تجاوزت ويلات اسعار النفط الخام المنخفضة حدود الولايات المتحدة وانتشرت الى اماكن اخرى بعيدة الى درجة انها باتت تؤثر على ما هو اكثر من مجرد الشركات والاقتصاديات وحسب. لقد تواترت الاخبار القادمة من العراق حول تحذير وزارة النفط العراقية لشركات انتاج الطاقة العاملة لديها حول خطط الاخيرة لتقليص الانفاق على القطاع النفطي العام القادم. وقد تلقت بعض من كبريات واهم شركات الطاقة العاملة هناك، ومن بينها أيني الايطالية وشيل الهولندية وبي بي الانكليزية فضلا عن لوك اويل الروسية، تعليمات من العراقيين بوجوب تقديم طلبات تمويل متحفظة لوزارة النفط العراقية بحلول العام القادم 2016. فهل ان حرب الاسعار النفطية باتت مكلفة بما لا يطيقه العراق يا ترى؟ لقد كانت منظمة الدول المصدرة للنفط اوبك، ولا تزال، تزيد في انتاجها النفطي برغم مشكلة انخفاض الاسعار في الاسواق العالمية. وتنوي المنظمة الفوز بحرب حصص السوق على حساب منتجي النفط الصخري الاميركي، وبصرف النظر عن مشكلة الاسعار على ما يبدو. ولكونه يعد ثاني اكبر منتج للنفط في المجموعة، فإن العراق مثّل المساهم الاكبر والابرز في زيادة الانتاج لغاية الان، حيث ينتج هذا البلد اكثر من 4 ملايين برميل من النفط الخام يوميا. غير ان هذه الاستراتيجية ارتدت على البلاد سلبا على ما يبدو. لقد بات العراق يعاني وطأة ضعف اسعار النفط في العالم، حيث يحمّل هذا البلد نفطه على متن الناقلات البحرية بسعر يقرب من الـ40 دولارا للبرميل بعد ان كان يبلغ 110 دولارات العام الماضي. يتوفر العراق على خامس اكبر احتياطي نفطي في العالم، فيما يكاد يمثل النفط المصدر شبه الوحيد لعائدات البلاد الخارجية. وقد انخفضت عائدات العراق النفطية شهر آب الماضي الى 3.87 مليار دولار، لتهبط بنسبة 20% مقارنة بشهر تموز الماضي، وذلك نتيجة لانخفاض الاسعار من جهة، وتقلص معدلات التحميل من جهة اخرى. ولا شك ان ذلك قاد الى تقليص في الانفاق المخصص لمشاريع التنمية والتطوير النفطية. كما ان الحرب الباهظة التي تخوضها البلاد ضد تنظيم داعش الارهابي المتطرف انما تتسبب بخراب ودمار لاقتصادها المترنح اصلا. ويدين العراق ببضعة مليارات من الدولارات لشركات الطاقة العالمية التي تطور حقوله النفطية. غير ان تطوير هذه الحقول قد يتأثر بوضوح نتيجة تقليص الانفاق الحكومي، الامر الذي قد يترجم الى تعثر بوتيرة سداد الحكومة العراقية لمستحقات هذه الشركات. خلال العامين الماضيين، عمد العراق اصلا الى تقليل اهداف الانتاج عبر حقول الرميلة وغرب القرنة 1 ومجنون بصرف النظر عن اتفاقاته مع شركات مثل اكسون موبيل واكس اوام وشيل وبي بي التي تعمل في تطوير هذه الحقول. وقد عمدت بي بي اصلا الى تقليص نفقاتها الرأسمالية الخاصة بعملياتها في العراق خلال العام الحالي 2015 لاكثر من مليار دولار. وبرغم ان انتاج هذا العام قد لا يتأثر بمشكلة تراجع الاسعار العالمية، الا ان الغموض يحيط بآفاق نمو انتاج البلاد خلال السنوات القادمة.
روسيا ترفض الاوبك من جانبها، عادت روسيا مرة اخرى لترفض مشاركة دول الاوبك في مشروع لكبح جماح الانتاج العالمي بصورة مشتركة، الامر الذي يمثل اخبارا سيئة لاسواق الطاقة العالمية التي تعاني اصلا وفرة كبيرة في المعروض بحيث انها تسببت بانكسار كبير في اسعار الخام. وحينما تسببت اسواق الطاقة بدفع مجموعة الاوبك لمناقشة تقليص الانتاج شهر تشرين الثاني من العام الماضي، فان المجموعة عدلت عن رأيها برغم الانخفاض الكبير في هذه الاسعار. فما الذي غير من وجهات نظر الاوبك يا ترى؟
آلام الاوبك مضى اكثر من عام على ضعف اسعار النفط الشديد في الاسواق العالمية. فها هو خام غرب تكساس المتوسط يغلق قبل يومين على سعر يقدر 46.05 للبرميل، اي ما يقل عن 50% مقارنة بسعره السابق منتصف العام الماضي 2014. ويعود هذا الكلام عموما الى وفرة كبيرة في المعروض العالمي من النفط الى جانب احتياطيات دول كبيرة عموما. شهر تشرين الثاني نهاية العام الماضي، وحينما كان العالم يتوقع تقليص الانتاج من قبل مجموعة الاوبك التي تغذي ما يقدر بثلث الاستهلاك العالمي، صدر عن السعودية التي تمثل المكون الرئيسي في المجموعة، صدر عنها رد فعل بارد تمثل في قرار انتاج قياسي وغير مسبوق. وكان موقف السعودية مبنيا على مواجهة وضرب منتجي النفط الاخرين خارج دول المنظمة، مثل منتجي النفط الصخري الاميركيين الى جانب روسيا، حيث قررت ترك السوق ليأخذ منحا انحداريا يؤدي الى انهيار الاسعار. وبعبارة اخرى، ارادت السعودية ان تستعيد الاسعار عافيتها من خلال اجبار المنتجين على تقليص الانتاج بفعل الكلفة العالية التي تتكلفها بعض الدول الى جانب تأثير الضغط الاقتصادي الذي يسببه انخفاض الاسعار عليها. لكن هذا الكلام ليس ببعيد عن شؤون السياسة ومعادلات التحالف – العداء المتعلقة بصراعات الشرق الاوسط وغيرها، ما بين ايران والسعودية في سوريا، واميركا وروسيا في اوكرانيا، على سبيل المثيل، حيث تمثل عوائد النفط المنخفضة ورقة ضغط قوية على الدول المنتجة مثل ايران وروسيا بطريقة تحرمها مما يعرف بـ”النقد السهل” ما يقيد يديها في صراعاتها الاقليمية والدولية، في مقابل مقدرة دول اخرى مثل السعودية على تحمل نتائج انهيار الاسعار، عدا عن افادة الدول المستهلكة التي تتقدمها اميركا من هذا الوضع بغية تحقيق منافق اقتصادية وتسريع وتيرة تعافيها من الازمة الاقتصادية التي ضربتها منذ سنوات. لكن العراق على وجه الخصوص، كان من بين الدول الاكثر تضررا بأزمة انخفاض الاسعار التي ضربت اسواق الطاقة، لاسيما انه يخوض حربا شرسة ومكلفة جدا ضد تنظيم داعش من جهة، الى جانب معاناته من صور فساد غير مسبوقة وترهل واداري واعباء مالية لا تطاق، الامر الذي يهدد بانهيار البلاد ما لم يتم ايجاد حلول عاجلة لمشاكله المستعصية. غير ان دول الاوبك ليست ببعيدة عن الالم الذي تسبب به انخفاض الاسعار ووفرة المعروض خلال الاشهر الماضية. فها هي السعودية تصدر سندات خزينة بقيمة 5.33 مليار دولار بغية تمويل العجز في موازنتها وبرامج انفاقها العام الامر الذي تضطر اليه للمرة الاولى منذ عقد من الزمن. كما ان مصادر اعلامية اشارت الى ان مملكة الاوبك الاكبر ستفلس وتبقى من دون نقد بحلول العام 2018 اذا ما استمرت الاسعار العالمية الحالية بحدود الـ40 دولارا للبرميل لغاية ذلك الوقت.
الرفض الروسي في وجه الاوبك حينما بدأت مجموعة الاوبك تشعر بألم الاسعار المنخفضة، تسربت تقارير اعلامية تشير الى ان المنظمة دعت الى لقاء يناقش ويسمع فيه الاعضاء بعضهم البعض. ولربما يمثل ذلك مؤشرا على ان الاوبك تنظر في امر تقليص الامدادات بهدف شد الاسواق ودفع الاسعار الى استعادة عافيتها. وفي مقدمة ذلك، ارادت الاوبك من روسيا مشاركتها للمنظمة في مشروع قطع الامدادات، الامر الذي واجته روسيا بالرفض. لكن لماذا هذا الموقف الروسي، ولماذا ترفض موسكو الانضمام الى المنظمة اصلا؟ بداية، فان معظم اللاعبين النفطيين في روسيا هم من القطاع الخاص والمستثمرين، في مقابل عائدية شركات الطاقة في دول الاوبك الى حكومات الدول الاعضاء فيها. لذلك، اذا ما قررت روسيا الانضمام الى المنظمة، فان الاخيرة بدورها ستمارس ضغطا ونفوذا على موسكو من اجل تقليص انتاج شركات الاخيرة في اقرب وقت ممكن. لكن هذا الكلام يتناقض ومصالح المستثمرين النفطيين في روسيا، حيث ان هؤلاء سيقلصون من انتاجهم اذا ما وافقت اغلبية حملة الاسهم على ذلك وليس بضغط من الحكومة الروسية. فضلا عن ذلك، سيكون من الصعب جدا، من الناحية التقنية، وقف انتاج حقول النفط في مناطق سايبيريا المنجمدة بشكل فوري كلما ارادت منظمة الاوبك منهم ذلك.
سيادة ضعف الاسعار ان رفض روسيا المستمر التعاون مع انتاج دول الاوبك بغية قطع الانتاج يمكن ان يقود الى وفرة زائدة في المعروض بطريقة تسود الاسواق العالمية عموما. كما ان منظمة الطاقة الدولية اشارت في تقريرها الشهري الاخير الى ان وفرة المعروض النفطي في الاسواق العالمية ستبقى كذلك خلال العام 2016. وفي الوقت الراهن، فان منحنى الاسعار المنحدر سيقود بدوره الى هبوط في اسعار اسهم شركات الطاقة التي ستشهد ما يشبه السقوط الحر في الاسواق المالية. ولا شك ان هذا الكلام بات واضحا من خلال مراجعة الانحدار في اسعار اسهم تلك الشركات، حيث انخفض سعر سهم اكسون موبيل واكس اوام وشيفرون وبي ورويال دوتش شيل بنسب تراوحت بين 19.5-26.1% مقارنة باسعارها في العام الماضي. عن مركز “زاكس” لأبحاث الطاقة
المصدر جريدة العالم البغدادية – بغداد – الهادر المعموري – 22/9/2015
http://www.alaalem.com/index.php?news=%CD%D1%C8%20%C3%D3%DA%C7%D1%20%C7%E1%E4%DD%D8%20%CA%DA%E6%CF%20%DA%E1%EC%20%C7%E1%DA%D1%C7%DE%20%C8%E4%CA%C7%C6%CC%20%DA%DF%D3%ED%C9&aa=news&id22=32338
الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية