الرئيسيةقطاع التأمين الوطني والاجنبي

عبد الباقي رضا*: رسائل في السيرة الذاتية والتامين

مقدمة عامة

(1)

يعود مشروع نشر مختارات من رسائل الراحل عبد الباقي رضا إلى تشرين أيلول 2011 عندما كتبت له مجموعة من الأسئلة (أنظر الملحق 2) لرسم معالم أساسية في سيرته الوظيفية.  تبع ذلك في تشرين الثاني 2011 مشروعي لإعداد كتاب عن شركة التأمين الوطنية، التي تعلمت فيها مبادئ التأمين، يكتب من قبل مجموعة من العاملين والعاملات في الشركة على شرف festschrift الأستاذ عبد الباقي رضا، اعترافًا بمساهمته كرجل تأمين، وليس مجرد موظف في مؤسسة حكومية، في تطوير وتعزيز مكانة التأمين في العراق.  نحن المعاصرين لفترة إدارته لشركة التأمين الوطنية صرنا نطلق على هذه الفترة اسم “العصر الذهبي”.  من المؤسف أن هذا المشروع لم يتحقق.

 

وكنت قد تبادلت مع الراحل رسائل عدة بشأن نشر رسائله، التي كتبها كإجابات على مجموعة الأسئلة التي قدمتها له، ككتاب بعد اطلاعه على مسودته لكنه آثر تأجيل النشر لما بعد رحيله.  وكانت قناعته أن سيرته الذاتية لا يمكن أن تُختصر، وهو على حق، بمجموعة من الرسائل لم تُكتب أصلًا بغرض النشر، فهذه السيرة هي من الثراء والعمق مما لا يمكن لبضع رسائل الكشف عنها.  وقد ذكر لي أن الكتاب، في صيغته الأولى غير المنشورة، يمكن أن يُضمَّ إلى مكتبة شركة التأمين الوطنية وشركات تأمين أخرى.  وقتها لم نفكر بنشر الكتاب في طبعة ورقية.

 

في رسالة لي لأستاذي الراحل بتاريخ 17 نيسان 2017 عُدتُ إلى مسألة نشر الكتاب:

 

أكبّر فيك تواضعك، وهو من صفات العالم الحقيقي، وقولك ان ما قمتَ به في عهد إدارتك للتأمين الوطنية “هو ما كان يجب أن يقوم به أي اداري موضوعي مخلص لواجبه الوظيفي ..” هو حقاً ما يجب أن يكون عليه الحال، وهو ما اعتقد بأننا صرنا نفتقده.  وما دراستي المتواضعة عنك إلا محاولة لتأكيد مقولتك بصيغة أخرى واسترجاع جوانب من نموذج إدارتك لعل البعض يستفيد منها عدا أنها توثيق مختصر جداً لعهدك.

 

أنا أشكرك على عدم ممانعتك لنشر المقدمة التي كتبتُها لرسائلك.  وفيما يخص نشر الرسائل ذاتها أود أن أقول بأن كلانا يتقدم في العمر، لذلك ألا ترى معي أنه قد يكون من المفيد إعداد الرسائل-الكتاب للنشر، بعد حين، إلكترونياً، لحفظه في مكتبة التأمين الوطنية وتوزيعه على ممارسي التأمين في العراق؟  أترك تقدير الأمر لك.  وبالنسبة لتشخيص نوع الخط فإنه كان ينصبُّ على عنوان الكتاب، فقد أرفقتَ مع رسالتك المؤرخة 28 نيسان 2013 نماذج للعنوان للخطاط إحسان أدهم وكنتَ وقتها تقلب الرأي بشأنه.  أرفق نسخة من رسالتك.

 

(2)

 

إن السيرة الذاتية التي تضمنتها رسائله غير مكتملة فهي أوسع مما أتى على ذكرها في رسائله.  أما وأنه قد رحل عن دنيانا فقد آن الأوان لتعريف أصدقائه وأصحابه ومحبيه والمهتمين بتاريخ التأمين في العراق بجوانب من سيرته التي كتب عنها.  ولعل غيري يحتفظ برسائل من الراحل تغطي أمورًا لم يأتي على ذكرها في رسائل هذا الكتاب.  الأمل هو أن يقوم أحد الباحثين بكتابة سيرة هذا الإنسان الفذ ويسد فراغًا في دراسة دور الأفراد في تاريخ التأمين العراقي.

 

من رأيي أن هذه الرسائل ليست مجرد سرد لمحطات معينة في تاريخ الراحل بل توثيق لجوانب من تاريخ التأمين في العراق.  ولذلك اخترت أن يكون عنوان الكتاب رسائل في السيرة الذاتية والتأمين.  وأرى أن فرادة الراحل تكمن في مجال العمل التأميني رغم عمله واهتماماته الأخرى المصرفية والمحاسبية وفي يفاعته نظمه للشعر.

 

(3)

 

نعرف أن السيرة الذاتية autobiography، كجنس أدبي، هي المصدر الأساس لما يراه كاتبها أنها سرد لتاريخه الشخصي، وهي بهذا المعنى حكاية أو مجموعة حكايات أو صورة ذاتية تاريخية حدثت في الماضي.  وتكمن قيمة السيرة الذاتية، من منظور التاريخ، في حقيقة أنها تساعد في قراءة أفكار كاتبها والحكايات التي يرويها بصيغة المتحدث الأول وليس بصيغة متحدث آخر كما هو الحال بالنسبة لكتب السيرة biography.

 

لا تشكل رسائل الراحل سيرة ذاتية تقليدية كاملة، بدءاً من الولادة ومرحلة الطفولة والبلوغ وتأسيس الأسرة وصولًا إلى مرحلة الانتهاء من الكتابة.  لقد اختار الكتابة عن محطات معينة في حياته ربما لأنه كان يراها مختلفة ومتميزة وتستحق التوثيق وتوفر متعة لمن يقرأها.  وهي ليست من نمط المذكرات memoirs ولكنها تقترب منها، إذ يركز الراحل على محطات معينة ويلتقط مفردات من حياته في المدرسة وفي مجال العمل، تعكس التجربة الشخصية وتشكّل، في رأيي، في مجملها، دروسًا ومصدر إلهام لمن يقرأها.

 

وأيًا كان تصنيفنا للرسائل فإنها جزء مهم من تاريخ التأمين في العراق، وهي تساعد في فهم شيء من هذا التاريخ من خلال توفير سياقات لبعض التطورات، ذلك لأن هناك تقاطع بين السيرة الذاتية في هذه الرسائل والبيئة التي نشأ فيها الراحل وتاريخ التأمين العراقي الذي عاصره وساهم في تشكيله.  إن من سيبحث ويكتب سيرة هذا الإنسان سيكشف لنا كيف تشكَّلت تجربته التأمينية من خلال الأحداث التاريخية التي مرّت بالعراق.

 

(4)

 

تشكل بعض كتابات بهاء بهيج شكري[1] ومصطفى رجب[2] وعطا عبد الوهاب[3] وعبد الباقي رضا، كما تشهد رسائله في هذا الكتاب ومساهمته مواقع وكتب أخرى،[4] وآخرين[5] مصادر شخصية يمكن الاستفادة منها في دراسة جوانب من تاريخ التأمين في العراق.  هذه الكتابات لم تستهدف البحث في تاريخ التأمين، وكتابها ليسوا بمؤرخين، لكنها تضم رصدَا لبعض الظواهر والأحداث والأشخاص والتجربة الشخصية لكل منهم.  ولذلك فإن هذه الكتابات تخضع للتقييم باستخدام أدوات البحث التاريخي كالحفر، ليس في الذاكرة فقط بل في المصادر المتناثرة في سجلات شركات التأمين ومنها محاضر مجالس الإدارة ووثائق التأمين وملفات التعويض والقضايا التأمينية المعروضة أمام المحاكم، والعلاقة مع دوائر الضريبة، ودائرة مسجل الشركات، ودوائر الرقابة على التأمين، والتشريعات، والبحوث الأكاديمية، والصحف وغيرها والمؤسسات الأخرى ذات العلاقة.

 

نحن كقراء نتلمّس في كتاباتهم مواقفهم ولمساتهم وتجربتهم الشخصية وأدوارهم في “صنع” التاريخ التأميني في العراق، وهم بهذا يختلفون عن الغير ممن تناول هذا التاريخ في بضع فقرات هنا وهناك في كتاباتهم.  هذا ليس انتقاصًا من أهمية الغير بل مجرد الإشارة إلى أن ما صدر منهم في كتاباتهم كان مدرسيًا وهو ما أملى عليهم منهج الابتعاد عن دورهم الشخصي في النشاط التأميني.[6]  ولهذا فإن كتاباتهم مصادر ثانوية للبحث.

 

من الضروري هنا التأكيد على أن أجيالًا من العاملين والعاملات ساهمت، من مواقعها المختلفة، في بناء قطاع التأمين العراقي.  لقد كانوا، كما يقال، الجنود المجهولين في إدامة العمل.  قد لا نتعرف على جميعهم إلا أن آثارهم تتجسد في أداء شركات التأمين التي عملوا فيها بصمت.  لنتذكر أنه لم يكن بوسعنا العمل دون مساعدة كاتبات الطابعة اللاتي تحملن رداءة خطنا وإعادة طبع ما نكتب.  نتذكر أيضًا بعض مدراء الأقسام من النساء والرجال الذين تركوا بصماتهم على العمل التأميني في مجال تخصصهم وتأثيرهم على العاملين والعاملات معهم.  لم يكن الراحل بعيدًا عن هذا التصور لإدارته لشركة التأمين الوطنية طيلة 12 عاماً، كما حاولت إبرازه في دراستي عنه كقائد إداري في مؤسسة عامة.  يذكر في مفكرته اليومية، المنشورة كفصل في هذا الكتاب، أنه، في انتقاله من التأمين الوطنية إلى المؤسسة العامة للتأمين، ودَّع موظفي الشركة ابتداء من الطابق الرابع حتى الأرضي والعمال في الموقع.

 

تنبيه

  • يضم الكتاب الرسائل التي ضمتها مسودة 2013 (المجموعة الأولى) غير المنشورة مع إضافة رسائل أخرى (المجموعة الثانية) أرى أنها تلقي المزيد من الضوء على سيرة راحلنا وموقفه من بعض قضايا التأمين في العراق.
  • الهوامش التي وضعها الراحل مُعرَّفة بالحرفين الأولين من اسمه (ع.ر.)

 

مصباح كمال

كانون الثاني-شباط 2022

 

[1] بهاء بهيج شكري، بحوث في التأمين، (عمان: دار الثقافة، 2012)، فصل “البحث التمهيدي: تجربتي مع التأمين،” ص 15-82.

 

وكذلك كتابه رسائل حول تاريخ التأمين في العراق، (مكتبة التأمين العراقي، 2021)

 

[2] تيسير التريكي ومصباح كمال، حوار مع رائد في إعادة التأمين: الدكتور مصطفى رجب، (بيروت: منتدى المعارف، 2020)

 

[3] عطا عبد الوهاب، سلالة الطين: سيرة مأساة، (بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 2014)

 

[4] كموقع شبكة الاقتصاديين، والحوار معه في كتاب تيسير التريكي ومصباح كمال، ذاكرة التأمين العربي-حوارات (بيروت: منتدى المعارف، 2021)، ص 145-166.

 

[5] فؤاد عبدالله عزيز، ثلاثة عقود في شركة التأمين الوطنية، (مخطوطة لم تنشر بعد، 2016).  المخطوطة جاهزة للنشر لكن الاتصال بالمؤلف الذي يقيم في البحرين معدوم.

 

علمت من موفق حسن رضا أنه يعمل على كتابة مذكراته بعنوان (محطات).

 

[6] من بين هؤلاء: كاظم الشربتي، التأمين: نظرية وتطبيق، (بغداد: مطبعة الإرشاد، الطبعة الأولى 1964، الطبعة الثامنة 1986).

 

بديع أحمد السيفي، الوسيع في التأمين وإعادة التأمين علمًا وقانونًا وعملًا، (بغداد: دون ناشر، صدر بجزئين، 2006)

واضيف لهما كتابي أوراق في تاريخ التأمين في العراق: نظرات انتقائية، (بغداد: منشورات شركة التأمين الوطنية، 2011)، وما تلاه من دراسات أخرى.

لتحميل الكتاب انقر على الرابط التالي

Autobiographical Insurance Letters

الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية

التعليق هنا

%d مدونون معجبون بهذه: