السياسة النقديةملف البنك المركزي العراقي

د. ميثم لعيبي: بنك مركزي بدائي !

من الجيد التذكير اليوم ببعض القضايا الجوهرية حول البنوك المركزية ووظائفها وتطور ادوارها، فالاخيرة ليست ثابته في سياق تطورها التاريخي. ودعني استهل بالمعلومة التي تقول ان البنوك المركزية نشأت متأخرة عن البنوك التجارية، اذ كانت الاخيرة في اوروبا هي المسؤولة عن اصدار النقود، ولم تكن هناك ضرورة لوجود هيئة مشرفة وذلك نظرا لضيق النشاط المالي انذاك، لكن افراط هذه البنوك في اصدار النقود ادى الى حدوث ازمات انعكست سلبا على الاقتصاد، الامر الذي ادى الى تأكيد ضرورة وجود هيئة خارجية تتولى الاشراف على عمل تلك البنوك، خاصة في مجال الحد من التوسع في عرض النقود والاصدار النقدي الجديد.
هذا ما يمكن ان اعتباره اكثر الادوار (أصاله وبدائية) للبنوك المركزية..
لكن هذا الدور ما لبث ان تغير، خاصة بعد الحرب العالمية الثانية، نظرا لضخامة رؤوس الاموال اللازمة لها، وتطور من مراقبة الاصدار النقدي الى دور تنموي دعمته توجهات المؤسسات المالية كالصندوق والبنك الدوليين، فضلا عن ادبيات كينز الاقتصادية ، ونتيجة لذلك توسع دور البنك المركزي في تمويل عجز موازنات الحكومات.
لكن مع زيادة هذا التوسع، اثبتت التجارب فشل هذا الاتجاه، اذ ان التوسع في تمويل عجز الموازنة العامة قاد الى ارتفاع وتائر التضخم، ما اضر بالنمو الاقتصادي ذاته، اذ تمت الاساءة الى استخدام الموارد واضعاف الانتاجية، والنتيجة هي فشل جهود النمو وتوسع البطالة والتضخم معا.
وهذا الامر أملى في النهاية رجوع دور البنك المركزي الى هدف رئيس هو استهداف معدلات التضخم، وذلك في ضوء تحرير الاسواق، اضافة الى دوره التنظيمي للبنوك التجارية من اجل تعزيز هدف المحافظة على الاستقرار النقدي.
النتيجة إن وظائف البنك المركزي مرت بتحولات كبيرة، لكنها استقرت على وظيفة تحقيق الاستقرار النقدي، وهو ينقسم الى جزئين، اما داخلي يتعلق بالمحافظة على مستوى الاسعار، او خارجي يرتبط باستقرار اسعار الصرف.. وكلاهما يؤثر ويتأثر بالاخر.
لا نقول ان البنك المركزي العراقي بمنأى عن هذه التبدلات في أدواره، فقد جربها ايضا، لكن لكل منها ظروفه التي استدعت ممارستها، فقد جرب مرحلة اللااستقلال والتبعية للحكومة، سنوات الحروب والحصار خاصة، ما كان يبرر بضعف امكاناته في جانب توفير الاحتياطيات الاجنبية من الذهب والدولار، ما استوجب ان يمارس دوره من خلال الاصدار النقدي الجديد لتمويل عجز الحكومة، وهو امر قاد الى انقاذ الحكومة من محنتها ، لكنه ادى ايضا الى اسوأ موجات تضخم شهدها تاريخ العراق النقدي..
مارس البنك المركزي دورا اخر بعد 2003 ، اذ انه حين تمكن من مراكمة احتياطات اجنبية كبيرة، استطاع استعادة دوره في المحافظة على استقرار الاسعار الداخلية والخارجية، وتمكن ايضا من (مقارعة) دوره في تدخل الحكومة به؛ او العكس، وبذلك استطاع ان يحافظ على دوره (البدائي) الذي يتسم بالكثير من الاستقلال والسيطرة.
بنكنا كبنوك العالم، مر بالاستقلال وفقده، وعاد ليستعيده، لكننا لا نتمنى ان يفقده ثانية.. نتمنى له أن يبقى (بدائيا).

المدى – العدد(2801)  الاحد 2013/05/19

http://www.almadapaper.net/ar/news/444929/span%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF%D9%8Aspanbr%D8%A8%D9%86%D9%83-%D9%85%D8%B1%D9%83%D8%B2%D9%8A-%D8%A8%D8%AF%D8%A7%D8%A6%D9%8A–br%D9%85

الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية

تعليقات (1)

  1. Avatar
    خالد اسماعيل ناصر الولي:

    تحية طيبة
    مقال الاستاذ الدكتور ميثم لعيبي مهم يتطلب الاغناء و المداخلة لذا اقترح دراسة تجربة البنك المركزي البرازيلي و دوره في تطوير الاقتصاد البرازيلي الكبير المتعاظم لذا اقترح على السادة العلماء و الباحثين و الاساتذة و المختصين بهذا الشان
    مناقشة مايلي
    1- امكانية الغاء مزاد بيع الدولار بالبنك المركزي
    2- تخفيض قيمة الدينار العراقي امام الدولار لغرض تعظيم موارد الموازنة التشغيلية الرواتب و الاجور 70 % من الموازنة العامة التي تعتمد بيع النفط بالدولار و تسديد الرواتب بالدينار العراقي
    3- حصر شراء السلع المهمة الستراتيجية بمبدا المقايضة و بالاخص السكر الزيوت الرز مستلزمات الامن و الدفاع و المواد التشغيلية للنفط و الكهرباء و الادوية و غيرها و بهذا نوفر مبالغ كبيرة كبيرة كبيرة جدا من هاامش فروقات بيع هذه السلع بالطريقة التقليدية المتبعة
    مع فائق التقدير و الاحترام
    خالد اسماعيل ناصر الولي

التعليق هنا

%d مدونون معجبون بهذه: