الاقتصاد العراقي الكلي

د. كامل العضاض: تحدّيات وعوائق التنمية/النمو- العراق، كحالة شاخصة

مقدمة:  

   ما هي التنمية؟ ولماذا هي مطلوبة بشدة؟ ما هي مستلزماتها؟ ما هي التحّديات والعوائق التي تجابهها؟ عن أية تنمية، نحن نتحدث؟ هل هناك عوامل يمكن وصفها بعوامل نمو وأخرى بعوامل إحباط؟ متى تتظافر العوامل بنجاح لتحقيق تنمية بالمعنى الواسع في مجتمع ما؟ ومتى تفشل؟ ماهو النمو وكيف قياسه؟ هذه أسئلة ملائمة، وغيرها كثير. وبالتأكيد لا يمكن الإجابة على كل هذه الأسئلة، بصورة شافية، في مقال محدد بإثنتي عشر صفحة، كحد أقصى. كما لا يمكن تغطية الأدب الإقتصادي الواسع جدا في هذا الموضوع، وخصوصا النماذج والدراسات الكمية الهائلة التي تبحث في نظرية النمو ونماذجها، عموما، وخصوصا الإقتصادية منها، لذلك ستكون لنا تأملات قصيرة في المعاني والمفاهيم النظرية، مقابل إشارات سريعة الى إشكالات التنمية/النمو في مواقع وخصوصيات مكانية محددة. وعليه، فالمقال ليس عرضا مدرسيا أو بحثا قياسيا كميا لحلّ معضلات التنمية في إقتصاد ما. نعم، المقال يهتم بإشكالات التنمية في العراق عموما، ولكنه يقدم عرضا نقديا وتعريفيا لمعنى النمو ومعوقاته والتحديات التي تجابهه في العراق، أساسا، وذلك على الرغم من توفر فوائض نفطية كافية لإحداث نمو مناسب لتوليد تنمية سريعة، إلا إننا سنرى بأن هذا الشرط، شرط توفر الموارد المالية، هوضروري، ولكنه غير كافٍ.

  أولا؛ في مفهوم التنمية/النمو: التنمية هي إسم لفعل نما، ينمو، نموا، أي إزداد وتوسّع حجما. ويشمل النمو، بهذا المعنى، الناحيتين الكمية والنوعية في الشيء النامي، مستبعدين النمو السلبي أو المضرّ أو المفضي الى التلف او الموت، كالأورام الخبيثة وغيرها. فالنمو هو ظاهرة بايولوجية بالأساس، ولكنه ايضا ظاهرة كمية ونوعية تطرأ على الأشياء التي يخلقها الأنسان. وفي الأدب الإقتصادي، يشغل مفهوم النمو موقعا مركزيا، على الصعيدين النظري والتطبيقي. ويبدو، لإول وهلة، أن معنى النمو في النظرية الإقتصادية، وفي تطبيقاتها، يتمثل في زيادة إنتاج البضائع والخدمات بشتى أنواعها وإستخداماتها، الوسيطة والنهائية والتراكمية. والزيادة هنا هي الزيادة الكمية والنوعية، او الزيادة في الطاقة الإنتاجية، بحضور عوامل الإنتاج الأخرى. وعلى وفق النظرية الإقتصادية، تشكل نظرية النمو محورا جوهريا لفهم معنى التطور في أي كيان إقتصادي قائم بذاته، او يتمتع بخصوصية شبه مستقلة. وقد تصدى لإغناء هذه النظرية، (نظرية النمو)، عدد من الإقتصاديين الروّاد، إعتبارا من آدم سميث، باني أسس النظرية الإقتصادية، الى إقتصاديين لامعين من القرن العشرين وما قبله، منذ آدم سميث، في مقدمتهم يأتي، روبرت مورتن سولو، (- 1924)، R. M. Solow، (1)، الحائز على جائزة نوبل، ثم من سبقه في هذا الموضوع، مثل، روي هارود, Roy Harrod,، وإيفزي دومار، Evsey Domar، والأخيران، هما اللذان قدما نموذج هارود- دومارالشهير، (2)، وتبعهما إقتصاديون كبار، من أمثال، جون هكس، Sir John Hicks،(3)، ورومير، Romer، (4)، ولوكاس، Lucas، (5)، وآرثر لويس، Arthur Lewis ، (6)،  وغيرهم كثيرون، لا يتسع المجال لتفصيل مساهماتهم في تطوير نظرية النمو الإقتصادي، كأساس في تحقيق ليس فقط التطور، إنما  في تحقيق التوازن العام، General Equilibrium، حيث يتحقق النمو في مستوى التوازن، بتحقيق التعادل أو التماهي مابين الإدخار- الإستثمار والإستخدام الكامل لقوة العمل، وإن التغيّر في معدل النمو  يتأثر بنسبة رأس المال الى الإنتاج، وحيث تكون نسبة الإدخار المتحققة تساوي نسبة الإستثمار المتحققة، وحيث تتحقق المساواة أو التعادل بين العرض والطلب. ولكن معدل النمو لا يأخذ دالته من الإدخار/الإستثمار، ومعدل النمو في قوة العمل فقط، إنما ايضا تلعب التكنلوجية دورا حاسما ومتزايدا في تحقيقه. ويرى البروفيسور سولو إن مساهمة التكنلوجية في تحقيق معدلات النمو تفوق بكثير مساهمات العمل ورأس المال؛ فالإنتاجية تتصاعد مع تصاعد تكنلوجية الإنتاج. وإذ تثبت الدراسات الكمية القياسية، بإستخدام نماذج الإنحدار الإحصائية، بأن التكنلوجية لها أثر أهم في زيادة الإنتاجية، وبالتالي في زيادة معدلات نمو الإنتاج خلال سلسلة زمنية، تحت شروط التنافس الكامل والإستقرار وحرية حركة عوامل الإنتاج. في ظروف تجريدية كهذه، يزعم دعاة نموذج النمو بأن حالة التوازن تتحقق بتماهي معدل الإدخار المتحقق مع معدل الإستثمار المتحقق؛

                            Ex post saving = Ex post investment

      ولكن، كما هو معروف، فإن نسبة النمو في القوة العاملة، ونسبة الإدخار المتحققة مع نسبة الإستثمار المتحققة، في حالة التوازن، هي، في الواقع، حالة تجريدية، لإن الإفتراضات النظرية تنطوي على تبسيط كبير للواقع الحي، حيث يصبح التوازن المتوقع هو مجرد ميل وليس نتيجة حتمية، فهو كالصبح قد ينبلج ولكنه سرعان ما يختفي! وعلى ذلك، وكما اشار بوضوح برفيسور سولو في محاضرته التي ألقاها إبان الإحتفال بنيله جائزة نوبل في عام 1987، (7)، بان حالة التوازن تستلزم شروط يصعب تحققها، فتحقق الإدخار، يتاثر بعامل الفائدة، وفيما إذا كانت جامدة أم متحركة؟ وهل الأسعار مرنة بالنسبة للسلع ولعوامل الإنتاج، وفي مقدمتها مرونة قوة العمل والقدرة على توظيفها بكفاءة؟ ولكن الدراسات القياسية عبر سلاسل زمنية طويلة تميل نحو أو تقترب من حالة التوازن، حين تكون جميع العوامل، بما فيها قوة العمل والتكنولوجية ورأس المال، موظفة للتفاعل بحرية أو بتوجيه محسوب، بإفتراض تحقق مرونات في حركة الأسعار، بما فيها أسعار الفائدة. كل هذه العوامل تجعل التنظير لحالة التوازن يشكل إستبصارا مرغوبا فيه لفهم ظاهرة النمو الإقتصادي وما ستفرزه من تطور وتنمية  في الإقتصاد، سواء كان ذلك الإقتصاد يعاني من شحة في قوة العمل، او لديه فائض منها. ومن هنا نخلص الى إن نظرية النمو، تقوم على تلاقح عوامل الإنتاج؛ راس المال وقوة العمل مع التكنلوجية، بإفتراض توفر الأطر المؤسسية، من سوق حرة لحركة عوامل الإنتاج، الى توفر بيئة سياسية مستقرة وآمنة. ولكن هذه الورقة غير مخصصة لعرض تفاصيل نظرية النمو الإقتصادي، إلا إن التلميح بها يساعدنا على الإجابة على التساؤلات التي طرحناها في المقدمة عن مضامين التنمية وشروطها، والتحديات والعوائق التي تقوم امامها، مما يُثير التساؤل عن ماهية السياسات المطلوبة لتحقيقها. وسيكون الإقتصاد العراقي هو الحالة الشاخصة التي نعالجها لهذا الغرض في هذا المقال. هذا ولابد من الإشارة الى العلاقة ما بين مفهوم التنمية، بغض النظر عن شرط إستدامتها،  فهي محصلة للنمو، كما أسلفنا. أما مفهوم التطور؛ فالأخير هو محصلة التنمية، اي يتمثل في الزيادة في الإنتاج والطاقات الإنتاجية، وبما يفضي الى الزيادة في الدخل، على المستويين الكلي والجزئي والفردي، و ينطوي، في ضؤ غايته الأساسية، على تحسين في مستوى الرفاهية، ولكنه، أي التطور، مشروط بشروط أخرى، منها توفر الحرية والعدالة والمساواة، وتكافؤ الفرص والحقوق والأمن والإستقرار.

ثانيا؛ مضامين التنمية وشروطها والتحديات والعوائق التي تقوم أمامها:

      وبما إن التنمية، بغض النظر عن شروطها، هي حصيلة النمو، وعليه، فأن الإحاطة بالعوامل التي تجعل معدل النمو ليس فقط مرتفعا، بل أمثلا، بالمقارنة مع الندرة النسبية للموارد المتاحة، من جهة، وبالإستناد الى خيارات الفرص المتاحة، من جهة أخرى، هي مسألة جوهرية بالنسبة لمتخذي القرارات، من سياسيين ومدراء مشاريع إنتاجية، وذلك من أجل تحقيق الهدف الإستراتيجي الأعلى؛ وهو تعظيم التطور الهادف الى رفع مستويات الرخاء والرفاهية للسكان، في حاضرهم ومستقبلهم، وهم الذين يملكون الموارد المتاحة ويمارسون إنتاجها. ومن هذا المنطلق تُعتبر التنمية أمرا مرغوبا فيه بشدة، ولا خلاف على ذلك. إلا إن هذه الرغبة تصبح مصيرية، حينما تتوفر موارد ناضبة توفر، بذات الوقت، فوائضا كافية، من خلال التصدير، كحالة تصدير النفط الخام في العراق، لتمويل التنمية ولرفع معدلات النمو بما يكفي لبناء صناعات غير نفطية، ذات جدوى إقتصادية وإجتماعية، تساعد على إدامة التطور والنمو بعد نضوب النفط الخام. ومن هنا لا بد من توفر ليس فقط إستراتيجية تنموية بعيدة الأمد، بل رؤية حصيفة حول مستقبل الإقتصاد العراقي، وقبل فوات الأوان. وعلى ذلك، نحن نتحدث هنا عن التنمية في العراق، وليس عن تنمية تجريدية. وتقع على المخططين وراسمي الإستراتيجية العليا، لتحقيق التنمية المستدامة هنا، أي التي ستواصل إدامة تحققها بعد نضوب النفط الخام في العراق او إستنفاده، مسؤولية بناء الصناعات التي تعتمد على طاقة النفط والغاز، والإحاطة بشروط تحقيق معدلات النمو المثلى أو الممكنة، في ضوء فهم اساسها النظري، ولكن ضمن خصوصية الإقتصاد العراقي الماثل أمامهم. فالحالة النظرية، هي خارطة طريق لفهم عوامل النمو، ولكن السياسات التنموية يجب أن تستند الى خطط توجيهية واقعية، تُنفّذ ضمن أطر مؤسسية ملائمة، وعلى وفق نظام يقوم على المراقبة والمسائلة والمراجعة وتصحيح المسالك والسياسات. فعوامل إحباط النمو، وبالتالي إفشال التنمية، عديدة، وذلك عندما لا تتوفر الرؤية الإستراتيجية من جهة، ولا الخطط ولا السياسات الملائمة، ولا البيئة النزيهة؛ (اي، عندما يتفشى الفساد والسرقة وهدر الموارد)، من جهة أخرى. تشكل هذه العوامل المحبطة للنمو بيئة عابثة ومدمرة لمستقبل التنمية في العراق. وهذه النتيجة السوداء مضمونة حينما يغيب السياسيون النزيهون والإختصاصيون والعلماء الإقتصاديون والمخططون والمختصون في علوم الحياة الأخرى، ويحل محلهم الجهلة وغير المختصين والسياسيين الطارئين، ممن لا يملكون الخبرة ولا المعرفة ولا النزاهة ولا حتى، ربما، الوطنية. وهنا نحن نتحدث عن الإطار المؤسسي السياسي وعن البيئة االمعرفية والإجتماعية الموائمة لإحداث التنمية بمعدلات نمو مثلى، او في الاقل ممكنة! وللموضوعية، بدلا عن السرد التعميمي، دعنا الان نوجز حالة التنمية في الإقتصاد العراقي خلال العقد الأول من حلول نظام المحاصصة، بعد إسقاط النظام الديكتاتوري السابق في 9 نيسان من عام 2003.

ثالثا، حالة معدلات النمو في الإقتصاد العراقي، منذ عام 2003 حتى الآن:

      ليس الغرض هنا هو أن نستعرض، تفصيلا، تأريخ النمو الإقتصادي في العراق وعلاقته وتأثيره في تطور هيكل الإقتصاد، بل لنوضّح، ولربما لنصيغ فهما جديدا لمضامين النمو في البلدان الأحادية الهيكل، كحالة العراق، اي التي تعتمد في نموها، وبالتالي في عيشها وكسب قوت شعبها على مورد أساسي يأتي من قطاع يُصّدر ما ينتجه من منتوج آيل الى النضوب حتما، كالنفط الخام الى الخارج، فيكسب عائدات ليستورد بها غذاءه، دون محاولة جادة لتنمية صناعات ونشاطات أخرى لا تعتمد على موارد ناضبة. فقد ينمو الإقتصاد، في هذه الحالة بمعدلات عالية، ربما بمرتبتين رقميتين أو دونهما قليلا، ولكنه غير قادر على ضمان إستدامة هذا النمو. فالنمو في هذه الحالة المتماهية مع حالة النمو في الإقتصاد العراقي، اليوم، لا يفضي الى تنمية مستدامة، بشرطها التطويري، طالما إن الفوائض في الإيرادات النفطية تذهب في معظمها لسد الإحتياجات الإستهلاكية، وليس للإستثمار في النشاطات المستدامة، كالزراعة والصناعة التحويلية والتشييد والبناء وغيرها. وعليه، ينبغي عدم الوقوع بالتوّهم حين ننظر الى معدلات نمو عالية في العراق، لنستنتج إن ثمة تنمية عالية تحصل في هذا في البلد، دون النظر الى معدلات النمو الفرعية في القطاعات والنشاطات غير النفطية، كالزراعة والصناعة التحويلية، فهذه نشاطات مستديمة النمو بينما صناعة إستخراج النفط هي مرحلية، اي ستنضب، إن عاجلا أم آجلا. ومن هنا ينبغي أن ننظر الى معدل النمو الكلي بتمعن، ونقسمه الى قسمين؛ معدل نمو إنتاج النفط الخام، (وقد نضيف له معدل نمو الغاز أيضا)، من جهة، ومعدل نمو النشاطات أو القطاعات الإنتاجية غير النفطية، من جهة أخرى، وتأتي الزراعة والصناعة التحويلية في مقدمتها.  وحينما نجد أن معدل نمو الإنتاج لإستخراج وتصدير النفط الخام يتسارع، بينما معدلات النمو في القطاعات غير النفطية، أما متواضعة، أو حتى أقل من معدل نمو السكان، فهذا يثبت أننا أمام تنمية إستهلاكية، ستتلاشى بتلاشي العوائد النفطية. وعلى ذلك، فإن مفهوم التنمية وتركيب معدلات النمو في العراق يجب أن يخضع الى مفهوم التنمية المستدامة، أي يجب أن توظف العوائد من تصدير النفط في المرحلة الأولى للإستثمار لبناء الصناعات والنشاطات غير النفطية، بكفاءة، حيث ينبغي أن تكون معدلات النمو في هذه الأخيرة متفوقة تدريجيا على النمو في معدلات نمو تصدير النفط الخام، وربما الغاز معه أيضا، وذلك لسببين، الأول، لتخصصيص نسب متزايدة من عائدات تصدير النفط للإستثمار في النشاطات غير النفطية، السلعية أساسا، والثاني، هو العمل التدريجي لتقليل تصدير النفط الخام، بسبب وجوب التوّجه لتصنيعه لا تصديره، كما فعلت دول كبرى، مثل الصين. فمعدل النمو الكلي في العراق يتألف من قسمين؛ القسم الأول وهو الأعلى، فيشكل نسبة تزيد على 75% من نمو غير مستدام، ألا وهو معدل نمو إنتاج وتصدير النفط الخام أساسا، والثاني هو معدل النمو المستدام جزئيا للنشاطات الإنتاجية السلعية غير النفطية وليست الخدمية والذي يشكل أقل من 25% من معدل النمو الكلي، مما يقود الى الإستنتاج بأن الحصيلة بثقلها الغالب هي للنمو غير المستدام! ( أنظر الهامش في نهاية المقال، للإطلاع على لمحة خاطفة عن كيفية حساب معدل النمو)**

     ولو تفحصنا الآن سير معدلات النمو للناتج المحلي الإجمالي، لمدد زمنية محددة، لما قبل وبعد عام 2013، سنلاحظ على وفق بعض المؤشرات الإقتصادية المختارة من مصادر رسمية أو بحثية ما يلي:

  1. في البيانات الرسمية العراقية، أُحتسب معدل النمو في الناتج المحلي الإجمالي بطريقة المعدل الحسابي البسيط غير الموزون، مما يجعله غير دقيق ومضلل لإغراض التنبؤ والإسقاطات. ونشير، بدون تفصيل، الى أهم معادلات النمو الحسابية والهندسية، وذلك من أجل إحتساب الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية لسلسلة زمنية تمتد لأحد عشر عام، إستقيناها من موقع شبكة الإقتصاديين العراقيين، (8)، وهي أساسا مستوفاة من مصادر حكومية لعام 2013، محسوبة بالنسبة البسيطة بأساس عام 2003. ونوجز أدناه ثلاث صياغات:

أ‌.       المعدل الحسابي البسيط، ويساوي:    (Pt/Po)- 1= Ar، حيث Pt يمثل الناتج المحلي الإجمالي في السنة الأخيرة من السلسلة، و Po يمثل الناتج المحلي الإجمالي في سنة بداية السلسلة الزمنية، بالأسعار الجارية، و Ar يرمز للمعدل الحسابي البسيط.

ب‌.   المعدل الهندسي غير اللوغارتمي:    Gr = Pt = Po(1+ r)ᵗ، حيث r يمثل معدل النمو، و Gr يرمز للمعدل الهندسي، و  tترمز للزمن.

ت‌.   المعدل الهندسي اللوغارتمي:     log(Pt) = log(Po) + tlog(1 + r)، حيث log ترمز للقيمة اللوغارتمية.

  قمنا بإحتساب المعدل الهندسي على أساس سلسلة زمنية للناتج المحلي الإجمالي، بالأسعار الجارية، (بمليارات الدولارات)، أدناه:

السنوات

2003

2004

2005

2006

2007

2008

2009

2010

2011

2012

2013

القيم بالمليار

18.0

25.5

34.0

42.2

62.3

130.2

111.3

134.8

180.6

212.5

233.3

 

المصدر: موقع شبكة الإقتصاديين العراقيين، ” مؤشرات الإقتصاد العراقي”، مع بعض التعديل.   

تم إحتساب معدلات النمو للناتج المحلي الإجمالي اعلاه بالصياغات الثلاثة أعلاه، فوجدنا بأن معدل النمو الحسابي البسيط السنوي وليس التراكمي، بموجب الصيغة الأولى يساوي، 9.8% بينما نجد إن خطة التنمية

الوطنية للسنوات، 2017- 2013، (6)، قد إحتسبته بمقدار 13.3% سنويا بالأسعار الثابتة لعام 2012، بما يجعله مضللا، لإنه إعتمد نسبة التغير لسنتين، بينما يجب أن يحسب معدل النمو، لإغراض التخطيط لخمس سنوات على أساس سلسلة زمنية لا تقل عن عشر سنوات، وذلك من أجل التعبير عن ديناميكيات النمو النمطية خلال مدة زمنية كافية، وليس إعتمادا على سنة سابقة، لأن مستوى الأسعار في سنة 2012 المعتمدة في الخطة كسنة أساس، ليست، بالتأكيد، سنة نمطية للنمو المستقر، حسب الطاقات والكفاءآت والإجراءات التنظيمية وحالة الإستقرار، وهذه عوامل تؤثر تأثيرا بالغا على مستوى الأداء الإقتصادي. كما لا يمكن الإفتراض بإن اسعار سنة 2012  الثابته تمثل أسعارا ثابتة لنصف عقد من الزمن. أما معدل النمو الهندسي الذي إحتسبناه، بموجب الصيغة الثانية، فقد بلغ حوالي 9.4%، كما بلغ هذا المعدل على وفق الصيغة الثالثة، أي اللوغارتمية،  9.74%، أي حوالي 9.7%. ومن هنا نلاحظ إن معدلات النمو الهندسية واللوغارتمية تعطي معدلات نمو أقل من معدلات النمو الحسابي البسيط، إذ يقل متوسط المعدلين الهندسي واللوغارتمي السالفين، والبالغ مقداره حوالي 9.6%، بمقدار 0.2% عن معدل النمو الحسابي المحسوب سالفا أيضا. إن الخطر في إستخدام معدلات نمو حسابية بسيطة وبسنة أساس قريبة جدا، حتى ولو كانت بنسبة زيادة على المعدل الهندسي تقل عن 1%، لا يجعلها فقط مضللة، إنما ايضا غير مناسبة لإجراء تقديرات لمقدار الإستثمارات المخططة للمستقبل، إذ ستكون بذلك تقديرات غير واقعية. ولنعطي مثالا على ذلك، حيث سنحسب الإستثمارات المطلوبة للسنوات القادمة، إعتمادا، مرة على أساس المعدل الحسابي البسيط لنمو الناتج المحلي الإجمالي، ومرة على أساس معدلي النمو الهندسي واللوغارتمي، كما إحتسبناهما. إذا أخذنا الناتج المحلي لآخر سنة، 2013 في سلسلة زمنية لإحد عشر عاما، ويساوي 233.3 مليار دولار، فبكم سيزداد، بمعدل نمو هندسي مقداره 9.6%، بعد خمس سنوات؟ وبالتالي ما هو مقدار الإستثمارات المطلوبة لتحقيق تلك الزيادة بالناتج المحلي الإجمالي؟

      بإستخدام الصيغة الهندسية؛ Pt = Po(1 + r)ⁿ، مستخدمين متوسط معدل نمو المعدلين الهندسيين السابقين الذين إحتسبناهما أعلاه، ومقداره 9.6%، و ⁿ هنا تساوي في الواقع،  n-1، أي 10 سنوات وليس 11 سنة للسلسلة أعلاه. وبحلّ هذه المعادلة سنجد أن الناتج المحلي الإجمالي سيصبح في عام 2017 حوالي 404.4 مليار دولار، اي بزيادة كلية عن قيمة الناتج المحلي في سنة 2013 مقدارها 171.1 مليار دولار، اي بنسبة زيادة كلية مقدارها حوالي 73 % عن سنة 2013. وفي هذه الحالة سيتطلب تخصيص إستثمارات تقارب 684.4 مليار دولار. أما على وفق المعدل الحسابي البسيط  المعتمد في خطة التنمية الوطنية، (9)، ومقداره 13.3 % سنويا، فإن الناتج المحلي الإجمالي سيصبح في عام 2017 مساويا حوالي 436.0 مليار دولار، أي بزيادة مطلقة عن الناتج المحلي في سنة 2013، مقدارها 202.7 مليار دولار، اي بنسبة زيادة كلية مقدارها 87% عن قيمة الناتج المحلي في عام 2013، مما يتطلب إستثمارات  تقارب 810.8 مليار دولار، خلال سنوات الخطة لتحقيق هذه الزيادة خلال الأفق الزمني للخطة، بإستخدام معامل رأس مال الى الإنتاج مقداره 4/1. علما إن الطاقات الإستيعابية والقدرات التنفيذية غير مواتية، وإن الإستثمارات المرصودة في خطة التنمية الوطنية للسنوات 2013-2017، تبلغ 357 مليار دولار فقط ! بضمنها 74 مليار، توقعت الخطة أن يساهم بها القطاع الخاص خلال سنوات الخطة الخمسية وهذا، بلا شك، توقع مفرط في تفاؤله! لاسيما وإن الخطة إستهدفت رفع مستوى الناتج المحلي في سنة الهدف 2017 الى ما يقرب من من  87% من مستواه في عام 2013!

ومن هنا نلاحظ، بمقارنة حجم الإستثمارات المطلوبة لتحقيق ناتج محلي في سنة الهدف، أي في عام 2017 ومقداره 436.0 مليار دولار، (بموجب إفتراضات الخطة نفسها)، بالإستثمارات الواردة في هذه الخطة، المذكورة أعلاه، سنجدها، (أي الإستثمارات المخصصة في خطة التنمية الوطنية للسنوات 2013-2017)، لا تفي بالغرض ولا تحقق الأهداف، اي هي غير واقعية، ولا نعلم كيف جرى إحتسابها، فالخطة إدعت بإنها إعتمدت معامل راس مال الى الإنتاج يساوي 1/4، فإن كان كذلك، فيجب مضاعفة الإستثمارت المخصصة، وذلك لتحقيق مستوى الناتج المحلي المستهدف إستنادا الى معدل النمو 13.3% كما اعلنته الخطة، وليس تخصيص 357 مليار دولار. (10)

    خلال سبعينات العقد الماضي، في ظل النظام السابق، تحت القيادة البكرية وليست الصدامية، كانت معدلات النمو عالية نسبيا، محققة تنمية إقتصادية مادية متسارعة، حيث كانت تنعكس في إرتفاعات مطردة في حصة الدخل الفردي، وذلك على الرغم من إفتقاد الحريات والمساواة، وهيمنة الحزب الواحد والمتحكم في موارد العراق، وعلى الرغم من تحجيم دور القطاع الخاص في المساهمة في النشاط الإستثماري والإنتاجي. وقد تسارع النمو بعد تأميم شركات النفط الأجنبية في عامي 1972- 1973، ونشطت الإستثمارات في بعض الصناعات الأساسية والصناعات البتروكيماوية والبنى التحتية، مع إحكام متزايد للمركزية وللهيمنة على الموارد وبدون تشجيع مهم لمشاركة القطاع الخاص. وكانت نسبة الإستثمارات الى الإنتاج، مع ذلك، مناسبة تقنيا. إلا إن النظام الدكتاتوري زجّ البلاد، في مطلع الثمانينات في حروب أدت الى حصار إقتصادي لثلاثة عشر عام، فتوقفت الإستثمارات ومصادر التمويل من الصادرات النفطية، فإنتكس الإقتصاد العراقي إنتكاسة كارثية، حيث تراجعت معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي في تسعينات القرن الماضي الى أن أصبحت سالبة أو لا تتعدى ال1% في بعض النشاطات التي لم يخنقها الحصار تماما، كالزراعة المحلية بسب الحاجة الى الغذاء.

     إن هذه الصورة الكلية للنمو في الناتج المحلي الإجمالي، هي صورة إجمالية لا تفصح عن الديناميكيات في تفاصيل معدلات النمو في مكونات الناتج المحلي الإجمالي، أي في النشاطات الإقتصادية الفرعية، السلعية منها بالأساس. ولسنا بمعرض إجراء نفس القياسات التي أجريناها على الناتج المحلي الإجمالي على جميع فروعه، لسببين؛ الأول، لعدم توفر سلسلة زمنية كافية ومماثلة لسلسلة الناتج المحلي الإجمالي، لتقدير هذه النشاطات الفرعية، بل إن البيانات المتاحة لا تتجاوز بضعة سنوات. والثاني، إن نطاق هذا البحث المحدود ببضعة صفحات، لا يتسع للتفاصيل المرغوب بها الآن. ولكن، سنحاول رسم صورة محدودة، مهتمين بالأساس في القطاعين السلعيين، الزراعة والصناعة التحويلية، بإعتبارهما، نشاطين تنمويين أكثر إستدامة من غيرهما، كما سنشير الى نمو نشاط إستخراج النفط الخام، بإعتباره نشاط غير مستديم. تتوفر تقديرات للقيم المضافة لفروع النشاطات الإقتصادية لسنتين، هما، 2008 و2009، كما وردت في موقعي وزارة التخطيط والبنك المركزي. (للاسف كان موقع وزارة التخطيط ينشر في موقعه بيانات مفصلة عن الناتج المحلي الإجمالي لسنوات عديدة وليس لسنتين فقط، ولكن موقع وزارة التخطيط الإلكتروني حاليا يشيرالى أن خبراء الإحصاء المركزي في الوزارة قد فرغوا من تصميم موقع جديد، سيضم بيانات أكثر تفصيلا وشمولا، فلنأمل ذلك، ونرجو ان تتابع شبكة الإقتصاديين ذلك). ولعدم كفاية البيانات، لإنها لسنتين فقط، يتعذر إحتساب معدلات نمو يعتد بها لهذه النشاطات، وعليه سنعمد الى مقارنة التطور في مقدار الأهمية النسبية لهذه النشاطات في الناتج المحلي الإجمالي في الجدول الآتي:

جدول رقم (1) مساهمات النشاطات الإقتصادية بالنسب المئوية *

النشاط الإقتصادي

2003

2008

2009

الزراعة

14.3

7.5

5.2

التعدين والمقالع بما في ذلك استخراج النفط الخام

51.0

44.8

43.3

الصناعة التحويلية

4.3

3.2

2.6

الكهرباء والماء

0.7

1.4

1.8

البناء والتشييد

0.9

3.2

5.2

النقل والمواصلات

3.2

4.2

5.5

تجارة الجملة والمفرد

3.3

5.1

5.8

المال والتأمين والعقار

4.1

7.1

7.2

ملكية دور السكن

3.2

6.1

6.8

خدمات حكومية اخرى

15.0

17.4

16.6

الناتج المحلي الإجمالي **

100%

100%

100%

*) جرى بعض التعديل على بعض البيانات

**) تم إستيفاء بعض البيانات عن القيم المضافة  لفروع النشاطات لسنتين من موقعي التخطيط والبنك المركزي

ونلاحظ، بإختزال، الآتي:

  1. بأن الأهمية النسبية لنشااط الزراعة في تقهقر، أي إنخفضت من 14.3% في عام 2003 الى 7.5% في عام 2008، ومن ثم الى 5.2% في عام 2009.

  2. يلاحظ بأن الصناعة التحويلية، قد إنخفضت أهميتها النسبية من 4.3% في عام 2003، الى 2.6% في عام 2009.

  3. أما نشاط أستخراج النفط الخام، فإنه وإن إنخفض بمقدار حصته في الناتج المحلي من 51.0% في عام 2003، الى ما بين 44.8% الى 43.3، ما بين عامي 2008 و2009، وذلك بسبب توسّع نشاط الحكومة المركزية، ونشاطات التشييد، وملكية دور السكن، وبقية النشاطات الخدمية والتوزيعية، ومع ذلك، ظل هذا النشاط  ولا يزال مهيمنا على تكوين الناتج المحلي الإجمالي.

  4. ولعل الصورة النهائية المستنتجة والتي تعززها البيانات والمؤشرات الإقتصادية الجزئية اللاحقة، تتمثل بحقيقتين أساسيتين، الأولى، هي إن نشاط إنتاج وتصدير النفط الخام غير المستدام، يهيمن على تكوين الناتج المحلي الإجمالي، وإن النشاطات المستدامة، الزراعة والصناعة التحويلية، بصورة أساسية، هي في إنخفاض بمقدار مساهمتها وأهميتها في تكوين الناتج المحلي الإجمالي، وبالتالي فهي غير قادرة على توفير فوائض إقتصادية من أجل الإستثمار. وعليه، تصبح عوائد تصدير النفط الخام هي المعول عليها، وهي التي إرتفعت الى 96 مليار دولار في عام 2013، ومن المتوقع أن تصل الى 186 مليار دولار في عام 2017. (11)

  5. ويشير التحليل الكلي والقطاعي السالف، بوضوح، بأن هناك ثمة غياب لرؤية تنموية لتحقيق تنمية مستدامة عن طريق تخصيص نسب متصاعدة من عائدات تصدير النفط للإستثمار، لتسريع النمو المستدام في النشاطات السلعية، واهمها الزراعة والصناعة التحويلية الى جانب التشييد والبناء، وخصوصا في مجال البنى التحتية، ولزيادة الإعتماد على الزراعة لتوفير الغذاء، بدلا عن إستيراده. إذ تبين بيانات البنك المركزي بأن قيمة السلع الغذائية والشخصية، بما فيها العدد والسيارات وحتى الاثات الشخصية تشكل نصف قيمة الإستيرادات التي تتراوح ما بين 34 مليار دولار في عام 2009 الى مايقرب من 42 مليار دولار في عام 2011، (12). لكن، السلع الغذائية كان يمكن توفير النسبة الأعظم منها من قطاع الزراعة والصيد، وكذلك، كان يمكن للصناعة التحويلية المحلية أن توفر نسبة كبيرة جدا من السلع الغذائية المصنّعة.  وهذه الحال تشير الى عدم توفر رؤية تنموية إستراتيجية صائبة.

  6. اضف الى ذلك، فإن نسب ما يخصص من الإستثمار لا يزيد على 25% من الموازنة العامة، وما يقرب من 75% منها يذهب الى الإنفاق الجاري الحكومي، وخصوصا في السنوات الأخيرة. ومما يزيد من ضعف التطور في حجم الإستثمارات، هو أن نسب الإنفاق المالي متدنية، وتتراوح ما بين 6% الى 37% في أحسن الأحوال، ناهيك عن الهدر وعدم الكفاءة والفساد،(13)، الامر الذي يؤدي الى خفض المعدلات الحقيقية التي يتوجب قياسها بانجاز المشاريع ماديا، وليس ماليا فقط، للوقوف على مقدار الانفاق الحكومي من الموازنة على الاستثمار الحقيقي.

رابعا: عوامل أخرى لإحباط تحقيق معدلات نمو ملائمة لتنفيذ تنمية مستدامة:

     نوجز ادناه، بإختصار شديد، أهم العوامل الأخرى المحبطة للنمو، ناهيك عن عدم صوابية إسترتيجية التنمية أصلا:

  1. يلعب الإرهاب وفقدان الأمن دورا كبيرا في تعطيل التنمية، وبالتالي في ضمور النمو الإقتصادي. ولا حاجة بنا للإسهاب بهذا الموضوع المعروف والمتداول بصورة يومية تقريبا منذ عقد من الزمن.

  2. أما قصة الفساد وهدر الأموال، فنحن أيضا لسنا بحاجة الى عرضها مفصلا، وها هي هيئة النزاهة تحيل مفسدين بالألاف بين مدة وأخرى. ولكن، لم يُعرف عنها إحالة المفسدين الكبار من القطط السمان.

  3. وفوق هذا وذاك، أوضح التحليل اعلاه، بأن وزارة التخطيط، ليست فقط لم تبلور، لحد الآن، إستراتيجية عليا للتنمية المستدامة، وفقا لخصائص إقتصاد ريعي، يتعزز فيه هيكل إقتصدي مشوّه، وإستهلاكي، أي غير منتج لإغراض النمو المستديم. ولقياس هذه التشوهات الريعية، كميا، كنا قد قدمنا نموذجا قياسيا رياضيا،  بهذا الصدد، في مؤتمر الإقتصاديين العراقيين الذي إنعقد في نيسان الماضي في بيروت، ويمكن مراجعته ضمن ملف المؤتمر الموجود في موقع شبكة الإقتصاديين العراقيين. (14)

  4. وهناك عامل آخر معيق للنمو والتنمية في العراق، وهو عدم توفر الإطر المؤسسية المناسبة، وغياب السياسات والقوانين التي تسهل، وتشجع القطاع الخاص وتحثه للمشاركة في الإستثمار المنتج. كما لا تتبع الحكومة أو المؤسسات المعنية فيها، بحرفية علمية، تطبيق سياسات مالية ونقدية وإدارية، من أجل تسهيل حركة ومرونة وتطوير وتفعيل تلاقح عوامل الإنتاج مع التكنلوجية الملائمة، مع تشغيل كامل لقوة العمل، وصولا الى تنمية متوازنة، يتساوى فيها العرض والطلب، وعدم ترك الإقتصاد الى لبرالية فالتة، ذلك لإن الحكومة هي التي تملك حق التصرف بعوائد تصدير النفط المليارية. وعليها أن تسعى لتأمين القدرة على سد الطلب على الغذاء محليا، وليس عن طريق الإستيراد.

  5. يضاف الى هذه العوامل، عامل التناحر المذهبي والمحاصصة الفئوية، طائفية وعرقية، مما يؤدي ليس فقط الى تعطيل إصدار قوانين مهمة، وإنما ايضا الى شلّ عمل الحكومة التي تشارك في تأليفها نفس الكتل المتناحرة. فهي مسؤولة تضامنيا عن نجاح وفشل الحكومة، ولكن سلوك هذه الكتل هو المشاركة مع المعارضة، ولكن مع التنصل من تحمّل المسؤولية التضامنية في إدارة دفة الحكم.

  6. ومن ضمن هذا التناحر هو التشظي في رسم سياسة تنموية لكل العراق، بما فيه إقليم كردستان، ولكن الذي يحصل إن سلطة الإقليم تتصرف بإستقلال كامل عن الحكومة الإتحادية، بل وتخالف الدستور في التصرف والإستحواذ على نسبة غير قليلة من الموارد النفطية، فتمنح عقود وتتصرف بإنتاج الحقول، بل وتمتنع عن دفع عوائد بيع النفط المنتج  ضمن الإقليم للحكومة الإتحادية، ومع ذلك تستحوذ على 17% من موازنة الدولة السنوية، دون ان تقدم كشفا عن مشاريعها وبنود إنفاقها. واكثر من ذلك، هي التي تقرر متى يُضخ النفط في الحقول الواقعة ضمن مناطقها أو لدعوة شركات لتطوير حقول أو إستكشاف نفط في المناطق المتاخمة لها وتقع خارجها. وكل هذا يؤدي الى تفتيت السياسة النفطية، والى تخفيض عوائد تصدير النفط التي يمكن توظيفها للإستثمار المخطط لتطوير الإقتصاد العراقي كله، شاملا إقليم كردستان. كما قامت سلطة الإقليم بمنح عقود مشاركة، وهي عقود إستغلالية جائرة ولا يمكن أن تكون لصالح الشعب الكردي ولا لصالح الشعب العراقي في بقية مناطق العراق.

  7. وثمة عامل إحباط خارجي للنمو في العراق، لا نرى مجالا لتناوله هنا، لسعته، ولإنه يقع ضمن الحقل السياسي في طابعه العام، وإن كان إقتصاديا في جوهره. ويتعلق هذا العامل ليس فقط بالتدخل الإقليمي والتناحر مع إقليم كردستان، وإنما بمرامي السياسة الأمريكية بالشرق الأوسط. ومع ذلك، تبقى العوامل الداخلية هي الأهم.

     إن معالجة عوامل الإحباط الأساسية هذه ونفيها، سيعني خلق عوامل لنجاح التنمية، ومن ثم تحقيق معدلات نمو في جميع النشاطات الإقتصادية، إن لم تكن مثلى، فممكنة، في الأقل. لكن حصيلة التنمية، خلال العقد المنصرم من الزمن ، إنعكست في سقوط 23% من الأسر العراقية في وهدة الفقر، وإن ما يقرب من 21- 18.9 بالمائة من قوة العمل العراقية ترزح تحت بطالة هيكلية عميقة.(15)  فالنمو الصوري لقطاع نفطي غير مستدام، لا يصبح مفتاحا الى تنمية مستدامة، بدون تنمية القطاعات السلعية المستدامة، وفي مقدمتها الزراعة والصناعة التحويلية.

خلاصة قصيرة، توصيات محدودة:

     إستعرضنا مفهوم النمو ومشاكل قياسه، كما بيّنا مفهوم التنمية الملائم للإقتصاد الريعي العراقي، فقد لاحظنا بأن الموارد من عائدات تصدير النفط كافية جدا لتحقيق تنمية مستدامة، ولكنها لا تستخدم بكفائة وبنظرة تنموية مستدامة، بل وتهدر في الإستهلاك الشخصي والإستهلاك الحكومي المتأتي من ترهل الأجهزة الحكومية، وشيوع البطالة المقنّعة فيها. ومن هنا يصح القول بإن العوائد النفطية هي شرط ضروري لغرض التنمية، ولكنه، في الظروف الراهنة، شرط غير كاف.

ونوصي، بإيجاز:

  1. مراجعة الخطط الإنمائية في وزارة التخطيط، والعمل على تعزيز كوادرها بالكفاءات، وخصوصا الإقتصادية والإحصائية منها. والعمل الحثيث على تطوير الإحصاءآت والسلاسل الزمنية والحسابات الإقتصادية والدراسات الكمية القياسية، فضلا عن مراجعة الرؤية العليا للتنمية المستدامة.

  2. نأمل أن يطّلع على هذه الدراسة الموجزة المسؤولون في وزارة التخطيط، فهي كتبت أصلا لدعم وتعضيد جهود المخططين في العراق.

  3. وتوصية أخيرة، للقائمين على شبكة الإقتصاديين العراقيين، وهي أن يسعوا لبناء قواعد معلومات ومؤشرات إقتصادية وإحصائية، مع دعوتنا للزملاء أعضاء الشبكة لدعم الشبكة ماليا لهذا الغرض.

          د. كامل العضاض

*) مستشار إقليمي سابق في الأمم المتحدة

حقوق النشر محفوظة لشبكة الإقتصاديين العراقيين – تشرين ثاني/نوفمبر 2013

يسمح بأعادة النشر والاقتباس بشرط الاشارة الى المصدر

**هناك عدد من معدلات النمو التي تُحسب لقياس التغير في قيمة المتغيرات عبر مدد زمنية متتابعة، أو عبر فضاءات أو أماكن مختلفة، وسنهتم هنا بالإشارة الى نوعين فقط من معدلات النمو شائعة الإستخدام في بيانات تأريخية أو سلسلة زمنية: 

 وهما معدل النمو الحسابي ومعدل النمو الهندسي. إن إحتساب معدل النمو الحسابي غير الموزون، في الحقيقة، بسيط جدا؛ حيث يأخذ الصياغة الآتية؛  1. لنرمز للمعدل الحسابي؛ Ar، وللتغيرات الزمنية للقيمة أو الكمية لمتغير معين بالرمز a، وعليه، فإن؛  a1, a2, a3,…….an، تمثل مقادير التغيرات في المتغيرات المرصودة، وعليه، فإن حساب معدل أو متوسط هذه التغيرات سيكون على وفق المعادلة التالية:  a1+a2+a3….+an/n، حيث n ترمز لعدد الفترت الزمنية، كالأشهر أو السنوات و a تمثل التغيرات الزمنية في قيمة كل المتغيرات المرصودة. 2.أما المعدل الهندسي، Gr، فيحسب وفقا للمعادلة الآتية، (ولا يسمح المجال للشرح): Yᵗ=Yo(1+r)ᵗ، وهناك معدلات تستخرج بإسلوب الإسقاط، كما أن هناك معدلات توافقية، أو عن طريق الإنحدار اللوغارتمي، ولكل منها مزايا وعيوب، ولسنا هنا بصدد دراستها، ولكن في حالتنا لدراسة مقدار التغيّر في متغيرات الإقتصاد العراقي، فالمعدل الهندسي، وربما اللوغارتمي او شبه اللوغارتمي هو الأفضل، سواء أُحتسبناه بطريقة التغير النسبي أو عن طريق الإنحدار اللوغارتمي أو شبه اللوغارتمي. وسنلاحظ أن المعدل الحسابي هو وسط حسابي يفترض إن التغيرات المتتالية متساوية، اي خطية، مما يجعله مغاليا وغير دقيق، بل ومضلل، أي اكبر من المعدل الهندسي الذي يحسب الإنحرافات عن القيمة الوسطية، سلبا أو إيجابا ويصحح قيمتها، فهو أقل عادة من المعدل الحسابي، وبالتالي فهو أقرب الى معدل القيمة الوسطية الحقيقة، ويكون بذلك أدق بكثير من المعدل الحسابي. علما بأن غالب معدلات النمو المحسوبة في النشرات والتقارير الإحصائية الرسمية، مثل المجموعة الإحصائية في الجهاز المركزي للإحصاء في العراق، هي معدلات حسابية وليست هندسية.

ثبت ببعض المراجع والمصادر:

  1. Solow, R., “A Contribution to the Theory of Economic Growth,” Quarterly Journal of Economics, February 1956

  2. Harrod- Domar Model Explained, Econometrica; www. romeconomics.com   Filled on September 12- 2013.

 John Hicks;. “A Reconsideration of the Theory of Value,” with R. G. D. Allen . 1934.3  Economica.

    4. Romer,P., “Increasing Returns and Long-Run Growth”, Journal of Political Economy, October, 1986, 94: 5,1002- 37

    5.     Lucas, R., “ On the Mechanics of Economic Development”, Journal of monetary Economics, July, 1988, 22: 1,3- 42.

    6 .  Lewis, W. A., (1954), “Economic Development with unlimted Supply of Labour”, the Manchester School. Xxii (2), pp. 139- 191.

        7 . د. بارق شبر، ؛ ” مؤشرات الإقتصاد العراقي”، شبكة الإقتصاديين العراقيين. www.iraqieconomists.net

       8 .   د. كامل العضاض، ” خطة التنمية الوطنية للسنوات 2013-2017″، ملاحظات محددة؛ المنهجية والإتساق والتنفيذ والمتابعة”، شبكة الإقتصاديين العراقيين.

      9 . المصدر السابق.

 10 .  موقع البنك المركزي العراقي، حاليا.

      11 . نفس المصدر السابق اعلاه.

 .    12 .  نفس المصدر السابق أعلاه.

     13.  د. كامل العضاض، ” هيكلية الإقتصاد العراقي والمسألة الريعية”، شبكة الإقتصاديين العراقيين، ملف مؤتمر الإقتصاديين العراقيين الذي إنعقد في بيروت في نيسان، 2013.

    14 . نفس المصدر السابق.

   15. أنظر في المسح الإجتماعي والإقتصادي في العراق – الجهاز المركزي للإحصاء، بمساعدة فنية من البنك الدولي، 2007.

الاراء المطروحة في هذا المقال وفي جميع المقالات الاخرى لاتعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة الإقتصاديين العراقيين والكاتب لوحده يتحمل المسؤولية القانونية. كما تود هيئة التحرير الاشارة الى عدم تحملها المسؤلية العلمية عن هذا البحث بالتحديد نظراً لوجود تحفظات فنية على المعادلات الرياضية الواردة في البحث

عن هيئة التحرير د. بارق شُبَّر

الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية

التعليق هنا

%d مدونون معجبون بهذه: