كانت موجات الأمل في التغيير التي عمّت مختلف أنحاء المنطقة العربية في عام 2011 ، ناتجة عن صحوة الطبقة الوسطى التي أدركت أن المقايضات التي اعتاشت عليها لفترة طويلة لم تعد تفي بوعد توفير حياة أفضل. ولكن الانتفاضات الشعبية الواعدة سرعان ما تلتها الفوضى وخيبات الأمل وحتى تحركاتٌ لإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه.
تمهيد
اتُخذ القرار بإعداد هذا التقرير عن الطبقة الوسطى في المنطقة العربية عقب مناقشات جرت قبل سنتين في اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا )الإسكوا(، وأظهرت أن ما يُعرف عن هذه الفئة الاجتماعية قليل جداً، وهي، كما أثبتت تجارب المجتمعات عبر التاريخ، عامل التغيير، ومخزون الإمكانيات التي تسهم في تحسين الآفاق التنموية في المنطقة العربية. وهي التي تنتج الفكر والفن والثقافة والعلم.
وتمهيداً لإعداد هذا التقرير، عُقد اجتماع خبراء في حزيران/يونيو 2013 ، لمناقشة الإطار المنهجي الذي يمكن اعتماده لقياس الطبقة الوسطى، شارك فيه عدد من الخبراء والأكاديميين وواضعي السياسات من المنطقة والعالم لاستعراض الموضوع وتقديم التوجيهات وتحديد النهج، وخطة العمل.
وعاد فريق صياغة التقرير مزوداً بمقترحات وتوصيات الخبراء، فوضع منهجية جديدة لقياس الطبقة الوسطى باستخدام تعريف بسيط يصنّف هذه الطبقة اقتصاديّاً على أنها المجموعة التي يتخطى إنفاقها الإجمالي خط الفقر، أما إنفاقها على السلع والخدمات غير الأساسية فيبقى دون قيمة خط الفقر، على أن يتم تحديد خط الفقر على النحو الملائم. واستخدم الفريق تعريفاً آخر يصنّف الطبقة الوسطى على أنها فئة اجتماعية تعمل بشكل أساسي في وظائف مهنية. والمنهجية التي نُشرت في وثيقة للإسكوا بعنوان “نهج جديد لقياس الطبقة الوسطى: مصر” شكّلت الأساس لمعظم التحليلات الواردة في الجزأين الأول والثاني من هذا التقرير. واستفاد التقرير من ثلاث وثائق أُعدت لهذه الغاية وتضمنت معلومات أساسية حول الطبقة الوسطى من المنظور التاريخي، والاجتماعي والاقتصادي، والسياسي.
وقد تبيّن من تطبيق هذا التعريف على بيانات عن الأسر في تسعة بلدان عربية، أن الطبقة الوسطى بقيت مستقرة في معظم البلدان بين عامي 2000 و 2010 ، باستثناء مصر حيث تراجعت بنسبة الثلث في تلك الفترة. وتبيّن أيضاً كيف تدهورت الطبقة الوسطى وازدادت أوجه عدم المساواة بسبب النزاع في الجمهورية العربية السورية واليمن بعد عام 2010 . أما من الناحية الإيجابية، فقد عززت الطبقة الوسطى، كما مجموعات أخرى، من قدراتها التي تظهر جليةً في ما اكتسبته من مقومات رأس المال البشري؛ ولكن سوق العمل لم تكافئ هذه الجهود.
وتشكل هذه الحقائق النمطية أدلة إضافية تدعم الدعوة إلى بلورة عقد اجتماعي جديد ونموذج للتنمية الاقتصادية شامل للجميع في المنطقة العربية. ولذلك يرى هذا التقرير أن الطبقة الوسطى ينبغي أن تقود مبادرات وضع السياسات التنموية، وأن إرساء الحكم السليم واستحداث فرص العمل اللائق ينبغي أن يكونا المحركين الرئيسيين للنموذج التنموي الجديد بدلاً من الإعانات التي تأسّس عليها العقد الاجتماعي القديم.
عن المؤلفين خالد أبو اسماعيل المؤلف الرئيسي للتقرير
رئيس قسم السياسات الاقتصادية
شعبة التنمية الاقتصادية والعولمة
الإسكوا
الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية