عندما يقرأ او يتداول الكثير منا أرقام كميات النفط الخام والغاز والمنتجات النفطية سواء كانت منتجة أو مجّهزة او مصدرة، فأنه في الأغلب لا تكون هنالك فكرة عن مصداقية أو موثوقية تلك الأرقام ومدى تطابقها مع الكميات الفعلية، لذا نحن نأخذ هذه الأرقام على علاتها وان كانت صادرة من جهات رسمية.
نلاحظ من تلك المقدمة اننا لم نستخدم عبارة الدقة او دقة القياس، كما هو متبع في حالات شائعة بل إستخدمنا عبارة المصداقية أو الموثوقية ويعود ذلك الى سببين: –
الأول – ان الدقة هي تعبير لقرب القياس من القيمة الحقيقية، وبذلك فهي حالة آنية تتغير وفق طبيعة ونوع أخطاء القياس، وبالأخص الخطأ العشوائي، (Random Error)، الذي يتميز بتغيره سلبا وإيجابا عند تكرار او إستمرار عملية القياس، وبذلك لا يمكن ان يكون مقدار الدقة ثابتا مع خطأ قياس متغير.
الثاني – ان مصداقية أو موثوقية القياس هي تعبير عن الحد المقبول او المسموح به، على وفق الأنظمة العالميه والوطنية لمقدار او كمية كل أخطاء القياس ،بنوعيها الرئيسيين ،العملياتي ،(Systematic Error) ،والعشوائي ،(Random Error)، وعادة ما يعبر عن ذلك الكم من أخطاء القياسباللايقينية، (Uncertainty).
وبذلك فان مقدار اللايقينية لمعدات ومنظومات القياس ،وليس الدقة او نوع معدة القياس، تٌعّد هي المعيار الرئيس لجودة ومصداقية قياسات نقل الملكية، (Custody Transfer Metering)، والقياسات الحكومية، (Fiscal Metering)، لكمية ونوعية النفط والغاز والمنتجات النفطية، وهي القياسات التي تترتب عليها مختلف مستحقات البيع والشراء، وكذلك والضرائب والرسوم والريع الحكومية، علما بان قياسات نقل الملكية يمكن ان تتم عن طريق عدادات الأنابيب او ذرعة الخزانات او الموازين الجسرية.
ولعل من أبرز ما يترتب على عدم العمل بأنظمة قياسات نقل الملكية الحالتين التاليتين: –
1ـ إرتفاع الخسائر المحتملة للجهات البائعة أو المشترية، وكذلك بالنسبة لإيرادات الضرائب والريوع الحكومية.
2ـ تعذر إجراء موازنات ذات مصداقية للكميات المنتجة والمستهلكة والمصدرة… الخ ،مما يفتح الباب لخلافات ونقاشات طويلة بين الجهات المختلفة ويؤدي، في حالة عدم حسمه دوريا، الى فتح المجال أمام الفساد للاستشراء.
لذا فان مصداقية أي من أرقام الكميات المعلنة لإنتاج وتصدير وتجهيز النفط الخام والغاز والمنتجات النفطية يجب ان تقترن بمقدار أخطاء القياس ومقدار اللايقينية الخاصة بها.
وأود ان أقدم فيما يلي مثالا يوضح تأثير قياسات ذات لايقينية مختلفة على مقادير الخسائر المحتملة: –
1ـ الافتراضات
1/1ـ الكمية الحقيقية من النفط الخام المطلوب بيعها او تصديرها هي،) 1 مليار برميل / سنة) او (2,8 مليون برميل / يوم (تقريبا.
1/2ـ سعر البرميل، (100دولار).
1/3-اعتماد منظومتي قياس يقيس كل منهما مجمل الكمية المشار لها في (1/1) أعلاه، الأولى ذات لايقينية بمقدار، (±0,8 %)، أي اعلى من الحد المسموح به وفق نظام القياس المعمول به في وزارة النفط البالغ، (±0,3 %)، والثانية بمقدار، (±0,2 %)، أي ضمن الحد المسموح.
2ـ نتائج القياس
إحتمال ان يصل الحد الأعلى لخسارة البائع او المشتري، (800) مليون دولار/سنة، في حالة القياس بمنظومة قياس ذات لايقينية، (±0,8 %)، فيما يمكن تخفيض ذلك الاحتمال الى (200) مليون دولار/سنة، في حالة استخدام منظومة قياس ذات لايقينية بمقدار؛ (±0,2 %).
يٌستنتج مما تقدم جدوى الإنفاق، ولو بمبالغ كبيرة نوعا ما، لتقليص اللايقينية وتحسين القياس وتقليص أخطائه.
ونظرا الى ان العوامل المؤثرة على مصداقية قياسات نقل الملكية هي عوامل متعددة وكثيرة في اغلبها عوامل إدارية وأخرى فنية، فان الدول والشركات النفطية العالمية تلجأ الى تشريع وإعتماد أنظمة وقوانين ومعايير محلية ودولية لقياسات نقل الملكية للنفط الخام والغاز والمنتجات النفطية للسيطرة على تلك العوامل، بغية تقليل أخطاء القياس او الحصول على أفضل مقدار للايقينية، ضمن الحدود والسماحات المقبولة. ولعل من أهم سمات ومتطلبات قياسات نقل الملكية للنفط الخام والغاز والمنتجات النفطية الآتي: –
1- إعتماد نظام إداري يحدد: –
1/1ـ مسؤولية الإدارة وبقية المسؤولين عن عمليات تصاميم ونصب وتدشين وتشغيل ومعايرة معدات القياس.
1/2ـ توفير الموارد من معدات القياس وموادها الإحتياطية ومختلف الملاكات المؤهلة والأنظمة، بما في ذلك طرق القياس والمعايرة والتصاميم والصيانة والتدقيق الداخلي الموثقة والأخذ بنظر الإعتبار الإيفاء بمتطلبات الزبائن.
1/3ـ تنفيذ كافة عمليات القياس والأعمال ذات العلاقة بها من قبل الملاكات المؤهلة ووفقا لطرق عمل موثقة.
1/4ـ تنفيذ عمليات المراجعة وفقا لتقارير المدققين الداخليين والخارجيين ومتطلبات الزبائن لكي تكون نتائج المراجعة مدخلات لخطط الإدارة في تحسين وتطوير القياس.
2ـ ان يتم قياس اللايقينية وعمليات التدقيق الخارجي ومعايرة معدات المعايرة من قبل جهات فاحصة معتمدة، وفقا لبرامج زمنية، ووفقا لتعليمات حكومية تأخذ بعين الاعتبار توفر معايير الإعتمادية الدولية لتلك الجهات.
3ـ ان تكون كافة القياسات على أساس الاتي: –
3/1ـ قياسات الكتلة الجافة، أي طرح او إستبعاد كميات الماء والشوائب من الكميات المقاسة.
3/3ـ التصحيح الحراري وتصحيح ضغط الكميات المقاسة الى الظروف القياسية المتفق عليها.
4ـ ان تكون هنالك برامج زمنية تلتزم بها الإدارة العليا لمعايرة كافة معدات القياس، والمعايرة بما في ذلك معايرة الخزانات ومعدات المعايرة، والمعدات المختبرية الخاصة بقياسات النوعية المستخدمة في قياسات نقل الملكية.
5ـ ان تتضمن كافة طرق العمل الموثقة ذات الصلة بقياسات نقل الملكية لتنفيذ إعمال التصاميم والشراء والنصب والتشييد والتدشين والتشغيل والصيانة والمعايرة والقياس … الخ الآتي: –
5/1ـ أسماء المسؤولين.
5/2ـ البرامج والتوقيتات الزمنية لتنفيذ العمال.
5/3ـ أماكن التنفيذ.
5/4ـ تسلسل خطوات العمل.
6ـ ان تلتزم إدارة المنشآت النفطية بسياسة معلنة للقياس تأخذ بنظر الاعتبار ما تقدم ذكره، وتأشر كافة الإجراءات المطمئنة لضمان جدية الإدارة في تحقيق قياسات مستوفية للمعايير المعتمدة.
وفي بلدي العراق برزت الحاجة الى إعداد نظام القياس والمعايرة الخاص بقياسات نقل الملكية المعتمد في وزارة النفط حاليا بعد التجارب التي مرت بها الوزارة على مدى المرحلتين التاليتين:
المرحلة الأولى ـ بحدود سبعينات وثمانينيات القرن الماضي والتي شهدت العديد من التوسعات في طاقات انتاج وتصدير وخزن ونقل النفط الخام والغاز والمنتجات النفطية، نذكر منها على سبيل المثال، مشاريع إستثمار وتشغيل حقول شمال وجنوب الرميلة ونفط الوسط والخط الاستراتيجي وميناء البصرة ومصافي البصرة والشمال ومجمعي غاز الشمال والجنوب، حيث برزت و تفاقمت مشكلة الفروقات بين الكميات المجهزة و المستلمة، اما لعدم وجود معدات قياس ضمن تلك المشاريع او لعطل معدات القياس او لعدم كفاءة قياسها، و قد لجأت الوزارة في حينها الى تسوية الفروقات عن طريق تحميل طرفي القياس الفروقات مناصفة بسبب تعذر إستيراد معدات قياس و بالأخص في زمن الحرب العراقية الايرانية.
المرحلة الثانية ـ عقد التسعينات ولما بعد الاحتلال عام 2003، حيث أتيحت الفرصة لشركات الوزارة، ومن خلال مذكرة التفاهم بين العراق والأمم المتحدة من إستيراد معظم الإحتياجات من معدات القياس، الا ان ما كان يدعو للأسف هو إستمرار حالة الفروقات على الرغم من الجهد الكبير والأموال الطائلة التي انفقت لشراء معدات القياس.
لقد إستغرق إعداد نظام القياس والمعايرة المعتمد في وزارة النفط قرابة الاربع سنوات، (2004-2008)، و تم الإعداد بدعم من الوزارة ومن بعض شركات النفط العالمية وخبراء عراقيين، وفي عام 2008 تشرفت بتكليفي بتأسيس قسم القياس في الوزارة وتراسه، وجابهت عملية التأسيس العديد من الصعوبات والتحديات، من أبرزها مقاومة التغيير وقلة الخبرات و الملاكات المؤهلة، ومع ذلك استطعت والحمد لله من تأسيس أقسام القياس في شركات الوزارة وإعداد العديد من تعليمات عملها منها، على سبيل المثال، تعليمات متابعة حالة معدات القياس و تدقيق التصاميم و الفحص و كشف و معالجة أسباب الفروقات و طرق القياس وإعداد الدورات التدريبية المحلية والخارجية ولحين تركي العمل في القسم في عام 2010.
واذ اضع هذه المعلومات بين أيدي القارئ الكريم أدعوا المختصين في القطاع النفطي والجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعية وهيئة النزاهة ومنظمة الشفافية ولجنة الطاقة في مجالس النواب الى بذل المزيد من الجهد للتأكد من التطبيق الكامل لأنظمة ومعايير قياسات نقل الملكية وإستمرارية الإلتزام بها لأهمية ذلك في ضمان حفظ صون حق الشعب العراقي في إستثمار ثروته النفطية، بعيدا عن حالات الشك والفساد المؤسفة متمنيا للجميع كل الخير والتوفيق بإذن الله.
(*)خبير نفطي عراقي
حقوق النشر محفوظة لشبكة الإقتصاديين العراقيين. يسمح بالاقتباس واعادة النشر بشرط ذكر المصدر
الاخ د. علي الركابي
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
ما اوردتموه امر صحيح و لكن لا يعدو الا جزء بسيط من المتطلبات الفنية و الإدارية العديدة التي يتطلب الامر توفيرها للحصول على قياسات ضمن حدود معايير اللا يقين المعتمدة ضمن المعايير العالمية و التي تضح حدا لاي تشكيك بصحة القياس ، و للاسف الشديد فان قياسات الثروة الرئيسيّة في العراق و هي النفط لا زال ينقصها الكثير من توفير تلك المتطلبات .
خالص تحياتي
زيد الصندوق
السلام عليكم
اود ان اضيف الى ما تفضلت به ان هناك العديد من اجهزة القياس لكميات النفط او الغاز سواء المتحركة منها او الساكنة وذات كفاءه عاليه ومصدقة في نهاية المطاف اما ان يشككون في جزء من حساباتها بحجه او اخرى كان ياخذون الحجم الظاهري ويتركون مثلا قياسه للكثافه وبقية التصحيحات ، اي ياخذون ما يلائهم فقط ويلائم مواقفهم التي يرفعوها او ان يتركوا العمل بها او يتلاعبون بها من خلال بعض برمجتها