نشر الزميل الأستاذ حمزة الجواهري يوم أمس مقالاً تناول فيه موضوع اتفاقيات النفط التي عقدتها حكومة إقليم كردستان العراق في الإقيم وفي المناطق المتنازع عليها وكذلك عن العلاقة بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم. وقد تكونت لديَّ بعض الملاحظات التي وجدت مناسباً الكتابة عنها, إذ إنها تمس مصالح الشعب العراقي بكل قومياته. وقد ابديت العديد من الملاحظات في مقالات سابقة نشرت في صحافة الإقليم وباللغة العربية والكردية أم في المواقع الإلكترونية أو في أحاديث مباشرة مع القوى المشاركة في حكومة الإقليم. وأود هنا أن اركز على الملاحظات الأساسية وليس على تفاصيل ما ورد في المقال, والتي تتلخص في النقاط التالية:
1 . الملاحظة الأساسية تتعلق بصواب ملاحظة الزميل الجواهري حول الاتفاقيات النفطية التي عقدتها حكومة الإقليم خلال السنوات المنصرمة وفي أعقاب سقوط الفاشية مع عدد كبير من شركات النفط الاحتكارية الأجنية لا تتفق شكلاً ومضموناً مع النص الدستوري العراقي كما تتعارض مع النص الدستوري الخاص بوجود إقليم كردستان الفيدرالي ضمن وفي إطار الدولة العراقية الاتحادية. إن النفط في العراق كله هو ملك للشعب العراقي كله أولاً, وإن السياسة النفطية تخضع للحكومة الاتحادية ثانياً, وإن عوائد استخراج وتصدير النفط الخام توزع من خلال الحكومة الاتحادية ثالثاً, بالتالي لا يجوز لحكومة الإقليم أن تعقد اتفاقيات نفطية خارج الاتفاق المسبق مع الحكومة الاتحادية وموافقتها رابعاً.
2 . إن الاتفاقيات النفطية المعقودة بين شركات النفط الاحتكارية الأجنبية وبين حكومة الإقليم لا تخضع لمعايير الدولية في موضوع عقود المشاركة في الإنتاج من ناحيتين: أ- من حيث صيغ الاتفاقيات التي لم تأخذ مصالح العراق بنظر الاعتبار, وب – ومن حيث كون العراق لا يحتاج من حيث المبدأ إلى عقد اتفاقيات مشاركة في الإنتاج, بل إلى عقود خدمة وهي بدورها ليست في صالح الإقليم والعراق عموماً, في حين إن عقود الحكومة العراقية هي عقود خدمة وذات أفضلية كبيرة للعراق, بغض النظر عن بعض الملاحظات التي أوردها المختصون بشؤون النفط حول اتفاقيات الحكومة الاتحادية, والي هي صائبة من حيث المبدأ, ولكنها تبحث في جوانب أخرى من تلك الاتفاقيات.
3 . إن العقود النفطية الموقعة بين حكومة الإقليم وشركات النفط الأجنبية تسمح لهذه الشركات بتحقيق نسبة ارباح عالية جداً تفوق عدة أضعاف ما تحققه تلك الشركات وغيرها من العقود المبرمة مع الحكومة العراقية ببغداد. وهي تُحمَّل الطرف العراقي بكل قومياته أو الشعب العراقي عموماً خسائر مالية فادحة حقاً لا يمكن القبول بها ولا يجوز عقدها, إذ أن هناك دراسات علمية محايدة وصادقة تؤكد مواطن الخلل في اتفاقيات النفط التي أبرمها ووقعها الإقليم.
4 . إن العقود المبرمة بين حكومة الإقليم وشركات النفط الأجنبية ذات طبيعة سياسية وليست اقتصادية, مما لا يساعد على هضم تلك العقود الموقعة لأنها في غير صالح الاقتصاد العراقي عموماً والكردستاني خصوصاً ولا يحتاجها الإقليم في الظروف الجديدة التي نشأت في العراق, رغم المصاعب التي تحيط بالعملية اسياسية برمتها ومشكلات وجود نظام سياسي طائفي أثني.
5 . ليس هناك في إقليم كردستان من لا يتحدث عن تهريب النفط, بل كثرة من الناس, ومنهم كثرة من الاقتصاديين الذين التقيت بهم في أربيل والسليمانية, وكذلك الناس الاعتياديين يتحدثون عن هذا الموضوع. ولا يمكن أن لا يكون هذا الدخان الكثيف بدون نار, بغض النظر عما إذا كان هناك تهريب للنفط في مناطق أخرى من العراق (وسط وجنوب العراق) أيضاً, إذ إن الحالتين تعبران عن فساد مرفوض قطعاً.
6 . بغض النظر عن رأيي أو رأي الآخرين بما اتفق على تسميته بالمناطق المتنازع عليها, لا يجوز لأي طرف عقد اتفاقيات نفطية فيها إلا باتفاق الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم, إذ إنها مخالفة صريحة لبنود الدستور من جهة, وتثير الكثير من الإشكاليات الجديدة وتعقد اللوحة السياسية العراقية التي هي معقدة بالأساس من جهة ثانية, وتفسح في المجال لصراعات إضافية لا مبرر لها بأي حال.
7 . إن بعض السياسة التي مارستها وتمارسها حكومة الإقليم والعديد من تكتيكاتها في عدد من القضايا المهمة, تساهم, كما أرى, في نشوء عواقب سلبية لا بد من وضع اليد عليها:
أ. إنها تضعف من تأثير سلبيات السياسة الحكومية العراقية على أذهان الناس الاعتياديين ولا تكشف عن أخطائها القاتلة, لأن هذه السياسات وتلك التكتيكات خاطئة ومتعجلة وغير مدروسة بعناية أو ردود فعل حادة في غالب الأحيان, وخاصة في مجال النفط وإجازات الاستيراد أو بعض التصريحات المثيرة للجدل حتى داخل إقليم كردستان العراق ومنها التحالف الثلاثي الأخير, على سبيل المثال لا الحصر.
ب. إن هذه السياسات تثير اصدقاء الكرد التقليديين من العرب العراقيات والعراقيين الذين وقفوا وما زالوا يقفون إلى جانب حق الشعب الكردي في تقرير مصيره وناضلوا مع الكرد في سبيل الديمقراطية للعراق والحقوق القومية العادلة للشعب الكردي. إنهم يخشون على المكاسب العادلة التي تحققت للإقليم والتي لا يجوز التفريط بها من خلال اندفاعات غير مدروسة.
ت. إذ إنها تعطي الانطباع وكأن الكرد على وشك الانفصال, في حين إن الشعب الكردي يدرك والعرب يعرفون أيضاً بأن هذه القضية غير واردة حالياً ولفترة طويلة قادمة, وبالتالي فإن إثارة المشاعر وإعطاء انطباع خاطئ يثير المزيد من المشكلات بدلاً من حلها ويقلل من القدرة على المساومة المطلوبة والحلول العقلانية الممكنة للمشكلات القائمة, فالسياسة فن الممكنات.
ث. إن السياسة التي تمارسها حكومة الإقليم لا تشير إلى وجود تنسيق بين الحزبين الرئيسيين الحاكمين في الإقليم, الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني, وبالتالي تثير للطرفين متاعب غير قليلة كما حصل في الآونة الأخيرة, وخاصة في الموقف من رئيس الوزراء نوري المالكي وسياساته وقضية سحب الثقة والاستجواب, رغم إن التنسيق الجيد والتعاون الوثيق بينهما ومع بقية القوى الكردستانية والقوى اسياسية الأخرى على صعيد العراق كله, وخاصة القوى الديمقراطية يسهم في الابتعاد عن الاخطاء التي تثير إشكاليات إضافية.
ج. إن التحالف الأخير بين الأطراف الثلاثة: الحزب الديمقراطي الكردستاني والقائمة العراقية وكتلة الأحرار (مقتدى الصدر), هي بالأساس, كما أرى, كان فخاً إيرانياً فظاً ومدروساً بعناية من جانب الطرف الإيراني وبالتنسيق مع قوى عراقية إسلامية سياسية, وخاصة مع مقتدى الصدر, وغيره, كان ينبغي أن لا يقع فيه الحزب الديمقراطي الكردستاني, وكان هذا الفخ اللعين في صالح المالكي حتى الآن رغم كل سياسات المالكي الخاطئة والمضرة.
ح. لقد أهمل التحالف الكردستاني عموماً قوى التيار الديمقراطي في العراق, في حين شكل ولسنوات طويلة جزءاً من هذا التيار, وبالتالي ساهم, شاء ذلك أم ابى, في إضعاف هذا التيار, وفي تعزيز قوى الإسلام السياسي. وإذا كان ميزان القوى السياسية في العراق قد فرض ذلك حتى قبل إسقاط النظام, فإن التعاون معغ قوى التيار الديمقراطية كانت وستبقى ضرورية, إلا إذا رأي التحالف الكردستاني إنه خارج إطار قوى التيار الديمقراطي العراقي, لأنه قوى قومية كردية فقط وهو في السلطة ولأنه يمارس الحكم الآن ولا يحتاج لمساندة القوى الديمقراطية العراقية التي كانت الحليف الدائم للقضية الكردية والشعب الكردي.
خ. أشعر بصدق وبمسؤولية كبيرة بأن على قادة الأحزاب والقوى السياسية الكردستانية, وبشكل خاص قوى التحالف الكردستاني, ورئاسة وحكومة الإقليم, أن يعيدوا النظر بسياساتهم إزاء جملة من الأمور التي تستوجب ذلك وإجراء تعديل في الخط السياسي العام والتكتيكات اليومية لكي لا تندفع السياسة باتجاه التطرف الذي يضعف الوحدة الوطنية العراقية الضرورية, كما لا يسهم في إيجاد ارضية اوسع لعلاقات أمتن مع حلفاء القضية الكردية التقليديين من العرب وغيرهم, واعني بهم القوى الديمقراطية العراقية. كما إنه يسهم ويساعد قوى ودول الجوار في التأثير السلبي على مجمل الوضع في العراق وعلى مكاسب الشعب الكردي التي يفترض أن تكون جزءاً من مكاسب الشعب العراقي, وأن يجري اهتمام من جانب الكرد بمصالح العرب التي تساهم في تعزيز التضامن النضالي في المرحلة الراهنة.
لا أحتاج هنا أن أعيد ذكر مواقفي الواضحة من سياسات المالكي ومن طبيعة النظام السياسي المحاصصي القائم, طائفياً وأثنياً, الثقيلة جداً على الشعب العراقي والمجتمع المدني وروح المواطنة والصالح العام, إذ إن كتاباتي بهذا الشأن يومية تقريباً ولن أكف عن الكتابة فيها إلى أن يتغير مسار الحكومة الاتحادية ايضاً ويحصل التغيير صوب الدولة المدنية الديمقراطية الاتحادية الحديثة.
أشير هنا أيضاً إلى أن بعض أبرز ملاحظاتي المذكورة في أعلاه لم أخفها عن السادة المسؤولين وبعض قادة الأحزاب السياسية في إقليم كردستان العراق وكذلك في مقالاتي السياسية والاقتصادية المنشورة في الصحافة الكردستانية وفي عشرات المواقع الإلكترونية أو في الأحاديث المباشرة عن العلاقة العربية – الكردية في العراق.
أتمنى أن تؤخذ ملاحظاتي بنظر الاعتبار لأنها تنطلق من موقع الحرص والصداقة الخالصة للشعب الكردي ومن إدراكي لمجرى الأوضاع والمخاطر التي تحيط بالعراق ووعيي لأهمية تدقيق السياسات باستمرار, ومن موقع المواطنة المشتركة والمهمات التي يفترض أن تكون مشتركة بالنسبة للقوى الديمقراطية العراقية.
شبكة الاقتصاديين العراقيين 29/7/2012
الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية