المعالم المميزة للنهج النرويجي
قبل ان نستعرض الخطوات التي ساعدت النرويج على تجنب نقمة النفط لابد لنا من درج ابرز العوامل التي تميز النرويج وتجعلها من انجح الدول المنتجة للنفط في ادارة مصادرها النفطية بصورة عامة. وتتلخص هذه العوامل المميزة في ما يلي:
- التركيز منذ البداية على ضرورة السيطرة الوطنية على كل القرارات التي تمس اتجاه وزخم عمليات النفط.
- توفر ادارة حكومية عادلة ونزيهة وعلى درجة عالية من الكفاءة ليس فقط في قطاع النفط وانما في جميع السلطات الحكومية بصورة عامة.
- التمسك بمبدأ التنويع بين الشركات العاملة للاستفادة من تجاربها وخبراتها المختلفة.
- الاستفادة من المنافسة البناءة بين الشركات لغرض تحسين شروط العقود من جهة ولتحسين الكفاءة في عمليات التشغيل من الجهة الاخرى.
- تمهيد الطريق للمساهمة الوطنية من قبل القطاعين الحكومي والاهلي في عمليات النفط اما مباشرة خلال امتلاك اسهم في امتيازات النفط او بصورة غير مباشرة عن طريق تجهيز الخدمات والمعدات لعمليات النفط.
- التزام السلطات الحكومية منذ البداية بضرورة التمسك بتوازن معقول بين دور الشركات الوطنية من جهة ودور الشركات الدولية من الجهة الاخرى.
- النجاح في خلق تعاون بناء بين شركات النفط والسلطات الحكومية.
- التركيز على تحقيق اعلى نسبة ممكنة لاستخلاص النفط من المكامن والنجاح في مضاعفة نسبة الاستخراج من 25% الى اكثر من 45%.
- التركيز على حماية البيئة والسلامة في كل عمليات النفط.
- تحقيق مستوى تقني عالي للأداء في قطاع النفط عن طريق البحث والتطوير وتطبيق النتائج في عمليات النفط على الساحل القاري النرويجي.
بالإضافة الى هذه المميزات يجب التأكيد على دور التنسيق والتخطيط على الصعيد الوطني في النرويج.كل العوامل المذكورة اعلاه، ووامل اخرى غيرها ، لعبت وما زالت تلعب دوراً مهماً في تكميل بعضها البعض داخل استراتيجية وطنية متكاملة تساعد على تحديد الاهداف ووضع الخطط المنسقة لتحقيقها.في هذا المجال لعبت وتلعب وزارة المالية دوراً مهماً في تنسيق ووضع الخطط لتطوير الاقتصاد الوطني التي تقدم لمجلس الوزراء ومن ثم لمجلس النواب لمناقشتها بالتفصيل عند مناقشة الميزانية العامة للدولة.
ميزات النرويج قبل عهد النفط
ليس هناك أي شك بأن ظروف النرويج قبل اكتشاف النفط كانت اكثر ملائمة للنجاح اذا ما قورنت بغيرها من الدول التي سبقتها في دخول صناعة النفط. ومن باب التذكير بهذه الظروف المشجعة نذكر ما يلي:
عند بداية صناعة النفط في النرويج كان البلد من الناحية الاجتماعية يتمتع بمجتمع منظم ومستقر على مستوى عالي للمعيشة وحيث تتوفر العناية الاجتماعية لكل المواطنيين بدون استشناء. بفضل هذا الامان النفسي للمواطنين، وبحكم جمال الطبيعة النرويجية ، كان (ومايزال) النرويجيون يميلون في اسلوب حياتهم اليومية الى تفضيل القيم المعنوية والروحية على القيم المادية.
من الناحية السياسية كانت النرويج قبل بداية التنقيب عن النفط تتمتع بديمقراطية راسخة وجهاز حكومي متمكن وفعال.كذلك كانت النرويج وما زالت تعتبر بداً مسالماً يدافع ع حقوق الانسان ويؤمن بالتعاون الدولي مما جعلها في موقع الاحترام والثقة لدى بقية البلدان والشعوب.
اما من الناحية الثقافية فلقد كان البلد ومازال يتمتع بمستوى عالي للثقافة العامة مع تقنية نامية ومتطورة ومستوى مرموق في الثقافة الجامعية والبحوث.
من الناحية الاقتصادية كانت النرويج تتمتع باقتصاد متكامل ومنتعش يتميز بأساس صناعي مرموق.بحكم توفر الشلالات الطبيعية تميز البلد بمصادر مستدامة للطاقة ادت الى انخفاض استيراداته النفطية مقارنة بقية دول اوربا التي كانت تعتمد كلياً على استيراد النفط . وكما هو معروف فان للنرويج تقاليد طويلة ومتطورة في كل من الملاحة صيد الاسماك مما ادى الى تجارة واسعة النطاق خاصة مع أوروبا وامريكا.
الاتفاق الجماعي في البرلمان حول سياسة النفط في عام 1971 (الوصايا العشر)
من اجل تعزيز السياسة الوطنية فيما يتعلق بأمور النفط ارتأت لجنة الطاقة في البرلمان النرويجي في عام 1971 ان تدون المبادئ الاساسية لسياسة النفط في وثيقة مركزة يسهل الرجوع لها من قبل اكثر عدد من المواطنين وبالأخص أولائك الذين يعملون في صناعة النفط. ومن باب التأكيد على هذه المبادئ سميت الوثيقة بالوصايا العشر. ويمكن تلخيص فحوى هذه الوثيقة بالمبادئ التالية:
1- يجب ضمان السيطرة الوطنية على اتجاه وزخم كل عمليات النفط في النرويج.
2- يجب توفير احتياجات البلد للنفط من الانتاج المحلي.
3- يجب ان تخلق فرص جديدة للاستثمار في النرويج على اساس النفط النرويجي.
4- يجب حماية البيئة والصناعات المعاصرة من أي تأثير سلبي قد ينتج عن عمليات النفط.
5- يجب منع حرق الغاز الطبيعي.
6- كقاعدة مبدأية يجب توصيل الزيت الخام والغاز الطبيعي الى ارض النرويج قبل تصديرهما الى الخارج.
7- على الدولة ان تقوم بتنسيق كل العمليات المتعلقة بالنفط. ومن ضمن ذلك يجب ان تسعى الحكومة لخلق جهاز منسق للنفط يجمع بين الاهداف الوطنية والدولية.
8- يجب خلق شركة وطنية حكومية تقوم بمصالح الدولة التجارية في قطاع النفط وتمارس الاعمال التشغيلية في هذا القطاع بالتعاون البناء مع الشركات الوطنية والدولية.
9- يجب وضع سياسة ملائمة بالنسبة للمناطق غير المفتوحة شمال خط 62 شمالاً.
10- لابد من تعزيز علاقات النرويج الخارجية لشرح النهج النرويجي على المستوى الدولي.
شروط موافقة البرلمان على خطط التطوير
من اجل ضمان السيطرة الوطنية على الفعاليات المرتبطة بانتاج النفط قرر البرلمان في البداية الا يسمح للشركات في المباشرة بعمليات التطوير دون موافقة البرلمان على خطة تطوير الحقل المختص. ويمكن تلخيص الاسباب الموجبة لقرار البرلمان هذا بالنقاط التالية.
- التحكم في استثمارات الدولة بصفتها شريك مباشر في عمليات النفط حيث تبلغ المشاركة النرويجية ( الحكومية والاهلية ) نسبة لا تقل عن 50%.
- التاكد من ان الاستثمارات الضخمة في عمليات التطوير لا تؤدي الى اضرار مباشرة او غير مباشرة لبيئة او للصناعات القائمة في البلد خارج القطاع النفطي.
- التأكد من ان تطوير الحقول يتم بموجب انظمة البلد فيما يتعلق بنسبة الاستخلاص وشروط الصحة والبيئة والسلامة الخ.
ومن الجدير بالذكر هنا ان قرار البرلمان فيما يتعلق بضرورة موافقته على خطط تطوير الحقول كان مهما جداً كوسيلة فعالة لفرض سيادة البلد وتحقيق اهدافه وخططه الاستراتيجية في قطاع النفط.
خلاصة
تتلخص اهم الخطوات التي ساعدت على تحاشي نقمة النفط في النرويج بما يلي.
- الاجماع السياسي المبكر على ضرورة السيطرة الوطنية على اتجاه وزخم عمليات النفط.
- دعم وتشجيع الصناعة المحلية على المشاركة في عمليات النفط سواء كان ذلك مباشرة كمستثمر او بصورة غير مباشرة عن طريق تزويد عمليات النفط بالمعدات والخدمات.
- التأني في منح التراخيص ريثما يتهيأ البلد اقتصادياُ واجتماعياً لتصعيد وتوسيع عمليات النفط.
- الاجماع السياسي المبكر على ضرورة استعمال النفط كوسيلة لتنمية صناعات جديدة مستديمة غير معتمدة على استمرار عمليات النفط في النرويج.
- اشتراط عرض خطط تطوير الحقول على البرلمان للمصادقة عليها قبل الشروع بالتنفيذ. ولقد ساعد هذا كثيراً في دعم مبدأ السيطرة الوطنية.
- قيام وزارة المالية بدور التخطيط الاقتصادي الشامل والمتكامل للبلد مما ساعد على تفادي المخاطر قبل وقوعها.
تنظيم صندوق التقاعد ( صندوق النفط )
يمكن تلخيص المبادئ الاساسية لصندوق التقاعد بما يلي:
- يشمل دخل الصندوق كل عائدات النفط والربح المترتب عن الاستثمارات التي يقوم بها الصندوق.
- في اية سنة ما ، لا يسمح للحكومة سحب أي اموال من الصندوق تزيد عن النقص في ميزانية الدولة غير النفطية ( أي الميزانية باستثناء كل ما يتعلق بصناعة النفط ).
- وكقاعدة عامة اتفقت عليها الاكثرية من السياسيين في البلد فيجب الا يتجاوز النقص في الميزانية تحت الظروف الاعتيادية نسبة تزيد عن 4% من الربح السنوي من الاستثمارات التي يتولاها الصندوق.
خطوط عريضة للأهداف في طور الاستفادة من عائدات النفط
فيما يخص الاستفادة من عائدات النفط يمكن تلخيص الاهداف بما يلي:
- جمع وتدقيق العوائد بدقة وامانة تحمي مصلحة البلد في استلام حصته الشرعية.
- وضع خطة شاملة للتطوير والتنمية تشمل كل القطاعات وكل الجوانب الاقتصادية والاجتماعية في البلد بما فيها استعمال جزء من عائدات لخلق صناعات وفعاليات تطويرية خلاقة ذات فائدة مستدامة للمجتمع وللاجيال القادمة.
- النظر في تأسيس صندوق خاص للتنمية لتمويل خطط التطوير والتنمية المستدامة.
- النظر في تأسيس صندوق لأكبر جزء ممكن من فائض العائدات. هدف الصندوق هو اولاً حماية الاقتصاد الوطني من الذبذبات في سعر النفط او من حالات طارئة اخرى، وثانياً خدمة مصالح الاجيال القادمة.
*) من اوراق ورشة العمل المخصصة للجنة النفط والطاقة في مجلس النواب العراقي في فيينا 12-15 تشرين اول 2011 بالاشترك بين منظمة الاوبك ومعهد العراق للطاقة.- مقتطفات من الدراسة الاصلية
شبكة الاقتصاديين العراقيين تشكر السيد عدنان الجنابي على موافقته بأعادة نشر النص الذي سبق وان نشر كملحق في دراسته الموسومة “الدولة الريعية والدكتاتورية”
الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية