الجلسة التاسعة: القطاع الخاصّ والتنميّة الاقتصاديّةالقطاع الخاص العراقيالكهرباء والطاقة المتجددةملف أزمة الكهرباء

د. بارق شُبَّر: اعادة هيكلة قطاع الكهرباء في العراق ودور القطاع الخاص

اولاً: مؤشرات ومعلومات اساسية عن منظومة الكهرباء في العرق

 

أ‌) تطور وتدهور القدرات التوليدية للمنظومة

 

في ظل غياب بيانات رسمية معتمدة من وزارة الكهرباء،أو في الاقل انعدام وجودها على موقع الوزارة، وجدنا انفسنا مضطرين الى تجميع بعض المؤشرات الرئيسة من مصادر مختلفة نتحفظ على دقتها ولكننا نستعين بها، كتقديرات تأشيرية.

قدرت الطاقة المنصوبة (Installed Capacity) في عام 1990، أي قبل غزو الكويت بحوالي 12000 ميغا واط وعلى الارجح يشمل هذا الرقم اقليم كردستان الحالي. وكما نعلم، دُمر جزءٌ كبير من المنظومة خلال حرب الخليج الاولى. وبعد عمليات التصليح التي كان مهندسها د. جعفر ضياء جعفر، تمت إستعادة حوالي 8400 ميغا واط من الطاقة المنصوبة في عام 1992. وفقا لتقدير الخبير نزار احمد[1] . وبقى هذا القياس ثابتاً حتى كانون الثاني من عام 2004 وفق تقديرات خبير الكهرباء قاسم العكايشي [2]. الا ان الخبير المهندس الاستشاري عبد الله الماشطة والذي شارك في عمليات اعادة التأهيل في عام 1992 يعتبر ان هذا الرقم مبالغ فيه كثيراً.

اما القدرة التصميمية المتوفرة حالياً فتبلغ حوالي 16,000 ميغاواط، ومن غير المعروف فيما اذا كان هذا الرقم يشمل اقليم كردستان ام لا؟ [3]

 

أما القدرة التوليدية الفعلية في عام 2003، قبل احتلال العراق، فتقدر بحوالي 3300 ميغاواط ، بسبب غياب أعمال الصيانة والتأهيل الدوري. ومن المرجح ان هذا الرقم لايشمل اقليم كردستان . وخلال فترة قصيرة بعد الاحتلال تم تحقيق ارتفاع الى 4470 ميغاواط نتيجة اعمال الصيانة والتأهيل التي نفذتها سلطة الاحتلال. [4]

 

وحسب تقديرات مهندس الكهرباء نزار احمد تم تحقيق إرتفاع تدريجي للقدرة الإنتاجية الوطنية الفعلية الى حوالي 6818 ميغاواط في عام 2010، وهذا التقدير قريب جداً من تقديرات مستشار وزارة الكهرباء السيد عادل حميد مهدي والذي صرح في منتدى العراق للطاقة بوجود قدرة توليدية متاحة بحدود 8450 ميغاواط ولكن يدخل ضمنها 1600 ميغاواط استيراد ومجهزة من بوارج تركية. [5]

 

ولقد أكد” تقرير الأوضاع الأسبوعي في العراق” الصادر عن وزارة الخارجية الأميركية منتصف عام 2011 بأن مجموع الطاقات المجهزة عن مختلف المصادر كانت 120 ألف ميغاواط.ساعة، أي ما يعادل 5000 ميغاواط قدرة توليد فعلية.

 

جدول رقم 1 : مؤشرات منظومة الطاقة الكهربائية

 

 

السنة

الطاقة التصميمية- المنصوبة

(ميغاواط)

طاقة التوليد المتاحة-القدرة الانتاجية؟ (ميغاواط)

تقديرات الطلب (ميغاواط) (5)

1990 قبل الحرب

12000 (1)

 

 

1992 بعد الحرب واصلاح المنظومة

8400 (1)

 

 

2003 قبل الاحتلال

 

3300 (1)

 

2003 بعد الاحتلال

 

4470 (1)

6000

2004

8500 (2)

3368 (2)

8412

2005

 

 

10000

2006

 

 

12000

2007

 

 

14000

2010

 

6818 (1)

 

2012

14350 (3)

6850 + 1600 استيراد وبوارج (4)

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المصادر:

(1) : د. نزار احمد: ازمة الكهرباء من الاف الى الياء، مجلة الحوار، عدد 27 ، تموز 2011

(2) د. قاسم العكايشي : ورقة الى مؤتمر الكهرباء الخليجي في البحرين في عام 2006

(3) عبد االله الماشطة: أزمة الكهرباء في العراق: سوء تخطيط وفساد، جريدة الحياة 20/8/2012

(4) مستشار وزارة الكهرباء السيد عادل حميد مهدي، خطط وسياسات وزارة الكهرباء، محاضرة قدمت في منتدى العراق للطاقة في 12/12/2012 في فندفق الرشيد في بغداد

(5) تقديرات منظمة يو أس ايد الامريكية (USA Aid)شركة لاماير (Lahmeyer) الاستشارية الالمانية

 

ب‌) تقديرات الإنتاج و الطلب على الطاقة الكهربائية

ينقل لنا خبير الطاقة الاستشاري عبد الله الماشطة في احدى دراساته معلومة مهمة من “تقرير الأوضاع الأسبوعي في العراق”، الصادر عن وزارة الخارجية الأميركية منتصف عام 2011 بأن اجمالي الطاقة الكهربائية المجهزة من مختلف المصادر، (التوليد الفعلي )، كان بحدود 120 ألف ميغاواط.ساعة أي مايعادل تشغيل فعلي بطاقة 5000 ميغاواط. [6] وينقل لنا في نفس البحث عن تقديرات لجنة الطاقة النيابية في 25/7/2011 للطلب على الكهرباء بحدود 14 الف ميغاواط في الصيف مقابل طاقة توليدية متاحة بحدود 7000 ميغاواط فقط.

 

من نقاط الضعف الرئيسية في خطط وزارة الكهرباء غياب دراسات علمية حول جانب الطلب على الكهرباء واساليب ادارته والتحكم به (Load management)، ولذلك نجد وزارة الكهرباء تلجأ الى اساليب قديمة في ادارة الطلب في اوقات حمل الذروة، من خلال آليات قطع التيار الكربائي عن منطقة معينة وتوجيهه نحو منطقة اخرى ، (Load shedding )، مما يجبر المواطن على البحث عن بدائل اخرى مكلفة، وهي التوليد المنزلي الذاتي والمحلي التجاري . والذي لابد وان يأخذ في الاعتبار حجم الاستهلاك من هذا النوع في دراسات تقدير الطلب الحالي والمستقبلي، الا اننا نفتقد الى مثل هذة الدراسات. يقدر الخبير عبد الله الماشطة حجم الطلب من هذا النواع بأكثر من 1000 ميغاواط.

 

يقدر خبير الكهرباء نزار احمد الطلب في عام 1990، قبل الحرب بحوالي 7500 ميغا واط . وفي عام 2004 اجرت منظمة يو أس ايد (US Aid) وشركة لاماير الاستشارية الالمانية دراسة تم بموجبها تقدير حجم الطلب على الكهرباء في عام 2004 بحدود 8412 ميغاواط يقابله قدرة توليدية فعلية مقدارها 3368 ميغاواط، كما بينا سابقاً. كما قدرت هذة الدراسة ارتفاع الطلب الى 14000 ميغاواط حتى عام 2007، وتم وضع خطة امريكية (تحدث عنها د. قاسم العكايشي في عرضه)، لتلبية الطلب من خلال اضافة قدرات توليدية جديدة.

 

ومن الملفت للنظر ان الخبير نزار أحمد في دراسته المشار اليها سابقاً يقدر حجم الطلب الكلي على الطاقة الكهربائية في عام 2010 بحوالي 14000 ميغاواط وكذلك وزارة الكهرباء تقدر نفس الحجم لعام 2012 وهو نفس الحجم الذي توقعته منظمة (يو أس ايد) لعام 2007 في الدراسة التي اعدت في عام 2004 . واذا افترضنا ان تقديرات دراسة يو أس ايد كانت قريبة الى الواقع، فمن غير المنطقي ان تبقى تقديرات الطلب لعام 2012 ثابتة على نفس المستوى بالرغم من الارتفاعات الملحوظة في معدلات الدخل للفرد العراقي. ومن المعروف ان المرونة الدخلية للطلب على الكهرباء مرتفعة نسبياً. من ذلك يبدو واضحاً انه لم تجر بعد دراسة عام 2004 أية دراسة جديدة لتقدير الطلب. الا ان الخبير عبد الله الماشطة يذكَر في بحثه المشار اليه سابقاً بأن العراق سيحتاج إلى 17 ألفاً و500 ميغاواط لتغطية فترات الذروة وتغذية المشاريع الصناعية.

 

ثانياً: توصيف وتحليل المشكلة المحورية

 

أ‌) الفجوة بين الإرتفاع السريع للطلب وتباطوء نمو العرض؛

من الواضح ان طلب القطاع الأسري على الكهرباء إرتفع على نحو دراماتيكي وسريع بعد رفع الحصار عن العراق ابان التغيير في عام 2003 . ومع رفع رواتب موظفي الدولة و تحسن دخول الطبقات الوسطى وفتح الحدود للاستيرادات ومن دون تعرفة جمركية تذكر، ارتفعت مشتريات الاجهزة الكهربائية على نحو كبير مما سبب زيادة الضغوطات على المنظومة ، سيما وان المرونة الدخلية للطلب على الكهرباء عالية في البلدان النامية وفي ظل غياب نظام تعرفة متطور، (سعراستهلاك الكهرباء) ، وضعف الجباية تراجع ميل المستهلك نحو الترشيد، سيما وانه يستلم الكهرباء الوطنية بأسعار شبه مجانية وما يوفره من مبالغ عن هذة الخدمة شبه المجانية يدفعها ، في الغالب ، كمباللغ تزيد على التوفير، لاصحاب المولدات المحلية الخاصة في المناطق السكنية. وتبلغ حصة الاستهلاك الاسري في اجمالي الاستهلاك نسبة 46% يليها القطاع الحكومي بنسبة 26% ثم القطاع الصناعي بنسبة 20% . [7]

 

ومن جانب اخر اخفقت وزارة الكهرباء في تنفيذ جميع خططها لتوسعة العرض.

وُضعت في تشرين الاول /اكتوبر 2003 أول خطة ، وبموجبها تم التخطيط لرفع القدرة الانتاجية من حوالي 3500 ميغاواط في 2003 والى 11000 ميغاواط في عام 2005 ثم الى 15000 ميغاواط في عام 2007. [8]. على وفق هذة الخطة كان يُفترض ان يتجاوز الانتاج الطلب بمقدار 1000 ميغاواط بحلول عام 2005، أي ان تحل مشكلة الكهرباء قبل 8 اعوام من منظور اليوم!

 

أما الخطة المركزية العشرية لوزارة الكهرباء لعام 2006، فقد وعدت بتلبية الطلب بشكل كامل ولمدّة 24 ساعة في اليوم من الانتاج المحلي والاستغناء الكامل عن الاستيراد بحلول عام 2009!

 

وكمثال على إخفاق وزارة الكهرباء في تنفيذ خططها يذكر الخبير عصام الخالصي المثال الآتي:

في شباط/اذار 2005 استوردت الوكالة الامريكية للتنمية وحدتينمنصنعجيأيفريم 9 منالتوربيناتالغازيةالمخصصةإلىمشروعمحطةالنجفالغازيةالجديدة بقيمة 22,62 مليون دولار للوحدة الواحدة وسلمتهما الىمخازنوزارةالكهرباءفيحزيران 2005، وكانتا قد تماستيرادهمامنقبلالأمريكانلمشروعآخرسلمتافيمابعدإلىوزارةالكهرباءبعدإلغاءذلكالمشروع. لقد كانموعدالاغلاقفي 23 آيار 2006 لمناقصةمشروعالنجفمعلنةسابقاًلتجهيزالاجزاءالتكميليةونصب المحطةبكاملهاقدإلغيبعداياممنتسلمالادارةالحاليةلوزارةالكهرباءلمسئوليتها (المقصود ادارة الوزارة في 2009 – وزارة كريم وحيد)،واعقبذلكمناوراتوتلاعبات وضغوطاتانتهتالىإحالةالاعمالبعهدةمقاولسبقان ذكرتعدماهليتهلمشروعمماثلحيثياتقرارللمحكمه الجنائيهالمركزيهالعراقيهفيقضيةفسادرفعتضدوزير كهرباءسابقحكمبسببهافيمابعدبالسجنسبعسنوات. وتمارساءالعقدعلىالمقاولبعدبضعةاسابيعمنقرارالمحكمه. وحتىعلىأفتراضعدمحصولتأخيراتأخرىفان التوربيناتالغازيةلايتوقعأنتدخلفينطاقالخدمةقبلالنصفالثانيمنعام 2009 أيأكثرمنأربعسنواتبعد استلامالمولداتمنقبلوزارةالكهرباء. [9]

 

ب‌) انخفاض الكفاءة التشغيلية

بسبب رداءة صيانة وتشغيل محطات توليد الطاقة الكهربائية، يجمع خبراء الكهرباء الفنيين على حقيقة ان جاهزية المحطات، (حاصل قيمة الانتاج الفعلي الى القدرة التصميمية لوحدات التوليد)، لا تصل الى 50% في حين تبلغ هذة النسبة في الدول المتقدمة مابين 85-90 في المائة! [10]

 

ويعزز هذا الرأي خبير الكهرباء العراقي عصام الخالصي بالقول: “ما بالنسبة لتقييم اداء الإدارة العليا لمنظومة الكهرباء بالعراق فإنها بلاشك تحتل أدنى موقع عند مقارنتها مع أي منظومة عامة في المنطقة. فأنها الاقل كفاءة من حيث الإدارة (هناك أكثر من عشرة أشخاص مستخدمين لكل ميجا وات مجهز من الكهرباء المولد داخلياً – 1.4 شخص يستخدم في السعودية للقيام بنفس العمل) . والأقل مهنيه في ادارة التشغيل والصيانه، (النسبة المتاحة للتوليد الفعلي للكهرباء)، في محطات التوليد في العراق تشكل حوالي 50 % فقط من امكانيات القدرات المنصوبه” [11] وعلى وفق تقديرات البنك الدولي بلغت نسبة الفاقد في شبكة النقل والتوزيع الى اجمالي انتاج الطاقة الكهربائية في عام 2008 حوالي 49 % ، وفي عام 2010 حوالي 37% [12]

 

جدول رقم 2 : مقارنات قطاع الكهرباء العراقي مع بعض الدول العربية

 

الدولة

الكفاءة الحرارية لمحطات التوليد (%)

Efficiency of power stations (%)

نسبة الطاقة المفقودة (%)

Electricalenergylosses (%)

العراق

19,9

40

الاردن

39,9

16,5

الكويت

35

25

ا ليمن

31,5

35

البحرين

27,8

25,2

الجزائر

39

26

ليبيا

32

19

السودان

44,4

21

فلسطين

48

19

مصر

40,4

13,7

 

المصدر: دورية كهرباء العرب العدد السابع عشر 2011 الصادرة عن الامانة العامة للأتحاد العربي للكهرباء، نقلاً عن عبد الله الماشطة: ازمة الكهرباء في العراق، بغداد آب 2012 ، ورقة بحثية وفرها الكاتب بشكل شخصي مشكوراً

 

ج) هدر الموارد الاقتصادية

قدرت بعثة البنك الدولي والامم المتحدة الى العرق في صيف 2003 احتياجات قطاع الكهرباء المالية على مدى الاربع سنوات القادمة ، اي حتى 2007، بحوالي 12 مليار دولار لإعادة تأهيله وتطويره لكي يؤدي دوره الإقتصادي بشكل كامل . وفي اطار المنحة الامريكية لاعادة بناء العراق البالغة 18,6 مليار دولار تم تخصيص مبلغ 5,6 مليار دولار لوزارة الكهرباء ، منها مبلغ 2,8 مليار دولار للتوليد ومبلغ 1,8 مليار دولار لشبكة النقل ومحطات التحويل ومبلغ 1 مليار دولار لشبكة التوزيع. لانعرف اوجه صرف المبالغ التي تم تخصيصها من قبل الامريكان، ولكننا نعرف بأن وزير الكهرباء انذاك ايهم السامرائي ادين بالفساد المالي وهو هارب خارج العراق.

 

في بداية عام 2009 تعاقدت الحكومة العراقية مع شركة جي اي الامريكية وشركة سيمنس الالمانية على تجهيز 56 مولدة توربينية غازية من نوع فريم 9 بقيمة اجمالية بحدود 2,5 مليارات دولار. تم تسليم الشحنة الى وزارة الكهرباء في عام 2010 في ميناء الفاو وبقيت المولدات هناك قابعة في المخازن الارضية المفتوحة ومتعرضة للرطوبة والتلف حتى عام 2012 من دون تنصيب. لم يُجب مسؤولو الوزارة الى اليوم على السؤال المشروع وهو لماذا تمت هذة الصفقة من دون الزام المجهز بتنصيب محطات التوليد. وزير الكهرباء الحالي يقول انه غير مسؤول عن هذة الصفقة، ومع ذلك تعهد بنقل المولدات الى مواقع تنصيبها. لقد رشحت معلومات بأن الوزارة تعاقدت حديثاً مع بعض الشركات لتنصيب المولدات، ، ومن المعلومات المتوفرة لدينا وبصورة شخصية من شركة هيونداي الكورية الجنوبية ، تم ابرام في الأقل عقد مع الوزارة وأن العمل مستمر في مواقع عديدة منها بغداد، والبصرة ، ومكان آخر لإنتاج طاقة إجمالية تفوق 2200 ميغا واط . إلا ان موقع الوزارة على الانترنت لايحتوي على معلومات بهذا الخصوص

 

وفقا لمعلومات رئيس حزب المؤتمر الوطني د. احمد الجلبي أنفقت الحكومة العراقية حتى بداية عام 2012 اكثر من 27 مليار دولار على قطاع الكهرباء من دون نتيجة ملموسة. بالاضافة الى الانفاق الحكومي لابد وان يأخذ في الاعتبار انقاق القطاع الخاص والقطاع الاسري على استيرادات المولدات المتوسطة والكبيرة الحجم والانفاق على تشغيلها للتعويض عن الانقطاعات المستمرة للتيار الكهربائي. كما تجدر الاشارة الى الكلف الاقتصادية الخارجية (external costs) التي تنجم عن تشغيل هذةالمولدات الخاصة، (تلوث الهواء والضوضاء) ، والتي يصعب تقديرها حسابياً في اطار هذة الورقة، ولكن يمكن الجزم بأنها باهظة في جميع الاحول استناداً الى تجارب دول اخرى اعدت دراسات مماثلة في هذا الميدان.

 

اما مستشار وزارة الكهرباء السيد عادل حميد مهدي، فيقدر اجمالي الخسائر المادية على الإقتصاد العراقي بسبب عدم التجهيز الكامل للطاقة بحدود 40 مليار دولار، تحمل القسم الاكبر منها القطاع السكني وبمقدار 21 مليار دولار. ثم يليه القطاع الصناعي بمبلغ 9 مليار دولار والحكومي بملغ 6 مليار دولار. ويتحمل كل من القطاع التجاري والزراعي 2 مليار دولار. للاسف لم يذكر المستشار مصدر هذة التقديرات أو كيفية احتسابها. الا اننا نفترض ان هذة الخسائر لم تأخذ في الحسبان الكلف الخارجية التي اشرنا اليها سابقاً.

 

 

ثالثاً: الخطة الجديدة لوزارة الكهرباء

 

أ‌) عرض موجز للخطة

اعلنت وزارة الكهرباء عن طريق مستشارها السيد عادل حميد مهدي خلال جلسات منتدى العراق للطاقة في نهاية عام 2012 عن خطتها المركزية الطموحة للفترة 2012 – 2017 . من الملفت للنظر ان الخطة غير متوفرة على موقع الوزارة في الانترنت، ولذلك سوف نستشهد بوثيقة المحاضرة التي وفرها لنا معهد العراق للطاقة مشكوراً.

تهدف الخطة الى زيادة العرض الكلي لكي يغطي الطلب بشكل كامل حتى عام 2015 من خلال اضافة طاقة توليدية جديدة بمقدار 20 الف ميغاواط الى القدرة الانتاجية الوطنية المتاحة حاليا والبالغة حوالي 6850 ميغاواط بحسب بيانات الوزارة. هذا يعني ان الخطة سوف تضيف طاقة توليدية جديد تعادل ثلاثة اضعاف الطاقة المتوفرة حالياً خلال 3 سنوات فقط. وبموجب الخطة سوف تضاف في عام 2013 لوحده ما مقداره 7500 ميغاوط، اي اننا سوف نشهد في هذا العام مضاعفة الطاقة التوليدية. وفي عام 2014 تتوقع الخطة اضافة 7500 ميغاواط اخرى لكي تصبح الطاقة الكلية ثلاثة اضعاف الطاقة الحالية.

 

وتستند الخطة الى تنفيذ المشاريع الآتية:

 

· انجاز 14 مشروع محطات غازية حتى عام 2015 بطاقة توليدية اضافية مقدارها 13000 ميغاواط

· انجاز 5 مشاريع محطات بخارية حتى عام 2017 بطاقة توليدية اضافية مقدارها 7000 ميغاواط

· انجاز 5 مشاريع محطات ديزيل في عام 2012 بطاقة توليدية اضافية مقدارها 1130 ميغاواط

· انجاز مشروع الطاقة المتجددة (شمسية ورياح) حتى عام 2016 والذي سيضيف 400 ميغاواط

· انجاز برنامج الدورة المركبة حتى عام 2017 والذي سيوفر طاقة اضافية بمقدار 4000 ميغاواط

 

وبذلك سيكون مجموع الطاقة الاضافية حتى عام 2017 اكثر من 25000 ميغاواط اي حوالي اربعة اضعاف الطاقة المتاحة حالياً.

 

ويشير السيد المستشار الى ان المتطلبات المالية المطلوب تخصيصها حتى عام 2015 تبلغ 18 مليار دولار امريكي ثم ترتفع الى 27 مليار دولار حتى عام 2017 . من غير الواضح ماهو المقصود بتعبير “مطلوب تخصيصها” ومن هذة الجهة التي يفترض ان تخصص الاموال للاستثمارات المطلوبة؟ نفترض ان جهة التمويل المقصودة هي الموازنة العامة للدولة . وهذا يثير التساؤ ل حول الامكانيات المالية للدولة في توفير مبلغ 18 مليار دولار لتمويل المشاريع الاستثمارية لوزارة الكهرباء فقط . ومن غير الواضح حجم المخصصات الفعلية والتي تم اعتمادها رسمياً لتكون تحت تصرف الوزارة حتى عام 2017 لتنفيذ هذة الخطة . مانخشاه هو ان السادة المخططون في المديرية العامة للدراسات والتخطيط في وزارة الكهرباء استندوا على افتراض توفير المال المطلوب مما يضفي على الخطة برمتها طبيعة افتراضية، بمعنى ان المخطط يقول لنا لو توفر هذا الشرط فسوف نحقق الهدف. وبذلك تصبح الخطة لاقيمة لها سوى الدعاية والاعلام.

 

ب‌) تقويم الخطة

ولكي نكون ايجابيين في تقويم جهود طاقم الوزارة الحالي دعونا نفترض ان مبلغ الاستثمار الاجمالي المطلوب حتى عام 2017 وبمقدار 27 مليار دولار سوف يتم رصده من الموازنة العامة وعلى نحو تدريجي، ويوضع تحت تصرف الوزارة لتنفيذ خطتها المركزية.

 

المنطق الإقتصادي الذي يرتكز على حقيقة محدودية الموارد الإقتصادية وشحتها وضرورة استخدامها على النحو الامثل من خلال آليات مختلفة، بما في ذلك اعداد دراسات التكلفة والمنافع الإقتصادية، يفرض علينا في هذة الحالة البحث عن البدائل الافضل لاستخدام المال العام في القطاعات التنموية المختلفة وعن بدائل التمويل للاستثمارات المطلوبة في قطاع الكهرباء. ثم هناك جوانب اخرى تتعلق بالديمومة الفنية والمالية للمشاريع التي تتضمنها الخطة وينبغي اخذها في الاعتبار. لنفترض ان الشروط المالية للخطة سوف يتم توفيرها من الموازنة العامة وبذلك تتمكن الوزارة من تحقيق هدف الخطة، اي إنجاز كل مشاريعها وتبدأ بالعمل بحلول عام 2017. لربما سوف تدعي وزارة الكهرباء انها نجحت في تنفيذ الخطة، ولكن من وجهة نظرنا سوف يعتمد نجاح الخطة من عدمها على الديمومة المالية والإقتصادية للمشاريع المنفذة ، لان التنفيذ لوحده لايضمن نجاح المشروع على المدى البيعد. ما فائدة محطات جديدة لتوليد الطاقة وشبكات نقل ومحطات تحويل ..الخ عندما تعمل على نحو غير إقتصادي وتضيف الى موازنة الدولة اعباء جديدة ؟؟ من وجهة نظرنا سوف يعني هذا الاستمرار في هدر الموارد الاقتصادية، كما كان عليه الحال منذ عام 2003، حيث تم انفاق 27 مليار دولار مقابل تحقيق زيادة في القدرة الانتاجية الفعلية بواقع 3550 ميغاواط فقط خلال العشر سنوات الماضية . يتطلب تنفيذ الخطة الجديدة 27 مليار دولار اخرى، ليصبح المجموع 54 مليار دولار ككلف إقتصادية مباشرة من موازنة الدولة فضلاً عن انفاق القطاع الخاص والقطاع الاسري والذي يصعب تقديره في اطار هذة الورقة، ولكن لايستهان بحجمه ، فضلاً عن الكلف الخارجية الناجمة عن الاضرار البيئية والصحية بسبب المولدات العشوائية في المناطق السكنية وانبعاث ثاني اكسيد الكاربون من محطات التوليد الحرارية التي تعمل على الوقود الثقيل.

 

ومن الناحية الفنية، يعترض المهندس الاستشاري عبدالله الماشطة على اختيار إدارة قطاع الطاقة التقنية الخاطئة بالنسبة إلى نوع الوقود الذي يستخدَم ويُحرَق في التوربينات الغازية، إذا اعتمدت الوقود الثقيل وليس الغاز الطبيعي، الذي يخطَّط لتصديره ، في حين لا يستطيع العراق تلبية حتى احتياجات المحطات الغازية وإمدادها بالغاز،علماً أن أكلاف توليد الكهرباء في العراق باستخدام الوقود الثقيل في الوحدات الغازية تعادل 15 ضعفاً أكلاف إنتاجه باستخدام الغاز الطبيعي. [13]

 

في قناعتنا وبناءً على تجاربنا المهنية خلال السنوات الطويلة الماضية وعلى تجارب العديد من الدول الاخرى سوف لن تتمكن وزارة الكهرباء العراقية من تقديم حلول جذرية ناجعة ومستدامة للمشاكل التي يعاني منها قطاع الكهرباء حالياً ومستقبلاً ، وذلك بسبب طبيعة هذة المشاكل الهيكلية والتي لها علاقة وثيقة بمشكلة البيروقراطية في جهاز الدولة وانخفاض الكفاءة التشغيلية لهذة الاجهزة الى مستويات متدنية جداً.

 

رابعاً: اعادة هيكلة قطاع الطاقة الكهربائية

 

بعد عشرة اعوام من الإخفاقات المتتالية في إدارة قطاع الطاقة الكهربائية من قبل الجهاز البيروقراطي الحكومي المترهل وغياب الافق الاستراتيجي والنهج العلمي في اساليب التخطيط لمستقبل هذا القطاع ، حيث ان الحل المستديم لا يكمن فقط في زيادة الطاقة التوليدية، لابد من البحث عن أستراتيجية جديدة تتوجه نحوى التغيير الجذري لهيكلية القطاع وتستفيد من تجارب الامم التي نجحت في ادارة وتطوير قطاع الطاقة الكهربائية في الكثير من دول العالم، بما في ذلك دول الجوار. في قناعتنا يكمن الحل المستديم لمشكلة الكهرباء في العراق في اعادة هيكلة القطاع على وفق الخطوات والمراحل الآتية:

 

1. الغاء وزارة الكهرباء واستحداث المؤسسات الآتية:

 

· هيئة مستقلة لتنظيم قطاع الكهرباء والاشراف عليه ؛

· شركة الكهرباء الوطنية كشركة قابضة.

 

2. نقل جميع الموظفين والمستخدمين الحاليين في وزارة الكهرباء والمديريات التابعة لها والكادر الفني في التوليد والنقل والتوزيع الى المؤسسات المستحدثة.

 

3. تناط بهيئة التنظيم والاشراف مهام منح الاجازات لشركات القطاع الخاص العاملة في ميدان التوليد والصيانة والخدمات الفنية والتوزيع وتحديد اسعار الجملة لبيع الكهرباء من المولدين الى الموزعين واسعار المفرد (التعرفة ) من الموزعين الى المستهلكين. وتكون الهيئة مسؤولة عن وضع المواصفات الفنية والقياسية التي تتعلق بالقطاع والتحضير لمشاريع القوانين الازمة لتنظيم القطاع.

 

4. يتم تقسيم القطاع الى ثلاثة حقول مستقلة عن بعض وهي التوليد والنقل والتوزيع ويتم تأسيس ثلاثة شركات مستقلة تحت مظلة شركة الكهرباء الوطنية القابضة والمملوكة 100% للدولة.

 

5. تاسيس شركة توليد الطاقة الكهربائية الوطنية والتي تحول اليها اصول جميع محطات توليد الكهرباء المملوكة حاليا من الدولة بعد تقويمها من قبل مكاتب حسابات دولية . تفتح الشركة المجال لمستثمرين عراقيين للمساهمة في رأس المال بنسبة (30%)، ولمستثمرين اجانب بنسبة (20%)، وتطرح اسهمها للتداول في البورصة الوطنية فقط. تدار الشركة مركزياً على مستوى العراق، (بأستثناء اقليم كردستان)، من قبل كفاءآت ادارية وتكنوقراط بموجب نظام الحوافز وبعقود موقتة من خارج الجهاز الحكومي، وعلى وفق مبادئ وفلسفة القطاع الخاص، أي انها سوف تسعى في المدى البعيد الى تحقيق ارباح ومن دون ضمانات حكومية بالدعم. ولكن لابد من ضمان الدعم الحكومي في المرحلة الاولى، من خلال ضمان سعر بيع للكيلو واط/ساعة تحدده هيئة التنظيم والاشراف بحيث يغطي كلفة التوليد زائداً هامش ربح بمقدار 6% لمدة عشر سنوات. ويفتح المجال لشركات التوليد المملوكة 100% من القطاع الخاص والمعروفين بأسم مولدي الطاقة المستقلين (IPP)، للنشاط وبيع منتوجهم وفقا لنفس الشروط المذكورة سابقاً.

 

6. تأسيس شركة نقل الطاقة الكهربائية الوطنية والتي تحول الى ملكيتها شبكة النقل الوطنية (الضغط العالي 400 كي في والمتوسط 132 كي في) وتعمل هذة الشركة التي تكون مملوكة 100% للدولة على تغطية تكاليف اعمالها من خلال جباية رسم تحدده هيئة التنظيم والاشراف على نقل الطاقة. ويضاف هذا الرسم على سعر بيع الجملة من شركة التوليد الى شركات التوزيع.

7. تأسيس شركات لتوزيع الكهرباء لامركزية وعلى مستوى المحافظات والاقاليم تمتلكها المحافظة بنسبة 50% والقطاع الخاص بنسبة 50% تشتري الكهرباء بسعر الجملة المشار اليه سابقاً وتبيعه بسعر يحدد من قبل هيئة الكهرباء يضمن تغطية التكاليف وهامش معين من الربح.

 

التوصيات:

نوصي بتكليف بيت خبرة عراقي واجنبي مشترك لاعداد دراسة جدوى تفصيلية لاعادة هيكلة القطاع ووضع خطة شاملة مع خارطة طريق لتنفيذ الاصلاحات المطلوبة.

 

*) خبير إقتصادي دولي

**) ورقة عمل قدمت الى الملتقى العلمي الأول لشبكة الإقتصاديين العراقيين في بيروت آذار/نيسان 2013

 

[1] المصدر: د. نزار احمد: ازمة الكهرباء من الألف الى الياء، مجلة الحوار، عدد 27 ، تموز 2011

[2] المصدر: د. قاسم العكايشي، عرض قدم لمؤتمر الكهرباء في البحرين في عام 2004

[3] د. نزار احمد: نفس المصدر السابق

[4] د. نزار احمد: نفس المصدر السابق

[5] عادل حميد مهدي، مستشار وزارة الكهرباء :خطط وسياسات وزارة الكهرباء، محاضرة قدمت في منتدى العراق للطاقة في 12/12/2012 في فندق الرشيد في بغداد

[6] عبد الله الماشطة: ازمة الكهرباء في العراق، بغداد آب 2012 ، ورقة بحثية وفرها الكاتب لنا بشكل شخصي مشكوراً

[7] عادل حميد مهدي- مستشار وزارة الكهرباء: المصدر السابق

[8] المصدر: شركة لاماير الاستشارية الالمانية في عرض قدم في الملتقى الالماني العراقي الاقتصادي في برلين في 1 نيسان 2004

[9] عصام الخالصي: مذكرة بعنوان ” منظومة الكهرباء العامه في العراق” موجهة الى السيد وزير التخطيط والتعاون الدولي بتاريخ 17/3/2009

[10] د. نزار احمد، المصدر السابق

[11] عصام الخالصي نفس المصدر السابق

[12]Source: World Bank Data Base Iraq, http://databank.worldbank.org/ddp/home.do?Step=3&id=4

 

[13] عبد الله الماشطة: أزمة الكهرباء في العراق: سوء تخطيط وفساد، جريدة الحياة 20 أغسطس 2012

لتنزيل البحث كملف بي دي أف انقر  على الرابط التالي

Barik Schuber-Restructuring of the Power Sector-Final paper Beirut

 

  SAM_0285 SAM_0290 SAM_0293 SAM_0303 SAM_0298 SAM_0297

 

2012

الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية

التعليق هنا

%d مدونون معجبون بهذه: