وجيز تنفيذي– يتعرض البنك المركزي، ومحافظه الدكتور سنان الشبيبي والبعض من طاقم عمله من المهنيين المتمرسين، الى حملات غير مُنصفة للعمل المهني ولأدائهم والذي يريدون ان تؤثرسلبا على نجاح البنك في انجاز وظيفته القانونية الاساسية التي نص عليها قانون البنك المركزي الصادر عام 2004. لقد استلم المحافظ قيادة البنك والعراق مُكبل بديون خارجية مقُدرة ب 140-130 مليار دولار وعملتنا الوطنية منهارة. وكان معدل التضخم 27% عام 2004 وإقتصاد العراق مفلساً بكل المعايير الاقتصادية الدولية. واليوم، تشير آخر الارقام الى انجازات ملحوظة حققتها السياسة النقدية للبنك المركزي، بالتعاون مع السياسة المالية ، إذ انخفض الدين الخارجي للعراق الى حوالي 61.2 مليار دولار، اي لأقل من نصف ما كان عليه عام 2003. أما الاحتياطي الاجنبي للبنك فقد وصل الى حوالي 65 مليار دينار، الامر الذي عزًز مكانة الاقتصاد العراقي بالاسواق المالية الدولية. ونتيجة تخفيف المأزق المالي الدولي للعراق، فقد ازدادت ثقة المواطنين بدينارنا العراقي مما عزز سعر صرفه مقابل الدولار والعملات الاجنبية الاخرى، فبعد أن كان سعر الصرف في حزيران 2003 لكل دولار واحد 1459 ديناراً عراقياً متحسناً من 3500 دينار في نيسان من نفس العام، والذي يعكس لحضراتكم اثر توقعات السوق آنذاك حول إحتمال إنفراج الاوضاع الاقتصادية والازمات المعيشية على تحسن سعر صرف الدينار، تأرجح سعر الصرف هذا مقابل الدولار ليبلغ 1479 ديناراً في كانون الثاني 2006 ومن ثم ليستقر ب 1272 دينار في كانون الاول 2008 حتى استقر ب1170 دينارا خلال 2009-2011. وادى هذا الاستقرار النسبي الى إمتصاص الكثير من الضغوط التضخمية المتأتية من استيراد السلع والخدمات من الخارج، إلا أنه لم يسهم بما فيه الكفاية بتحفيز النشاط الاقتصادي في الزراعة والصناعة. وكان ذلك الأخير نتيجة حتمية للسياسة الجمركية التي شجعت تدفق المستوردات الرخيصة عبر إلغاء الرسوم الجمركية من جهة ولاسباب تتعلق بالوضع الامني المتردي آنذاك، كما بضعف الخدمات المساندة داخل العراق لهذين القطاعين. وكان تفشي الفساد والرشوة والروتين المعقد في الاجهزة الادارية المختلفة المسؤولة عن إجازة الاستثمار سبباً اساسياً آخر في عزوف المستثمرين يضاف اليه العجز الذي صار، للاسف، مزمناً بإعادة التيار الكهربائي والخدمات الاخرى للصناعة. ونظراً لعدم وجود ما يكفي من الخدمات كي يتوطن القطاع الخاص في مدن صناعية وللزراعة والمزارعين كي يزدادوا انتاجية وعطاءً، فقد ظل قصور توفير الطاقة واللوجستيات الاخرى اللازمة لتوفير المدخلات والعمل الاكثر انتاجية ومهارة الى كل من الصناعة والزراعة من العوامل المهمة لضعف انتاجية وتنافسية اقتصادنا، والذي كان على شفا الانهيار آنذاك.
في ظل تلك الظروف الصعبة، كانت السياسة النقدية للبلاد محكومة بضرورات ومشترطات صندوق النقد الدولي و”دول نادي باريس” لإلغاء الديون الاجنبية التي كانت عنواناً لافلاس إقتصادنا الذي كان النظام السابق مسؤولاً اساسيا عنه. والآن، خرج العراق من ذلك المأزق المالي فالانفاق الفعلي من موازناته السنوية (عدا موازنة 2009) كان متوسعاً بشكل كبير من 32.1 مليار دولار عام 2004 والى 64.4 مليار دولار عام 2010، كما أن النفقات المبرمج لها في موازنة العام 2011 كانت بحدود 83 مليار دولار ونفقات موازنة هذا العام هي حوالي 100 مليار دولار. ولما كانت المؤسسات الحكومية قد عجزت عن إنفاق كل ما خصص لها في الموازنات السابقة، فأننا نعتقد أن فائضاً فعليا آخر سيبرز لموازنة 2011 وايضاً لموازنة هذا العام، إلا إذا حدث انهيار كبير باسعار النفط. ورغم هذه الفوائض التي لم تنقطع في مالية الدولة منذ 2003، فقد إرتفعت دعوات غير مدروسة في بداية هذا العام للتجاوز على إحتياطي البنك المركزي الذي يبلغ الآن حوالي 65 مليار دولار. ونعتقد نحن كمختصين معروفين في كل من العراق والعالم أن التجاوز على الاحتياطي سيكون مقدمة لعودة الضغوط التضخمية الكبيرة في الاقتصاد كما لتبديد الموارد. ونعتقد ايضاً بل نحذٍر، بأن التضخم إذا ما تسارع سوف يؤدي الى تدهور القدرة الشرائية لاغلب المواطنين، وللفئات الفقيرة والوسطى من المجتمع بشكل خاص. كذلك، نشير الى أن المادة (26) من قانون البنك المركزي لعام 2004 تنص صراحة على ما يلي:
” لا يمنح البنك المركزي العراقي اية إعتمادات مباشرة او غير مباشرة للحكومة او لأية هيئة عامة او جهة مملوكة للدولة…” وبالتالي فإن الدعوات التي يطرحها البعض للاقتراض من البنك المركزي واحتياطيه هي دعوات غير مدروسة قانوناً رغم شعور البعض من المستفيدين المحتملين من طرحها بأنها ممكنة التحقيق.
وتعطي الدراسة التفصيلية التي قمنا بإعدادها لمجلسكم الموقر تفاصيل تحليلية اخرى قد تبتغون الاطلاع عليها خدمة لعراقنا الغالي ولدور مجلسكم المحترم في صوغ السياسات الاقتصادية للبلاد.
تقبلوا فائق إحترامنا وتقديرنا:
الموقعون الأوائل:
الدكتور بارق محمد رضا شُبّر (مستشار إقتصادي حكومي سابق)، الدكتور فرهنك جلال (مستشار في أمور التنمية الاقتصادية و ترويج الاستثمار الصناعي)، الدكتور فائق علي عبد الرسول ( وكيل اقدم اسبق لوزارتي المالية والتخطيط , متقاعد ومستشار اقتصادي )، ألدكتور علي كاظم حسين (خبير إقتصادي ونفطي)، فؤاد الكاظمي (مدير عام سابق في وزارة النفط وخبير نفطي)، الدكتور زيد حبة (مستشار دولي سابق وخبير في المعلوماتية)، الدكتور فاضل عباس مهدي(مستشار إقتصادي دولي سابق وباحث اقتصادي) ،الدكتور كاظم حبيب (استاذ جامعي سابق وباحث إقتصادي)، ظافر آل السيد عيسى (ماجيستير إدارة اعمال،خبير دولي معتمد في إدارة فرق الدعم والمساندة للقيادة)، الدكتور هاشم العلي (مستشار إقتصادي دولي)، الدكتور كامل العضاض (إقتصادي ومستشار اقليمي سابق في الامم المتحدة)، حميد الكفائي (إقتصادي وباحث اكاديمي)، كامل المهيدي (خبير نفطي)، الدكتور فوزي القريشي (خبير ومستشار اقتصادي)، د.عبدالرحمن نجم المشهداني (استاذ العلاقات الاقتصادية الدولية المساعد مركز المستنصرية للدراسات العربية والدولية-بغداد)، الدكتور مدحت القريشي (اقتصادي واستاذ جامعي-بغداد)، الدكتور سعد حسين فتح الله (استاذ جامعي ،بغداد)، الدكتور ستار البياتي (استاذ جامعي-بغداد)
صورة الى:
- الامانة العامة لمجلس الوزراء العراقي الموقر
- البنك المركزي العراقي
نص الدراسة التفصيلية المقدمة الى رئيس واعضاء مجلس النواب العراقي الموقر عن تقييم اقتصاديين وخبراء عراقيين للسياسات النقدية للبنك المركزي العراقي
أولاً: مقدمة عن آليات السوق والاجراءات الادارية وتأثيراتهما على تحويلات القطاع الخاص
يتعرض البنك المركزي، ومحافظه الدكتور سنان الشبيبي، الى حملات غير مُنصفة للعمل المهني والأداء الخاص بوظيفته القانونية الاساسية التي نص عليها قانون البنك المركزي الصادر عام 2004 . لقد استلم المحافظ قيادة البنك والعراق مُكبل بديون خارجية مقُدرة ب 140-130 مليار دولار وعملتنا الوطنية منهارة بعد أن عانت تبعات حروب النظام البائد وإسرافه الذي حوًل الغالبية الى فقراء نتيجة التضخم المفرط المحفًز بطبع النقود دون ضوابط. وقد ادت هذه السياسات الى انهيار سعر صرف الدينار مما افقده قدرته الشرائية وحًول دخول معظم الناس الى ذرة تراب لم تكن لتدفع غائلة جوع الاسر العراقية المنكوبة به!! وكانت سياسات طبع النقد دون ضوابط، والتي ترابطت مع سياسة الجهاز التنفيذي للدولة في استنزاف احتياطي البنك المركزي اول الامر لتمويل انفاقها، قد ادًت الى تضخم مفرط بلغ معدله السنوي الوسطي 235% بين 1991-1995، الامر الذي سحق القدرات الشرائية آنذاك وافقر حتى ما تبقى من الطبقة الوسطى ، والتي غادر الكثير من مهنييها واختصاصييها الوطن بحثاً عن الرزق الحلال فأفقرت مؤسسات الدولة من دور المهنيين. وقد أدت هذه كلها الى تدهور مريع بمعظم الخدمات الصحية والتعليمية إضافة الى خدمات الماء والكهرباء والصحة العامة والتعليم والادارة العامة للحواضر ناهيك عن الارياف.
تتطرق مذكرتنا هذه الى حصيلة السياسات النقدية بعد 2003 حيث انتقل مجمل النظام الاقتصادي، وميزان المدفوعات كذلك، من السيطرة الادارية المباشرة والى استخدام متزايد لآليات السوق واقتصاده، الامر الذي صار يربك البعض ليطرحوا تصوراتهم عن “تهريب العملة” في حين ان القوانين الجديدة تسمح بحرية حركة رأس المال الخاص الى خارج البلاد. وفي هذا الشأن ، لا يطرح هؤلاء اي تصور عن مسببات ميل رأس المال الى الخروج في حين يتردد رأس المال المهاجر (كما هو الحال مع كفاءات كثيرة مغتربة) بالعودة للاستثمار داخل اقتصادنا الوطني عدا اقليم كردستان الذي يبدو انه استقطب الاستثمار والبشر الاكثر كفاءة. وقد حسًن هذا الاستقطاب للكفاءات اسا ليب الادارة العامة نسبة لباقي المؤسسات خارج قطاع النفط في البلاد كما زاد المداخيل هناك مقارنة بباقي ارجاء الوطن. ومن الاسباب المهمة في التطور الاسرع للاقليم واستقطابه لرأس المال بالمقارنة ببقية العراق هو استتباب الامن هناك والاستقرار السياسي النسبي مقارنة ببقية البلد.
في رأينا كإختصاصيين أن العنصر الاساسي المسبب لخروج رأس المال الخاص واضح، وهو نفسه المسبب لعدم ميل رأس المال للعودة، الا وهو اضطراب الاوضاع الامنية والادارية للدولة منذ 2003. وقد تمخض عن هذا الاضطراب زخمً سلبيً طارد للاستثمار الخاص الوطني . وهذا الاضطراب المستمر لا يشجع ايضاً على جذب الاستثمار الاجنبي ولا يحفزه خارج القطاعات الاستخراجية، وخصوصاُ النفط منها. ورغم تحسن الامن، إلا أن هشاشته معيق اساسي لتغيير النظرة التشاؤمية للمستثمرين وللكثير من المدخرين ضمن القطاع الاسري.
مما يجدر ذكره هنا في هذا الشأن أن اجراءات وسياسة البنك المركزي في ظل النظام التقييدي السابق لحركة رأس المال كانت تعاقب جزائياً من يُخرجونه الى الخارج. وانطبقت هذه العقوبات ،التي كانت صارمة، على المواطنين لكنها لم تنطبق، كما نعرف، على اساطين واعوان النظام البائد الذي احتفظ قادته وابنائهم واخوانهم وبعض المقرًبين منهم بثروات ضخمة خارج الوطن. وتيسٍر العولمة الالكترونية لاسواق المال العالمية اليوم امكانيات ضخمة لحركة رؤوس الاموال التي تنتقل بسرعة فائقة بين مصارف الاقتصادات المختلفة، الامر الذي يشوٍش محاولات الدول لتتبع حركاتها بدقة، وحتى لدى اكبر الاقتصادات واكثرها قدرة.
ما نخلص اليه هنا هو ان السيطرة الادارية المحضة على كل من سعر الصرف وميزان المدفوعات التي سادت سابقاً، والتي يرنو لها البعض، والتي مارسها البنك المركزي في ظل النظام السابق، لم تكن فاعلة لمنع خروج رأس المال، وعلى نطاق واسع. والانكى من ذلك، ان محاولات السيطرة ادارياً على حركة رأس المال وسعر الصرف للدينار ادًت، كما في الكثير من الاقتصادات التي كانت موجًهة ادارياً حتى اواخر القرن الماضي، الى الهبوط الفعلي باسعار صرف عملات تلك الاقتصادات، ومنها اقتصادنا العراقي، عبر خلق سوق سوداء للدولار استفاد منه المضاربون وتضررت منه القدرة الشرائية للدينار وللمواطن الذي إدخر بالدينار. وادت هذه الظواهر الى دولَرَةً[1] متزايدة بتلك الاقتصادات، ليعكس ذلك تدهور الثقة بعملاتها الوطنية. وقد شهدنا نفس الظاهرة في العراق حتى اوائل القرن الحالي اذ تربًع الدولار الامريكي على” عرش التداول النقدي” في وطننا الذي كانت دولته بالتسعينيات،وحتى2003،خصماً سياسياً للدولة المُصْدٍرة للدولار!
وتعكس الظواهر المشار اليها اعلاه النتيجة التالية:
ان السياسة الاقتصادية والنقدية الحصيفة ليست تلك التي تدعي القدرة على ادارة الاقتصاد وضبط توجهات أنشطته من خلال الاوامر الادارية دون ان تُقرِنها بمعرفة عميقة بالآليات والحوافز الاقتصادية التي تحكم سلوك المواطنين والقطاع الخاص، إذ سيجد المتعاملون بالاسواق، كما وجدوا في الماضي، طرقاً متعددة لتجاوز “اقتصاد الاوامر الادارية” الذي يبدو ان حنين البعض له ما زال موجوداً. وفي رأينا، إن ذلك النمط من الادارة للاقتصاد سيفشل بحل إشكاليات خروج رأس المال، فقد وجد من لجأ قبلنا اليه أن الاسواق السوداء والرشاوى للبيروقراطيين ستتفشى لتمرير التعاملات النقدية بالعملة التي “كانت صعبة”. ومثال اقتصادنا في زمن النظام السابق كما في اقتصادات مصر والجزائر وسوريا، واوربا الشرقية وغيرها قبل تفسخ النظم الدولتية واضح لمن يريد الاستفادة من دروس الماضي لبناء نظام اقتصادي اكثر رشاداً في العراق. لقد ادًى المناخ الذي اشرنا اليه الى انهيار اقتصادات الكثير من تلك الدول التي كانت تدار دون الكفاية من الاعتبار لفعل وتأثيرات القوانين الاقتصادية الموضوعية على المجتمع وعلاقاته كما على كفاءة النظام السياسي وقدرته على الاستمرار، ناهيك عن النمو والتطور الديمقراطيين.
تنطبق نفس الظواهر التي اشرنا اليها اعلاه على النظم الاقتصادية في تعاملاتها التجارية الخارجية، فالاوساط التجارية بالقطاع الخاص خلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضي كانت قادرة على تحويل رؤوس اموالها الى الخارج عبر تضخيم اقيام فواتير الاستيراد. وهناك الكثير من هذه الاموال التي تسرًبت آنذاك، وبالاخص بعد فقدان الثقة نتيجة تأميمات عام 1964، رغم القيود وصرامة عقوبات النظم السياسية السابقة. ويعرف الذين عاشوا في سوريا التي طبًقت حتى وقت قريب سياسة تقييد حركة رأس المال الخاص الى الخارج، وبوسائل ادارية، ان رأس المال السوري الخاص متركز في المصارف والعقارات اللبنانية والاردنية والاماراتية، كما هو الحال لنسبة لا بأس بها من الرأسمال العراقي الخاص حالياً، وذلك رغم الاستقرار السياسي النسبي الذي كانت تعيشه سوريا قبل الاحداث. ومن سبق له وان زار شتورة، البلدة اللبنانية الوادعة التي تبعد 15 دقيقة عن الحدود مع سوريا، يجد عدداً كبيرا من المصارف اللبنانية والدولية هناك لا يتناسب مع حاجات اهل البلدة لها، ولا حتى مع ما يحتاجه وادي البقاع للاعمال المصرفية، فقد ادى تقييد حركة رأس المال الى الخارج الى مزيد من هروبه من سوريا. ولن يعود معظم ما خرج من الاقتصاد السوري طالما بقي تقييد حركة رؤوس الاموال سائداً وامست الاوضاع السياسية والامنية متدهورة ايضاً. بالمقابل، تتضخم ودائع السوريين وغيرهم بالبنوك اللبنانية كما في غيرها. بل نستطيع القول كاختصاصيين، وبيقين عالٍ، ان تدهور الامن في سوريا، وهو امر عاشه العراقيون لعقود، سيؤدي الى مزيد من تسرب رأس المال الخاص السوري فصغار المدًخِرين هناك صاروا ينظمًون الى كبار الرأسماليين في قافلة رحيل التحويلات تلك من الاقتصاد المُسيطَر عليه بالاوامر والتعليمات الادارية والسياسية التي لم تُدرس فاعلية فرضها بالكفاية من الاعتبار لتوقعات الاسواق والمدخرين.
الامر الاساسي الذي نشير اليه هنا كإختصاصيين هو أن مسببات خروج رأس المال من أي اقتصاد كثيرة. ونشير ايضاً الى ان التقييد الاداري لن يفلح بمنع ذلك الخروج بل سيخلق سوقاً سوداء ورشاوى. ويشير هذان الامرين الى ان الوسائل الاقتصادية وحوافز الاقتصاد والبيئة المؤسسية قليلة الفساد ستكونان اكثر فائدة لتحفيز بقاء رأس المال في حين سيعجز التقييد الاداري البوليسي الصارم عن منع تدفق رؤوس الاموال الى الخارج كما دلت على ذلك وقائع الماضي. وفي رأينا ايضاً، ان الوسائل الاقتصادية والتطوير المؤسسي اكثر فائدة وجدوى رغم انهما لن يكونا كافيين لضمان بقاء رأس المال الخاص او لاستقطاب عودته إن لم تستقر الاوضاع الامنية ويشعر الناس بالاطمئنان على اموالهم وارواحهم وتخف وطأة الفساد الاداري المدمٍر لكي يقوم المستثمرون الخواص بتوظيف اموالهم ضمن العراق (ونعني هنا ايضاً خارج الاقليم الاكثر ازدهارا من العراق وخارج حقول النفط ايضاً) بدلاً من اخراج نسبة ملحوظة منها الى دول جوار تستقطبه لأنها اكثر استقراراً امنياً وسياسياً منا، كما أن بناها المؤسسية قد تقدمت وتطورت مع الزمن والحداثة التقنية في حين تراجعت معظم مؤسساتنا وتخلفت بشكل لافت للنظر بل مثير للقلق!
السيدات والسادة اعضاء المجلس المحترمين : تتعرض مذكرتنا اليكم الى امور اخرى تخص اداء البنك المركزي في ممارسة واجباته الاساسية، ومنها على سبيل التخصيص والايجاز:
أ- دور البنك المركزي منذ 2003 في اعادة الثقة بعملتنا الوطنية وعلاقة ذلك بدوره في خفض الديون الاجنبية.
ب- اثر النشاط الاقتصادي المتوسع وعوائد النفط وعلاقته بالانفاق من الموازنات العامة.
ج – علاقة التزايد السريع بالانفاق بتزايد الطلب على المستوردات والعملات الاجنبية ودور البنك المركزي في امتصاص الضغوط التضخمية للانفاق العام .
د- الجدل الذي يدور احيانا حول سعر صرف الدينار وتقلباته: هل العراق وحيدا فريدا في تقلب اسعار صرفه؟
ه- السيطرة على التضخم: انجاز للسياسة النقدية العراقية في ظل التوسع السريع بالانفاق الحكومي.
ز- المكافحة الفاعلة للفساد هي الاساس الامتن للحد من غسيل الاموال
وقد تطرقت مذكرتنا الى هذه البنود والتي سنسهب بتحليل بعضها بالمزيد من التعمق وضمن الابواب الثلاثة التالية.
ثانياً: دور البنك المركزي منذ 2003 في اعادة الثقة بعملتنا الوطنية واثر النشاط الاقتصادي المتوسع وعوائد النفط وعلاقتهما بالانفاق من الموازنات العامة
في نيسان 2003، كان سعر الصرف منهاراً الى 3500 دينار للدولار مقارنة ب10 دنانير للدولار في 1991[2]. ونتيجة هذا إلانهيار الناجم عن سنين الحروب والحظر الدولي، لم يكن هناك أفق واضح لانتشال عملتنا الوطنية الا عبر إلغاء نسب كبرى من الديون الاجنبية إذ كانت هذه الديون تزيد بكثير عن الناتج المحلي الاجمالي لتجعل من العراق بلداَ مفلساً آنذاك. وفي هذه الظروف الصعبة، استلم الدكتور سنان الشبيبي محافظية البنك المركزي في وقت كان فيه العراق مجبراً على اللجوء الى صندوق النقد الدولي وآلية “نادي باريس” للتفاوض على شروط إلغاء الديون الاجنبية كمرحلة اولى للاصلاح النقدي. وكان الهدف المبتغى هنا في الامد الاطول استقرار سعر الصرف لرفع قيمة الدينار بالتدريج كي يتم امتصاص وتحييد الاثر التضخمي لانهياره السالف.
ونتيجة جهود وزارة المالية والبنك المركزي، وبمساندة دولية تستثنى منها السعودية والكويت، تفاوض العراق لإلغاء نسبة لا تقل عن 80% من ديونه الى دول “نادي باريس.” وقد ألزمت هذه الآلية العراق ألا يمنح الدائنين خارج ذلك “النادي” شروطاً افضل عند تفاوضه لإلغاء ديونهم. واستطاع العراق بموجب مفاوضاته التفصيلية، والتي لعب البنك المركزي دورا فيها، إلغاء معظم الديون التجارية التي كانت تقدر بحوالي 20 مليار دولار علاوة على معظم ديون دول نادي باريس وما تبقى كان، في الاساس، ديوناً خليجية لبلدان ماطلت بالتفاوض لابقاء اقتصادنا منهكاًً. رغم ذلك، ونتيجة للجهود التفاوضية المشار إليها، انخفض بحلول نهاية العام 2011 مجمل الدين الخارجي بقرابة %53- 56% ليبلغ رصيده 61.267 مليار دولار كان اكثر من ثلثيه ،اي 41.712 مليار دولار، مصنفاً “كديون غير معالجة ومن ضمنها ديون دول في مجلس التعاون[3]. ويعتبر هذا من الانجازات التي حقًقها العراق لإعادة الثقة بنهوض اقتصاده المدمًر.
لقد كان من شروط إلغاء ديون دول “نادي باريس” أن فُرضت على العراق سياسات ورقابة صندوق النقد الدولي لفترة معينة ريثما يتم التفاوض مع الدائنين على نسب إلغاء ديونهم. ولتبدل قيادات وزارة المالية بين عدة وزراء، كما أن البعض منهم لم يكن مؤهلا بالعلوم الاقتصادية، فقد لعب المحافظ والبنك المركزي دوراً مهماًً في العلاقة التفصيلية مع صندوق النقد الذي لا زال يحجم عن زيارة وطننا للاسباب الامنية المعروفة مما يجبر المحافظ وممثلي البنك المركزي على السفر المتكرر للقائهم خارج العراق. وكان من نتائج هذه الزيارات أن اسهم البنك المركزي بمتابعة وتعديل الاجراءات المتبعة من قبل ذلك الصندوق، والتي كانت شرطاً مسبقاً لتحقيق الخفض الملموس لمديونيتنا الى الخارج، وذلك عبر عمل مهني مضنٍ ومتواصل. وقد اسهم خفض الدين بالنسبة الكبيرة المشار اليها في ارتفاع سعر صرف الدينار تدريجياً الى 1479 للدولار الواحد في كانون الثاني 2006 لتزداد قيمته مرة اخرى قرابة الُربع الى 1172 دينارا ضمن كانون الاول 2008 حتى استقر ب1170 دينارا خلال 2009-2011 مقارنة ب3500 في نيسان 2003 و1459 دينارا بمنتصف 2003[4]. وادى تحسن سعر الصرف واستقراره لفترة ملحوظة الى تزايد الثقة بالدينار بعد فقدانها عبر اكثر من عقد. وكان تعزيز الثقة انجازاً آخر لا يقل اهمية عن الخفض الملحوظ للديون واللذين لعب فيهما البنك المركزي دوره الايجا بي لصالح نهوض الاقتصاد من الحلقة المفرغة للدمار العسكري والحظر الاقتصادي.
نتيجة شروط نادي باريس، ولاقرار دستور جديد ينص على التحول نحو اقتصاد السوق، فقد عدًل العراق نظامه الاقتصادي ليصبح مفتوحاً على العالم الخارجي بتعاملاته الجارية والرأسمالية وهو حال اغلب اقتصادات العالم هذا اليوم في ظل موجة العولمة[5] سوى أن الكثير منها كانت قد بنت اقتصاداتها، وبالاخص قدراتها الصناعية والزراعية والتصديرية، للاستفادة من السوق الدولية الاوسع. بالمقارنة مع ذلك، فقد ادت سياسة الاستيراد المفتوح من جهة، وقصور تشجيع القطاعين الزراعي والصناعي من الجهة الاخرى، الى بقاء اقتصادنا عاجزاً عن مثل هذا البناء. وقد انهارت نتيجة هذه السياسات، او لعدم وجودها، صناعتنا التحويلية وتدهور الانتاج فيها وفي القطاع الزراعي وكذلك نتيجة ضعف التخصيصات الاستثمارية هناك والعجز الكبير في إعادة تأهيل وإعمار البُنى التحتية للبلاد، وعلى الاخص في قطاع الكهرباء وللاسباب التي لم تعد غير معروفة للكثيرين. من ناحية اخرى،نلاحظ وبقلق متزايد توجيه الموازنات السنوية المتعاقبة لاغلب مواردها نحو نفقات التشغيل غير المنتج وللابواب الاخرى من الانفاق الحكومي الجاري. وأسهم الإحجام الواضح عن اتخاذ اجراءات وسياسات مطلوبة لتنشيط القطاع الانتاجي ولزيادة انتاجيته وكفائته التنافسية في اقتصادنا ( والذي صار مفتوحاً على التجارة الدولية والاقليمية بلا ضوابط) بزيادة حجم البطالة المقنًعة في القطاع الصناعي الحكومي، والى ابعاد مُقلِقة بل خطيرة. وقد انعكس هذا الإحجام من خلال التخصيصات الضئيلة للاستثمار في الزراعة والصناعة. وانعكس أيضاً ببطيء إجراءات اعادة الهيكلة لهذين القطاعين كما تعكسه عراقيل تفعيل اجراءات حمايتهما واسنادهما، ومن اهمها قانون التعرفة الجمركية الذي يستمر تجميده سنة بعد اخرى بلا مبرر مقبول او معقول غير ذريعة ضعف الاجهزة الجمركية بعد تسع سنوات من تغيير السلطة السياسية للبلاد. وتعكس هذه الامور لنا وَهَنَ الرغبة السياسية قبل ان تشير الى ضعف القدرات المؤسسية في تفعيل الحماية الجمركية لقطاعاتنا الانتاجية، كما تشير الى تفشي ظواهر المحسوبية وهيمنة المحاصصات على اجهزة الدولة، والتي صارت اموراً لا تثير إستغرابنا رغم سلبياتها الكبيرة. وقد أدًت هذه التطورات التراجعية في البناء المؤسسي للدولة الى تفاقم الاعتماد على صادرات القطاع النفطي، وبشكل خطير، قد يُنذِر يوماً بأزمات جدية للنشاط الاقتصادي ولمستويات المعيشة بشكل عام إذا ما تدهورت اسعار النفط العالمية او ركدت ركوداً طويلاً.
وفي ظل هذا الوضع السياسي غير المستقر والاقتصادي المتًسم بضعف البنى الانتاجية وتدهورها، كان على البنك المركزي التعامل مع الواقع الجديد سواء بسعيه للحفاظ على ما تحقق من استقرار نسبي بسعر صرف الدينار او بمحاولته خفض معدلات التضخم الذي انفلت من عقاله ايام النظام البائد. ونظراً لانهيار بنى الانتاج القطاعي وتخلف الجهاز المصرفي عموماً، فقد استخدم البنك المركزي الاستقرار المتحقق بسعر الصرف ركيزة اساسية للحد من معدلات التضخم، وذلك في ظل الاعتماد الكبير على الاستيراد لتلبية الحاجات الاساسية، رغم ان تشجيع الصناعة والزراعة قد يستلزم في بعض الاحيان اجراء تخفيضات محدودة ومدروسة للحد من تنافسية المستوردات مع الانتاج الوطني. ولأجل تحقيق هدف الاستقرار بسعر الصرف، فقد لبى البنك المركزي الطلب على الدولار للقطاع الخاص ولمؤسسات حكومة اقليم كردستان (والتي تستلم نصيبها من موازنة الدولة العراقية بالدينار) من خلال بيعه بمزاد يومي الى الاوساط المصرفية. بالمقابل، كانت بقية الاستيرادات الحكومية تحصل على حاجتها من الدولار بشكل مباشر من موجوداته المتاحة في وزارةالمالية. ولقد زاد الطلب على الدولار بسبب كل من الازدهار الكبير بإقتصاد إقليم كردستان من جهة ولتزايد معدل نمو الناتج المحلي بالاسعار الجارية بشكل ملحوظ وذلك من الجهة الاخرى.
لقد ازداد الطلب على المستوردات بشكل كبير من قبل القطاع الخاص الكردستاني نتيجة التزايد الملحوظ بالدخل والقدرات التجارية المتنامية هناك على الاستيراد والتوزيع. كذلك، فان إنفاق الموازنة العامة المتوسعة توسعا كبيراً كان محفزاً اساسياً آخر لتأثيرات مُضاعف الطلب المحلي المتزايدعلى حجم المستوردات وذلك في ظل تأخر برامج إعادة إعمار البنى الانتاجية والتحتية لمعظم القطاعات عن ركب الانفاق الحكومي الذي تضخم دون ضوابطً كافية. وفي هذا الشأن، نلفت نظركم ونظر الرأي العام الى ان الارقام الرسمية تشير الى تحقق زيادة كبرى في الناتج المحلي الاجمالي للفرد الواحد لكل العراق قدرها 28.6% بين 2010 و2011، وبالاسعار الجارية، من 4.2 الف دولار عام 2010 والى 5.4 الف دولار للفرد عام 2011[6]. ونرجٍح هنا أن تكون الزيادة في الطلبين الحكومي والخاص من إقليم كردستان، ولكل العراق ايضاً ،من اهم عوامل الازدياد الملحوظ للطلب لشراء الدولار في مزاد البنك المركزي عام 2012 نتيجة تأثير مُضاعف الإنفاق على الدخول وبالتالي على طلب المستوردات من السلع والخدمات. ولما كانت سياسة التوسع المطرد والواسع بالانفاق الحكومي الجاري قد استمرت في موازنة 2012 ،دون أن تفلح وزارة المالية بوضع كوابح موضوعية على ميل الوزارات والمحافظات للاسراف في إنفاقها الجاري وترشيده، فقد تزايد الهدر المالي والاقتصادي نتيجة تفاقم التشغيل غير المنتٍج ضمن دوائر الدولة. ويؤدي مثل هذا الهدر الى تفاقم الطلب على السلع الاستهلاكية المستوردة وبالتالي على الدولار في مزاد العملة.
وفي العامين الفائتين برز للتأثير على طلب العملات الاجنبية عامل جديد هو تدهور اسعار صرف الريال الايراني والليرة التركية، ناهيك عن انهيار الليرة السورية بسبب تدهور الاوضاع هناك. ولما كانت اسواق العراق عامة، وسوق اقليم كردستان خاصة، مفتوحة على الاقتصادين الجارين العملاقين تركيا وايران، كما على سوريا المنكوبة بحربها الاهلية الآن، فقد قاد تدهوراسعار صرف عملات الجيران الى تزايد تنافسية السلع التي يصدرونها الينا كما حفًز تدهورها هذا، اضافة الى تزايد متوسط دخل مواطننا بنسبة 28% عام 2011، الرغبة بالسفر الى تركيا وايران واللتين اصبحت كلف السياحة اليهما، وخصوصاً الى ايران، أيسر للميسورين اكثر من غيرهم من العراقيين والمنكوبين بالحر الشديد والعواصف الترابية الخانقة، علاوة على ويلات التلوث البيئي وضعف الرعاية الصحية وانقطاع الكهرباء وضعف الخدمات الامنية. وادى هذان العاملين المتعلقين بمحفزات السفر وزيادة الاستيراد الى ازدياد الطلب على الدولار في مزاد البنك. واسهمت الحملات التشهيرية المفتقرة الى الحصافة واللياقة معاً على البنك المركزي في وسائل الاعلام بتفاقم قلق كثير من المدخرين العراقيين بالدينار على استقرار القيمة الشرائية لمدخراتهم. وقد ادى ذلك الى تعزيز حوافز حيازة الدولار حيث ان ذكريات الانهيار النقدي في تسعينيات القرن الماضي وتبخر القيمة الشرائية للمدخرات الاسرية ما زالت حيًة لتخلق توجُساً يضغط على قيمة الدينار. وقد دل على رداءة الحملة التشهيرية اتهام سيدة كفؤة وفاضلة ومتمٍرسة بالادارة المكتبية في البنك كانت قبل مجيء الدكتور الشبيبي لمحافظيته مديرة لمكاتب عشرة محافظين سابقين له بأنها تدير شبكة مستفيدين من خلال موقعها كمديرة لمكتبه هو الآخر. بالتالي، فإن رداءة الحملة المدارة التي صارت تضر باحتياطي البنك المركزي وبإقتصاد البلاد ليست غريبة عما خبرناه من تردي اخلاقيات المشهٍرين وطموحاتهم المضرة وغير المشروعة.
وبشأن التأثيرات الناجمة عن تدهور سعري صرف الريال والليرة التركية كما السورية على الطلب على الاستيراد والسفر، نود الايضاح للنواب المحترمين بوجود انخفاض معلن ” لسعر الاشارة” الرسمي الذي يعتمده البنك المركزي الايراني للريال بنسبة 14 % تقريباً بين نهاية آب 2011 ونهاية آب 2012 مقارنة بنسبة 4% تقريباً لليرة التركية بنفس الفترة. وكان سعر صرف الليرة التركية قد انخفض بنسبة 16% فيما بين نهاية آب 2010 ونهاية آب 2012[7] مما يجعل انخفاضه الكلي ملحوظاً بنسبة 20% عبر العامين الاخيرين. ولعل ذلك التخفيض التركي كان بسياسة قصدية هدفها تحسين تنافسية صادرات السلع والخدمات التركية، والتي تبعها سعر صرف الاشارة الايراني عند تنافس سلع هذين البلدين على اسواقنا ذات الدخل الفردي المتزايد بنسبة سريعة. وفي 6 ايلول 2012، بلغ سعر صرف الريال الايراني بسعر الاشارة الرسمي 12,260 ريال للدولار الامريكي[8] ، الا أن تدهور السعر الرسمي لصرف الريال الايراني بنسبة 14% في آخر عام لم يكن ليعكس ما حدث فعلاً في السوق التجارية للعملة بعد فرض الحصار الاقتصادي. وقد اشارت وكالة رويتر في 21 تموز الماضي الى ان سعر السوق للريال، والذي يتعامل بموجبه معظم المواطنين، كان متدهوراً بنسبة 55% عن سعر الاشارة الرسمي إذ بلغ آنذاك حوالي 19,000 ريال. وقد اشار احد الصرافين من اصول ايرانية بأن سعر الصرف في السوق كان حوالي 22,000 ريال للدولار يوم 6 ايلول 2012 مما يشير الى استمرار تدهوره السريع. ونتيجة الظروف المالية الصعبة، قامت الحكومة هناك، حسب وكالة رويترز,[9] بالعودة الى النظام الذي تخلت عنه معظم بلدان العالم وهو نظام الاسعار المتعددة للصرف، فهناك الآن السعر الرسمي 12,260 ريال للدولار الذي يستخدم لاستيراد سلع الاستهلاك الاساسية، وهناك ايضاً سعر ثانٍ لاستيراد السلع الرأسمالية والوسيطة قدره 15,000 ريال للدولار . اما سعر السوق فهو متحرك إذ سبقت الاشارة الى تدهوره السريع من 19,000 ريال الى حوالي 22,000 في آخر شهرين. وهذا الاخير هو السعر الذي يستخدمه معظم الناس وتجار السلع الاستهلاكية غير الاساسية في ايران لتعاملاتهم. ولهذا السبب، فقد صارت سياحة العراقيين هناك مغرية للكثيرين هذا العام فالريال متدهور والحياة رخيصة للسواح، والدينار العراقي قد تصاعد بسرعة تجاه الريال رغم توجهات الانخفاض المحدودة فيه مقابل الدولار.
بالمقابل، فقد صارت سياحة الايرانيين في العراق باهضة الكلفة لهم مقارنة بالعامين الماضيين نتيجة انهيار الريال في السوق مما قلل من انفاقهم بالدولار ضمن الاقتصاد العراقي. ولا شك, فإن التدهور البالغ بسعر صرف الريال صار يشجع التجار الايرانيين لزيادة صادراتهم الينا ليحصلوا بذلك على عدد اكبر من الريالات عبر تحصيل اقيام صادراتهم من اقرانهم العراقيين بالدنانير و احتمالا بالدولارات مما يزيد الطلب على الدولار بمزاد البنك المركزي. إن الزيادة السريعة المشار اليها بمتوسط دخل الفرد ،كما يعرف السيدات والسادة النواب، ما هي الا نتيجة واضحة لتزايد عوائد النفط والانفاق الحكومي المتوسع. من ناحية اخرى، ادى التوسع السريع في الانفاق الى توسع سريع آخر بالاستيراد من الخدمات، ومنها خدمات الشحن والتأمين واعادة التأمين إضافة الى نفقات السياحة والسفر والنقل الى الخارج والاتصالات والبعثات العلمية والنفقات الدبلوماسية والايفادات والتطبيب في الخارج،الخ. وهذه النفقات تتم بالعملات الاجنبية الامر الذي زاد من طلبات شراء الدولار في السوق وبالتالي الطلب على الدولار بمزاد العملة للبنك المركزي.
إن محور حركة الاقتصاد العراقي حالياً هو قطاع النفط بصادراته والمداخيل المترتبة عليها والتي ترتبط بكميات الانتاج وبالقدرة على التصدير منها ناهيك عن اسعار البترول التي ترتبط بتطور الاسواق العالمية والتي لا يملك العراق الكثير من التأثير على اتجاهاتها عبر الزمن. إذن، هذه الامور في معظمها مرتبطة بقطاع النفط وسياساته علاوة على ارتباطها بوزارة المالية وسياساتها في توزيع عوائد النفط بعدذاك على القطاعات والمحافظات وعلى اقليم كردستان. وكانت عوائد النفط ترتفع في السنين الماضية، عدا 2009 لإنهيار اسعار النفط المصدر آنذاك انهيارا كبيراً فتدهورت صادرات البترول بنسبة 32% من 61.1 مليار دولار عام 2008 والى 41.67 مليار دولار في العام التالي.[10] وبحدوث ذلك الانهيار في ايرادات الصادرات النفطية، كان احتياطي العملة الاجنبية والذهب الذي ادخره البنك المركزي هو خط الدفاع الاول عن النشاط الاقتصادي الذي تمت حمايته من الآثار الضارة لذلك الانهيار على ضوء القاعدة التي يعرفها الحكماء بأن “القِرش الابيض حامٍِ لك في اليوم الاسود“.
من هنا، فإن سياسة البنك المركزي للحفاظ على رصيده من الإحتياطي سياسة تنطوي على تبصُر محمود بمخاطر التقلبات المفاجئة في اسواق النفط العالمية وهذا التبصر قابلته، للاسف الشديد، دعوات غير موثقة علمياً اطلقها البعض لاستخدام الاحتياطي، والتي وجدت لها إذناً صاغية عند الحكومة رغم وجود فوائض في الموازنات العامة للسنوات 2003 -2011 [11] مما يبين قطعاً عدم استناد تلك الدعوات الى اية معارف حقيقية بالارقام واتجاهاتها بقدر استنادها الى أهواء مروجيها.
وفي هذه الايام التي كانت اسعار النفط مرتفعة فيها نسبياً، رغم تقلباتها المحدودة، يبلغ احتياطي البنك المركزي حوالي 65 مليار دولار وهو انجاز معتبر وكبير لاقتصاد العراق، ولسياسته النقدية خصوصاً ،إذا ما قورن بحالة الافلاس التي كانت سائدة عند استلام الادارة المهنية الحالية مسؤولية صياغة وتنفيذ هذه السياسات.
ثالثا: سعر الصرف والضغوط التضخمية وانفاق الموازنات العامة: السيطرة على التضخم انجاز للسياسة النقدية العراقية في ظل التوسع السريع بالانفاق الحكومي
كما بينا سابقا، واصل سعر صرف الدينار ارتفاعه ليستقر بسعر 1170 دينارا للدولار بين 2009 – 2011، الامر الذي اسهم اسهاماً ملحوظاً بالسيطرة على اسعار المستوردات. ولما كان الاقتصاد العراقي خارج قطاع النفط قد اصيب بنكسات جدية بعد عقود الحروب والحظر الاقتصادي، فقد ادى الاستقرار بسعر الصرف ايضاً الى استقرار اسعار السلع الاستهلاكية المستوردة مما شجع على خفض التوجهات التضخمية في كلف المعيشة. ويبدو ذلك واضحاً من احصائيات الرقم القياسي لاسعار المستوردات التي تبين ان التضخم كان بمعدلات مرتفعة بين 2003 و2007. وفي العام الذي نعتقد ان الادارة الحالية للبنك المركزي كانت قد بدأت فيه بسياساتها لمكافحة التضخم، اي 2004، بلغ المتوسط السنوي لارتفاع الاسعار في العراق 27% وهو رقم عالٍ بكل المقاييس. وقد تمكن البنك المركزي من السيطرة على معدلات التضخم فيما بين 2008 و2010 وهي ايضاً فترة استقر فيها سعر صرف الدينار.وقد تراوحت هذه المعدلات بين 2.4% عام 2009 و2.9 % في 2010 وتلك معدلات منخفضة تعكس حسن الاداء وكفائته. وبهذا، فقد اوهنت السياسة النقدية للبنك المركزي وطأة التضخم الذي كان منفلتاً على الناس وعلى الكثير من الفقراء منهم بشكل خاص، إذ يعرف الكثيرون بأن إنفلات معدلات التضخم، كما كان الحال عليه سابقاً، يؤدي الى اعادة توزيع الدخل والثروات لصالح الفئات الاغنى من المجتمع في حين يسحق انفلات الاسعار التضخمي مداخيل الفقراء وذوي الدخل المحدود إضافة الى الطبقات الوسطى فيه.
لقدعاد معدل التضخم للتزايد عام 2011 الى 5.6 % سنويا الا انه بقي ضمن المعقول اقتصاديا.ً[12] و تعزى الكثير من الزيادة هنا الى الارتفاع السريع بالرقم القياسي الفرعي للسكن مما يعكس اثر تفاقم ازمة الاسكان كما تأثيرات الانفاق الحكومي السريع على المضاربات بالاراضي، والتي صارت تنعكس سلباً على مستويات معيشة الغالبية من المواطنين في حين تََربًح منها اصحاب العقارات والاراضي المدينية والقريبة من اطراف المدن الكبرى بشكل خاص علاوة على بعض من اصابتهم سهام العقود والمقاولات الحكومية.
وفي مقتبل العام الحالي، شاهدنا تحقق انخفاض محدود نسبياً بسعر الصرف للدينار بعد انهيار الريال الايراني. وقد أُثيرت نتيجة هذا الانخفاض المحدود زوابع إعلامية واتهامات ومخاوف وكأن ما حدث للدينار العراقي امر غير مسبوق لا ضمن الإقتصاد العراقي ولا ضمن معظم إقتصادات اخرى في العالم!!! وكما نعرف نحن كإختصاصيين وخبراء، فإن معظم عملات العالم – عدا عملات عدد قليل من البلدان الخليجية- متأرجحة يومياً بين صعود وهبوط حسب قوانين العرض والطلب والتي قد تؤثر فيها احياناً مضاربات البنوك والصرافين الكبار والمستثمرين بتجارة العملات. والعراق في هذا ليس وحيداً فريداً كما يتصورون او يصوٍرون الحال عمداً وقصداً لإضعاف قدرات مصرف العراقيين المركزي في السيطرة على سعر صرف عملتنا تجاه الدولار ناهيك عن العملات الاخرى. وقد اعطت مذكرتنا هذه، وفيما سبق، مثالين رقميين عن الهبوط السريع للريال الايراني وكذلك عن تخفيض سعر صرف الليرة التركية، فهل يمكن لعملة العراق الوطنية ان تبقى بمنأى عن التخفيض الذي كان محدودا في ظل هذين الاتجاهين لليرة والريال ناهيك عن الليرة السورية المنهارة؟ ولماذا، ولمصلحة من اقيمت الدنيا ولم تقعد بعد على البنك المركزي لأن انخفاضاً محدودا بسعر الصرف قد تحقق؟
السيدات والسادة النواب – ان مثل هذه الزوابع الاعلامية محدودة في البلدان الاخرى وان عنصر التعمد كان واضحا هنا لاضعاف الدور المستقل للبنك المركزي والذي تمثًل في حمايته لرصيد الاحتياطي من العملات والذهب من تدخلات غير مبررة لبعض المسؤولين التنفيذيين في الحكومة الذين لا يُعرف عنهم الضلوع المعمًق بعلم الاقتصاد. وبالفعل، فقد أُضعف البنك واقتصادنا الوطني بحملات التشهير غير المسؤولة هذه وما تبعها، الامر الذي عزًز من المضاربات على الدينار ودفع البنك لتعزيز الدينار ببيع كميات اكبر من السابق من الدولارات ضمن مزاد العملة. وقد تحققت نتيجة ذلك اضرار لإقتصادنا الوطني تمثلت بتباطؤ صعود الاحتياطي. ونتيجة التأثيرات السلبية لمثل هذه الزوابع المقصودة، صار البنك المركزي مضطراً لتلبية طلب يومي اكبر في مزاد العملة على الدولار من قبل القطاع الخاص واقليم كردستان. وقد امسى الطلب على الدولار متزايداً نتيجة التوقعات السلبية وعدم الاستقرار في سوق العملة الذي حفزته التصريحات المفتقرة للحرص على الوضع النقدي للاقتصاد العراقي.
رغم كل ما تقدم ذكره، فأن حصيلة ارقام التضخم السنوي المشار اليها تشير الى انجاز كبير للبنك المركزي في تحقيق معدلات تضخم منخفضة ستحد من التأثيرات السلبية على اقتصادنا وعلى معظم مواطنينا الذين اكتووا في السابق بنيران اعادة توزيع مداخيلهم نحو الفئات الغنية من المجتمع بسبب اثر المعدلات المرتفعة للتضخم آنذاك. وقد تحقق ذلك رغم ارتفاع معدلات نمو الانفاق الحكومي الذي تضاعف من 32.1 مليار دولار عام 2004 والى 64.4 مليار عام 2010. ونتوقع ان يتصاعد هذا الانفاق تصاعداً سريعاً هذا العام خصوصاً وان حجم الموازنة العامة للبلاد هو 100 مليار دولار تقريبا ً، كما ان هناك توقعات بنجاح دعوات كتلة الاحرار التابعة للتيار الصدري في البرلمان لتوزيع 25% من الفائض المالي لعوائد النفط الى المواطنين بغية تحسين مداخيلهم. وسيكون هذا الاخير اجراءً ذي اثر تضخمي على الاسعار لكنه سيكون افضل في آثاره التوزيعية لصالح مواطنينا من الفقراء بالمقارنة مع المقترح الذي افشله البرلمان لاعداد موازنة تكميلية كانت ستخلق 40 الف وظيفة بالجهاز الحكومي المتضخم اصلاً، منها 24 الفاً فقط لا غير للجيش والشرطة.
رابعاً: الخاتمة
السيدات والسادة اعضاء مجلس النواب المحترمين –
(1) إن مخاوفنا الاساسية كمختصين اغلبنا معروف في العراق والعالم ،وبعضنا مصرفيين عراقيين وإقتصاديين عراقيين أن الحملات التشهيرية المتكررة على البنك المركزي العراقي هدفها إخضاع إحدى المؤسسات القليلة التي إحتفظت بمهنية جيدة ضمن وطننا. ومحاولات الاخضاع هذه لم تستخدم النقاش العلمي والموضوعي بل حاولت لي ذراع الجهاز الاداري فيه باساليب غير مقبولة.
(2) إن الكثيرين منا قلقون بأن الهدف من هذه الحملات التي تكررت اكثر من مرة هو اخضاع البنك المركزي لمنطق واسلوب المحاصصات الذي ادى الى تدهور كفاءة الكثير من الوزارات والمؤسسات الحكومية.
(3) نود الاشارة الى قلقنا من ان التجاوز على قانون البنك المركزي الذي يمنعه من إقراض الحكومة ومؤسساتها لن يؤدي الا الى مزيد من التضخم ناهيك عن مفاقمة الفساد المستشري بالعديد من اجهزة الدولة والذي ساهم بخروج رؤوس الاموال عبر طرقنا وموانئنا الجوية وغيرها من الوسائل.
(4) أن الجهاز الاول المسؤول عن مكافحة الفساد هو هيئة النزاهة كما يوجد في الدولة العراقية جهاز للرقابة والتدقيق الماليين. كذلك، فإن غسيل الاموال يمكن ان يكون من خلال شراء الاراضي والعقارات داخل العراق الامر ينعكس بارتفاع اسعارها بشكل غير طبيعي.
(5) البنك المركزي بالمقابل هو جهاز البلاد لادارة السياسة النقدية التي هدفها الاول هو تحقيق إستقرار الاسعار وقد حقق البنك المركزي، حسب الارقام الرسمية المنشورة، هذا الهدف المحدد بقانونه وبكفاءة عالية.
(6) نعتقد كمراقبين ، كما يعتقد الكثير من المتابعين، أن التدهور الواضح الذي وصل الى استخدام لغة التشهير بمن عُرِف بدماثة خُلقه وكفاءته المهنية التي أشاد بها الكثير من إقتصاديينا المرموقين، ونعني هنا شخص محافظ البنك المركزي المحترم دولياً ومهنياً، يدل على وجود حوافز معروفة لدى من يستخدمون هذه الاساليب التي خبرناها واملنا انتهاءها في عراق اليوم.
(7) واخيرا،ً نود توضيح قلقنا المشروع هنا، علاوة على مخاوفنا ومخاوف الكثيرين غيرنا من الخبراء المشهود لهم، من الانعكاسات السلبية على سمعة العراق الدولية التي تضررت من إتباع هذه الاساليب المفتقرة الى اللياقة وللشرعية القانونية عند استخدام وسائل الاعلام بالشكل الذي إستخدمت به، الامر الذي سينعكس بشكل سلبي على قدرات إقتصادنا في إستقطاب رأس المال المهاجر والكفاءات العراقية التي هٌجٍرت عبر تدهور الاوضاع الاقتصادية والسياسية.
إن أستهداف سمعة البنك المركزي لا يخدم اقتصادنا العراقي ولن يعزز الا هيمنة غير مقبولة لاخلاقيات واساليب لم تعد مقبولة.
الهوامش:
[1] الدولرة في اقتصاد معين تعني هيمنة استخدام الدولار الامريكي في التعاملات المالية ضمن اقتصاد دولة غير الولايات المتحدة. وتحدث ظاهرة الدولرة هذه عادة عند فقدان ثقة المتعاملين بالعملة الوطنية لذلك البلد وقد تستمر لسنوات طويلة حتى بعد عودة الثقة بالعملة الوطنية، الامر الذي يعكس خشية الحائزين على النقد والمدخرات من هبوط مفاجيء لسعر صرف العملة الوطنية مقابل الدولار. .
[4] راجع الهامش الاول اعلاه
[5] لا نعلم كم هو عدد الدول التي ابقت نظام السيطرة الادارية على ميزان المدفوعات مقارنة بعدد الدول التي تستخدم الاساليب الاقتصادية ولكنه قليل جدا نعرف منها كوبا وكوريا الشمالية واحتمالا الجمهورية العربية السورية.
[6]الارقام مستقاة من موقع البنك المركزي العراقي – النشرة السنوية الجدول 37
http://www.cbi.iq/documents/Annual_2011f.pdf
[7] محتسبة من ارقام موقعي البنكين المركزيين الايراني والتركي
http://www.cbi.ir/exrates/rates_en.aspx
http://www.tcmb.gov.tr/yeni/eng/
[11] للبرلمانيين الذين يبغون التأكد من الارقام عن وجود فوائض فعلية بموازنات الدولة للسنوات 2003-2010 وتوقعاته لعام 2011، نقترح الرجوع الى دراسة الدكتور علي مرزا في موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين بعنوان “إستقلالية البنك المركزي والاحتياطيات الدولية والميزانية العامة في العراق” وخصوصاً الجدول (1) المستند الى الارقام الرسمية للبنك المركزي
[12]استقيت الارقام من احصائيات البنك المركزي العراقي ، المجموعات الاحصائية السنوية للسنوات 2007, 2008و 2009 و2010 و2011 الجداول 29 و31 و35 و38 و41 وعلى التوالي.
اولا – اجتماع هذه النخبة الخيرة من الاقتصادين العراقيين على راى واحد تجاه الحالة العراقية يدل على وضوح الرويا والاستيعاب الكامل لمجمل ما يعانيه الشعب العراقى من مشاكل اقتصادية واجتماعية وسياسية وامنية فى هذه المرحلة التاريخية الدقيقة مرحلة اعادة بناء الاقتصاد العراقى باستخدام موارده البشرية والمادية والمالية
ثانيا- ارى ضرورة اعداد ملخص للمذكرة (رغم علمى بان التلخيص اصعب من الاطناب) كما قال كليمنصو لكن الخلاصة ضرورية لكل رئيس
ثالثا- ضرورة اجراء مقابلات مع من يعنيهم الامر لشرح وتوضيح الهدف من اعداد المذكرة ليس للتثقيف ولكن للتطبيق
رابعا- ارى الابتعاد ما امكن عن وسائل الاعلام لكى لا يفسر الهدف من كتابة المذكرة نفسيرا سياسيا يقلل من اهميتها كوثيقة علمية هدفها القاء الضوء على المشاكل الحقيقية لاقتصادنا العراقى مع فائق التقدير