بعد إنتظار لأكثر من سنتين،أطلقت الحكومة العراقية في كانون الأول 2014 التقرير الثالث للتنمية البشرية لسنة 2014،يضع التقرير “الشباب” بإعتباره المحور الأساس تحت عنوان ” شباب العراق …تحديات وفرص”.
كما هو معروف فإن تقارير التنمية البشرية تمثل منهجية تبنتها الأمم المتحدة منذ 1990.وفي العراق يمثل هذا التقرير الثالث بعد الأول الذي أطلق في 1995، والثاني في 2008.
ساهم في إعداد التقرير نخبة واسعة من الأكاديمين والخبراء العراقيين مع عدد من الخبراء الدوليين وفريق مبادرة جامعة اوكسفورد إضافة إلى مكاتب البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة،ويصل عدد هؤلاء المساهمين إلى أكثر من سبعين شخصا عملوا من خلال آليات وهيكليات ممثلة بهيئة إستشارية / فريق قراء التقرير/ مؤلف رئيس / منسق وطني / خبير الأسكوا / خبير البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة / كتاب الأوراق البحثية / كتاب الأوراق الخلفية / فريق التحليل الإحصائي من الجهاز المركزي للأحصاء وجهاز الإحصاء في إقليم كردستان / ……..الخ.
عمل كل هؤلاء لأكثر من سنتين، وصرفت أموالا طائلة على إعداد هذا التقرير تصل إلى مايقارب ال 300,000 دولار وعقدت العديد من الورش والإجتماعات داخل العراق وخارجه، وتأخر إصدار التقرير أكثر من سنة حيث كان مؤملا إصداره في عام 2013 وكان السبب في التأخير ضمان أن يكون التقرير رصينا ودقيقا لدرجة تليق به كوثيقة وطنية لها أهمية خاصة كونها توفر للحكومة (( الأدوات التي تحتاجها لإعادة تفعيل مسار التنمية والإستجابة إلى تطلعات الشباب ومطالبهم في التنمية وللمجتمع العراقي ككل– كلمة البرنامج الإنمائي))، وكونه (( يسهم بدوره في بناء السياسات ذات الصلة بدور الشباب – مهدي العلاق))، كما إنه((يضع بين يدي الحكومة أدوات للرصد والمراقبة والمتابعة والمناصرة ……ص 16)).
السؤال الذي أود طرحه هنا : هل حقق التقرير أهدافه الموضحة آنفا؟ وهل يستحق أن يكون وثيقة وطنية رصينة ومعتمدة للسنوات القادمة؟ وهل إن هذا الكم الهائل من الأكاديمين والخبراء أنتجوا وثيقة تتوفر فيها أبسط مقومات الرصانة / الدقة / الموضوعية / الإعتمادية ، خاصة وإن الموارد التي خصصت للتقرير ( أموال / موارد بشرية / وقت) كثيرة من حيث الكم والنوع، ومن جانب آخر يليق بسمعتهم الأكاديمية والوطنية.
أسمح لنفس بالإجابة بصراحة أرجو أن يسامحني عليها المشاركون في إعداد وكتابة التقرير ومنهم عدد من الأصدقاء ممن أثق بنواياهم أولا وإمكاناتهم العلمية ثانيا، اقول وبأسف شديد إن التقرير لا يستحق أن يوصف بكونه تقريرا للتنمية البشرية ولايمكن إعتباره وثيقة وطنية، ولو كنت صاحب القرار لما ترددت في سحب (ودون تردد) جميع النسخ العربية والإنكليزية من التداول لإعادة صياغته وترتيبه وطبعه.
التقرير مربك ( بفتح الباء) ومربك(بكسر الباء) في آن واحد،فهو مليء بالأخطاء اللغوية النحوية والتعبيرية ، يتعامل مع الأرقام بإستخفاف وعدم دقة، تتضارب فيه المعلومات والبيانات بين فصل وآخر، فيه الكثير من التكرار خاصة بين الفصول،إضافة لعدم التجانس في منهجية الكتابة والتحليل للفصول، مما يدل على إن كتاب الفصول لم يعملوا سوية كفريق عمل واحد.
بإختصار التقرير فيه الكثير من فوضى الأرقام والبيانات وفوضى المصطلحات وفيه الكثير من الإنشاء الذي يصلح لمقالة أدبية، وفيه الكثير من التضارب والتناقض في المعلومات لدرجة أستطيع فيها أن اجزم إن أي من المساهمين في كتابة التقرير لم يقرأ كامل التقرير بدقة لأن الأخطاء فيه واضحة، بالرغم من قناعتي بأن من يتحمل المسؤولية الأولى ووزر المستوى المتدني للتقرير هو (مؤلف التقرير) كونه المسؤول عن المراجعة النهائية وكان لديه الوقت والموارد اللازمة الكافية لذلك.
من جانب آخر أخشى أن يعطي هذا التقرير بأخطائه دليلا على ظاهرة تميز بها عراق مابعد 2003 ،وأعني بها كثرة المسوحات والسياسات والإستراتيجيات والوثائق دون التدقيق في رصانتها ودقتها وجدواها العلمية والإقتصادية والسياسية والإجتماعية، والتي غالبا ما يكون إصدارها إستجابة لطلبات وأجندات المنظمات الدولية أكثر مما هي تعبير عن حاجة فعلية وموضوعية، وقد يفسر هذا عدم إستفادة الدولة والحكومة العراقية من أغلبها وقد تكون جوابا على التساؤل الذي طرحة الدكتور( حيدر سعيد) عن مدى إستفادة الدولة من التقرير الجديد ومطالبته بضرورة إعتماده كمرجع،أي إن السبب في عدم الإستفادة منه تعود الى ردائته وضعف مصداقيته وليس بسبب القراء أو الحكومة أو الشباب.
الأمانة العلمية تحتم علي إثبات جميع ماذكرته آنفا من نواقص وسلبيات وسأبدأ بالأيجابيات التي لايخلو منها التقرير :
الإيجابيات
لكي أكون متفائلا ،لابد أن أبدأ بأهم إيجابيات التقرير على قلتها ،إذ يحسب للتقرير إختيار موضوعة ” الشباب” لما للشباب من أهمية إقتصادية وسياسية وإجتماعية كبرى في العراق، إضافة للتجاهل والتهميش الذي يعانون منه،كما يحسب لمعدي التقرير إتاحة الفرصة لمجاميع من الشباب للتعبير عن آرائهم بحرية ملحوظة تميز بها التقرير ( بالرغم من آرائهم وملاحظاتهم لم تنعكس في التوصيات)، كما يحسب لعدد من كتاب التقرير جرأتهم وحياديتهم في وصف الحالة العراقية.
ولابد أيضا من الإشارة إلى دليل تنمية الشباب الذي إبتكره التقرير، وهو أداة جديدة وفاعلة في التخطيط والتنفيذ والمراقبة والتقييم.
السلبيات
بسبب كثرة السلبيات ، يحتار المرء في تبويبها حسب أهميتها إبتداء من العام الى الخاص، ومع ذلك ساحاول أن أرتبها حسب أهميتها / خطورتها، وهي كما يلي :
1) فوضى الأرقام والبيانات
أهم ما يميز تقارير التنمية البشرية في العالم إستخدامها الدقيق للأرقام لدرجة إن دليل التنمية البشرية نفسه يتكون من ثلاث مراتب عشرية،بل إن تقارير التنمية البشرية إعتمدت الرقم كمؤشر ووسيلة لإقتاع صانعي السياسات والقرارات، لذلك تتوخى هذه التقارير الدقة البالغة في الأرقام،إلا إن الكثير من الوثائق العراقية تظهر إستخفافا ملحوظا بالرقم ،لذلك تتضارب النسب وتجتزأ الأرقام وتزال المراتب العشرية دون ملاحظة إن الرقم هو مؤشر ودلالة كمية لا يجوز التلاعب أو الإستهانة بها.
التقرير الوطني للتنمية البشرية 2014 ضرب هذه الحقيقة عرض الحائط والأدلة كثيرة ، سأذكر بعضها :
– في الصفحة 21،من النسخة العربية ورد ” تخلف العراق الى الترتيب 91 عام 1991″بينما في النسخة الإنكليزية الترتيب هو 93،فأيهما الأصح؟
– في الصفحة 22، ورد “إنخفضت نسبة وفيات الأمهات الى 291” بينما في النسخة الإنكليزية المرتبة هي 295
– في الصفحة 22 أيضا ورد “91% عام 2011” بينما في الإنكليزية “عام 2013”.
– في الصفحة 24، ” إن دليل التنمية البشرية للمحافظة قدر ب 0.640″ بينما في النسخة الإنكليزية الرقم هو 0.660 أما في الجدول (1) الصفحة 113 الرقم هو 0.675
أي الأرقام الثلاثة هو الصحيح؟ وماذا سيكون رد فعل المسؤول وهو يقرأ ثلاثة أرقام متباينة؟
– في الصفحة 24،ورد ” ينخفض دليل التعليم في محافظة ميسان الى 0.534 ” بينما في الجدول (1) الرقم هو 0.530،”نينوى: 0.530 بينما هو في الجدول 0.583
– في الصفحة 25،ورد ” متوسط العمر المتوقع 6.8%” بينما في النسخة الإنكليزية الرقم 6.4،وللتعليم ورد الرقم 9.5% بينما في النسخة الإنكليزية 8.3، وللدخل ورد الرقم 19.6% بينما في النسخة الإنكليزية 19.1
– في الصفحة 25،ورد “دليل التنمية البشرية 0.694 ” بينما في النسخة الإنكليزية 0.68،والدليل المعدل في النسخة العربية ورد الرقم 0.579 بينما في النسخة الإنكليزية 0.60
لاحظوا إن الخطأ كان في أهم ما يختص به التقرير وأعني به دليل التنمية البشرية، ألا يدل هذا الخطأ على عدم الإهتمام، حيث من المتوقع أن تكون قيمة الدليل محفوظة عن ظهر قلب من قبل كتاب التقرير.
– في الصفحة 28، ورد “في حين كانت الأقل في محافظة ميسان 31% تليها المثنى وواسط “وهو تعبير لايمكن أن يمر على أي متعلم بسهولة لأنه متناقض لأن الأقل هو الأخير ولايوجد بعده رقم آخر ، الصحيح هو بدلا من تليها يجب أن تكتب (بعد)كما في الجدول.
السؤال هنا : هل كان من يحلل الأرقام يستند ويعود الى الجداول فعلا ؟أشك في ذلك.
لا أريد أن أواصل لأن مثل هذه الأخطاء الكارثية كثيرة ويمكنكم مراجعة الصفحات 31،32،33،36،39،………الى نهاية التقرير حيث تتكرر الأخطاء.
2) التباين بين النسخة العربية والإنكليزية
حيث إن التقرير ملكية وطنية ،أفترض إنه كتب باللغة العربية وثم ترجم الى الإنكليزية،إلا إن من يقرأ النسختين يكتشف تباينا كبيرا وفي أكثر من موضع،التباين موجود في الصفحات (( 21،27،29،33،41،43،44،45،50،57،……….الخ)).
ولا أعرف إن كان التباين مقصودا أو محض صدفة لأن بعض المقاطع في النسخة الإنكليزية أكثر رصانة من النص العربي،بل ان بعض المقاطع تختفي من النسخة العربية،حتى إن بعض الأمثلة في النسختين مختلفة مثل الأرقام الخاصة ببعض المحافظات.
أما إذا كانت النسخة الإنكليزية ترجمة حرفية للنسخة العربية كما يفترض ، فيبدو إن المعنيين لم يكلفوا أنفسهم بمراجعة الترجمة وهذا ما لا يمكن قبوله في وثائق وطنية تطلقها الحكومة للعراقيين وللمجتمع الدولي،في ت تقديري إن الإختلاف يقلل كثيرا من مصداقية التقرير .
3) فوضى المصطلحات
الجميع يدرك المعضلة الأساسية في الكتابات / الدراسات / البحوث العربية ، بل وحتى العقل العربي من حيث إستخدام التعابير الفضفاضة والإنشاء المبالغ فيه، بحيث يستهلك العربي صفحات لشرح وجهة نظره فيما لايحتاج المفكر الغربي إلا لبضعة سطور،وإذا كان هذا مقبولا في الدراسات فإنه من المحرمات في تقارير التنمية البشرية كونها تتبنى نهجا علميا وتحليلا كميا ونوعيا للظواهر والمشكلات يسهل إقتناع الحكومات والدول والمجتمع به،لذلك يجب أن تكون المصطلحات قياسية / واضحة / قابلة للتقييم، إلا إن التقرير تضمن الكثير من المصطلحات غير القياسية ،يفهمها كل شخص حسب ثقافته وفيها الكثير من الغموض، وبصراحة فيها الكثير من الفذلكة، وسأعطيكم بعض الأمثلة :
(( جدلية الإقصاء / الإنتقال المزدوج /الإقتصاد الجديد /التنافس المتوحش / التعرضية/ ديناميات /نظام دولتي / تنمية تضمينية / الإحتياجات الحثيثة /مخرجات القيم / نخبة أقلوية / ……..الخ)).
مرة أخرى السبب يعود لمنهجية إعداد التقرير وعدم التجانس بين كتاب الفصول والإرتباك الواضح في إعداد التقرير إضافة لهيمنة بعض الكتاب المعروفين، وخاصة العرب منهم، بالتركيز على المصطلحات الرنانة كسبا للجمهور وتثاقفا على الآخرين وهو ما كان يجب تجنبه في تقرير التنمية البشرية.
4) الأخطاء اللغوية
بالرغم من وجود مصحح / خبير لغوي للتقرير لضمان رصانتة لغويا كونه وثيقة وطنية تعبر شئنا أم أبينا عن ثقافة البلد ورصانة مثقفيه، بالرغم من ذلك،تضمن التقرير أخطاء لغوية (من حيث التعبير والنحو والصياغة ) وعلى سبيل المثال :
– في الصفحة 3، ورد ” الوثيقة التي أمامنا تقرير التنمية البشرية 2013″ورد هذا الخطأ في كلمة السيد وزير التخطيط وعليها توقيعه، فهل يعقل هذا ، وأسألكم على ماذا يدل هذا ؟خاصة وهو في الصفحات الأولى وكان من السهولة إكتشافه ، فهل يحق لنا العتب على من لم يقرأ التقرير من المسؤولين ؟
– في ص 12، ورد ” إن المرحلة الإنتقالية لم تنجز مهامها بعد وهي ……. الأمن ، الهجرة والنزوح ، المرأة …”
أسألكم هل هذه مهام أم محاور ، ألا يعرف الكتاب إن المهمة يعبر عنها بجملة فعلية.
– في الصفحة 15، ورد “الإستراتيجية الوطنية للشباب 2013-2017” والصحيح إنها للسنوات 2013-2020،
سؤالي : كيف يمر هذا الخطأ والذي تكرر في صفحات التقرير، علما إن موضوعه هو الشباب ويفترض أن تكون إستراتيجية الشباب أهم مرجع للكتاب والمساهمين في إعداده وبالتالي لايجوز هذا الخطأ.
– في ص 15، ورد “من البرامج التنموية لغاية 2012”
هنا أسأل: ألم ينتبه المؤلف والمراجع للتقرير لعدم واقعية العبارة وهو يكتبها في عامي 2013 و2014، وبالتالي لايمكن مسامحته إذا إدعى إنها غلطة مطبعية.
الصحيح طبعا هو ” لغاية 2020.
– في ص 15، ورد : هذا العام 2013″
التقرير صدر في كانون الأول 2014، أترك لكم التعليق.
– في ص 17 ” عقد في كانون الأول / يناير 2013 ” والصحيح كانون الثاني.
– في ص 53، ” قبل أربعة عقود” والصحيح “خمسة عقود”.
– في ص 93 ،ورد ” المشاركة تمكن الشباب ينخرطون في العملية ….”.
هل هذه صياغة سليمة ؟
– في ص 105،ورد”إن هذه النائية” .
أسألكم : مامعنى النائية؟
ما ذكرته جزء يسير من أخطاء كثيرة كان من المفترض الإنتباه إليها وتصحيحها كون التقرير وثيقة وطنية لها قيمتها خاصة وإن التقرير تمت مراجعته لغويا من قبل خبير لغوي.
5) عدم التجانس بين فصول الكتاب
من يقرأ التقرير بدقة يشعر بالفرق الواضح بين فصوله من حيث المنهجية واللغة والتحليل،يتضمن التقرير ثمان فصول، الثاني والثالث والرابع والخامس بعنوان (تحديات)،ثم فجأة ننتقل في الفصل السادس الى (فرص) ومن يقرأ هذا الفصل يكتشف إن منهجيته لاتختلف عن الفصول السابقة فلماذا تغير العنوان؟ أما الفصل السابع فلم يتم الإشارة فيه لا الى التحديات ولا الفرص رغم عدم إختلافه عن بقية الفصول.
يظهر عدم التجانس بين الفصول في تكرار الأمثلة كما في الصفحة 61.
ومن يقارن بين ما كتب عن البعد السياسي والثقافي في الصفحة 19، وبين المجالات والمؤشرات في الصفحة 34 ، يكتشف إن الكلام الجميل الوارد في الصفحة 19 لم يترجم إلى مجالات قياسية لدليل تنمية الشباب.ربما يكون السبب هو إختلاف كتاب التقرير .
كما إن بعض الفصول تتضمن توصيات أو توجيهات فيما تخلو الفصول الأخرى منها،إضافة للكثير من التكرار في الوصف والجمل،مما يدل على إن كتاب الفصول لم يطلعوا على ماكتبه زملائهم وهي واحدة من أهم المخاطر في مثل هذه الوثائق التي يساهم في كتابتها عدد من الكتاب والتي كان يجب الإنتباه عليها من قبل المؤلف الرئيس.
5) فوضى الترتيب
من المؤسف إن تقريرا بهذه الأهمية لم يراعى فيه الترتيب المنطقي من حيث العناوين الرئيسية والفرعية وإختيار حجم الحرف ولونه المناسب للعناوين الرئيسية والفرعية لتسهيل القراءة والتمييز على القاريء، بل إن الفرق واضح بين النسختين العربية والإنكليزية.
في النسخة العربية تتداخل العناوين لدرجة لايميز القارىء عائدية الجملة أو الوصف وتعقد عليه الربط بين الفقرات.
ويبدوا الإرتباك أوضح بتسمية التقرير نفسه حيث أشير إليه بثلاث تسميات مختلفة هي :
التقرير الوطني للتنمية البشرية / تقرير التنمية البشرية الوطني / تقرير التنمية البشرية العراقي
بل إن عنوان التقرير الذي تكرر في ذيل جميع صفحات التقرير هو ليس العنوان الكامل الوارد في صفحة الغلاف
في تقديري إن هذا التباين غير جائز في وثيقة وطنية لأن عنوان التقرير مثل إسم الشخص لايمكن إجتزاءه أو تقديم وتأخير أجزائه، لايمكن تفسير ذلك إلا بعدم الإهتمام من قبل الكتاب الرئسيين ويعطي إنطباعا بان الدليل أعد على عجالة رغم طول مدة إعداده البالغة سنتين على الأقل.
6) جدوى التقرير
كما قلنا سابقا، تميز عراق مابعد 2003 بكثرة السياسات والإستراتيجيات والخطط الوطنية التي بقيت في أدراج المسؤولين وعلى رفوف مكاتبهم، وأخشى أن لا يمثل هذا التقرير إلا رقما جديدا في عدد الوثائق لاغير، أقول هذا حرصا على الجهود والموارد المبذولة والتي قد تضيع إذا لم يتخذ إجراء علمي يحسن التقرير ويجعله أكثر جدوى.
سؤالي : ما الجديد الذي جاء به التقرير؟
أجيب: إن التقرير أبتكر دليل تنمية الشباب وهو شيء جديد ويستحق التقدير ولكن التقرير نفسه لم يستفد من الدليل في إقتراح التوصيات ، فالتوصيات الإقتصادية مثلا مكررة وسبق ذكرها في وثائق أخرى، كما إن التوصيات الإجتماعية والسياسية تتسم بالعمومية بل وتكرر أخطاء وثائق أخرى مثل التوصية الواردة في ص 111 الخاصة بالسماح لخريجي التعليم المهني لإكمال دراستهم الجامعية وهو إقتراح ينسف الهدف من التعليم المهني المتمثل برفد سوق العمل بقوى عاملة ماهرة يحتاجها السوق العراقي المتخم بالخريجين أما تحفيز الشباب فلا يتم بهذه الطريقة بل توجد طرق أخرى لامجال لذكرها هنا.القصد إن كل التحليلات التي وردت في التقرير وآراء الشباب لم تنعكس على التوصيات.
كان من المفروض أن تتمحور التوصيات حول الشباب وتكتب من منظور شبابي أو تصاغ بطريقة تظهر علاقتها المباشرة بتنمية الشباب حتى بالنسبة للتوصيات التي سبق ذكرها في وثائق أخرى، وهذا مافشل التقرير في تحقيقه وهو هدفه الأساس.
إضافة إلى إن إعداد التقرير أصبح هدفا بدل من أن يكون وسيلة لرسم برامج تنمية الشباب لأن المنطق العلمي يحتم أن يكون تسلسل الوثائق كما يلي :
تقرير عن الحالة يتبعه رسم سياسات (تضع أهدافا) تليها إستراتيجية(تصوغ محصلات ونتائج) واخيرا خطة عمل( تحدد فيها الأنشطة) مع أدوات للمراقبة والمتابعة والتقييم.
أما في العراق فالحال سار بالمقلوب ، حيث سبق لوزارة الشباب والرياضة إن أعدت إستراتيجية وطنية للشباب للسنوات 2013 -2020 تقدم حلولا للمشاكل والتحديات التي يواجهها الشباب وتقترح برامجا ومشاريعا وتم مصادقة الحكومة العراقية عليها، أي إن الحاجة إنتفت للتقرير( الذي يصف الحالة) وبالتالي لن يكون مجديا إذا بقي على حالته الراهنة وسيعزز من الموقف السلبي المتوقع تجاه التقرير من قبل المسؤولين.
في تقديري لازالت الفرصة سانحة لتنقيح التقرير وإعادة صياغته وطبعه طباعة جديدة ليليق بالدولة العراقية والشباب العراقيين وسمعة المساهمين في إعداده،والأهم أن يصبح التقرير وثيقة وطنية من حيث الشمول والتوجه والأهداف والنتائج، بل يمكن إعادة الصياغة تزامنا مع وثائق أخرى خاصة الإستراتيجية الوطنية للشباب والإستفادة من التقرير في إعداد خطة عمل لتنفيذ الإستراتيجية.
أخيرا أؤكد مرة أخرى على إن هدفي كان التنبيه إلى أهمية التركيز على النوعية وعلى تحقيق الأهداف الوطنية بدلا من القفز من وثيقة إلى أخرى والتركيز على الجانب الإحتفالي والذي غالبا ما يحجب الحقائق.
غسان الصفار – 24 شباط 2015
(*) خبيرعراقي في التدريب المهني والتعليم الفني TVET
الاراء الواردة في هذا التقرير وفي جميع المواد المنشورة على موقع شبكة الإقتصاديين العراقيين لاتعبر بالضرورة عن رأي هيئة التحرير وانما عن رأي كاتبها وهو الذي يتحمل المسؤولية العلمية والقانونية
الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية