لتنزيل نسخة سهلة الطباعة بصيغة بي دي أف انقر على الرابط ادناه
Jabbar Laieby-Iraqi Oil Industry-Missing Stratey-final
أولاً- المقدمة
كما هو معلوم فإن الاقتصاد العراقي أصبح خلال السنوات الأخيرة وفي معظم مفاصله أحادي المصدر يتمحور على محور واردات مبيعات النفط الخام وهو بذا حبيس بورصة الأسواق العالمية وتقلبات أسعار النفط الخام فيها. وبالنظر لغياب الخطط والاستراتيجيات الواضحة المعتمدة على دراسات وبرامج عملية برؤى تضمن التنبؤات والمؤشرات في تقلبات أسعار النفط في الأسواق العالمية على مدى عقد من الزمن على أقل تقدير، عليه فإن أي تذبذب في أسعار النفط بالاتجاه المنخفض يؤدي بشكل مباشر ومؤثر على أداء الاقتصاد العراقي وتوفير السيولة المطلوبة لتمشية متطلبات الإنفاق والاستثمار في البلد. وغالباً ما يؤدي مثل هكذا وضع إلى خلق اختناقات حادة في توفير السيولة مسببة حالة من والاضطراب في الاداء الحكومي من جهة ووضع اجتماعي عسير من جهة أخرى.
وقد لاحظنا خلال العقد الأخير من الزمن أنه في كل مرة تهوي فيها أسعار مبيعات النفط تلجأ الحكومة وتشكيلاتها الاقتصادية الى مصدر النفط كملاذ وحيد متيسر لكي يساعد، ولو بعض الشيء، في معالجة العجز في الميزانية، وتوفير حلول لبعضٍ من الاختناقات. وغالباً ما يكون مثل هذا التحرك أو الطلب حاوياً على الكثير من عناصر الغموض وبصيغ مطلقة وغير مستندة على خطط وبرامج عملية وواضحة المعالم اذ تتمحور فقط حول مجال الطلب بزيادة انتاج وتصدير كميات أكبر من النفط الخام. وبالمقابل، فإن الجهة المنفذة والمطلوب منها تنفيذ مثل هكذا برامج، وهي وزارة النفط، والتي بحد ذاتها تفتقر الى خطط أو برامج عملية وواضحة ضمن سياسة نفطية رشيدة تستخدمها للتعامل مع المتغيرات المتوقعة في اسواق النفط العالمية سواء من جانب الكميات او الأسعار.
ومن المفيد الاشارة هنا الى حالات الاختناقات في الاقتصاد وشحة السيولة اللازمة خلال عام 2008 نتيجة هبوط أسعار النفط الخام والتي خلقت في حينها وضعاً قلقاً وحرجاً لدى الحكومة المركزية اتخذت على أثرها خطوات سريعة وواسعة من أجل تأشير مواطن الخلل والاختناقات المتراكمة في أداء قطاع النفط. وبالفعل عقدت لقاءات على أعلى المستويات وتقدمت بدراسات وندوات كانت تهدف الى رفع أداء القطاع. ولكن، في نهاية الامر وللأسف، لم يتم تطبيق او تنفيذ أي من تلك التوصيات الجوهرية وبقي الحال على ما هو عليه، حيث عاودت أسعار النفط بالارتفاع تدريجياً. وهنا لا بد من الاشارة الى ان الوضع خلال عام 2015 يختلف عما هو عليه عام 2008، حيث ان البلد يخوض معارك شرسة مع الارهاب وهناك رصيد مالي في الميزانية يكاد يقترب الى أدنى المستويات الحرجة من الإفلاس، أضف الى ذلك وضع اجتماعي مضطرب يترنح في اتجاهات مجهولة.
نعود ثانية الى الجهة المسؤولة عن انتاج وتصدير النفط الخام وهي وزارة النفط فإن توجيهات الحكومة المركزية لها بزيادة كميات تصدير النفط الخام مع الغياب الكامل للخطط والبرامج التي تحوي على بدائل واضحة وعملية تتعاطى مع مثل هكذا حالات طارئة، الأمر الذي يجعل ويخلق حالة غير صحية تكون مصدراً للعديد من الاجتهادات والافكار والتي غالباً ما تكون باتجاهات مختلفة وأهداف متضاربة وحتى متقاطعة ويكتنفها الكثير من الغموض، و حتى أن البعض من تلك الافكار تكون مبنية على مصالح ذاتية او شخصية او فئوية. وهنا يكمن ربط الخطأ والخطر، فبدلاً من أن تصب المحصلة النهائية لصالح البلد في توفير المتطلبات الاساسية والاحتياجات المالية، نرى خلق حالة جديدة من الرؤى غير الواضحة وغياب العناصر الايجابية الأساسية، والابتعاد عن الاهداف الاساسية في رفد اقتصاد البلد ومساعدته، وقد يؤدي مثل هكذا وضع مضطرب الى تخندق مجموعات او مكونات تسعى جاهدة لتسخير الوضع لصالحها سواءً من الجانب المادي او حتى الاعلامي.
في خضم الازمة الحالية التي عصفت بالبلد جراء الهبوط الحاد في أسعار النفط الخام وما نتج عن ذلك من آثار سلبية غطت تقريباً أغلب مفاصل الحياة في البلد، ولكون النفط هو محط كل الانظار تقريباً كعامل انقاذ للوضع الاقتصادي المتردي، فإن مثل هكذا وضع يخلق بيئة خصبة لبروز العديد من المكونات والمجموعات تحمل افكاراً واجتهادات بصيغ ومضامين متشعبة وحتى متضاربة ومتقاطعة وتظهر ساحة واسعة للمزايدات والمضاربات وكل يدلوا بدلوه. فهناك أفكار أخذت تركز على اعادة النظر في صيغ وطبيعة عقود جولات التراخيص، وهناك مجموعات اخذت تروج لإجراء جولات تراخيص جديدة لكن ببدائل وصيغ مختلفة، وحتى ان الامر حدى بالبعض للذهاب الى ابعد من ذلك واللعب على وتر خطر وغير مقبول مطلقاً وهو رهن الاحتياطي النفطي على المدى البعيد وغير ذلك.
إن أي مطلع على مجريات صناعة النفط في العراق يتوصل الى استنتاج واضح وغير قابل للشك بأن الأخذ، جزءاً أو كلاً، بأي من الأفكار والفتاوى المطروحة مؤخراً سوف يدفع البلد في منحدر مظلم من غياهب المجهول وآتون القاتل الاقتصادي.
لابد من التأكيد هنا بأن قطاع النفط العراقي، وعلى الرغم من كل التردي والإخفاقات والشروخ التي اصابته، فهو لازال يتمتع بنوع من العافية موروثة معه من العقود الاولى لتأسيسه، وبالإمكان وعند توفر ادارة جيدة وحكيمة استغلال تلك العناصر القوية المتبقية في القطاع لإعادة تأهيله ورفع كفاءته ودفعه نحو المسار الصحيح. ومثل هكذا اجراءات ستكون بمحصلة قوية ووفيرة للمساهمة في تعظيم موارد البلد المالية.
وحتى نكون منصفين مع نفسنا ومع بلدنا وشعبه نرى من الضرورة بمكان ايضاح المطلوب مما جاء في أعلاه من خلال القاء الضوء على أبرز الوقائع والحيثيات التي رافقت القطاع بعد احداث عام 2003 والتي يمكن ان تكون مصدراً واضح المعالم لاستنباط الدروس والوصول الى نتائج ذا قيم ومردودات عالية للصالح العام وكما يلي:
ثانياً- الفترة عام 2003 – عام 2006
أعمال تدمير وتخريب واسعة رافقت العمليات العسكرية للاحتلال شملت عموم منشآت وحقول النفط في الجنوب.
معدل الانتاج المتوفر من المتبقي من المنشآت لا يتعدى (50) ألف ب/ي.
جرت حملة واسعة للإعمار واعادة تأهيل المنشآت وحقول النفط والمصافي ومنشآت الغاز وحقن الماء ساهم فيها بشكل مباشر وواسع النطاق الكادر والجهد الوطني.
تصاعد معدلات الانتاج بوتائر متزايدة وسريعة مع تحقيق نتائج كبيرة في أعمال الاعمار واعادة التأهيل.
الوصول الى معدل انتاج يفوق (1) مليون برميل/اليوم قبل نهاية عام 2003.
الوصول الى معدل انتاج يفوق (2) مليون برميل/اليوم خلال الربع الأخير من عام 2004 بفضل الجهود الكبيرة والمثابرة لأعمال الجهد والكادر الوطني، اقترنت كذلك بإنتاج الغاز الجاف والماء وتشغيل منشآت الغاز وحقن الماء والمصافي.
اعادة اعمار وتأهيل البنى التحتية واضافة منشآت جديدة وانجاز بنى تحتية في المجالات المختلفة.
انجاز العديد من المشاريع في تطوير حقول جديدة وفي مجالات مختلفة جميعاً كانت من خلال الجهد الوطني.
ثالثاً- الفترة 2006 – 2008
شهدت هذه الحقبة طفرات نوعية وانجازات باهرة في تنفيذ مشاريع متفرقة ومهمة، سواء ذات الصلة بإنتاج النفط والغاز وحقن الماء أو البنى التحتية أو البناء والإعمار والمشاريع المتعلقة بالخدمات الأساسية اضافة الى مجالات التطوير ورفع الأداء الفني والإداري.
أنجزت خلال هذه الفترة مشاريع استراتيجية مهمة مستندة بالكامل على الجهد الذاتي الوطني والإمكانيات المتوفرة وأبرز تلك المشاريع يتمثل في تطوير حقول نفطية جديدة أهمها التطوير الإضافي لحقل غرب القرنة، تطوير حقل ارطاوي، تطوير حقل الطوبة، تطوير مشارف الرميلة الجنوبية والشمالية، التطوير الإضافي لحقل نهر عمر، التطوير الإضافي لمكمن السجيل الأعلى في حقل الرميلة الجنوبي والمحصلة النهائية لهذه الإنجازات كانت تحقيق معدل انتاج اضافي يفوق (400) ألف برميل/اليوم ،اقترنت الفترة كذلك بتوسيع البنى التحتية الأساسية لمنظومات الخزن والتصدير ومنظومات الغاز وحقن الماء.
على الرغم من تحقيق زيادات ملموسة وكبيرة في معدلات الإنتاج متأتية من الإنجازات أعلاه الا أنه وبمرور الوقت اخذت المعدلات الاجمالية للإنتاج تتناقص بشكل أصبح يثير على القلق، اذ تحولت من مسار التناقص التدريجي الى مسار التناقص الحاد، وبدأ ناقوس الخطر يدق بمستويات أعلى فأعلى.
كما هو معلوم وواضح ان الأسباب الكامنة وراء التراجع في معدلات الانتاج تعود الى عوامل واضحة وتعتبر من البديهيات والاوليات في قاموس صناعة النفط وأهمها يكمن في:
أ- قلة أو حتى انعدام أعمال حفر آبار نفطية جديدة وأعمال خدمات الآبار (الاستصلاح) ذات الصلة.
ب- ضآلة او غياب متطلبات الدفع الثانوي للنفط والمتمثلة في حقن الماء او الغاز لأغراض السيطرة المكمنية.
ج- عدم توفير أغلب المتطلبات الاساسية في تطوير أو ديمومة معدلات الانتاج على سبيل المثال لا الحصر المواد الاحتياطية والمستلزمات الرئيسية للبنى التحتية.
د- ضعف الدراية الفنية والخبرة الادارية في مفاصل وحيثيات الصناعة النفطية لدى العديد من الحلقات الرئيسية العليا في صنع القرار، الأمر الذي جعلها في وضع عدم الاكتراث او الاهتمام بالمتطلبات الأساسية في ديمومة ورفع معدلات الانتاج.
رابعاً- الفترة 2008–2009 (الخطة المعجلة لتصعيد الانتاج)
شهد العام 2008 هبوطاً حاداً في أسعار النفط الخام في الأسواق العالمية ادى الى خلق ضائقة مالية كبيرة في الموازنة وتوفير السيولة وبالتالي ظهور أزمة كبيرة في تلبية الاحتياجات الأساسية من الرواتب والمستلزمات ذات الصلة. وعلى أثر ذلك استنفرت الحكومة المركزية كل الطاقات المتاحة في وزارة النفط في السعي للمساعدة في سد بعض أبواب العجز في الموازنة المالية وشحة السيولة من خلال زيادة انتاج وتصدير معدلات النفط الخام، وتشكلت لهذا الغرض لجنة مركزية عليا تضم أطراف عدة من المسؤولين وذوي الاختصاصات وتمخضت أعمال اللجنة وما اقترن معها من مناقشات وعقد مؤتمرات للخبراء العراقيين ودراسات. تمخض عن ذلك تشخيص، بشكل واضح وجلي، أهم المعوقات والاختناقات التي تجابه أداء وزارة النفط ومؤسساتها وإصدار توصيات مهمة وفاعلة من شأنها وفي حالة تفعيلها أن ترتقي بأداء الوزارة وتشكيلاتها وبالتالي رفع كفاءة الأداء والحصول على مردودات مالية اضافية تعزز الاقتصاد العراقي اضافة الى وضع الوزارة على السكة والمسار الصحيح.
بالنظر لحراجة الموقف آنذاك واصرار الحكومة المركزية على ضرورة النظر في امكانيات توفير معدلات انتاج اضافية من النفط وبأي معدلات متاحة حتى تساعد في فك بعضٍ من الاختناقات في الازمة المالية، أخذتُ زمام المبادرة في اعداد خطة بعنوان ” الخطة المعجلة لإنتاج (500) ألف برميل اضافي “تضمنت الخطوط العريضة التالية:
– تنفيذ خطط حفر آبار جديدة فقط في حقول النفط واستغلال الطاقات او السعات الفائضة من المنشآت السطحية القائمة، وكان العدد الاجمالي للآبار المطلوبة (120 – 150) بئر.
– البرنامج الزمني المتوقع: (3) سنة على أبعد تقدير.
– الكلفة التقديرية: (500) مليون دولار.
عند طرح الخطة ومناقشتها في الجلسات الجانبية التي ضمت بعض الوزراء وبحضور السيد رئيس الوزراء آنذاك حظيت الخطة بالمباركة والتأييد الكامل. وكذلك نالت الخطة التأييد الكامل والمطلق من جميع الحضور في مؤتمر خبراء النفط الذي انعقد في فندق الرشيد في تشرين الثاني 2008.
لم ترى الخطة النور وطويت وكنست تحت زولية الإهمال.
خامساً- خطة تحقيق معدل انتاج (4) مليون ب/ي
من المعلوم أن العراق يمتلك ثروات هيدروكاربونية هائلة ولا بد من تسخيرها لإعادة اعماره وبناءه وتوفير كل الفرص والإمكانيات المتاحة لازدهار شعبه، ولأسباب وعوامل عدة تعود الى الظروف السياسية والاجتماعية الصعبة التي مر بها فمن الأولى بمكان أن يكون استغلال هذه الثروات ضمن مسار سياسة نفطية رشيدة واضحة المعالم والأهداف مبنية على أسس علمية وعملية وترتكز على عناصر الشفافية وخدمة البلد وأهله لا تشوبها المنافع الشخصية أو الفئوية. ومن هذا المنطلق كانت آرائنا تتعامل مع أفكار عملية وبمعايير واضحة ومنطلقات تخدم الوطن وأهله، وتكمن تلك الأفكار في وضع خطة وبرنامج عمل واضح وطموح وضمن الامكانيات المتاحة لتحقيق الهدف. على بضوء ذلك بادرنا بإعداد خطة الصعود الى معدل انتاج (4) مليون برميل اليوم وقدمناها الى مجلس الوزراء والوزارة.
تشمل الخطة الطموحة الوصول الى معدل انتاج (4) مليون ب/ي على مراحل بحلول عام 2015 أو 2016، أي بفترة (7 – 8) سنة، واعتمد في رسم المرتكزات الأساسية للخطة على اشراك الجهد الوطني وكذلك المساهمات الأجنبية من شركات النفط العالمية، وتضمنت تقسيم الأعمال والبرامج على أطراف وجهات عدة. وبهذا الاسلوب يمكن ضمان تحقيق الهدف بسهولة وانسيابية أفضل. والإطار العام لحجوم العمل المناطة بكل طرف او جهة تتلخص في:
أ –الجهد الوطني
– تحقيق انتاج اضافي بمعدل (500 – 750) ألف ب/ي.
– مواقع وطبيعة الأعمال:
تطوير اضافي للحقول في الرميلة، الزبير، مجنون، غرب القرنة، ارطاوي، طوبة وغيرها.
ب-المشاركة الأجنبية/عقود خدمة لتأهيل بعض الحقول
– الهدف وسقف الانتاج: (400 – 500) ألف ب/ي.
– طبيعة العمل:
تأهيل بعض الحقول القديمة او المتقادمة والتي شهدت تراجعاً كبيراً في معدلات الانتاج وتوقف انتاج عدد من الآبار فيها، ويقضي هذا الباب من الخطة اختيار حقل او أكثر من الحقول القديمة وعمل مسوحات مكمنية ومن ثم اعداد وثائق دعوة لبعض الشركات النفطية العالمية لتقديم عروضها، ويكون الدفع بما يقابل كلفة العرض بكميات النفط الخام.
تقوم الشركة المؤهلة بإجراء مسوحات ودراسات مكمنية للتوصل الى نتائج تضمن اعادة الانتاج او زيادة الانتاج من الآبار المتوقفة والعاملة مع اضافة حفر آبار جديدة وكل ما هو له علاقة بذلك على أن تضمن تحقيق معدل الانتاج المتفق عليه في العقد، مع وجود فترة ضمان لمدة زمنية معقولة.
من المفيد الاشارة هنا الى أن بعضاً من الحقول القديمة شهدت تراجعاً حاداً في معدلات الانتاج مع توقف عدد كبير من الآبار عن الإنتاج. وقد طلبنا في حينها من ائتلاف شركات شيفرون الأمريكية وتوتال الفرنسية التي كانت تربطنا معهم علاقة عمل من خلال اللجان الفنية المشتركة ومنها اللجان التوجيهية (Steering Committees) التي تشكلت بداية عام 2014، طلبنا منهم اجراء دراسات مكمنية على هذا الحقل. وقد جاءت توصياتهم بمثابة استغراب للجانب العراقي، حيث تبين أن كل عمليات الانتاج والرفع الثانوي المتمثلة بعمليات حقن الماء التي كانت مطبقة في الحقل غير مجدية وعديمة الفائدة وعلى العكس تتصف بمردودات سلبية. وعليه كانت التوصية بإيقاف عمليات حقن الماء واجراء تجارب على استخدام المضخات الغاطسة، ولحسن الحظ كانت لدينا مضخة غاطسة واحدة حصلنا عليها مجاناً كهدية من احدى الشركات على سبيل الدعاية لهم، وتم استخدامها وجاءت النتائج ايجابية جداً، علماً بأنه عندما قمنا بطلب عدد من المضخات الغاطسة لغرض تنفيذ او اكمال التوصيات، لم تحصل الموافقة وجابهت العديد من العقبات.
ج- عقد تطوير حقل أو حقلين
– الطاقة المستخدمة: (1) مليون برميل/اليوم.
– طبيعة العقد: خدمة او مشاركة أو أي نموذج ملائم.
– الحقول: اختيار حقل أو حقلين من الحقول العملاقة الخضراء.
شملت الخطة العمل في المسارات الثلاثة سوية مع الأخذ بعين الاعتبار تجنب الوقوع في المطبات واعتماد معايير وأسس جديدة في التعامل مع مفردات الخطة وتنفيذها.
لقد جاءت خاتمة الخطة بتوصيات واضحة وشفافة تؤشر بأن نجاح تنفيذ الخطة ضمن برنامج العمل المرسوم سوف ينقل العمل الى مرحلة تنفيذ خطة أخرى طموحة مماثلة وبنفس الاسلوب لتحقيق معدل انتاج (5-6) مليون برميل/اليوم.
سادساً- جولات التراخيص
أشرت في البداية بأن العراق يمتلك ثروات هيدروكاربونية هائلة ولا بد بل من الضروري جداً استغلالها في اعادة الإعمار والتنمية التي هو أحوج ما يكون لها. وفي المقابل فإن طبيعة التعامل مثل هكذا ثروة أو مصدر مهم يختلف عما هو مع مصادر أخرى، فمن الضرورة بمكان أن يكون استغلال هذه الثروة ضمن أسس سياسة نفطية رشيدة ومتوازنة ترتكز على أسس علمية وعملية وبعكسه فإن أي خطوات مغايرة سوف تفاقم الوضع الضبابي الحالي بعناصره في عدم التوازن والتخبط وعدم وضوح الرؤى وبالتالي ازدياد المؤشرات السلبية والاختناقات السائدة.
إنني من أشد الداعين الى ضرورة أن يكون للعراق موقع متقدم في أسواق النفط العالمية من خلال تصعيد معدلات الانتاج وذلك لأسباب عديدة منها المردودات الاقتصادية للبلد داخلياً ومنها معاودة العراق الى مرتبة وصفوف الدول الفاعلة خارجياً.
خلال فترات المناقشات مع الشركات النفطية العالمية لإبرام عقود التراخيص، أبدينا التأييد الكامل للجهود الرامية لتصعيد الانتاج في العراق، لكن في المقابل كانت ملاحظاتنا الأساسية كما كان يجري في عقود جولات التراخيص تتمثل في:
أولاً- اتصفت العقود بعامل العجالة وغياب الكثير من عناصر التخطيط المسبق، فليس من المعقول ابرام عقود لهذا العدد وهذا الكم من الحقول العملاقة خلال فترة زمنية قصيرة وعلى النحو والاسلوب الذي جرى.
ثانياً- معدلات الانتاج التي تقدمت بها الشركات في عروضها عالية ومضخمة جداً ولا تستند الى دراسات مكمنية علمية يطلع او يشارك فيها الجانب العراقي، وإنما هي مجرد أرقام لا تعرف الطرق والأساليب التي تم تحديدها فيها.
ثالثاً- اجمالي المعدل النهائي للإنتاج لعقود جولات التراخيص يفوق (12) مليون برميل/اليوم يحقق خلال فترة بحدود سبع سنوات، ولم يأخذ الجانب العراقي بالحسبان الحقائق والثوابت التالية:
أ – البنى التحتية المتاحة لمنظومات التصدير بعيدة كل البعد عن التعامل وتحقيق حتى نصف المعدل الوارد في العقود.
ب – آلية تصريف مثل هكذا معدلات في أسواق النفط العالمية في ظل وضعية الطاقة واستيعاب أسواق النفط في العالم للزيادات المتأتية من دول أوبك مع وجود مؤشر ثابت لنمو الطلب في أسواق نفط أوبك بنسبة سنوية (3–4)% على أبعد تقدير. وهنا نصل الى معادلة فيها الكثير من العناصر غير المتكافئة، فاستناداً للعقود مع شركات النفط فإن الاخيرة ملزمة بتحقيق معدلات الانتاج الواردة في العقود. وفي الجانب الآخر والمقابل فإن العراق مسؤول مسؤولية كاملة على تسويق تلك المعدلات وملزم بدفع كامل استحقاقات الشركات الواردة في بند كلفة البرميل. وبمعنى مبسط فإن العراق ملزم بدفع اجور الانتاج سواءً تم تسويقها او تسويق جزء منها او حتى عدم تسويقها، وهنا مربط الفرس، فإن عدم امكانية تسويق الكميات المنتجة بالكامل سوف يكبل العراق ديون هائلة ومتراكمة وفوائد عالية وبالتالي دفعه الى منزلقات في منحدرات المجهول وعواقب لا يحمد عقباها.
وفي هذا الصدد كانت ملاحظاتنا أن يصار الى ربط المدفوعات المالية بكميات التسويق بدلاً من الانتاج أو اشراك الشركات في عمليات التسويق.
ج_ لم تتضمن تلك العقود أي اشارة او معايير فيما يخص التذبذب في أسعار النفط العالمية واكتفت ببقاء أجور انتاج البرميل للشركات بصيغة ومقدار ثابت سواءً انخفضت أسعار النفط في الأسواق العالمية او ارتفعت وهذا غير جائز ويلحق ضرراً كبيراً بالبلد.
د- لم تشمل العقود او تشير الى المعايير الصحيحة في مواصفات النفوط العراقية المنتجة من الحقول بل استندت على ما كان متوفراً خلال فترة ابرام العقود، علماً بأن اعتماد المواصفات المختلفة لنفوط العراق مهمة جداً فهناك ثلاثة أنواع من النفوط وكل نوع له مواصفاته وميزاته، وهذه الفقرة في الحقيقة تحتاج الى شرح أكثر اسهاباً وسوف أعود اليها مرة ثانية في مجالات أخرى.
هـ- الدراسات المكمنية: موضوع وباب مهم يتعلق بالحفاظ على سلامة المكامن النفطية، لم تتضمن العقود إلزام الشركات بتقديم دراسات مكمنية دورية يشارك ويطلع عليها الجانب العراقي.
و- حقن الماء: عنصر مهم جداً في الحفاظ ليس على طاقات ومعدلات الانتاج بل على المكامن في الحقول النفطية، وكان الأجدر والافضل أن تدرج هذه الفقرة ضمن كل عقد على حدة تلزم كل شركة أبرمت عقد تراخيص بتنفيذ مشروع حقن ماء خاص بها بدلاً من جعل المشروع موحداً يشمل اجمالي الحقول.
ز- بسبب ظروف البلد والتخلف الكبير الذي أصابه في جميع مفاصله ومكونات شعبه الاجتماعية فقد رأينا أن الفرصة أصبحت مواتية في اشراك، ولو بعض الشيء، عجلة الاعمار لبعض البنى التحتية الاجتماعية في تلك العقود وليس الاقتصار على النفط، فكما هو معمول في دول نفطية عديدة فإن العقود مع شركات النفط تتضمن توفير الأساسيات التالية في المواقع التي تكون مسؤولة عنها:
– مشاريع سكنية.
– مشاريع ترفيهية.
– مشاريع طرق وجسور.
– مشاريع صحية.
– مشاريع ماء وكهرباء.
– احتياجات مختلفة.
ح- استغلال الغاز: العقد المبرم مع شركة شل في 2008 لا يغطي الزيادة في كميات الغاز المنتجة والمتأتية من زيادة معدلات انتاج النفط الخام، وعليه كانت ملاحظاتنا أن من الأولى أن يصار الى شمول عقود جولات التراخيص بضرورة استثمار كميات الغاز المنتج.
ط- البنى التحتية: معظم مفاصل البنى التحتية لقطاع النفط متقادمة والبعض منها أصبح من غير ذي جدوى، وعليه فمن الأجدر شمول بعض المفاصل مع عقود التراخيص ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
– شبكات أنابيب النقل الرئيسية.
– الخزانات.
– شبكات الماء والخدمات.
ي- الطاقات الفائضة: تتوفر في منشآت الانتاج السطحية القائمة طاقات فائضة قد تصل الى (3) مليون برميل/اليوم وكان بالإمكان استغلالها بدلاً من الاستبدال او شراء جديدة.
ك- الجهد الوطني: يمتلك قطاع النفط طاقات هائلة وخبرات فنية وإدارية متراكمة ترعرعت في القطاع واكتسبت خبرة طويلة وعطاء ومقدرة متناهية كان الاجدر الاشارة اليها واستغلالها بدلاً من اللجوء الى الخبرات او العمالة الأجنبية.
ل- توفير الخدمات والسكن والمستلزمات الصحية: لم تشمل العقود اي فقرة او اشارة الى ضرورة إلزام الشركات المتعاقدة بتوفير بعض السكن او الخدمات الأساسية من طرق وشبكات مياه او توفير مرافق صحية او بناء مدارس ومعاهد تدريب للعاملين في الحقول ذات الصلة.
م- آلية الشراء وعقود المقاولات: عقود جولات التراخيص البالغ عددها (14) عقداً جاءت تقريباً في آن واحد أو خلال فترة زمنية متقاربة وهي بكم هائل من الأعمال الواسعة والمختلفة، وهي بذا تمثل تجربة جديدة للعراق والوزارة، وعليه فإن ظروف البلد لا توفر الامكانيات البشرية والمؤهلة للتعاطي لمثل هكذا حالات، وربما تؤدي بشكل او بآخر الى تفاقم ظواهر الفساد والغش في مجالات عقود الشراء والمقاولات وغيرها، وكان من الأفضل وضع نظم وآليات تعمل بمعايير واضحة تعتمد على الشفافية والنزاهة وأفضلية الصالح العام.
الخلاصة والتوصيات
الخلاصة مما جاء أعلاه تتمثل في أن هناك مسؤولية تاريخية وانسانية وحتى شرعية على كل من له علاقة أو مسؤولية في الدولة أن يساهم بشكل فعال وجدي ودؤوب في تصحيح مسار بل انقاذ قطاع النفط من الحالة الضبابية المضطربة وأولويات الخطوات الواجب اتخاذها تتمثل في:
أ- اعادة هيكلة وزارة النفط.
ب- اعادة تشكيل شركة النفط الوطنية العراقية.
ج – تشكيل المجلس الاتحادي للنفط والغاز.
هـ- تشريع قوانين النفط والغاز.
هذا ولابد من التركيز هنا أن انتشال قطاع النفط واعادة عافيته لا يتم الا بإبعاده من المحاصصة واعادة العمل فيه على أسس الكفاءة والنزاهة وحب الوطن.
هذا ولنا تفاصيل أخرى في الحلقات القادمة.
أسأل الله تعالى أن يحفظ العراق وأهله ويحميه من كل الكوارث المحيطة به إنه سميع مجيب.
دبي، أكتوبر/تشرين الأول 2015
(*) مهندس وخبير نفطي عراقي مستقل، مدير عام شركة نفط الجنوب سابقاً
حقوق النشر محفوظة لشبكة الاقتصاديين العراقيين. يسمح بالاقتباس واعادة النشر بشرط الاشارة الى المصدر.
المهندس جبار اللعيبي: صناعة النفط في العراق – وضع مضطرب واستراتيجية مفقودة
الاراء المطروحة في جميع الدراسات والابحاث والمقالات المنشورة على موقع الشبكة لاتعكس بالضرورة وجهة نظر هيئة تحرير الموقع ولا تتحمل شبكة الاقتصاديين العراقيين المسؤولية العلمية والقانونية عن محتواها وانما المؤلف حصريا. لاينشر اي تعليق يتضمن اساءة شخصية الى المؤلف او عبارات الكراهية الى مكون اجتماعي وطائفة دينية أو الى اي شخصية أو مؤسسة رسمية او دينية
الاخ المهندس جبار لعيبي المحترم
موضوع الادارة النفطية في العراق في غاية الاهمية، واود الاشارة الى بعض النقاط:
– العراق بلد متخم بالخطط والاستراتيجيات وخارطات الطريق والرؤى والافكار ، ولكن يا سيدي متخذي القرار لا يقرؤن ولا ينفذون لتلك الخطط.
– لا يختلف اثنان على الاختلال الهيكلي للاقتصاد العراقي واعتماده على النفط ، ولكن عندما تريد ان تقود عملية تنمية وليس نمو طبيعي اقصد فانك تحتاج الى تمويل كبير والانفاق على مشاريع مهمة وهذا المصدر للتمويل غير متاح في العراق الا من خلال الايرادات النفطية ،والمشكلة تكمل في كيفية انفاقها بالوجهة الصحيحة بما ينوع الاقتصاد ويجعل القطاعات الانتاجية مولدة للدخول بحيث تزداد مساهمتها في الناتج المحلي الاجمالي GDP.
– لو كانت عقود التراخيص تتضمن حلقة تصدير النفط بحيث نعطيها الانتاج والنقل والتصدير (from A to Z)لكان الان صادراتنا بحدود 6 مليون/ب/ي ، ولكن انت تعلم المزايدات السياسية وعقلية الانسان العراقي ونظرية المؤمرة ، ولم يكن احد من الساسة قادر على تجاوز عقدت (سلمتوا النفط ، راح النفط ) فيما لو ذهبوا الى عقود الشراكة وهي الافضل بالتاكيد ، ولذلك جعلوا التصدير بجنبته السيادية كما يزعمون من مسؤولية الحكومة العراقية ، ولان تكنلوجيا الشركات وادائها متقدم بينما اداء الحكومة اعرج ومكبل بكم هائل من الروتين والتعقيد والفساد توسع الانتاج دون توسع طاقات التصدير (البطة العرجاء) وخسرنا من جراء ذلك الكثير.
– اتفق معك في التوصيات التي وردت ، فضلا عن ضرورة الاسراع بمراجعة وتعديل عقود التراخيص ليكون الدفع وفق اسس اخرى ..
مع الامتنان
أ.د.عبدالحسين العنبكي
–
الأستاذ جبار اللعيبي المحترم، شكرا لمساهمتك القيمة في وصف وتحليل وتقويم صناعة إستخراج النفط الخام خلال المدة 2003- 2008، وما بعدها، فقد أجليت الكثير من مصاعب وإختلالات هذه الصناعة وما حاقها ويحيقها من عوامل إقتصادية وسياسية وإدارية ومكمنية، فالدراسة متكاملة وقد ألقت أضواء على العوامل السلبية في مستوى أداء وزارة النفط وغياب التخطيط الرصين لمستويات الإنتاج والتصدير ومستويات أسعار النفط في السوق العالمية، وغياب المشاريع التكميلية والتقنيات الفنية الحديثة لزيادة إنتاج الحقول النفطية المنتجة، فضلا عن بعض الأعطاب والعيوب الواضحة في عقود النفط على أساس الخدمة من قبل الشركات الأجنبية، من خلال جولات العقود النفطية. نعم، الدلراسة أثارت معطم الأسئلة المهمة ولديكم المزيد، ولكن لدينا تساؤل، ألم يعي صناع القرار في العراق بأن الإتكال الكلي على تصدير النفط هو مهلكة ريعية، وأن صانع القرار هذا لا يشتري الزمن المناسب لتنويع الإقتصاد العراقي وتخفيض الإعتماد على مصدر ريعي أحادي آيل للنضوب في سوق متأرجحة لألف سبب وسبب، لماذا لايقوم الوعي والعزيمة الكاملين لرسم إستراتيجية تنموية للخلاص من براثن الريعية. نكرر شكرانا لجهدكم البناء هذا ونتوقع المزيد من الإنارة، وسلمتز
د. كامل العضاض