مقالات وأبحاث

مصباح كمال في استذكار أ. د. سليم الوردي (1942-2015)

Iraqi Economists Network

في 27 كانون الأول 2015 رحل عن دنيانا أ. د. سليم الوردي، وهذا الكتاب الصغير هو محاول لاستذكاره.
مصباح كمال * في استذكار أ. د. سليم الوردي (1942-2015)
في 27 كانون الأول 2015 رحل عن دنيانا أ. د. سليم الوردي، وهذا الكتاب الصغير هو محاول لاستذكاره.
لا أدري لم كنا دائماً نخاطب سليم مقروناً بلقبه الأكاديمي، فهو لم يفرضه على أحد إلا أن معظمنا كان ميالاً إلى ذلك احتراماً لمكانته العلمية وحصافته ورأيه القائم على المعرفة العميقة، وربما لأنه لم يعمل في شركات التأمين العراقية من حملة شهادة الدكتوراه إلا عدد قليل جداً. وربما كان سليم الوردي هو الأبرز بينهم من حيث حضوره الفكري بيننا ومساهمته الفكرية بحثاً وكتابةً وعملاً. وهو بذلك استحق الإقرار منا باللقب العلمي وصار، بصفته المعرفية العلمية، من رواد التأمين العراقي، كما وصفه أحد المعزّين في رسالة قصيرة. لقد كان مستغرقاً في عالم الفكر، وهو ما يشهد عليه مؤلفاته غير التأمينية. وقد استطاع أن يتحمل ضغوط الدكتاتورية والسنوات الطويلة للحصار الظالم على الشعب العراقي بقوة الفكر.
آثرتُ أن أضم لهذا الكتاب دراستين للدكتور سليم كتبهما بطلب مني. وأنا أدرجهما هنا للتعريف بمنهجه في الكتابة التأمينية، الذي أشاركه فيه، وهما:
“أنموذج للدور القيادي في الوظيفة العامة: السيرة الوظيفية للأستاذ عبد الباقي هادي رضا” وقد نشر سابقاً في مجلة الثقافة الجديدة أصلاً وبعدها في مواقع إلكترونية عديدة.
“معايشتي لتجربة التخطيط في شركة التأمين الوطنية”، وهو ينشر لأول مرة، وكنت مؤتمناً عليها ليكون فصلاً في كتاب يكتب على شرف الأستاذ عبد الباقي رضا.
وأضم أيضاً مقتطفات من كتابه مقتربات إلى المشروع السياسي العراقي، 1921-2003، يتناول فيها قيام السلطة الدكتاتورية ببعث الحيوية في المؤسسة العشائرية ودعمها بالمال والسلاح “بهدف ملء الفراغ الذي أخفقت في ملئه المنظمات الحزبية” وكذلك انحسار “دور القضاء في حل المنازعات المدنية والجزائية لصالح “الفص” العشائري.” وقد استمر نشاط هذه المؤسسة بعد 2003 وبشكل قاتل في بعض الأحيان. (أنظر الملحق رقم 1).
لقد جاء الاستغراق في الشأن التأميني بوعي منه لمكانة مؤسسة التأمين في الفكر وفي حياة الأفراد والجماعات، وكان متواضعاً في إشارته إلى الحصيلة المعرفية التأمينية التي اكتسبها بفضل عمله في شركة التأمين الوطنية. لنقرأ كيف اقترب د. سليم من هذا الموضوع:
ان اختصاصي في علم الاقتصاد، واهتمامي بعلم الاجتماع والشأن العام، لم يحولا دون انجازي العديد من الأبحاث والمقالات والكتب في حقل التأمين. ان مساهماتي المتواضعة في الفكر التأميني العراقي هي حصيلة ما أضافه لي عملي في قطاع التأمين العراقي من معارف وتجارب، الى جانب فضولي المعرفي، وحرصي على ان يكون لعملي الوظيفي مغزى معرفي.
ويضيف على ذلك تقييماً يُعلي من مكانة المعرفة التأمينية في حياة الإنسان:
لقد مثّل لي عملي في شركة التأمين الوطنية ما يربو على ربع قرن محطة مهمة في مسيرتي المعرفية، غالباً ما استعيد تفاصيلها ومفارقاتها، وأوظفها في مسيرتي المعرفية الراهنة، التي باتت تنصب على البحث في ظواهر المجتمع العراقي وموضوعات الشأن العام. كنت وما أزال أومن ان التضلع المعرفي في الشأن التأميني يفتح للمرء نوافذ على جميع شؤون الحياة لان الأخطار التي تمثل مادة التأمين، هي الحقيقة التي ترافق الإنسان في جميع أطوار ومراحل ومنعطفات حياته، بدأ من ولادته وصولا الى رحيله عن الحياة الدنيا.
وهناك المزيد حول استفادة د. سليم من دراسته الأكاديمية في بلغاريا وتطويع مفاهيم مختلفة لخدمة عمله التأميني ومباحثه. وهو ما يجمع بيننا أيضاً. كنا، د. سليم وأنا، متآلفين إلى حدٍ كبير على مستوى الفكر، وكنا نتحدث ونتبادل الأفكار باستمرار. ولم تكن مؤسسة التأمين بالنسبة لنا مجموعة آليات فنية فقط بل كنا نحاول أن نراها من منظور اقتصادي-اجتماعي واسع. وقد كتبت قليلاً بهذا الشأن في ورقة لي غير منشورة:
كان قسم التأمين الهندسي [حيث كنت أعمل] وقسم التخطيط والمتابعة [حيث كان د. سليم يعمل] متجاورين في الطابق الخامس من بناية الشركة [التأمين الوطنية]. وبفضل هذه الجيرة تعرفت على د. سليم الوردي في قسم التخطيط والمتابعة، جمعني وإياه اهتماماً مشتركاً بالأشكال التي يمكن أن تتخذها آلية التأمين ضمن مختلف الأنظمة الاقتصادية القديمة والحديثة. كان هو أكثر تعمقاً مني في مفاهيم الاقتصاد السياسي الماركسي التي تتلمذ عليها في بلغاريا عندما كان يعد لأطروحة الدكتوراه في علم الاجتماع. وكانت معرفتي بموقف ماركس من “التأمين” وقتها لا تتجاوز ما قرأته سريعاً في دراستي الجامعية في نقد منهج غوتا لماركس وفي كتاب عن النظام المالي في الاتحاد السوفيتي. بفضل هذه القراءة ومبادئ الاقتصاد التي درستها تعلمت أن رأس المال المادي، متمثلاً بالآلات والمكائن والمباني وغيرها تشكل مع بعضها الثروة الوطنية، يتعرض للهلاك من مصدرين: الاستهلاك الطبيعي من خلال الاستعمال أو التعرض للحوادث المفاجئة. ينشأ هذا الوضع، الاستهلاك والتعرض للخسائر بسبب الحوادث، بغض النظر عن طبيعة الأنظمة الاقتصادية.
كان الزميل الوردي يحدثني عن كاتب روسي اسمه رايخر Raikher تناول موضوع الأشكال الاجتماعية للتأمين في كتاب صدر بالروسية في أواسط أربعينيات القرن العشرين وكان يفكر بترجمته للعربية. ظل هذا الاسم عالقاً في ذهني.
كان في ذهني بعض المشاريع الفكرية التأمينية التي كنت أمنّي نفسي أن أتعاون مع د. سليم للعمل عليها، إلا أنه رحل إلى الضفة الأخرى وهكذا حُرمت من متعة تتويج علاقتنا الفكرية في المجال التأميني والدفع بها إلى آفاق جديدة.
هذا الكتاب ما هو إلا إشادة سريعة بمناقب د. سليم الوردي، ومحاولة أولية للاقتراب من تقييم مكانته ومساهمته في إغناء ثقافة التأمين العراقي بعمله وعلمه. أملي، وهو ضعيف مع الأسف بحكم التجربة، أن ينهض من بين الزميلات والزملاء في قطاع التأمين العراقي أو أحد الباحثين الشباب ليتصدى لتحدي البحث النقدي في سيرة هذا المعلم المتميز في حقل اختصاصه، وأعني به حصراً تخطيط الإنتاج في شركات التأمين. آمل أن يتوسع هذا الكتاب من خلال كتابات أخرى عن د. سليم، وأنا أرحب بأية إضافة لضمها لطبعة قادمة للكتاب.
لتنزيل الكتاب كملف بي دي أف انقر هنا
(*) باحث وكاتب عراقي مقيم في لندن. 6 كانون الثاني/يناير 2016
الهوامش
) باحث وكاتب عراقي مقيم في لندن. 6 كانون الثاني/يناير 2016
الهوامش
 

الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية

التعليق هنا

%d مدونون معجبون بهذه: