأس المال (السالب) negative capital gain tax لاتعني في مضمونها سوى اعفاء عوائد رأس المال
الخارج او مكافأته بالاعفاء الضريبي او حتى فرض ضريبة شكلية او هزيلة كما يحدث في
الوقت الحاضر . وكلمة (سالب) هنا مسألة في غاية الخطورة تؤكد في جوهرها مكنونات
الصراع الايديولوجي بين مفاصل السياسة الاقتصادية ومحاورها المتناقضة (المالية
والتجارية والنقدية) . بمعنى ان المالية العامة العراقية منذ العام 2003 تمنح
امتياز الرأسمالية العراقية مزدوج المضمون وهو الاعفاء الممزوج بحرية الانتقال
والهجرة الى المستودعات المالية الخارجية بعيداً عن تنمية فرص الاستثمار الوطنية
لتنتهي البلاد بحالة من التقاطع او الاغتراب Alienation مع
الاستثمار المحلي الحقيقي وسوق العمل العاطلة .
فالمخيف في امر بلادنا ، ان رأس المال المالي الوطني
وتراكم ثرواته مازال يبحث عن الهجرة والهوية خارج الوطن وخارج جموع العاطلين من
ابناء شعبي . مما يشكل حالات نشوز بين رأسمالية الدولة المالية والرأسمالية
المالية الاهلية في خلاف عائلي لم يصل بعد الى مرحلة الطلاق . طالما ان النظام
الاقتصادي الراهن يعيش في ضبابية بين المركزية وانفلات السوق الحرة . واللافت ان
سوق العمل العراقية وجموع عاطليها ( كرأسمال بشري ) تلاحق ولو ببطئ سوق رأس المال
المالي المهاجر ربما دون جدوى لان العولمة في العصر الراهن هي عولمة انتقال رأس
المال بما فيه العراقي وليس عولمة انتقال العمل العراقي باليسر والسهولة نفسها ، كما
كان يحدث في عصر العولمة الاولى (اي العولمة في العصر الفكتوري / عصر الملكة
فكتوريا) حيث كان العمل ينتقل على سبيل المثال من شواطئ الاطلسي الشمالية
والجنوبية شرقاً بسهولة ويسر الى شواطئ الاطلسي الشمالية والجنوبية غرباً مع نهب
ثروة المستعمرات وتحويلها الى المتروبولات او العواصم المركزية في العالم الصناعي
الاول كثروات تمثل التراكم الرأسمالي المالي وعولمته بصورة مختلفة.
ومهما تكن النتائج ، فأن حال النظام الاقتصادي الراهن في
العراق يدفع الى هجرة رأس المال المالي الوطني وفوائض ربح النظام التجاري
الاستهلاكي السريعة والقوية مع بطئ هجرة العمل والقوى المهنية كرأسمال بشري ،
لينتهي كلاهما خارج حاضنة الوطن الانمائية .
لـــم تجد المالية العراقية مخرجا مناسبا لها في فرض
ضرائب على عوائد رأس المال الموجب positive
capital gain tax كما اسلفنا كي تخرج من لعبتها الصفرية .
فتعادل الضرائب ( السالبة ) لعوائد رأس المال مع ضرائب عوائد رأس المال المالي (
الموجبة ) هي مازالت تمارس لعبة المجموعة الصفرية بنفسها zero
sum game .
وحتى المالية العراقية لم تستطع الهروب من حقيقة الصراع
والتناقض الايديولوجي بين نطاقات السياسة الاقتصادية ومناطق التعارض فيها ومستوى
التناقض غير التناحري بين رأسمالية الدولة المالية ورأس المال المالي الاهلي وهي
تحاول الابتعاد عن جدلية المجموعة الصفرية zero sum
debate
كما عبرنا عنها آنفاً في تحليل الظاهرة الضريبية على رأس المال .
فأثارة المالية العامة العراقية لموضوع ظاهرة تراكم رأس
المال المالي (السالب) والتعريج عليها ضمن حملة الجدل على مزاد العملة الاجنبية
للبنك المركزي العراقي لم تمثل الا ظاهرة التملص في حل اخفاقات النظام الاقتصادي
العراقي الراهن وتشخيص مكنوناته وعلله الجوهرية عبر التلازم والتناقض بين رأسمالية
الدولة ورأس المال الاهلي في معادلة غير قابلة للحل تتطلع الى الانتقال نحو اقتصاد
السوق وبهذا المقدار من التناقض والصراع وان حقيقة الامورلابد من ان تصطدم بتداخل
غير متوافق ومصالح وتوجهات متناقضة وتنازع في الارادات  او في حركة المضمون وجدلياته داخل المنظومة
الرأسمالية العراقية  نفسها وبشقيها الدولة
والقطاع الخاص .
لقد ابتعدت المالية العراقية في خطابها حقاً في ايجاد حلول
لللعبة الصفرية التي لم تستطع هي بنفسها توفير الانسجام في حركة راس المال وآليات
تكوينه عبر تفعيل قوتها الضريبية لفصل التداخل وتوفير الانسجام داخل المعسكر
الرأسمالي العراقي  نفسه وانها مازالت ذكية
جداً في الابتعاد عن اخفاقات اللعبة الصفرية الضريبية وانها جادة في تحويل مسارتها
من خلال سعيها غير المعلن لايجاد شراكة في احتياطيات العملة الاجنبية للبنك
المركزي ،آخذة بالاعتبار التناقضات الايديولوجية الراهنة في مفاصل السياسة
الاقتصادية  لتجري تحويلاً في معتقداتها في
تناول ظاهرة تراكم رأس المال ( السالب ) ومستودعاته خارج البلاد دون ادخال
اشكاليات  ضعف السياسة الضريبية  ومقدرتها في فك الارتباط والتناقض داخل المعسكر
الراسمالي العراقي،  طالما ان الزواج مستمر
بين الرأسماليتين على الرغم من كونهما في حالة نشوز !.
كما اتجهت المالية العامة العراقية الى السياسة النقدية
لتتناولها ثانية وهي مستقلة اليوم ضمن التفضيل الثاني second
best
لتستحيل سياسات الاستقرار فيها مستقبلا الى التفضيل الثالث third best
حينما اطلقت تلميحات اشارت فيها مؤخرا الى امكانية مشاركة المالية العامة باستخدام
احتياطي البنك المركزي العراقي والاقتراض منه طالما ان الضريبة (السالبة) على
عوائد رأس المال المالي الاهلي لايمكن تحويلها الى ضريبة (موجبة)  (مما يمثل عودة مجانية لرأسمالية الدولة
لاسترجاع عوائد النفط عن طريق اقتراضها من غطاء العملة العراقية للتعبير عن
منافسة حامية غير تناحرية بين راسمالية الدولة الريعية وبين رأس المال المالي
الاهلي الذي يسدد نقدا بالدينار العراقي دون اقتراض في تحصيله للعملة الاجنبية من
ذلك الغطاء) وهنا تكمن صيرورات الصراع في حل مشكلة اللعبة الصفرية للمالية العامة
بتحولها الى شكل آخر من اشكال فرض الضرائب السهلة التحصيل والتي اطلقنا عليها
مجازاً بـ (الهروب الى الامام ) اي تحصيل (ضريبة التضخم inflation tax )
السهلة التحصيل باقتطاع الاحتياطي الاجنبي للبنك المركزي على حساب الاستقرار
واهداف السياسة النقدية وضمن التفضيل الثالث. منوهين ان ضريبة التضخم ستشكل
المفارقة الجوهرية في لعبة الصراع داخل مفاصل السياسة الاقتصادية ، حيث ستستبدل
ضريبة عوائد رأس المال (السالبة) ضمن الهروب الى الامام بضريبة التضخم . فالاولى
كان ينبغي ان تدفعها الرأسمالية المالية ، في حين ان ضريبة التضخم
التي تشكل اساسيات هدر الاستقرار سيدفعها الشعب العراقي و بعدالة عالية تبتدأ
بفقرائه قبل اغنيائه وهي الممارسة التي عرفها الشعب العراقي ابان مرحلة الاقتصاد
السياسي للحصار !.
وبعبارة اخرى ، فان تراكم رأس المال (السالب) او الضرائب
(السالبة) على عوائد رأس المال لا تعنيان في جوهرهما سوى ان الرأسمالية المالية
الاهلية، بكونها مشتقة من رأسمالية الدولة ، تدخر لنفسها  فائضا
يتمثل بالضريبة الكامنة المهملة التحصيل وعده فائض كامن ينتهي في
مستودعاتها خارج البلاد دون ان تجد لها موقع في النشاط الانمائي الداخلي،
لابرغبتها كقوة تمويل تبادر فيها الرأسمالية المالية نفسها صوب النشاط الحقيقي
التنموي ولا بقوة السلطة المالية  كي تنتفع
منها المالية العامة في تحصيل عوائد ضرائبها والتي امست فوائض  هاربة من تنمية اوطاننا متجهة صوب معاقل
الادخار ومستودعاته خارج البلاد!!!!
فاللعبة ذات المجموعة الصفرية للمالية العامة وارهاصاتها
بين تراكم رأس المال المالي الاهلي (السالب) وتراكم رأس المال المالي الاهلي (
الموجب) او التعاطي الضريبي على رأس المال بشقيه السالب والموجب قـد حولت خطاب
المالية العامة
باتجاه آخر من اتجاهات الصراع ضمن منظومة السياسة الاقتصادية
المتناقضة الاتجاهات والتوجهات . وهذه المرة ، كما ذكرنا ، هو استبدال
ضريبة رأس المال المتسرب خارج الحدود والمعفي او المتهرب من الضريبة كما يفهمه
النظام الاقتصادي في العراق بضريبة اخرى تكرس الانقسام والتناحر داخل
السياسة الاقتصادية وهي ضريبة التضخم من خلال الشهوة الجامحة في تحصيل
احتياطيات البنك المركزي بالنقد الاجنبي من منطلق ان رأسمالية الدولة هي المالك
الاعظم ولها الحق في ذلك الاحتياطي في تحصيل ماتراه مناسباً ومشاركة غريمها رأس
المال المالي  الاهلي المتراكم (السالب)
خارج الحدود والذي يجد ضالته في ظل نشاط رأسمالي مزدوج وسوق تجارية منفردة يتعامل فيها
راس المال المالي الاهلي كراكب مجاني free
rider

يتعايش على رأسمالية الدولة المالية  اويتطفل عليها عبر الانتفاع او المرور بآليات
السياسة النقدية (مزاد  العملة الاجنبية) في
وقت مازالت فيه الاخيرة تمارس
اهداف الاستقرار , و تحاول تقديمه
الى الشعب كسلعة عامة مستقرة (دينار مستقر)يتمتع به الجميع خارج تناقضات الرأسمالية
الوطنية وصراعاتها المحتدمة في يومنا هذا!!!
.
فعندما يتعاظم سوء توزيع الدخل خارج الموازنة العامة
ويصبح التراكم الرأسمالي المالي الاهلي عبئاً على التنمية الاقتصادية وهو ينساب
الى مستودعاته الامنة خارج الحدود ، فما على المالية العامة التي تعجز عن
اعادة توزيع الدخل الناجم عن راس المال بصورة عادلة عن طريق فرض ضريبة الثروة
الرأسمالية الموجبة ( كونها لاتمتلك القدرة على توصيف ايديولوجيا النظام الاقتصادي
في العراق وتسير في فلك الاحداث الراهنة دون منهجية تذكر ) الا ان تبحث عن بدائل
اسرع في التحصيل الضريبي وتعظيم الموارد ذلك باستبدال ضريبة الثروة
الرأسمالية الموجبة الصعبة المنال بضريبة التضخم
التي يمكن تحصيلها  حالا وبسهولة ويسرعبر استخدام احتياطي البنك
المركزي العراقي  لاغراض الموازنة العامة وتحويله
الى مركز رأسمالية الدولة مجدداً دون ان ينفرد فيه رأس المال المالي الاهلي عبر
اشكالية الصراع في النظام الاقتصادي العراقي الراهن من خلال دور الرأسمالية
المالية الاهلية ،التي ينظر اليها بانها مشتقة من رأسمالية الدولة الريعية ومتطفلة
عليها بشتى الطرق والوسائل التي وفرها النظام الاقتصادي العراقي بشكله الحالي .
ماذا سيبقى للبنك المركزي العراقي من استقلالية بعد  ان اخذت اشارات التحول بها من التفضيل الثاني second best
بحكم تبعية آلياتها لقوة المالية العامة او رأسمالية الدولة لتصبح بمرور الوقت
تفضيلا ثالثا third best كما اسلفنا ، لتتلاشى تلك
الاستقلالية في مجموعة اللعبة الصفرية التي ستحول آجلا ام عاجلاً ضريبة رأس
المال
الى ضريبة تضخم واستقطاع الاحتياطي عبر هيمنة رأسمالية الدولة
ضمن صراعات منظومة رأس المال الكلي والتناقض بين مفاصل السياسة الاقتصادية .
ختاماً .. انها
ايديولوجية نظامنا الاقتصادي الراهن والمتلازم في ازدواجية عالية الشدة بين رأسمالية
الدولة المعتمدة على الريعي النفطي  والرأسمالية المالية للنشاط الاهلي المشتقتة منه
او المتطفلة عليه.
ففي الوقت الذي يتطلع فيه النظام الاقتصادي العراقي  في التحول نحو اقتصاد السوق ولكن في ظل سوق
منفلتة نحو الخارج( استهلاكا وادخارا) وموازنة عامة ديدنها الاستهلاك وتحمل مجرد
امنيات التنمية ، فان القضاء على ظاهرة اللعبة الصفرية التي انغمست فيها
المالية العامة كضحية لصراع منظومة رأس المال في العراق والتي ولدت بدورها أفقا
آخر من افاق الصراع مع السياسة النقدية يماثل الصراع بين رأسمالية الدولة ورأس
المال المالي الاهلي من حيث الهيمنة والتوليد والتبعية .
وعلى هذا الاساس ، فأن اللعبة الصفرية للمالية العامة
في علاج ضريبة العائد على رأس المال (السالب) لايمكن علاجها الا بدمج السياسة
النقدية بالعمليات المالية وعدها نتوءاً في دولاب السياسة المالية المرتهن لنظام
اقتصادي مركزه رأسمالية الدولة الريعية . وان حسم الصراع داخل النظام الاقتصادي
الراهن لايتحمل استقلالا للبنك المركزي العراقي على الاطلاق وان اعادة تنظيم
وتقاسم السوق وحسم التناقض بين الرأسمالية المالية للدولة ورأس المال المالي
الاهلي لايمكن تجنبه بتفكيك الالتحام في منظومة رأس المال وانسيابيتها وتدفقاتها ولكن
يمكن تجنبه من خلال فرض ضريبة التضخم لتسوية مشكلة التراكم الرأسمالي
الوطني المستمر في سلبيته واستقراره في مستودعاته خارج الحدود ، وعندها سيمكن
توزيع عبء الاعفاءات الضريبية غير المتحصلة او التحصيل الهش من عوائد الرأسمالية المالية
(السالبة) باحلال ضريبة تضخم وهي الضريبة التي ستتحمل شرائح الشعب ، فقرائه
قبل اغنيائه
، اعباءها بعدالة عالية تفرض على الجميع ؟؟؟ طالما ان الثروة
الرأسمالية المحلية لاتمسها الضريبة (الموجبة) كي تحقق نمطاً توزيعياً اكثر كفاءة وعدلاً
لمصلحة الموازنة العامة ، فإذا ما ظلت تلك الثروات تتحرك بيسر في تركيم مردوداتها من
المنافع الضريبية (السالبة) كمدخرات متسربة خارج البلاد فأن اعبائها ستحول الى عوائد
قابلة للتحصيل ولكن عبر ضريبة التضخم التي يدفع الشعب العراقي ثمنها عن طريق شراكة
المالية العامة في احتياطيات غطاء العملة الوطنية .
انه المخرج من اللعبة الصفرية للمالية العامة .. انه
الهروب الى الامام
!!
*نائب محافظ البنك المركزي العراقي
شبكة الاقتصاديين العراقيين مايس 2012

الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية

التعليق هنا

%d مدونون معجبون بهذه: