الاقتصاد العراقي الكليالرئيسيةجدل اقتصادي

د. عمر الجميلي*: مطالعة في البحث المعنون (تمويل الميزانية والاصلاح الاقتصادي الهيكلي في العراق) للدكتور علي مرزا

لابد من القول ابتداءً بأني أحد المتابعين لما يكتبه وينشره الدكتور على مرزا من بحوث ومقالات سواء في شبكة الاقتصاديين العراقيين او غيرها، واجد في حقيقة الأمر متعة كبيرة في قراءة نتاجه البحثي. يتأتى ذلك كون نتاجه الفكري يعكس أمران:

الاول، هو درايته الواسعة بالاقتصاد العراقي والتي تأتت بالدرجة الاولى نتيجة الخبرة الطويلة والممارسة المتراكمة. والأمر الثاني، هو تتبعه الحثيث للإصدارات الحديثة المنشورة بقصد الحصول على اخر المستجدات فضلا عما تعكسه كتاباته من متابعة للأخبار المعنية بالشأن الاقتصادي وبشكل يومي. والاهم من هذا وذاك هو ذلك الاصرار الواضح على دعم تحليله بالبيانات بالرغم من شحتها وتضاربها ما بين مصدر واخر، وهي عملية ليست يسيرة بالمرة، وكل من قام بالكتابة حول الاقتصاد العراقي يدرك مدى صعوبة الامر، فهي أشبه ما تكون بعملية الحفر في الصخر إن صح التعبير (انظر على سبيل المثال جدول 1 لعدد العاملين في الجهاز الحكومي، ص 28)

وهذا يقودني الى تناول بحثه الأخير المعنون (تمويل الميزانية والاصلاح الاقتصادي الهيكلي في العراق) المنشور على موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين بتاريخ 15.12.2020. وفي الوقت الذي اتفق مع معظم ما ذهب اليه باستثناء موضوع توزيع الدخل على السكان (ص ص 24-25) وهو ما يصطلح على تسميته في الادبيات الاقتصادية بـ(Universal Basic Income) والتي تمثل حركة ذات بعد اقتصادي\سياسي\اجتماعي آخذة بالتوسع في بلدان العالم المختلفة، وقد طبقت في عدد من البلدان المتقدمة والنامية وإن كانت نتائجها متباينة. لقد سبق وان قمت بتناول الموضوع وبشكل موجز ضمن دراسة شاركت في اعدادها هذا العام (Yousif et.al, 2020).

ولكني أفضل عدم الخوض في التفاصيل حاليا وانما سأسعى الى تناول الموضوع من جديد في مقال مستقبلي، حيث سأعمل على ان يخصص لمناقشة توزيع الدخل على السكان وبشكل تفصيلي، عبر التطرق الى تجارب العالم المختلفة اولا واسقاطات تلك التجارب على الواقع العراقي، مع الاخذ بنظر الاعتبار خصوصية العراق من حيث طبيعة سوق العمل العراقي من جهة، والمستجدات المتعلقة بجانحة كورونا وايرادات تصدير النفط من جهة ثانية. وفي كل الاحوال، الامر يتطلب بتقديري قراءة وتحليل جديد لبيان ماهية الفرص وامكانات التطبيق الناجح من عدمه. وعسى ان يتاح لي ذلك في المستقبل القريب.

اعود مرة ثانيه الى موضوع الورقة أعلاه، وفي تعليقي هذا ابدأ من حيث انتهى الدكتور مرزا، وذلك بتناول الفقرة السابعة تحت عنوان الطريق المستقبلي- الاصلاح الهيكلي بإطار تخطيطي يعتمد الحوافز للقطاعين الخاص والعام بإدارة اقتصادية متمكنة (ص ص 26-27). تكتسب هذه الفقرة اهمية استثنائية لكونها تنتقل من مرحلة تشخيص الداء الى مرحلة وصف الدواء، وهي متعلقة اساسا برؤية المؤلف حول سبل تحقيق الاصلاح المنشود. لقد شدد الدكتور مرزا بأن طريق المستقبل يبدأ من خلال تشكيل هيكل مؤسسي يعقب الانتخابات القادمة في منتصف 2021 (ص 26 و 6). وفي الوقت الذي اتفق من حيث المبدأ حول الحاجة الى وجود او استحداث هكذا تنظيم مؤسسي يعنى بالأمر، كون ان التحدي الحقيقي المتعلق برسم أي سياسة ما يتمثل في ايجاد الوسيلة المناسبة للانتقال من وضع قائم الى آخر جديد (Nye, 2008)، وبذلك فإن وجود التنظيم المؤسسي الجديد سيساعد كثيرا في هذا المجال ان توفر عدد من الشروط المطلوبة من ضمنها الكادر المؤهل والمهنية وغيرها ونحن ليس في صدد تناولها بالتفصيل الان. وهنا لابد من التذكير بأن السياسة الاقتصادية ومنذ عقود خلت عانت ولاتزال تعاني من الافتقار لسمة مهمة وهي الاستمرارية، والتي تتمثل في البناء التراكمي للسياسات المعتمدة اي بالبناء على ما أنجزته الوزارات السابقة من اعمال وتبنته من سياسات (Sassoon, 1987)

وهو امر جوهري يوفر فرصة للخروج من دائرة التسقيط للآخر، والتي تتزامن عادة عند تولي ادارة جديدة لمقاليد السلطة. وبطبيعة الحال يتخذ الامر اهمية أكبر كون ما يميز المرحلة الحالية ما بعد 2003 عن سابقتها هو سمة التغيير المتواصل في الوزارات والطاقم الوزاري والذي يحصل عادة كل 4 سنوات مع وجود عدد من الاستثناءات كما هو معروف. وكما معلوم للجميع ان الفترة الزمنية المذكورة هي في اغلب الحالات غير كافية لتبني واستكمال تطبيق سياسة ما فكيف الحال إذا كان الامر يتعلق بإحداث تغيير هيكلي في الاقتصاد العراقي.

وهذا يقودنا بطبيعة الحال الى التساؤل حول ماهية وشكل الهيكل المؤسسي المطلوب والذي سيوفر هكذا انتقال؟ هل المؤلف يقصد إطار مؤسسي قائم فعلا متمثلًا بوزارة التخطيط بتشكيلاتها الحالية ويكون ذلك مثلا عبر توليها لمهام جديدة تتعلق بالإصلاح الهيكلي، ولاسيما ان دعوة الدكتور مرزا تشتمل ايضا على ضرورة تبني خطة اقتصادية خمسية. اي بعبارة اخرى هل المطلوب اعادة احياء لدور وزارة التخطيط المتراجع منذ عقود ولكن عبر توليها لمهام جديدة تتناسب مع المتغيرات المتعلقة بدور الدولة في عملية التنمية الاقتصادية وحاجة الاقتصاد العراقي الحالية؟ ام ان الامر يتعلق باستحداث تشكيل مؤسسي جديد وهذا يقودنا الى تساؤل جديد هل هذا سيكون عبر تشكيل موازي كما هو الحال بالنسبة لموضوع فكرة اعادة احياء مجلس الاعمار كمؤسسة معنية باختبار وتنفيذ مشاريع التنمية ولاسيما ما يتعلق بمشاريع البنية التحتية فيما ينحصر دور وزارة التخطيط في عملية التنسيق بين الحكومة والمجلس، أشبه بما حصل في اواخر العهد الملكي عندما كانت وزارة الاعمار تمارس هكذا دور.

في الفقرة اللاحقة (ص 27)، تناول الدكتور مرزا موضوع الحاجة الى ادارة اقتصادية وطنية متمكنة، وهو يشير بذلك الى دور الادارة الاقتصادية في الدفع لتحقيق التقدم الاقتصادي او حصول العكس عند غياب هكذا ادارة. وفي الوقت الذي اتفق من حيث المبدأ حول اهمية العامل أعلاه، الا ان الامر بتقديري هو أعمق من ذلك ويتعلق فيما اصطلح عليه بدور المؤسسات في تحقيق النمو والتنمية الاقتصادية (انظر على سبيل المثال، North, 1990 1995)

وهنالك ما يشبه الاجماع بين الاقتصاديين حول الدور الذي تلعبه المؤسسات في تقدم الدول ورقيها في سلم التطور عبر تطوير كل من البيئة المؤسسية والترتيبات المؤسسية الاخرى المرتبطة بها من اصدار للقوانين والانظمة وفرضها … الخ.  وأصبح للموضوع مدرسة خاصة به تحت مسمى الاقتصاد المؤسسي الحديث New Institutional Economics

ويتسع مجال التحليل للمدرسة أعلاه ليشمل فيما يشمل الاقتصاد السياسي للتنمية. والاخير يقودنا الى الاشارة لطبيعة النظام السياسي في مرحلة ما بعد 2003. فكما معروف ان عملية صنع القرار السياسي قد تبنت مبدأ مشاركة جميع مكونات المجتمع العراقي، والتي انعكست عمليا في تبني المحاصصة السياسية المستندة على اسس عرقية ودينية كأسلوب لإدارة الدولة ومؤسساتها المختلفة (Celiku & Mansour, 2020)

ولا اعتقد يختلف اثنان حاليا بأن المحاصصة كانت ولاتزال تمارس دورًا سلبيًا على اداء مؤسسات الدولة وما تبعه او ارتبط به من تفشي ظاهرة الفساد وغيرها.  وان أقرب مثال في هذا المجال هو التجربة اللبنانية فهي مثال حي لتأثير المحاصصة في اضعاف الدولة ومؤسساتها المختلفة فيما ان وضع الصومال هو مثال آخر وان كان بدرجة أكبر في السوء (Acemoglu & Robinson, 2019)

ويثير الدكتور مرزا موضوع آخر ذا بعد مؤسسي ايضا الا وهو العقد الاجتماعي او الدستور، وهو يشير هنا الى ما اصطلح عليه وفقا للاقتصاد المؤسسي بالبيئة المؤسسية (Furubotn, E. G., & Richer, R. (2005))

وفي حقيقة الامر فإن الدكتور مرزا سبق وان تناول ذلك سابقا في كتابة (الاقتصاد العراقي الازمات والتنمية)، حيث وصف بناء الدولة العراقية عبر تاريخها الممتد منذ عام 1921، قد غاب فيها التكوين لعقد اجتماعي\سياسي مستدام (مرزا، 2018). وكون ان المجال لا يتسع هنا لتناول الجوانب المختلفة للموضوع وهو موضوع خلافي اصلا وتتعدد وجهات النظر بشأنه، الا ان من المفيد القول وباختصار شديد ان طبيعة العقد واسلوب فرضه قد اختلفت بشكل جذري في المرحلة الملكية (1921-1958) عنها في ظل الجمهوريات المتعاقبة (1958-2003)، كون ان الدستور كان في الاخيرة اما غائبا او مغيبا بالكامل كما هو معروف. وبالإضافة الى ان موارد النفط قد لعبت هي الاخرى دورا كبيرا في فرض سلطة الحاكم على المحكوم ولعقود طويلة. ولكن ما يميز البحث الاخير ان الدكتور مرزا انتقل الى طرح جديد يتعلق بالدعوة الى تبني عقد اجتماعي جديد يقوم على دستور معدل او جديد وهو امر يحتاج الى توضيح أكثر كون هكذا دعوة تحمل الكثير من التفاصيل. والسؤال هنا: هل الامر يتعلق بنظام الحكم ام بطبيعة توزيع الموارد الاقتصادية بين المركز والاقليم ام بكلاهما معا؟ والاخير هو موضوع خلافي وبامتياز، كون ان دستور عام 2005 كما يصفه البعض له أوجه تفسير متعددة، مما جعل من امكانية ايجاد حلول دائمة لنقاط الخلاف امرا صعبا، بالرغم من وجود عدد من المحاولات خلال السنوات الماضية ولكنها لم تثمر عن نتائج ملموسة. والامر الآخر هو كيفية الأخذ بالخطة الخمسية المقترحة؟ هل المطلوب ان تسبق ام تلحق ام تتزامن مع العقد الاجتماعي\الدستور الجديد او المعدل؟ وهنا يُطرح السؤال الاتي: لماذا المقترح يربط الخطة بالعقد الاجتماعي فيما ان الخطط، وكما هو معروف، هي بطبيعتها قابلة للتعديل والتغيير في الاوليات تبعا للظروف والمستجدات؟

وختاما، لابد من القول بأن المقترحات التي اقترحها الدكتور علي مرزا وكما عودنا دائما هي بناءة ومفيدة ايضا وتتطلب من الاقتصاديين المعنيين بالشأن العراقي العمل على مناقشتها وتطويرها. وهذه القراءة بالرغم مما ورد فيها من تساؤلات عديدة تأتي ضمن هذا السياق، حيث القصد والغاية هي الوصول الى الصيغة المثلى التي تحقق التحول الاقتصادي المنشود.

 

المصادر

مرزا، على (2020) الميزانية والاصلاح الاقتصادي الهيكلي في العراق، الورقة البيضاء وتقرير البنك الدولي، شبكة الاقتصاديين العراقيين، 15 كانون الاول.

مرزا، على (2018) الاقتصاد العراقي، الازمات والتنمية، الدار العربية للعلوم (ناشرون)، بيروت.

Acemoglu, D., and Robinson, J.A. (2019). Rents and economic development: the perspective of Why Nations Fail. Public Choice 181, 13–28. https://doi.org/10.1007/s11127-019-00645-z

Celiku, B., and Mansour, W., (2020). What will it take to bring back growth in Iraq? www.brookings.edu/blog/future-development/2020/10/27/what-will-it-take-to-bring-back-growth-in-iraq/ (accessed 30 October, 2020)

Furubotn, E. G., and Richer, R. (2005). Institutions and economic theory: The contribution of the new institutional economics, (2nd ed.), Ann Arbor, Michigan: The University of Michigan Press.

North, D. (1990), Institutions, Institutional Change and Economic Performance, 24th ed., New York, NY: Cambridge University Press.

North, D.C. (1995). The new institutional economics and third world development in Harris, J. Hunter and Colin M. Lewis (Eds.), The new institutional economics and third world development (pp. 17-26). New York, NY: Routledge.

Nye, J. (2008). Institutions and institutional environment in E. Brousseauand and J.-M. Glachant (Eds.), New institutional economics: A guidebook (pp. 67- 80). New York NY: Cambridge University Press.

Sassoon, J. (1987). Economic policy in Iraq 1932-1950, New York NY: Frank Cass & Co., Ltd

Yousif, B., Morrar, R. and El-Joumayle, O. (2020). Conflict, Institutions and the Iraqi Economy, 2003-2018. Economic Research Forum, working paper no. 1387, April 2020.

 

(*) باحث وكاتب اقتصادي عراقي وعضو في هيئة تحرير. موقع شبكة الاقتصاديين العراقيين.

حقوق النشر محفوظة لشبكة الاقتصاديين العراقيين.  يسمح بإعادة النشر بشرط الإشارة إلى المصدر. 26/12/2020

لتحميل المقال كملف بي دي أف انقر على الرابط التالي

عمر الجميلي-مطالعة في بحث الدكتور علي مرزا-محررة (2)

الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية

تعليقات (2)

  1. د. عمر الجميلي
    د. عمر الجميلي:

    عزيزي د.علي
    اود في البداية ان اشكرك على التوضيح وكذلك على الاجابة على اغلب تساؤلاتي. وفي الوقت الذي اضم صوتي لصوتكم حول ضرورة التخلص من الفساد والمحاصصة ولكني اعتقد في الوقت نفسة اننا ( الاقتصادييون) نحتاج ايضا الى راي وتوصية المتخصصين في كل من علم الاجتماع ، القانون والعلوم السياسية ، فكما معلوم لديكم ان الامر لة اكثر من بعد وامتداد. اكرر شكري لكم مع كل المحبة والتقدير.
    د. عمر الجميلي

  2. Avatar
    د. علي مرزا:

    عزيزي د. عمر الجميلي،
    شكراً جزيلاً على قراءتك المتمعنة والجادة/الهادئة لورقتي: ’تمويل الميزانية “والإصلاح الاقتصادي الهيكلي” في العراق، الورقة البيضاء وتقرير البنك الدولي‘.
    لقد تَناولتَ في قراءتك نقاطاً مؤسسية institutional على درجة عالية من الأهمية، والتي هي أيضاً بحاجة إلى نقاش موسع من المحبذ أن يشترك به خبراء واقتصاديون آخرون. لذلك سأكتفي بطرح بعض النقاط التوضيحية في ما يلي:
    أولاً: توزيع عوائد نفطية على السكان في دولة ريعية. أتفق معك أن هذا موضوع خلافي controversial، وأتطلع لنقاشك لهذه المسألة كما وعدت أنت، مستقبلاً.
    ثانياً: لقد ركزت العديد من ملاحظاتك، وهي ملاحظات مهمة، على قضايا أُثيرت في الفقرة الأخيرة من ورقتي (الفقرة سابعاً). وهذه فقرة مختصرة جداً كتبتها كخطوط عامة لما أعتقد أنه يمثل قضايا تتعلق بمستقبل التطور الاقتصادي في العراق. فالقصد كان منها الدعوة لمناقشة هذه القضايا وليس طرحها تفصيلاً، خاصة وأن ورقتي استنفدت معظم مادتها (الفقرات أولاً-سادساً) في تناول قضية الانتقال من الأمد الآني لتمويل الميزانية/ميزان المدفوعات إلى الأمد المتوسط/البعيد “للاصطلاح الاقتصادي الهيكلي”. مع ملاحظة أن هذين الأمدين متداخلان. ومع ذلك دعني أوضح ما يلي:
    (1) بالرغم من أن “العقد الاجتماعي” لا يقتصر على الدستور ولكن الدستور يمثل حجراً أساسيا فيه. ومنذ التصويت على الدستور وإقراره ظهرت خلافات كثيرة حوله، سواء بين الإقليم والمركز أو بين مناطق العراق وجماعاته. ولقد أقترح العديد من الكتاب العراقيين تعديلات تتعلق ببعض فقراته الخلافية. وبالإضافة لتوقع انخفاض أسعار ومن ثم عوائد النفط مستقبلاً، ومن ثم الإمكانية العالية لتناقص قابلية الدولة في تقديم الخدمات وإتاحة فرص العمل التي كانت تقدمها سابقاً، كل ذلك يتطلب عقداً اجتماعياً متفق عليه.
    (2) لم أقصد أن أربط بين الخطة الخمسية، من ناحية، والعقد الاجتماعي، من ناحية أخرى. ليس هناك ربط بين الأثنين في ورقتي. ربما ينصرف ذهن القارئ لوجود ربط من كون أن كلاهما ذُكِر كمهام مستقبلية.
    (3) إن التفضيل “لهيكل مؤسسي” مساند للإصلاحات ينصرف بجزء جوهري منه إلى ضرورة تخليص الوزارات والمؤسسات (والإدارات العامة ألأخرى) من الفساد والمحاصصة والمحسوبية مع تحقيق تنسيق فعال في ما بينها. كل ذلك خدمة لنهوض إدارة اقتصادية متمكنة قادرة على تنفيذ “الإصلاحات الاقتصادية الهيكلية” وتحقيق التنويع الاقتصادي. ليس هناك داع للقفز على الواقع من خلال إقامة هياكل جديدة منفصلة. لأن أقامتها مع استمرار الفساد والمحاصصة لن يحل مشكلة تواضع الإدارة الاقتصادية. لذلك، ببساطة مع التكرار، قصدت “بالهيكل المؤسسي المساند” هو تخليص الجهاز الحكومي من الفساد والمحاصصة وتواضع الكفاءة مع إقامة تنسيق فعال بين إداراته.
    (4) وبالإضافة لأهميتهما في ربط الأمد الآني والمتوسط/البعيد، فأن خطة خمسية وميزانية خمسية، واقعيتين ومترابطتين، يمكن أن يكونا أداتين أساسيتين من أدوات التنسيق. ومع إمكانية وجود مجلس للتخطيط، وغيره من أطر مناسبة أخرى ممكنة، سيكون للإدارة الاقتصادية وسائل مالية واستثمارية ولوجستية فعالة. وذلك يخدم توجيه دفة الاقتصاد نحو التنويع الاقتصادي، بتعاون القطاعين العام والخاص، في ظل حوافز تقود للكفاءة الاقتصادية، من ناحية، وسياسات واجراءات تقود للعدالة الاجتماعية، من ناحية أخرى.
    (5) أما في ما يخص مسألة إعادة وزارة الإعمار كما في السابق، فلقد بينت رأي بهذا الصدد في كتابي الذي أشرت أنت له. وباختصار يمكن القول أن أعادة هذه الوزارة كما في السابق (وبالذات تخصيص نسبة لها من عوائد النفط للاستثمار) موضوع يخضع للاجتهاد. ومن جانبي، فلقد بينت ملاحظاتي غير المحبذة عليه في الكتاب. وللاستزادة يمكن الرجوع للفصل الرابع عشر منه.
    مع التقدير.
    د. علي مرزا.
    مرزا، علي (2018-ب) الاقتصاد العراقي، الأزمات والتنمية، الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت، آب/أغسطس.
    _______ (2020) ’تمويل الميزانية “والإصلاح الاقتصادي الهيكلي” في العراق، الورقة البيضاء وتقرير البنك الدولي‘، شبكة الاقتصاديين العراقيين، 15 كانون الأول/ديسمبر.

التعليق هنا

%d مدونون معجبون بهذه: