جدل اقتصاديقوانين وتشريعات اقتصادية
14/10/2013
قرر مجلس الوزراء في جلسته الخامسة والثلاثين والمنعقدة بتاريخ 13/8/2013 مشروع قانون الاصلاح الاقتصادي الاتحادي والمدقق من قبل مجلس شورى الدولة وأحاله إلى مجلس النواب لمناقشته وتشريعه. ويعتبر مشروع القانون هذا خطوة عملية مهمة من قبل الحكومة تترجم تصوراتها ومفهومها للاصلاح الاقتصادي واهدافه وأولوياته ومدياته وسبل وآليات واطر ادارته. وإذ لا جدال في ضرورة الاصلاح الاقتصادي من اجل ازالة الخلل والتشوه في بنية الاقتصاد العراقي والاحادية الريعية وتحديث الاليات والنظم المسيرة والمتحكمة به ، والزام الدستور للدولة بأن تكفل الاصلاح الاقتصادي وفق “اسس اقتصادية حديثة” واعتماد “أحدث تقنيات مباديء السوق وتشجيع الاستثمار” ، فإن تجارب البلدان المختلفة التي سلكت طريق الاصلاح الاقتصادي ، تبين أن هذه العملية لا تنهج نهجا واحدا ولاتنتظم حلقاتها وفق نسق واحد، كما ان لإعادة الهيكلة الاقتصادية مضمونا فكريا وايديولوجيا صريحا أومضمرا، ومحتوى اجتماعياً تعبر عنه طريقة توزيع المنافع والتكاليف والأعباء على الفئات والشرائح الاجتماعية المختلفة. لذا انه مما يثير الاستغراب ان هذا القانون جرى اقراره دون ان تسبقه وترافقه مناقشات وحوارات علنية واسعة إلا في حدود ضيقة لمختصين وممثلي المنظمات والهيئات الحكومية وغير الحكومية.
على امل ان يحظى هذا القانون بالاهتمام الذي يستحقه من قبل وسائل الاعلام ومن ذوي الاختصاص ومن القوى والاحزاب ومن النقابات والاتحادات العملية والمهنية والجماهيرية ومنظمات المجتمع المدني، اقدم بعض الملاحظات حول مشروع القانون بعد اجراء قراءة متانية له متطلعا لأن تساهم هذه في تحفيز الحوار والمناقشة له ليخرج بأنضج صيغة.
أ – في الجانب النظري والمفاهيمي
1 – في المادة (1 – اولا) تعريف للاصلاح الاقتصادي “باعادة هيكلة الاقتصاد العراقي وفقا لمباديء الاقتصاد الحديثة ومتطلبات التحول إلى اقتصاد السوق…”
يجدر التذكير بان الدستور لا ينص على تعبير اقتصاد سوق ، ففيه نجد تعبير ” مباديء الاقتصاد الحديثة ” في المادة (25) ، وتعبير “…معتمدة أحدث تقنيات مباديء السوق وتشجيع الاستثمار” كما في المادة (112).أذن فأن تعبير اقتصاد السوق غير كاف لتحديد طبيعة النظام الاقتصادي الذي نتوجه لتحقيقه، فهناك نظام اقتصاد السوق الاجتماعي في المانيا، واقتصاد السوق الاشتراكي في الصين، كما ان الاقتصادات المختلطة في اوروبا تندرج ايضا ضمن اشكال اقتصاد السوق. فهناك انظمة مختلفة لاقتصاد سوق تختلف فيها شكل ودرجة تدخل الدولة في الاقتصاد. يبدو ان مشروع القانون يميل إلى المفهوم الليبرالي لاقتصاد السوق حيث ينحسر فيه تدخل الدولة في الاقتصاد إلى ادنى درجة ويقتصر دورها على الوظائف السيادية ولعب دور “الحارس”. وينعكس ذلك في تعدد الاشارة إلى ” اقتصاد السوق الحر ” كما في المواد (2) و(4) مثلا.
وهذا يتطلب ان يجري توصيف ادق لطبيعة النظام الاقتصادي الذي تسعى له الدولة العراقية ويهدف له الاصلاح. وإذا ما تمعنا في مواد الدستور 26 إلى 36 ، نجد انها تفترض مستوى مرتفعا من تدخل الدولة في الاقتصاد لأجل تحقيق الالتزامات والحقوق المنصوص عليها في هذه المواد، وإذا اضفنا إلى ذلك امتلاك الدولة للموارد النفطية ، فان دور الدولة حاضر بقوة في الاقتصاد العراقي ولسنوات طويلة قادمة ما يجعل النظام الاقتصادي المنسجم مع مواد الدستور هو اقرب إلى “الاقتصاد المختلط”.
لذلك ليس دقيقا ما نصت عليه الأسباب الموجبة من ان أحكام الدستور تدعو لتحويل الاقتصاد العراقي إلى اقتصاد السوق، فالادق أن يكون هدف الأصلاح هو دعم وتفعيل آليات عمل السوق التنافسية في الاقتصاد العراقي لغرض رفع الانتاجية والكفاءة في استخدام الموارد المادية والبشرية.
2 – تعرف المادة ( 1 – ثانيا) وحدة القطاع العام : “كل تشكيل مملوك للدولة وتوفر خدمات تدعم النشاطات الاقتصادية وفقا للقانون” ، ولكن في العديد من البلدان تدرج ضمن القطاع العام الوحدات الاقتصادية التي تمتلك فيها الدولة ومؤسساتها أكثر من 51% من الرأسمال باعتبار ان الدولة ستكون لها الأغلبية في في مجلس الادارة وفي عملية اتخاذ القرار.
3 – تعريف الحوكمة الرشيدة في المادة (1- ثامناً) غير دقيق كما انه يتطرق إلى حوكمة الشركات والوحدات الاقتصادية الخاصة، في حين المطلوب تبني المفهوم الأكثر شمولية للحوكمة الذي تعتمده المؤسسات الدولية، فضلا عن أن الحوكمة تتعلق بطريقة او عملية اتخاذ القرار وعملية تنفيذه ، اي انها تتعلق بطريقة عمل المؤسسات وتحقيق الأهداف. فهناك خلط بين الحوكمة التي تشير إلى الاطار المؤسسي والانظمة المعتمدة في بناء الوحدة الإقتصادية وادارتها وبين مفهوم الحوكمة المتعلق بعملية وكيفية “حكم” او قيادة المؤسسة.
4 – حددت المادة (ا2 – أولا) هدف القانون ب ” اعادة هيكلة الاقتصاد العراقي لزيادة الانتاجية وضمان المنافسة ” اي قصرت الهدف الأساس لاعادة الهيكلة على الجانب الاقتصادي، ولكن يفترض ان يكون هناك بعد اجتماعي حاضر في عملية اعادة الهيكلة لما يترتب عليها من آثار اجتماعية، وليس كافيا محاولة معالجة هذه الاثار عند الاشارة إلى “تخفيف تكلفة الاصلاح”.
5 – ترد ضمن أهداف القانون تحقيق العدالة في توزيع عوائد النشاطات الاقتصادية، وتحقيق تنمية اقتصادية شاملة ، وهذه اهداف لا تتحقق إلا بتدخل فعال من الدولة، وهوما يتعارض مع النموذج الليبرالي المفترض ضمنا في المرجعية النظرية للقانون.
ب – في الغرض من القانون
6 – يبدو أن الغرض الأساس من القانون هو تشكيل مجلس الأصلاح الاقتصادي، وذلك ليكون اداة الدولة والحكومة في قيادة عملية الاصلاح الاقتصادي بكل جوانبها ومتطلباتها التشريعية والادارية وفي جميع الفروع والقطاعات الاقتصادية والمالية. والدور الرئيس للمجلس كما يستخلص من مهامه في المادة (6) هو اقتراح السياسات ومتابعة تنفيذ سياسات وبرامج الاصلاح الموضوعة والتنسيق بين الفاعلين المختلفين من اجهزة دولة ومؤسسات تشريعية ومؤسسات القطاع الخاص وبين المستويات والميادين المختلفة التي تشملها عملية الاصلاح ، وتقديم الدعم الاستشاري لوضع وتنفيذ برامج الاصلاح، واعداد الدراسات الضرورية. ان مثل هذه المهام تتطلب كوادر متخصصة ذات خبرة وتجربة ومعرفة، ولها قناعات راسخة بضرورة انجاز عملية الاصلاح. كما يفترض ان تكون قراراته ملزمة لسائر اجهزة الدولة.
ان البناء المقترح للمجلس يجعل منه تشكيلا اداريا ثقيلا يضاف إلى التشكيلات القائمة ويزيد من ترهل الدولة وتضخمها، كما ان مواصفات العاملين فيه تنطبق على عاملين وموظفين في الدولة بنفس الممارسات والمنطق الذي حكمها والذي على المجلس العمل على اصلاحه. لذا نرى أن تتم مراجعة هيكلية المجلس وبنائه ليكون جهازا يضم ذوي الاختصاص والخبرة من اكاديميين ومهنيين ورجال اعمال ناجحين وكوادر عليا من الدولة من ذوي الخبرة الادارية والفنية المشهودة، اضافة لممثلي اتحادات ارباب العمل والصناعيين ورجال الأعمال وممثلي الاتحادات النقابية والمهنية. ومن الأفضل ان يكون التعامل مع اعضاء المجلس بصيغة تعاقدية مرنة تسمح باجتذاب افضل العقول والخبرات. وتجنبا لآليات العمل الاداري البطيئة والمكبلة بالروتين كما سيكون العمل وفق الهيكلية الادارية المقترحة في القانون، نرى الاستعاضة عنها بتشكيل مجموعات على صيغة مكاتب متخصصة قطاعيا و مهنيا تعمل بموجب اطر ادارية مرنة خاصة.
7 – منعا لتكرار الجهود وحسن الاستفادة من الجهود التي بذلت في اعداد اكثر من عشرة استراتيجيات قطاعية، ومن الجهود الكبيرة التي بذلت في وضع خطة التنمية للسنوات 2013-2017، يفترض ان تكون من مهام المجلس اجراء التنسيق والمتابعات اللازمة بين مختلف الجهات الحكومية والخاصة لتنفيذهذه الاستراتيجيات والخطط والاسراع في تحقيق الاصلاحات الضرورية لتيسير عملية التنفيذ.
8 – وردت في الفصل الثاني الذي يحمل عنوان “وسائل الاصلاح الأقتصادي” فقرات تتصف بعمومية شديدة وتشمل ميادين سبق ان وضعت خططا وبرامج لتنفيذ اصلاحات فيها، كموضوع أعادة هيكلية الشركات العامة. ويكشف القانون عن توجهات ليبرالية مفرطة مختلفة عن التوجهات المعتمدة رسمياً.، وبعضها يؤشر إلى توجهات تتقاطع مع الدستور، كما في المادة (4 – خامسا)، والتي تنص على ” تنظيم العلاقات بين ملكية وادارة الموارد الطبيعية وإدارة اصول القطاع الخاص وتعزيز مشاركة القطاع الخاص “. فالصياغة الحالية لا تحدد نطاق مشاركة القطاع الخاص ، وهل هي مقتصرة على الادارة ، ام تشمل الملكية ايضاً؟ وفي الحالة الأخيرة ان صحت ، تتقاطع مع الدستور الذي يعتبر النفط ملكاً للشعب العراقي، وبالتالي لا يجوز ان تكون ملكية خاصة.
والفقرة سادسا تنص على تسهيل خصخصة الشركات العامة رغم وجود خارطة طريق لاصلاح اوضاع الشركات العامة لا تقضي بخصخصتها جميعا وانما التوجه نحو شراكات صناعية مع القطاع الخاص المحلي والأجنبي.
والفقرة ثامنا تنص على ” تشجيع الحوار بين القطاع العام والشركاء الاجتماعيين ” علما ان التنظيم النقابي ممنوع حاليا بالنسبة لعمال القطاع العام منذ تغيير صفتهم إلى موظفين في عهد النظام السابق.، كما ان المطلوب ان يكون لممثلي العمال مشاركة اكبر في مجالس ادارة مؤسسات القطاع العام. لذا يعتبر تشجيع الحوار ليس كافياً.
9 – لم يتطرق القانون إلى ازالة العوامل المعيقة للمنافسة النزيهة بسبب غياب او ضعف تنظيم السوق في العراق ووجود وحدات اقتصادية خاصة (شركات وافراد) تملك موقعا احتكاريا في السوق ولأصحابها نفوذ ومصادر معلومات خاصة تجعلهم يتفوقون على منافسيهم ويزيحونهم من السوق.
*) إفتصادي – وزير العلوم والتكنولوجيا السابق
حقوق النشر محفوظة لشبكة الإقتصاديين العراقيين، تشرين الأول 2013 يسمح بأعادة النشر بشرط ذكر المصدر
كل المقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعبر بالضرورة عن رأي الشبكة ويتحمل الكاتب المسؤلية عنها
استاذنا العزيز رائد فهمي المحترم
السلام عليكم ورحمة اللله وبركاته
سبق وان تمت مناقشة موضوع ضرورة وجود هيئة عليا لادارة الملف الاقتصادي وكان موضوع النقاش حول مجلس الاعمار وكانت الندوة ضمن نشاطات المعهد العراقي للاصلاح الاقتصادي وكان هناك من ايد اقامة هذا المجلس واخرين لم يؤيد ذلك على اعتبار كونه حلقة زائدة وانا معك بان امثال هكذا مجلس بحاجة الى كفاءات اقتصادية والحق يقال ان هناك الكثيرين الذين يملكون هذه الخبرات وليس مجاملة انت منهم ولكني ربما اختلف معك بانه سيرهق كاهل الدولة مع العلم هناك الكثير من اللجان المشكلة مثل هيئة المستشارين ولجان ستراتيجية القطاع وووو وترصد لها مبالغ لاداء اعمالها وكما تعلمون ان ما هدر من اموال لايعد ولا يحصى ولاضير ان نخسر ولو مرة واحدة على موضوع ذات قيمة ونفع ولماذا لايتم حصر تطبيق الاصلاحات بمجلس واحد ينظم عمله ويعد خطط اقتصادية واقعية علما بان اغلب الوزارات لديها دزائر اقتصادية وتقبل فائق التقدير والاحترام