يعتبر قطاع التامين من الانشطة الاقتصادية المهمة لدعم القطاعات المصرفية والصناعية والزراعية والمالية وغيرها من خلال توفيرمختلف انواع الحماية ضد الاخطار المستقبلية التي تواجه الافراد واموالهم ومؤسساتهم المالية والاقتصادية. حيث يقوم التامين بتعويض مشتري وثيقة التامين عن الاضرار والخسائر المادية التي تلحق بهم، الحماية للأصول المادية من الآثار المالية المترتبة على الكوارث الطبيعة ومن المسؤوليات القانونية ومخاطر السلوك البشري في الانشطة الإنتاجية. باضافة الى استخدام اقساط التامين المتراكمة في تمويل النشاطات الاستثمارية المختلفة، ودعم انشطة المصارف من خلال توفير الضمان المطلوب للائتمان والقروض.
لقد مر قطاع التامين العراقي خلال الاربعين سنة الاخيرة بظروف استثنائية كبيرة اثرت على ادائه وتاخره من كافة النواحي مقارنة بقطاع التامين على المستوى العالمي بشكل عام وقطاع التامين في الدول العربية التي ساهم خبراء التامين العراقيين في النهوض به بشكل فعال على وجه الخصوص. فالحروب والحصار وانهيار الاقتصاد العراقي في ظل النظام السابق ادى الى ضعف كبير في نشاط التامين وعزوف كبير عن شراء اغطية التامين وتدني اقساط التامين وتسرب اعداد كبيرة من خبراء وكوادر التأمين سواء في داخل البلد او الى الخارج، اضافة الى ضعف تدريب العاملين وتدني معنوياتهم ومستوياتهم وضعف إدارة الشركات ومجالس إدارتها.
وبالرغم من محاولات الاهتمام بهذا القطاع من قبل الحكومات المتعاقبة منذ عام 2003 لغرض اعادة تأهيله وهيكليته، الأ انه مع الاسف لم يحصل النهوض والتطور في قطاع التامين العراقي مقارنة بما حصل في الدول الاخرى وحتى بمستواه في فترة السبعينات من القرن الماضي التي اعتبرت العصر الذهبي لقطاع التامين العراقي. فلازال هناك ضعف في الثقافة والوعي التأميني على مستوى المؤسسات والمواطنين ولا نتردد عندما نقول ان الكثير من الناس لايعرفون حتى معنى كلمة تأمين او حتى لم يسمعوا بها، ولازال هناك ضعف في دورمعظم موظفي التامين (خاصة فئة المنتجين) المختصون في التوسط لتسويق وثائق التأمين على المؤسسات الاقتصادية والافراد. اضافة الى ذلك هناك ضعف النشاط الاستشاري خاصة في تقييم الممتلكات وتسوية الخسائر، وضعف الاكتتاب من قبل الشركات العاملة لاعادة التامين بسبب مخاوف من اخطار معينة و الاضطرابات المدنية وحوادث والارهاب. اذن لابد من اتخاذ اجراءات لاحداث نقلة نوعية في بنية قطاع التأمين وتعزيز دوره في الاعمار وبناء الاقتصاد الوطني، من خلال انعاش كل انواع اشكال التأمين للنهوض من ركوده، ليكون قادرا على الاستجابة لتغطية المخاطر القابلة للتأمين في ظل الظروف الصعبة التي يمر فيها العراق. وهناك اجراءات عديدة عامة وتشريعية يمكن اتخاذها من قبل الحكومة مباشرة او من خلال وزارة المالية واعطاء قطاع التامين اهمية استثنائية للنهوض به.
ولكن على ما يبدو ومن خلال تضمين بعض فقرات المنهاج الحكومي، فان الحكومة الحالية توفر ارضية واضحة للنهوض بقطاع التامين وتطويرة. وقد تجسد ذلك من خلال:
أولا: تطرق المنهاج الحكومي لاول مرة الى معالجة عدة مواضيع تخص التامين، منها: تامين المسؤولية على المنتج، تامين المسؤولية المهنية، تطوير اغطية التامين الزراعي لتوفير الحماية للمزارعين عن الخسائر الناجمة عن الكوارث الطبيعية. كذلك اعطى المنهاج اهتمام خاص لاصدار قانون الضمان والتأمين الصحي للمواطنين وتطبيق نظام طبيب الاسرة من خلال تطبيق هذا القانون.
ثانيا: لغرض تنفيذ ما ورد في المنهاج الحكومي، فقد قامت الحكومة خلال الاشهر الماضية باناطة مهمة دراسة واقع قطاع التامين وتشخيص المعوقات والمشاكل التي يعيشها هذا القطاع وتقديم مقترحات للنهوض به، الى فريق فني من خبراء التامين الذين قاموا بدورهم بتقديم مقترحات لمعالجتها. وسوف تقوم الحكومة باتخاذ الاجراءات اللازمة لمتابعة تنفيذه المقترحات خلال الفترة القادمة.
وان قطاع التامين حالة كما هو حال بقية الانشطة الاخرى يحتاج الى خارطة طريق لاصلاحه والنهوض به وتفعيل دوره في الاقتصاد العراقي. ونذكر ادناة عدة مقترحات، التي جزء مهم منها تضمنتها حزمة الاجراءات والسياسات لدعم القطاع الخاص التي تم اعدادها فريق الخبراء الوطني المشكل من قبل مكتب رئيس مجلس الوزراء:
- قيام شركات التامين العامة والخاصة بحملات مكثفة لزيادة الوعي التأميني لدى المواطنين والمؤسسات الحكومية باهمية التامين وحثهم على شراء مختلف انواع وثائق التامين ودورها في توفير الحماية للمواطنين وممتلكاتهم وزيادة الاقساط وحجم المبالغ المتراكمة منها واستثمارها في مجالات اخرى لدعم الاقتصاد العراقي والقطاع المالي.
- تقوم شركات التأمين وخاصة الحكومية منها بتكثيف التدريب المهني للعاملين والعاملات في قطاع التامين و تقديم الدعم لهم وتشجيعهم على تطوير قدراتهم التأمينية والمهنية.
- اتخاذ خطوات جادة لجذب كفاءات التأمين العراقية المتواجدة في الداخل والخارج.
- تشجيع العاملين على الإدخار بأقتناء وثائق التأمين على الحياة الإدخاري وذلك لسحب السيولة من الشارع و السيطرة على معدلات التضخم في البلد.
- دعم دور شركة اعادة التامين العراقي لأهمية دورها على قطاع التامين والاقتصاد الوطني، ولضعف مواقفها الحالية الداعمة لشركات التأمين المحلية .
- تفعيل دورشركات التامين في انشطة المصارف وتعزيز العلاقة بين هذين القطاعين لحاجة بعضهما البعض من جهة وتحقيق فوائد متعددة للزبائن. عليه من الضروري جدا تعزيز تكامل قطاع التأمين مع القطاع المالي وتعظيم دوره في الوساطة المالية ومشاركة الصناديق المالية في التنمية الاقتصادية بعد الوفاء بالالتزامات التعاقدية مع حَمَلَة وثائق التأمين. حيث ان زيادة التنسيق بين انشطة القطاع التامين والمصارف في غاية الاهمية في النهوض بالانشطة الاقتصادية.
- تقوم مؤسسات وشركات التأمين بتوسيع اغطية التأمين إلاجبارية في المؤسسات الخدمية المهـــمة التي يرتبط عملها مع المواطن ومعيشته وحالته الصحية لغرض الحفاظ على استمرارية تقديم الخدمات المعاشية والصحية للمواطن بشكل تكون خارج نطاق أية حوادث عرضية يمكن أن تعكس أثرها على طبيعة معيشة المواطن المستهلك لهذه الخدمات.
- اصدار تعليمات الى الدوائر الحكومية باضافة شروط التامين في العقود الحكومية، وتوسيع أغطية التأمين التي تقدم الضمان الاجتماعي والصحي للعاملين في القطاع الحكومي والقطاع الخاص، ومنها على سبيل المثال وثيقة تأمين متعددة المنافع التي تقدم للعاملين الضمانات المعيشية للعاملين و لعوائلهم ، والإهتمام بتنظيم المتطلبات التأمينية للمشاريع الإنشائية التي يجب ان تضمن ليس فقط الأضرار المادية للممتلكات وانما التوسع لتشمل إصابات العمل للعاملين في المشاريع.
- دعم انشاء سوق تأمين فيدرالي اتحادي وطني موحد من خلال تعديل التشريعات والغاء الاجراءات المتناقضة العاملة في كل من الحكومة المركزية و حكومة الاقليم من خلال اتباع نظام رقابي موحد لنشاط التامين ولضمان حرية التامين في العراق. ولغرض اعادة دور شركات التامين العراقية العاملة في الاقليم من خلال تاسيس فروع لها هناك إسوة بشركات التأمين الكردية العاملة في المناطق العربية في العراق.
- اضافة نوع اخر من عقود الإستيرادات الخارجية تكون على أساس عقود الإستيراد بالبيع الدولي (CFR) بدلاً من عقود الإستيراد (CIF) التي يتم دفع أقساط التأمين للبائع الأجنبي ضمن قيمة البضائع المستوردة مما يترتب عليه تسرب مبالغ طائلة من العملة الصعبة إلى البلدان المصدرة. حيث ان هذا الاجراء سوف يعطي فرص واسعة لشركات التامين العراقية خاصة شركات القطاع العام بتوفير اغطية التامين المناسبة للبضائع المستوردة .
- اتخاذ خطوات مهمة لتشجيع رجال الاعمال والمصارف لفتح شركات متخصصة في التامين الاسلامي لما لذلك من اهمية كبيرة في زيادة قاعدة التامين بين شريحة واسعة من المواطنين الذين لديهم موقف شرعي من التامين التجاري، والاستفادة من تطور هذا النوع من التامين في دول الخليج وخاصة تجربة الامارات العربية المتحدة.
- من الضروري قيام ديوان التأمين العراقي بتعزيز مكانته في متابعة انشطة التامين ومعالجة مشاكلها وسلبياتها، وخصوصا فيما يتعلق بالتعليمات والقوانين التي تخص قطاع التأمين. ونعتقد من المهم جدا أن يعطي الاولوية حاليا في تشيخص الاثار الناجمة من تطبيق قانون رقم 10 لسنة 2005، لغرض رفع المعوقات الناشئة عن احكام قانونية واردة فيه.
- اما فيما يخص التشريعات فمن الضروري جدا اعادة النظر ببعض مواد قانون التامين رقم 10 لسنة 2005 كونه يتضمن بعض المواد التي تسمح للشركات الاجنبية العاملة في العراق بتغطية الاخطار في شركات تأمين اجنبية خارج العراق وبالطبع يؤدي هذا الى تسرب اقساط التأمين الى الخارج وهذا له تأثيرات اقتصادية سلبية على مجمل الايرادات التي تحصل عليها شركات التامين العراقية، خاصة من الصناعة الاستخراجية لقطاع النفط. كذلك فان بعض شركات التأمين الاجنبية تزاول التأمين دون أن تكون مرخصة من قبل ديوان التأمين العراقي أو وزارة الاقتصاد والتجارة في الإقليم، و تستحوذ على نسبة كبيرة من أعمال التأمين مما أدى إلى ضعف منافسة شركات التأمين المحلية لها نظراً لامتلاكها إمكانيات افضل من حيث الملاءة المالية و القدرات الفنية التأمينية.
- معالجة الاختلاف وانعدام الانسجام بين القوانين والاجراءات المتعلقة بانشطة التأمين في كل من مناطق الحكومة الاتحادية والاقليم ، فمثلا الاقليم لايطبق قانون رقم 10 لسنة 2005 ، ولايسمح للشركات المسجلة في بغداد بفتح فروع في الاقليم.
- يجب التعجيل في اصدار قانون الضمان الصحي لتحسين الواقع الصحي للمواطنين الذي يعد مطلبا مهما وحقا كفلها الدستور العراقي. لقد آن الاوان التنسيق بين الجهات الحكومية المعنية مع لجنة الصحة البرلمانية واتخاذ الخطوات المطلوبة لمتابعة التوصيات التي قدمتها وزارة الصحة والاتفاق على المسودة النهائية لاقرارها من قبل مجلس النواب وتشريعه لما فيه من فائدة كبيرة للمواطنين من خلال توفير واقع صحي افضل.
ان معظم الاجراءات المقترحة اعلاه يمكن ان يساهم في تطويرها وتنفيذها ديوان التامين ومن خلال التنسيق مع الحكومة وبالاخص وزارة المالية وشركات التامين، حيث من الضروري جدا ان يتم تفعل دوره في ادارة قطاع التامين للنهوض به وزيادة دعمه لكافة الانشطة الاقتصادية للعراق. واخيرا لا بد من التأكيد أن قطاع التأمين العراقي امام فرصة مهمة للنهوض به وتعزيز دوره الاجتماعي والاقتصادي والمالي، وهذا بالتاكيد من شأنه ان يزيد من ايرادات الحكومة بشكل متصاعد ويساهم في سد جزء من التزاماتها في الموازنة العامة خلال السنوات القادمة.
(*) باحث اقتصادي ومدير شركة تسويق النفط العامة (سومو)
حقوق النشر محفوظة لشبكة الإقتصاديين العراقيين. يسمح بالاقتباس واعادة النشر بشرط الاشارة الى المصدر. 14 تموز 2015
الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية