النفط والغاز والطاقةجدل اقتصاديملف جولات التراخيص وعقود الخدمة

د.نبيل جعفر عبد الرضا: حديث هادئ في موضوع ساخن – الخلل في عقود التراخيص ام في ادارتها ؟

ثمة جدل محتدم حاليا بين السياسيين والاقتصاديين وخبراء النفط حول موضوعة عقود التراخيص النفطية ومدى الجدوى الاقتصادية التي حققها العراق من هذه العقود وفيما اذا كانت هذه العقود مثالية لا يجوز المس بها او تعديلها . ام ان الضرورة والحاجة تقتضي اعادة النظر بنصوص هذه العقود وتعديلها بما يحقق اقصى منفعة ممكنة للعراق . وفي المقابل يرى البعض بان التهم التي وجهت للعقود كانت تتمحور طروحاتها حول مواضيع لا تمس بنود العقد لكنها تؤشر ضعفا عاما في ادارة العقود من قبل وزارة النفط واللجان المشتركة التي تتصدى بشكل مباشر لادارة العقود . وللخوض في غمار هذا الموضوع علينا التطرق الى المحاور الآتية :
1- يقول المؤيدون لعقود التراخيص ((بانه لم يستطع احد تأشير خلل حقيقي لعقود التراخيص)) . اذا كان هذا الكلام صحيحا وان العقود سليمة تماما فلماذا تدخل وزارة النفط في مفاوضات مع شركات النفط الاجنبية العاملة في العراق ؟ هل ان المفاوضات تقتصر على ضغط التكاليف أم مراجعة العقود ؟ ان وزارة النفط الاتحادية ملزمة بموجب قانون الموازنة العامة لعام 2016 على مراجعة العقود لتعديل بنودها استنادا الى المادة 38 التي تنص على الآتي : (( تلتزم الحكومة الاتحادية ووزارة النفط بمراجعة عقود جولات التراخيص النفطية لتعديل بنود العقود بما يحفظ مصلحة العراق الاقتصادية ويدفع بزيادة الانتاج النفطي وتخفيض النفقات وايجاد الية لاسترداد التكاليف بحيث تتلاءم مع اسعار النفط )).
اذن الخلل موجود في نصوص عقود التراخيص وهو ما دفع البرلمان العراقي الى تضمين مادة في قانون الموازنة الزم بموجبه وزارة النفط بتعديل هذه العقود ومن ثم يغدو قول المؤيدين لعقود التراخيص (( بانها من الناحية الاقتصادية والفنية قفزة تاريخية بعقود النفط )) بانه مجافي للحقيقة ولا ينسجم مع النتائج العملية التي ترتبت عليها بما في تلك المستحقات المالية الكبيرة لشركات النفط الاجنبية ومن ثم على المؤيدين لعقود التراخيص ان يكفوا عن وصف منتقدي عقود التراخيص بالاساءة لها وكانها عقود مقدسة لا يجوز مسها او انتقادها بل انها واجبة التعديل في العديد من موادها وخاصة المادة المتعلقة باحتساب التكاليف التي تضع شروط معقدة وصعبة التنفيذ لجعل التكاليف منسجمة مع اسعار السوق. اذ تشير الفقرة 8 من المادة 20 في عقد الرميلة إلى الآتي : ( اذا كان لدى شركه نفط الجنوب اعتراض على اي من التكاليف و النفقات كما هي مبلغه او مفوترة من قبل المقاول فأن شركه نفط الجنوب سوف تقوم بأشعار المقاول باعتراضها خطيا ولكن يجب ان تدفع كلا من المبالغ الموضع الخلاف والتي لا خلاف عليها على حد سواء بأنتظار التوصل الى حل للمسأله وفي غضون شهر واحد من تاريخ استلام المقاول لاعتراض شركه نفط الجنوب للوصول بحسن نيه الى حل مقبول او تعيين خبير واحد او اكثر لتسويه المسأله وفي حاله احاله المسألة الى خبراء يجب على الخبراء في غضون ثلاث اشهر تلي تعيينهم و تقديم حلهم للخلاف الذي يتماشى مع احكام هذا العقد و الملحق و في حال فشل التسويه بهذه الطريق يجوز لاي من الطرفين احاله المسأله التحكيم بمقتضى الماده37 .) والمادة 37 تشير الى التحكيم الدولي في باريس .
2- يقول مؤيدو التراخيص بان (( المشكلة ليست بالعقود وبنودها ، بل بادارة هذه العقود من قبل كادر الوزارة والكوادر في اللجان المشتركة مع الشركات صاحبة العقود وان تخفيض نسبة الشريك العراقي يعد ضعفا واضحا بالمفاوض العراقي وليست بالعقود ، وان المسالة مسالة ادارة عقود وليس ضعف بالعقود )) .
اذا كانت كوادر الوزارة والمفاوض العراقي على هذه الدرجة الكبيرة من الضعف في الاداء فكيف يمكن القول بان عقود التراخيص مثالية ! وانها تحقق المصلحة الاقتصادية العليا للعراق . اليست العقود ناجمة عن تفاوض بين طرفين متكافئين ؟ فاذا كان الطرف العراقي ضعيفا فمعنى ذلك ان العقود قد صيغت لمصلحة الطرف الأقوى وهو الطرف الاجنبي وهو ما حدث فعلا في هذه العقود التي صيغت موادها بالشكل الذي يحقق مصالح الشركات النفطية الاجنبية اولا . ان القول بأن العقود مثالية والمفاوض العراقي ضعيفا يعني ان هذه العقود تم صياغتها من قبل شركة او مؤسسة اجنبية وليس من وزارة النفط ! وهذا الامر في غاية الخطورة ، وبغض النظر عن هذا وذاك كيف يمكن لوزارة النفط ان تتوصل الى اطار تعاقدي او توقع مجموعة من العقود تطال معظم حقول النفط الكبرى وتنتج معظم النفط العراقي ولا يتوافر فيها او في الشركات الوطنية الكوادر القادرة على ادارة ملف هذه العقود ؟ اليس من المنطق والمسؤولية ان توفر وزارة النفط مستلزمات تطبيق هذه العقود قبل اقرارها ؟ وعندما يتضرر البلد ماليا واقتصاديا لا يغدو مهما جدا للمواطن ان يحدد من المسؤول عن هذا الضرر طبيعة العقود ام ادارتها مع ان الخلل يطال الاثنين معا .
3- يعترف مؤيدو التراخيص بان الشركات الاجنبية تمارس عمليات الفساد على نطاق واسع وهو ما يحول دون قيام الشركات بتدريب وتأهيل العراقيين لادارة العقود اذ يتساءل مؤيدو التراخيص (( هل يعقل ان تساهم الشركات بتطوير كادر ينغص عليها عيشها الهانئ ويقف عائقا بوجه فسادها الواضح ؟ )) واذا كانت الشركات الاجنبية على هذا القدر من الفساد فكيف يقول المؤيدون بان (( الشركات الاجنبية هي صاحبة الفضل الاكبر على العراق ويتوجب على الحكومات السابقة رفع القبعات احتراما لها وصيانتها من اي سوء )) واذا كانت الشركات الاجنبية قد نجحت باضافة 1,5 م.ب/ي الى الطاقة الانتاجية وبكلفة كبيرة تفوق 48 مليار دولار خلال المدة 2011- 2015 فان الشركات النفطية الوطنية قد نجحت برفع مستويات الانتاج من اقل من (1) مليون ب/ي عام 2003 الى اكثر من 2,5 م.ب/ي عام 2009 وباستثمارات قليلة جدا وبكوادر وطنية . واذا ما اردنا ان نرفع القبعات فهي لكادرنا الوطني الذي نهض بمهام مسؤولية تشغيل وادارة قطاع النفط لاكثر من نصف قرن رغم الدعم الضعيف الذي كانت تقدمه له الحكومات السابقة والذي اصبح اليوم مهمشا بنعمة جولات التراخيص إ
4- من غير الصحيح الا تعلن وزارة النفط الاتحادية والشركات الوطنية عن كلفة استخراج برميل النفط العراقي قبل وبعد عقود التراخيص وان يترك للشركات الأجنبية حرية التصرف بهذه التكاليف وتضخيمها وليس من الصحيح القول بتعذر حساب كلفة استخراج النفط فالموضوع يتعلق بحساب الكلفة وهو من اختصاص المحاسبين وليس الفنيين ، ويفترض ان تصل الوزارة الى ارقام دقيقة حول الكلف حتى ولو كان جزءا منها يدخل ضمن الكلف الراسمالية من خلال حساب اقساط الاندثار السنوي .وبسبب عدم حساب كلفة البرميل او عدم الشفافية بهذا الموضوع نجد هناك تصريحات غير متسقة حول التكاليف مثلا وزير النفط يقول ان كلفة الاستخراج تتراوح بين 5 دولارات في حقل الرميلة و10 دولارات في الحقول الاخرى فيما يضع السيد حيان عبد الغني مدير شركة نفط الجنوب التكاليف ما بين 4,5-11 دولار فيما تذكر الكثير من الدراسات ومنها ما نشر في مجلة الايكونومست بان تكاليف استخراج نفط العراق يبلغ حاليا ضعف مثيلاتها في السعودية . واذا كانت ارقام المسؤولين ناجمة عن حسابات كلفة حقيقية فعليهم التدقيق عن اسباب الارتفاع الكبير في التكاليف التي تقدمها الشركات الاجنبية ويدفعها العراق بموجب العقود المبرمة بينهما مع ان هناك كلف اخرى تضاف الى برميل النفط ومنها كلف النقل والتسويق وانشاء البيئة التحتية لقطاع النفط . وهي كلف كبيرة تستنزف الجزء الاكبر من موازنة وزارة النفط التي تقدر بنحو 14 مليار دولار عام 2016.علما ان كل الارقام التي تم ذكرها في مقالنا السابق هي مستقاة من وثائق رسمية لاحدى الشركات النفطية العاملة في البصرة وليست تخمينات او تقديرات او ارقام كيدية هدفها ( الاساءة) الى عقود التراخيص !
5- مع ان قطاع النفط العراقي بحاجة ماسة الى التكنولوجيا والخبرات الاجنبية التي توفرهما عقود التراخيص الا ان هذه العقود بغض النظر عن كونها عقود خدمة كما يراها البعض او عقود مشاركة فهي تتضمن شروطا قاسية ومكلفة للاقتصاد العراقي من خلال استنزافها لجزء كبير من عوائد الصادرات النفطية لا سيما وان التغيرات الهيكلية التي تشهدها السوق النفطية العالمية ربما ستدفع باتجاه البدء بعصر جديد للنفط الرخيص فضلا عن كون عقود التراخيص تحد كثير من دور السياسة النفطية في تكييف الانتاج والصادرات النفطية على ضوء متطلبات المصالح العليا للعراق .
6- يقول المؤيدون ( ان وراء قبول الشركات بهذه العقود وشروطها القاسية عليهم هو للحد من ارتفاع الاسعار التي بلغت 140 دولارا عام 2008 وكان مقدرا لها كما يقول المؤيدين ان تصل الى 200 دولار للبرميل بسبب تراجع الانتاج النفطي في العالم ولهذا السبب قبلت الشركات الاجنبية وهي في معظمها تعود الى الدول المستهلكة للنفط بالشروط العراقية نظرا لاحتياطيات العراق الكبيرة وغير المطورة ) هذه الحقيقة توضح بجلاء بان عقود التراخيص جاءت لمصلحة الشركات الاجنبية اذ اسهمت ( مع عوامل اخرى ) في تحويل فائض الطلب في السوق العالمية الى فائض من المعروض النفطي دفع باسعار النفط نحو الهاوية (37 دولار حاليا ) وهو الامر الذي يصب في خدمة هذه الشركات ودولها بعد ما نجحت في توفير النفط باسعار متدنية مما خفض من فاتورة استيراداتها وانعش قطاعات اقتصادية وخدمية عديدة فيها، فيما الحق الضرر الفادح بالدول المنتجة للنفط ومنها العراق واسهمت بشكل مباشر في الازمة المالية والاقتصادية التي يعيشها العراق اليوم . اذ انخفضت قيمة الصادرات النفطية العراقية عام 2015 باكثر من 40 مليار دولار بالقياس الى عام 2014 مع ان العراق قد زاد انتاجه وصادراته باكثر من نصف مليون برميل يوميا. وفي هذه النقطة بالذات يكمن الخطأ القاتل والاستراتيجي الذي ارتكبه موقعو عقود التراخيص . فما تحقق للعراق اليوم هو المزيد من انتاج النفط والقليل من الاموال !
(*)أستاذ في كلية الادارة الاقتصاد في جامعة البصرة – اختصاص تنمية ونفط
الاراء الواردة في كل المواد المنشورة على موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين لاتعكس بالضرورة رأي هيئة التحرير وانما رأي كاتبها وهو الذي يتحمل المسؤولية العلمية والقانونية.

الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية

تعليقات (5)

  1. هل الخلل في عقود التراخيص أم بإدارتها؟ – مركز بغداد:

    […] استمرارا بالحوار… هل الخلل في عقود التراخيص أم بإدارتها؟ 03-01-2016 سنواصل هذا الجدل المثمر والبناء حول مسألة عقود التراخيص الحيوية. من ناحيتي كمختص بالصناعة الاستخراجية، إنتاج وتطوير الحقول النفطية والغازية، أحاول الإجابة على تساؤلات الدكتور نبيل جعفر أستاذ الاقتصاد في جامعة البصرة* (مقال الدكتور نبيل جعفر منشور على موقع شبكة الاقتصادين العراقيين، الرابط في ذيل المقال)، وحسب الترقيم الوارد في رده المنشور على موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين. لست بحاجة للقول بأني أتمنى لو أن أحدا يشير لي على مادة أو بند بحاجة إلى تعديل، ويقترح لنا تعديلا، وسأكون سعيدا جدا وأول المؤيدين له فيما لو وجدت أن التعديل يحقق منفعة أكبر للعراق، لا أن يقترح تعديل العقود ويترك الأمور عائمة دون تحديد. إذ لا يخفى على الجميع أن هناك رغبة جامحة لدى بعض السياسيين المتنفذين بأن تكون العقود بصيغة ما تسمح لهم بالولوج إلى مضمار السباق للحصول على منافع شخصية لهم، على غرار ما حصل في كوردستان. يسأل الدكتور نبيل في مداخلته: 1-إذا كانت العقود سليمة تماما فلم تدخل وزارة النفط بمفاوضات مع الشركات الأجنبية العاملة في العراق؟ وهل أن المفاوضات تقتصر على ضغط التكاليف أم مراجعة العقود؟ في الواقع أجاب السيد وزير النفط مؤخرا على هذا السؤال في الندوة التي عقدها مجلس النواب التي ورد ذكرها في تحليلنا السابق، وقال بأن الوزارة دخلت في مفاوضات لضغط النفقات الرأسمالية وخفضها إلى مستوى4 أو5 مليار دولار بدلا من10 مليار دولار التي كان مخططا لها، وذلك بسبب هبوط أسعار النفط، ولم يذكر السيد الوزير أي تعديل محدد على العقود الأصلية يمكن التفاوض عليه. بذات الوقت أكد مدير عام العقود والتراخيص في الوزارة أن المراجعة التي أجرتها الوزارة لم تجد ما يستحق التفاوض والتعديل، حتى أن الحماس ذهب به إلى القول “بأنه سيستقيل من منصبة فيما لو تم تعديل أي بند من بنود العقود”، قالها أمام الحضور من أعضاء مجلس النواب والحضور الباقين، لكن الوزير أكد، بما معناه وكما فهمته، أن لابد أن هناك ما يستحق التعديل فيما لو قبلت الشركات به، وذلك إدراكا منه أن أي عقد بين طرفين لابد أن يحقق مصالحهم، أي على مبدأWin-Win المتعارف عليه في التفاوض على بند أو فقرة من عقد ما، كون الشركات ليست مؤسسات خيرية، فهي في نهاية المطاف مؤسسات اقتصادية ولديها منافع من أي عقد تبرمه مع أي جهة أخرى، لكن أين هي المصلحة العراقية التي يمكن استرجاعها بتعديل العقود؟ حيث أن هذا الأمر لم يتم تحديده لحد الآن من أية جهة كانت. وهكذا فإن ما تقدم يعتبر إدارة عقود وليس كتابة عقود. يطوف الدكتور نبيل حول الفقرة8 من المادة20 في عقد الرميلة والتي تمنح أحقية لشركة نفط الجنوب بالاعتراض على التكاليف والنفقات التي تقترحها الشركات للتطوير سنويا، وفي الواقع هذه مسألة إدارة وليست مسألة تتعلق بالتعديل لنص البند أو الفقرة كما يعتقد المداخل، وعلى هذا الأساس تفاوضت الوزارة مع الشركات وخفضت ميزانياتها الاستثمارية إلى المستويات آنفة الذكر، أي مستوى4 أو5 مليار دولار للشركات مجتمعة، والتي تعمل على تطوير11 عشر حقلا نفطيا عملاقا وأخرى أكبر من عملاقة. وفي الواقع إن هذه التسوية كانت مقبولة من قبل الشركات، حيث أنها تضمن المحافظة على مستويات الإنتاج في الوقت الحالي بحيث لا يتناقص مع الوقت، وذلك بسبب التناقص الطبيعي بإنتاجية الآبار، وهذا هو الحد الأدنى الذي قبلت به الشركات، ولو كان التخفيض أكثر من ذلك، فإن الإنتاج سيتدهور بشكل سريع، لأن التناقص الطبيعي بالإنتاجية بحدود5% إلى7%، من المكامن المنتجة حاليا، وذلك لأن الهبوط بمستوى الإنتاج سيكون بسبب عدم وجود مشاريع ضخ الماء لصيانة الضغط في المكامن النفطية المنتجة. لكن ما تقدم يعني أيضا، أننا يجب أن لا نتوقع زيادة بالإنتاج من حقولنا تحت التطوير في المستقبل القريب، ويجب أن لا ترتفع الأصوات مرة أخرى عندما لا تتحقق زيادات بالإنتاج، فقد كان التخفيض كاستجابة للأصوات التي تطالب بصافي عائدات مقبول بظل الضائقة المالية في البلد. شخصيا أعتقد أنه إجراء خاطئ لأنه سيحد من زيادة الإنتاج رغم أن زيادة الإنتاج ذات جدواه الاقتصادية، ولكن للضرورة أحكاما، خصوصا عندما يكون البلد ريعيا، وأصوات المطالبين بخفض التكاليق تشق الآدان. 2-ما تقدم يؤكد أن المسألة هي مسألة إدارة للعقود وليست ضعفا ببنود هذه العقود، ومع ذلك تصدت الوزارة هذه المرة بكوادرها القيادية العليا للتفوض مع الشركات وليس اللجان المشتركة لضعفها أمام المفاوض الأجنبي. وفي النقطة الثانية هذه يسأل أصحاب الدعوة لمراجعة العقود: “اذا كانت كوادر الوزارة والمفاوض العراقي على هذه الدرجة الكبيرة من الضعف في الاداء فكيف يمكن القول بان عقود التراخيص مثالية! وانها تحقق المصلحة الاقتصادية العليا للعراق . اليست العقود ناجمة عن تفاوض بين طرفين متكافئين؟” يحق لنا التساؤل أيضا: ما شأن العقود بقوة أو ضعف المفاوض العراقي؟ وهنا أجد أنه يخلط بين التفاوض على مسألة ما عند التطبيق الفعلي للعقود، وبين التفاوض عند إبرام العقود، حيث أن التفاوض على بنود العقد قبل توقيع العقد شيء، والتفاوض على وضع بند ما أو فقرة من العقود النهائي عند التطبيق شيء آخر ومختلف تماما. أما مسألة التكافؤ بين الطرفين الذين يتصديان لتطبيق العقود التي يثيرها أصحاب الدعوة لتعديل بنود العقود، فهي مسألة تتعلق بإدارة العقود، لذا نصحنا وفي الجلسة التي عقدها البرلمان بتأسيس خلية استشارية في الوزارة ، ملزمة قراراتها، تتشكل من خبراء في الجوانب الهندسية والقانونية والاقتصادية، تقوم هذه الخلية بتقديم المشورة للمتصدين إلى إدارة العقود من العراقيين، وحتى حضور جلسات اللجان المشتركة إن أمكن، ليكون المفاوض العراقي أكثر قوة بالصدي للمفاوض الأجنبي الذي يتمتع بقدرات تفوق كثيرا قدرات العراقيين، وأن يقوموا بتدريب أعضاء اللجان المشتركة على أساليب التفاوض والارتقاء بمستواهم المهني والاستمرار بتقديم الدعم الكامل لهم حتى يبلغوا مستوى مقبول يضاهي القدرات الأجنبية. لقد سجل السيد الوزير هذه الملاحظة بالذات في دفتر ملاحظاته عندما طرحناها في مجلس النواب، وأتمنى لو وضعها موضوع التطبيق الفعلي. 3-أما الفساد، فهو ظاهرة تتعلق بأي نظام مهما كان صارما، ولنا بالفساد الذي نسمع عنه في الدول الأكثر تقدما في العالم عبرة، لذا وجدنا أن أفضل وسيلة للتصدي لفساد الشركات بدعم الفريق العراقي في اللجان المشتركة، لأن مهما كان شكل البند أو الفقرة في العقد، لابد للفاسد أن يجد له طريقا ليفسد، فالمطلوب هو التصدي للفساد، وهذه مسألة إدارة. لكن عند التطبيق الصارم والذكي لبنود العقد، ولو وجدنا أن هناك ما ينبغي تعديله من بنود في العقود، آن ذاك، نستطيع الذهاب للتفاوض من أجل إعادة صياغة ذلك البند من جديد، ولكننا الآن بمرحلة مبكرة جدا ولم نبلغ هذا المستوى من التطور، أقصد هنا الفرق النوعي بين الفرق العراقية في اللجان المشتركة ونظرائهم من الأجانب. لكي تستطيع الفرق العراقية في اللجان المشتركة أن تضع إصبعا على تعديل ما أو خلل في العقود، يجب أن ترتقي لمستوى مقبول مهنيا أولا ومن ثم الإرتقاء إلى مستوى المفاوض الأجنبي، وهذا ما لم يحصل لحد الآن. ما تقدم يعتبر إدارة عقود وليس كتابة عقود أيضا، فما ذنب الأجنبي أو العقود عندما يكون الجانب العراقي ضعيف؟ وبهذا الصدد يقول أصحاب الدعوة لتعديل العقود أن الشركات أضافت فقط مليون ونصف برميل يوميا بكلف وصلت إلى48 مليار دولار، ويقارنها بزيادة حققتها الكوادر الوطنية مقدارها مليون برميل بكلف قليلة جدا قامت بها كوادرنا الوطنية قبل توقيع العقود. في الحقيقة أن العقود نجحت برفع الطاقة الإنتاجية أكثر من ملونين ونصف، وتبين أن الزيادة الحقيقية كانت ثلاثة ملايين بعد فك الاختناقات بالمنظومة التصديرية في الجنوب، كما وأن الكلف ليست48 مليار دولار كما ذكر كاتب المقال، بل كانت أقل من ذلك بكثير، وهذه الاضافة جائت كنتيجة لبناء منشآت جديدة في11 حقلا وليس فك اختناق كذلك الذي قامت به الكوادر الوطنية قبل توقيع العقود، فالزيادة في الانتاجية بحدود المليون، والصحيح، كانت نصف مليون أو نحو ذلك، لم تكون كنتيجة لإضافة منشآت جديدة، بل وكما أسلفنا، من خلال فك بعض الاختناقات بمنظومة الإنتاج تحديدا، وهذا الأمر فني وخير من يحكم عليه هم الفنيون وليس الاقتصاديون، فأنا كمهندس قد أستطيع زيادة الإنتاج بنسب لا بأس بها، ولكن قد تكون لها أضرارا مكمنية أو بيئية أو ستكون الزيادة مؤقتة. فالتطوير الحقيقي يتمثل بإضافة محطات عزل نفط وغاز ومحطات عزل الماء جديدة، وأنابيب رئيسية وثانوية جديدة، ومحطات لضخ النفط وكبس الغاز جديدة أيضا، وخزانات لمختلف الأغراض، ومنظومات قياس، وأخرى لمكافحة الحرائق، وغيرها للإتصال، وما إلى ذلك من منظومات حديثة، وليس ترقيعا وفك اختناقات في البنى القديمة المتهالكة والتي تم بنائها قبل أكثر من50 سنة، فهي منشآت لم تعد صالحة أو على وشك الإحالة إلى التقاعد، أي تصبح سكراب، فهذه الزيادات الترقيعية بالإنتاج شيء، والزيادات كنتيجة لعمليات التطوير الحقيقية شيء آخر مختلف تماما، بالمناسبة يجب التأكيد على أن المنشآت الجديدة المضافة هي ملك صرف للعراق من اليوم الأول لإنشائها، كون العراق يدفع أثمانها أولا بأول خلال عمليات التطوير. وللعلم أنا شخصيا كنت وما أزال ممن يفضلون التطوير الوطني المباشر على أي نوع من العقود مع الشركات الأجنبية، ولكن للضرورات الموضوعية المعروفة، والتي تحدثنا عنها كثيرا، أتمسك بأفضل عقود يمكنها تحقيق أعلى منفعة للشعب العراقي، وعقود الخدمة طويلة الأمد تحقق ذلك. 4-أما كلف الإنتاج التي تحدث عنها المداخل الاقتصادي فهي موجودة ويمكن الوصول إليها، فهي مجموع ما صرف من الميزانيات التشغيلية السنوية للشركات، وليس الميزانيات الرأسمالية، ولا أجور الشركات كما أسلفنا في معرض ردنا الأول، فالميزانيات التخمينية والمصروفات الفعلية من الميزانيات التشغيلية وكميات النفط المنتج سواء كان بعد أو قبل خط الشروع، أي الإنتاج الكلي، عند الحصول على هذه الأرقام، يستطيع المرء حساب كلفة الإنتاج، وهي كلف سيعاد تدوير معضمها في الاقتصاد العراقي كونها تمثل رواتب موظفين ودعم لوجستي تقوم به شركات عراقية، والقليل منها يذهب لشراء أدوات احتياطية لغرض الصيانة، وخدمات متنوعة أخرى كالتدخلات بالآبار وما إلى ذلك من خدمات تشغيلية أخرى، وهذه الكلفة لا علاقة لها بالكلف الرأسمالية، ويمكن حسابها من قبل الفني أو المحاسب أو المدقق المحاسبي. أما مسألة استنزاف الاقتصاد العراقي كنتيجة للكلف العالية للتطوير التي جاء الحديث عنها في معرض رده علينا، أعتقد أن “الفرق الكلفية” في الوزارة والشركات التابعة لها، والتي تراجع كلف المشاريع التطويرية، قد قامت بواجبها بشكل جيد إلى حد ما، فقد تمت مراجعة الكلف ومقارنتها بالكلف على المستوى العالمي للمشاريع المماثلة، ووجدت أنها بذات المستويات تقريبا، فأي مشروع تطويري لابد أن تكون كلفته عالية، لكن يمكن تقليل الكلفة على حساب الوظيفة التي يؤديها المشروع بعد إنجازه، وهذه مسألة يجب أن يقررها الجانب العراقي للقبول بالمشروع المقدم من قبل الشركات الأجنبية على علاته، أو تعديله بما يضمن الوظيفة كاملة، وأن لا يكون سببا للهدر في جوانب أخرى لا يمكن ملاحظتها بسهولة، فمسألة اكتشافها تتم حصرا من قبل المختصين بعمليات التطوير، تلك العمليات المعقدة جدا من الناحية الفنية، ومن موقع المختص بهذا المجال أكرر أن أي مشروع يمكن مراجعته على وفق المعطيات التي تتعلق بمكامن النفط والآبار المنتجة، أو العمليات الإنتاجية الأخرى، وهذه مسألة تتعلق بإدارة العقود وليس بالعقود. فإما أن نطور الحقول على أسس علمية وفنية متطورة أو لا نطور. كل هذه الأمور لا علاقة لها بأسعار النفط، فالنفط ينخفظ سعره مرة ويرتفع بأخرى، وفق آليات السوق النفطية، ولا علاقة له بأسعار تطوير الحقول طالما أن دراسات الجدوى تبين أن التطوير مجدي من الناحية الاقتصادية على المدى البعيد، وفي حالة عقود الخدمة أنها تعتبر مجدية اقتصاديا على المديين القريب والبعيد. من المعلوم أن أثر واردات النفط على الاقتصاد العراقي كبير جدا، كونه بلدا ريعيا يعتمد على هذه العائدات، وهذا عيبا في البنية الاقتصادية العراقية التي فشلت بتنويع مصادر الدخل خلال السنوات السابقة. في الحقيقة وقعت الحكومات السابقة بفخ المعارضة التي ما فتئت ترفع عقيرتها لأي سبب كان، وتدعوا إلى مزيد من التبذير بالعائدات التي كانت مرتفعة، وها هي النتيجة، فقد وصلت ميزانيات البلد التشغيلية إلى أرقام خيالية، وبذات الوقت، يقابلها ميزانيات استثمارية متواضعة وغير مجدية وتتناقص سنة بعد أخرى. كان الأولى بالحكومات السابقة تجاهل كل الضغوطات من قبل المعارضة الغير مسؤولة والتوجه نحو التنمية الحقيقية وتجنب التبذير الغير مجدي، وهذه نصيحة أقدمها للحكومة في حال ارتفع سعر النفط، عليهم تجاهل كل الدعوات التي تبذر بالمال العراقي يمينا وشمالا. كلمة أخيرة: أتمنى لو وضع، أيا كان من هذا الفريق الذي يطالب بتعديل العقود، اصبعه وأشار إلى فقرة أو بند من العقود، وحدد الخلل به، واقترح تعديلا محددا له، فإذا كان التعديل يحقق منفعة أعلى للشعب العراقي، سأصفق له، وأكون من أشد الداعمين لهذا التعديل. لهذا السبب، أخشى من التسرع بوضع تعديل قاتل للعقود تكون نتائجه عكسية وعلى حساب الشعب، وقد يحقق مصالح شخصية لمتنفذين سياسيين يتربصون بنا للاستيلاء على ثروة الشعب، التي بقيت لحد الآن عصية على الفاسدين ولم يستطيعوا النفاذ لها مباشرة، وهذا بسبب عقود التراخيص تحديدا وليس لأمر آخر. استثني مما تقدم الثروة الوطنية من النفط الغاز في كوردستان، حيث استولى عليها وعلى عائداتها أصحاب النفوذ السياسي وتوكوا الإقليم وشعبه بضائقة اقتصادية خانقة لا يعرف الخروج منها حاليا، فقد اشتروا معظم أسهم الشركات التي وقعوا عقودا معها، ولم يكتفوا بهذا القدر من مشاركة الشعب بملكية النفط والغاز، بل ذهبوا لما هو أبعد، حيث لا أحد يعرف لحد الآن، أين تذهب عائدات النفط من كوردستان والتي تقدر ب900 ألف برميل يوميا من حقول الإقليم وحقول كركوك ونينوى. _____________ *د.نبيل جعفر عبد الرضا: حديث هادئ في موضوع ساخن – الخلل في عقود التراخيص ام في ادارتها New post on Iraqi Economists Network | شبكة الاقتصاديين العراقيين http://iraqieconomists.net/ar/2016/01/01/%D8%AF-%D9%86%D8%A8%D9%8A%D9%84-%D8%AC%D8%B9%D9%81%D8%B1-%D…/…..& […]

  2. هل الخلل في عقود التراخيص أم بإدارتها؟ – مركز بغداد:

    […] New post on Iraqi Economists Network | شبكة الاقتصاديين العراقيين http://iraqieconomists.net/ar/2016/01/01/%D8%AF-%D9%86%D8%A8%D9%8A%D9%84-%D8%AC%D8%B9%D9%81%D8%B1-%D…/…. […]

  3. Avatar
    صدام المعاضيدي:

    استاذي الفاضل جزاكم الله الف خير على كل هذه المقالات.
    ولكن، كوني غير اقتصادي ولست مطلعا سابقا على مثل هكذا دراسات، فانه من الصعوبة فهم واستيعاب كل ما يرد في مثل هذه المقالات كونها علمية بحتة ولا يمكن فهمها بالتفاصيل الا من قبل ذوي الاختصاص.
    كل ما اطلبه هو التالي:
    1- ما قيمة بيع برميل النفط العراقي؟؟
    2- ما هو المبلغ الذي يذهب للشركات العالمية صاخبة عقود جولات التراهيص؟
    3- ما المبلغ المتبقي الفعلي بعد خصم فوائد هذه الشركات والضي يدخل فعليا الى الخزينة العارقية؟؟
    دمتم ودام عطائكم العلمي.
    م. صدام المعاضيدي
    تدريسي في جامعة الانبار – قسم الكيمياء.
    حاليا: طالب دكتوراه في جامعة نوتنغهام البريطانية.

  4. صباح قدوري
    صباح قدوري:

    تحية طيبة
    أدناه بعض مصطلحات المتعارف عليها في محاسبة التكاليف والواردة في المقال
    ويمكن استخدامها لاحتساب التكاليف في صناعة النفط بشكلها المبسط ( للاضاح فقط )، وفق النظام المحاسبي الموحد المعمول به في القطاع الصناعي العراقي وذلك لتلافي اشكاليات احتساب الكلفة عند البعض ،وكالاتي :
    1. مصروفات او نفقات الراسمالية، اي تكوين الاستثماري لاضافتها الى اصول الوحدة، ليست الكلفة، وانما اضافة اصل جديد للوحدة الاقتصادية.ويتم اطفاء هذه النفقات علي اسس الاندثار السنوي، وتتحمل الكلفة التشغيلية نصيبها من الاندثار .
    2 . الكلفة التشغيلية، وهي تمثل جميع التكاليف بمفرداتها التحليلية( الاجور، مستلزمات السلعية، مستلزمات الخدمية) مع اخذ بنظر الاعتبارخصوصية صناعة النفط وفق الانشطة/مراكز ومراحل الانتاج، والتي تنفق من اجل الانتاج. مجموعها تمثل كلفة الانتاج وتقسم على الوحدات المنتجة، فنحصل على كلفة الوحدة المنتجة.
    3 . تكاليف البيع/التصدير، اي التسويقية، تمثل كل التكاليف بمفرداتها التحليلية كما في الفقرة اعلاه، التي تنفق من اجل البيع/التصديرالانتاج.
    4 . النفقات الادارية والتمويلية للوحدة الاقتصادية بمفرداتها التحليلية، اما تعامل ككلفة وتضاف الي الكلفة الاجمالية، او ترحل مباشرة الى ح/ الارباح والخسائر.وتعتمد ذلك علي اية من نظريات كلفة المتعارف عليها تتبعها الوحدة الاقتصادية.
    وعلى ضؤ ذلك، يمكن أحتساب الكلفة النهائية، كالالتي:
    1. تكاليف التشغيلية/ الانتاج بتفاصيلها XX
    2 . تكاليف البيع/التصديربتفاصيلها XX
    3 . تكاليف الادارية والتمويلية بتفاصيلها XX
    4 . الكلفة الكلية للانتاج XXX
    5 . الكلفة الاجمالية للانتاج رقم (4) تقسم على الوحدات المنتجة، نحصل على الكلفة الكلية للوحدة.
    مع المودة والتقدير
    صباح قدوري

التعليق هنا

%d مدونون معجبون بهذه: