الدكتور مظهر محمد صالح
نموذجان بديلان لإدارة المخاطر القانونية لما بعد صندوق التنمية
هنالك نموذجان مختلفان بديلان في إدارة المخاطر القانونية لمرحلة ما بعد صندوق تنمية العراق في نهاية العام 2010. النموذج الاول يتكون من:
أ. استعداد العراق في مواجهة بقايا دائنيه عبر النظام القانوني الدولي وحسم خلافاته معهم لاسيما بقايا الدائنين التجاريين، على ان تتولى الحكومة العراقية من جانبها تسوية تعويضات المتضررين الاجانب من النظام السابق بصورة رضائية بخاصة في الولايات المتحدة الاميركية.
ب. استمرار العمل بادارة صندوق تنمية العراق الذي يتولاه البنك الاحتياطي الفدرالي ويديره البنك المركزي العراقي، وتحقيق إمكانية الاستفادة من الأمر الرئاسي الأميركي، الذي يوفر الحماية الاضافية على اموال البنك المركزي في المصارف الأميركية وينتهي مفعوله في نهاية مايس 2010. على ان حساب العراق المذكور يوفر فرصة لاستقطاع نسبة تعويضات حرب الكويت البالغة 5 % من عوائد صادرات النفط العراقية.
ج. تواصل الجهود الدبلوماسية لغلق صندوق التعويضات التابعة للامم المتحدة وتحويله الى المستوى الثنائي وعلاقات حسن الجوار.
د. يتولى البنك المركزي العراقي وبصورة تدريجية فتح حسابات حكومية فرعية لمرحلة بعد صندوق تنمية العراق وتنويع الأرصدة الحكومية بعملات اجنبية غير الدولار وبمناطق دولية غير الولايات المتحدة موفرا الحماية القانونية بحسابات يمسكها البنك المركزي العراقي.
هـ. يجري تصدير النفط العراقي والمنتجات وتباع على أساس FOB في ميناء التحميل، وتودع العائدات في تلك الحسابات الفرعية والعمل بشكل خاص على فتحها في مصارف مركزية اجنبية لكون الولاية القضائية في تلك البلدان توفر حماية على موجودات المصارف المركزية الاجنبية لديها، تعد اكبر من الحسابات المفتوحة للحكومات الاجنبية.
و. انسجاما مع ما جاء في (ب) في اعلاه وبغية تمكين العراق من الخروج من الفصل السابع ولدواعي رقابية مبدأية، يقدم العراق نموذجا متكاملا من الاشراف والرقابة والتدقيق عبر استمرار عمل لجنة الخبراء الماليين COFE العراقية، وهي البديل الوطني المناسب الذي يحل محل الجلس الدولي للاشراف والرقابة IAMB التابع لمجلس الامن الدولي.
أما النموذج الثاني فيعد متحفظا على خلاف النموذج الاول. اذ يسعى العراق بموجبه الى الحصول على قرار من مجلس الامن يوفر حماية مستمرة لأمواله عن صادراتنا النفطية على غرار الآلية المعتمدة حاليا، شريطة ان لا يعرقل ذلك خروج العراق من الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة. وبناء عليه، يتولى العراق القيام بما يأتي:
أ. توسيع لجنة الخبراء الماليين وتحويلها الى لجنة حوكمة قد تسمى (لجنة حوكمة صندوق تنمية العراق).
ب. ربما يتعهد العراق عن طريق لجنة الحوكمة المشار اليها تقديم تقرير فصلي الى مجلس الامن يوضح ان موارد النفط تصب في خدمة ومصلحة الشعب العراقي، ولا يمنع من ضم لجنة خبراء قد يعينهم مجلس الأمن تكون مهمتهم استشارية فنية ساندة للجنة الحوكمة ويحضرون اجتماعاتها دوريا دون تمتعهم بقوة تصويتية طوال المدة التي تتوافر فيها الحماية الدولية على الاموال العراقية.
ج. تعين لجنة الحوكمة مدققا خارجيا يتولى تدقيق حسابات عوائد النفط على وفق المعايير الدولية المعتمدة.
د. يتولى البنك المركزي إدارة حسابات الحكومة من عوائد النفط او غيره وعلى وفق الآلية المشار اليها في النموذج الاول.
الاستنتاجات:
ان اعتماد اي من النموذجين المذكورين يقتضي ما يأتي:
اولا: الوقوف على الرغبة السياسية وميلانها فيما اذا كانت تفضل استمرار حماية مجلس الامن على اموال العراق وتولي الاشراف غير المباشر على عمل اللجنة الوطنية العراقية لحوكمة صندوق تنمية العراق كما جاء في النموذج الثاني شريطة الخروج من الفصل السابع ومحاولة نقل ملف التعويضات الى المستوى الثنائي مع الكويت وفق علاقات حسن الجوار وتسوية التعويضات الاخرى بصورة ودية ورضائية.
ثانيا: او قبول نتائج انتهاء الحماية القانونية للاموال المودعة في حساب DFI وتحمل مخاطر ربما هي ثانوية شريطة تسوية ملف التعويضات ونقله الى المستوى الثنائي، كما اشير الى ذلك سلفا، على ان تتولى الحكومة العراقية انهاء مشكلة التعويضات الاخرى وديا على غرار النموذج الليبي او غيره. وفي الاحوال كافة، يتولى البنك المركزي العراقي ادارة موارد صندوق تنمية العراق تحت أي نموذج كان بحسابات فرعية وعلى مستوى آمن من التنويع، ويتم في الوقت نفسـه بيـع النفط العراقي وتصديره FOB من ميناء التحميل العراقي.
ثانيا. مرحلة قرار مجلس الامن الدولي 1956 لسنة 2010.
أ. لم تكن ودائع البنك المركزي العراقي في البنك الاحتياطي الفيدرالي بمأمن عن الحجوزات القضائية لاسيما إذا كانت تلك الحجوزات تحمل ضمانات سابقة صادرة عن البنك المركزي إلى الدائنين، التي تتعهد على النحو الذي يعطل الحصانة القانونية على امواله في الخارج في حالة النكول عن تسديد الدين او الالتزام المالي Express Waiver Creditors وإن القانون الأميركي النافذ يبدو غير واضح بهذا الشأن تماماً، لاسيما ان هنالك دعاوى محكوم بها على البنك المركزي في المحاكم الاميركية لمصلحة الجانب الكويتي تبلغ قيمتها 300 مليون دولار. وعلى الرغم من ذلك، فان الدعوى القضائية المقامة على الحكومة الارجنتينية من الدائنين التجاريين في الولايات المتحدة الاميركية، لم تفلح بمصادرة اموال من احتياطيات البنك المركزي الارجنتيني مودعة لدى البنك الاحتياطي الفيدرالي الاميركي في نيويورك في العام 2011 بعد رفض الدعوى في المحكمة الاميركية، للحصانة التي تتمتع بها اموال البنوك المركزية في الاحتياطي الفدرالي.
ب. إن اللجوء الى آلية بديلة لفتح حساب مفرد Single Account لعوائد النفط بغية ضمان استقطاع نسبة 5 % لمصلحة تعويضات حرب الكويت في اي مكان خارج الولايات المتحدة، اي فتحهِ في بلد ثان، الذي يبدو ان فرنسا هي اكثر حضوة بهذا الشأن، سيتضمن في الاحوال كافة مضامين واشارات سياسية لا توفر اسس صحيحة للتعامل مع الدولة الكبرى الصديقة فضلاً عن خسارة دورها المهم في حماية اموال جمهورية العراق مستقبلاً. وعليهِ، وبغية فتح الحساب المفرد واستمرار إدارتهِ من جانب البنك المركزي لمصلحة الحكومة العراقية يتطلب سرعة دبلوماسية تتم بموجبها استثمار تنفيذ اتفاقية المطالبات مع الولايات المتحدة البالغة تعويضاتها 400 مليون دولار التي صادق عليها مجلس الوزراء بغية مقايضة ذلك باستمرار الامر الرئاسي لهذا العام وربما لسنوات اخرى، وإن الجهد الدبلوماسي المقترح يقتضي سرعة في إصدار تشريع القانون الخاص بتسوية المطالبات واستصدارهِ من مجلس النواب العراقي وهذا ماتحقق فعلاً.
ج. حث الامم المتحدة ومجلس الامن الى حوار مقبول وإقناعهم بألا تتعرض اموال جمهورية العراق في جانب منها لاسيما تلك التي تحمل حقوق تخص الامم المتحدة او ان الامم المتحدة طرفا فيها (ونعني بذلك تعويضات حرب الكويت) من ملاحقات وحجوزات قضائية لأية اموال ذات علاقة قبل ان تتم ايداع مبالغها في الحساب المفرد واستقطاع نسبة 5 % عليها لأغراض التعويضات. والطرف الراعي هو المنظمة الدولية، ما يستدعي مشاورات مكثفة مع الدائرة القانونية في الامم المتحدة واعضاء مجلس الامن لضمان هذه الآلية لهذه الحصانة الجزئية على اموال العراق على أقل تقدير لأرتباطها بالتعويضات.
د. يتضح ان مناطق الولاية القضائية التي توفر الحماية لأموال الحكومة هما تحديداً فرنسا كما ذكرنا وبريطانيا. وبهذا الشأن فان:
أ. لم يستطع أي من الدائنين من استخدام مبدأ تعطيل الحصانة القانونية EWC على اموال البنك المركزي العراقي للدائنين المضمونين من البنك المركزي العراقي نفسهُ سابقاً.
ب. تؤكد الوقائع ان دمج حسابات الحكومة بحساب البنك المركزي في فرنسا على وجه التحديد ستوفر الضمانة القانونية الكافية من اي ملاحقة قضائية او حجوزات من جانب الدائنين حتى لو استخدم ذلك الحساب للعمليات التجارية. إذ يلحظ ان الحماية ستكون متوافرة بموجب المدونة القانونية المالية والنقدية الفرنسية والمعدلة بالقانون 2005/842 والتي جاءت تحت عنوان الثقة وتحديث الاقتصاد. أما على صعيد بريطانيا فبالأمكان الاحتفاظ بحساب للحكومة العراقية يديرهُ البنك المركزي ومنفصل عن حساب البنك المركزي نفسهُ شريطة الاّ يستخدم حساب الحكومة لتمويل العمليات التجارية.
الخيارات المتاحة واستشراف المستقبل:
الخيار الاول: مبدأ الحماية الجزئية
• بذل الجهود القانونية مع مجلس الأمن لحماية أموال جمهورية العراق جزئياً لاسيما تلك التي لم تدخل الحساب المفرد او قبل استقطاع تعويضات الحرب عليها في اقل تقدير، ذلك من منطلق ان تلك الاموال تحمل حقوق الامم المتحدة او بمسؤولية الامم المتحدة لضمان آلية الايداع في الحساب المفرد بشفافية وبوضوح كاملين.
• بذل الجهود مع حكومة الولايات المتحدة بغية مقايضة اتفاقية تسوية المطالبات للحصول على أمر رئاسي تنفيذي لحماية اموال البنك المركزي والحكومة التي يديرها البنك المركزي بالأنابة وفق مبدأ الشراكة بين البلدين الصديقين وضمان استمرار الحساب المفرد لدى الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك.
الخيار الثاني:
• دمج ودائع الحكومة مع ودائع البنك المركزي في حسابها المفتوح في فرنسا وبعملة الدولار واليورو طالما ان اموال البنك المركزي العراقي محمية بما في ذلك الاستخدامات التجارية للأموال، ما يتيح للحكومة استخدام اموالها بيسر.
• فتح حساب تحوطي بالباون الاسترليني او الدولار يديرهُ البنك المركزي في بريطانيا شريطة ان لايستخدم للأغراض التجارية، وعدهِ نواة لصندوق ثروة سيادية يمكن استثمار اموالهِ تدريجياً بأدوات مالية عالية العوائد.
إن الخيارين المذكورين لا ينفيان في الاحوال كافة الاهمية القانونية في الحفاظ على استقلالية البنك المركزي لسبب رئيس هو ان توافر الحماية القانونية على الاحتياطيات الاجنبية لتكون بمنأى عن الحجز القضائي حتى للدائنين الذين سبق للبنك المركزي ضمانهم (سواء في ايطاليا او هولندا او فرنسا او بريطانيا) جاءت بسبب ان الاستقلالية باتت مجزية وحلت محل الضمان لقروض وتعهدات البنك المركزي للدائنين ما عطلت مفهوم الحجز القضائي على اموال البنك المركزي العراقي.
* نائب محافظ البنك المركزي العراقي
جريدة العالم
http://www.alaalem.com/index.php?aa=news&id22=51939
الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية