قطاع التربية والتعليم العالي

أ.د. محمد الربيعي: هل من علاقة ثقة بين ادارة التعليم العالي والتدريسيين؟

 

تواجه الجامعات العراقية في العراق أكبر التحديات منذ تأسيس جامعة بغداد في عام 1956. ويأتي هذا التحدي على ضوء تدهور مخصصات التعليم العالي نتيجة انخفاض اسعار النفط الخام بنسبة زادت على 50 بالمائة منذ صيف 2014. وقد بدأ الانخفاض يلقي بظلاله السلبية على الابتعاث والمبتعثين والعلاقات مع الجامعات العالمية والإيفادات والبحث العلمي وتنمية كفاءات ومؤهلات الموارد البشرية ومجمل النشاطات العلمية والاكاديمية بداخل وخارج الجامعات.

وكغيره من قطاعات الاقتصاد العراقي يعاني التعليم العالي من تدني مستوى الكفاءات البشرية في مختلف المجالات الادارية والتدريسية والتخطيطية والقيادية. ويتجلى هذا الأمر في عدم توفر الثقة بين الادارات على مختلف الاصعدة، ابتداء من ادارة الاقسام وانتهاء بإدارة الوزارة، وبين اعضاء هيئات التدريس. الجدير ذكره ان النظام البيروقراطي في التعليم العالي مسؤول عن تدهور هذه العلاقة. وتتداخل عوامل اخرى كالفساد الوظيفي وندرة الاطر المؤسساتية ذات الكفاءة العالية وضعف البيئة الاكاديمية المستقرة لتزيد من الطين بله. ولربما سيمكن درء بعض جوانب التدهور بعودة اصحاب الشهادات العالية المبتعثين والذين يتوقع ان يساهموا في نقل المعرفة، وفي انفتاح العراق على المجتمع العلمي العالمي، وفي نشر الثقافة الجامعية المبنية على التعاون والنزاهة والشفافية وحب العمل وعلى تمجيد الابداع والابتكار، هذا على افتراض انهم تشبعوا بهذه الثقافة.

ويؤدي انعدام الثقة بين المسؤولين والتدريسيين في ظل عدم وجود نظام عادل لاشغال الوظائف الادارية في الجامعة الى تثبيط قابليات التدريسيين وانحسار عطائهم العلمي، اضافة الى انتشار مظاهر التملق والنفاق الاجتماعي طلبا للوصول الى تحقيق هدف شخصي. على صعيد اخر فإن ضعف العلاقات الاكاديمية الحميمة بين التدريسيين نتيجة انتشار الصراعات السياسية والطائفية والمصالح الشخصية الضيقة يعني اشغال طاقات اكاديمية بما هو مدمر لبيئة التعليم والتعلم.

 

ينعكس انعدام الثقة عند التدريسيين في المشاعر التالية:

1- الاعتقاد بعدم كفاءة المسؤولين،

2- الشعور بالغبن الوظيفي والتميز ضدهم،

3- التخوف من المسؤولين والحذر منهم،

4- التأكيد على ان المحسوبية والمنسوبية هي طريق الحصول على منصب اداري.

ولربما سيتهمني البعض بالمبالغة اذا ما قلت بأن انعدام الثقة بين التدريسيين والإداريين في الجامعات العراقية هي اعلى ما تكون عليه في كل وزارات ودوائر الدولة وفي كل المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية، وبأن مثل هذه المشكلة التي تعيق تطوير الاداء وتحسين الجودة لا يوجد مثيلها في اي جامعة غربية ولا تماثلها بأي درجة من الخطورة اي جامعة في العالم. لم اجد بين مئات من التعليقات والردود على كتاباتي حول التعليم العالي والجامعات العراقية وحديثي مع الاكاديميين قضية اكثر اهتماما وأكثر اثارة للجدل من الادعاء الشائع بين التدريسيين بعدم كفاءة قيادات الجامعة خصوصا بشأن رؤوساء الاقسام. وبالرغم من ان الادعاء لا يؤكد صحته الا انه يؤكد صحة انعدام الثقة مما يتطلب معالجته بسرعة ويستدعي تكثيف كافة جهود الوزارة والجامعات لتحسين العلاقة بين التدريسي والاداري، واضافة جائزة الى جوائز الوزارة العديدة لافضل اداري باختيار التدريسيين في قسمه او كليته او جامعته.

على مر السنين، ومنذ انشاء وزارة التعليم العالي، استلم قيادات الجامعات مئات من التدريسيين من مختلف المشارب والاتجاهات والاعمار، ورغم اختلاف طباعهم ومعارفهم وخبراتهم، استمر التعليم العالي في تدهور واستمرت شكاوي التدريسيين من ظروف تهميشهم. لذا فاني اختلف مع الانطباع الشائع بأن تدهور مستويات التعليم والبحث العلمي يعود الى سوء الإدارة، فليس بطاقة عضوية الحزب هي السبب وليست المحسوبية والمنسوبية هي السبب وليس الطائفية هي السبب وليس العلاقات العشائرية والمناطقية والعائلية هي السبب. ان السبب برأي يعود الى:

1- النظام الاداري البيروقراطي الذي يمنح المسؤول سلطات جائرة ويقمع الحريات الاكاديمية ويقتل الابداع والتطور.

2- قلة ومحدودية المعارف ببيداغوجيات التعليم والتعلم الحديثة وبما يحدث من تطور في الجامعات العالمية بصورة عامة وعلى كل المستويات.

3- صعوبة احداث تغيير وتجديد في النظام التعليمي حيث المقاومة للتغيير مبنية بداخل مفاصل وهيكلية النظام

4- الطموحات والرغبات التي يغذيها المجتمع نحو تبوأ مسؤولية ادارية والتي تدعمها زيادة الراتب والمكافآت المالية السخية. لم اعرف اكاديميا رفض منصب اداري عرض عليه (مع ضرورة التأكيد على وجود الاستثناء) لان المنصب الاداري ينظر له في العراق على انه تكريم وليس مجرد تكليف.

في الوقت الحاضر لا يرقى النظام الاداري في الجامعات والمؤسسات التعليمية العراقية، كونه مركزيا، الى الانظمة الادارية العالمية، والتي اوصلت جامعات الدول المتطورة الى مستويات اكاديمية وبحثية عالية، لذا ليس من الضروري ان توّفر خبرة التدريسي في العمل الجامعي المحلي معرفة بتطورات الادارة العالمية للجامعات او بتكنولوجيا التعليم والتعلم خصوصا بما يتعلق بالجودة وضمان الجودة، ولا تُهيئ القيادات لنهج الاصلاح والتطوير، ولا الى الوصول لمرتكزات الجامعة الحديثة في الاستقلالية الادارية والحرية الاكاديمية. لذا باعتقادي ان الخبرة الادارية تحمل جوانب سلبية اكثر من جوانبها الايجابية، فكلما زادت سنوات العمل الاداري السابق للقائد الجامعي الجديد كلما قل استعداده لهدم النظام القديم، وقلت مرونته واندفاعه للتغير والتطوير والاصلاح، مع احتراسي من التعميم الشامل لهذه النظرة التبسيطية.

لذا لا ارى طريقة او اسلوب غير مكلف ولا يحتاج الى جهود كبيرة ووقت طويل ولا يتطلب تغيير قوانين الوزارة، لتحسين العلاقة بين الادارات الجامعية والتدريسيين، وجعل التدريسيين اكثر اعتزاز ومحبة لجامعاتهم ومهنتهم التدريسية والبحثية، وتطوير التعليم والتعلم والبحث العلمي، الا باعتماد نظام انتخاب رئيس القسم والعميد ورئيس الجامعة من قبل اعضاء هيئة التدريس مباشرة او غير مباشرة (اي بطريق الانتقاء من قبل لجان منتخبة كما هو موضح في مقالتي التي تجد رابطها ادناه*). وهذا ما (سيضمن التزام المسؤول الاداري بقوة بأسس الحكم الجماعي، الذي يجمع مصالح الهيئة التدريسية والعاملين في الجامعة في عملية صنع القرار).

(*) أستاذ جامعي عراقي في المهجر متخصص في تنمية الموارد البشرية

الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية

التعليق هنا

%d مدونون معجبون بهذه: